array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

دعوات المقاطعة والتأجيل للانتخابات بين إبطال مشروعيتها والتشكيك بنتائجها

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

مع اقتراب موعد الثلاثين من يناير 2005، موعد الانتخابات العراقية، تتسارع حمى التصعيد بالمواقف بين الداعين لمقاطعتها والداعين لتأجيلها، بما جعل الأمور تسير وكأن الصراع هو لإثبات المواقف بإقامتها من عدمه وليس لإقامة مجلس وطني منتخب يرسم المستقبل السياسي للعراق. فالداعين لها حزموا أمرهم وراحوا يعدون العدة لها وأصبحت المسألة تمثل تحدياً مصيرياً لهم، رغم اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، وذلك لأن أكثر المتحمسين لإجراء الانتخابات يتمثلون في الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية والمرجعية الدينية في النجف الأشرف، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية التي تطمح إلى الهيمنة على الساحة العراقية من خلال وصول القوى السياسية الموالية إلى الحكومة الجديدة في العراق.

وإذا كانت الإدارة الأمريكية تصر على إجراء الانتخابات لإثبات عدم فشلها في العراق أو للهروب إلى الأمام من خلال تسليم الأمور لحكومة ضعيفة، لا تجد بداً من الارتباط بها والتعاقد معها باتفاقيات أمنية ودفاعية، فإن الحكومة العراقية المؤقتة لا تستطيع أن تعاكس الإدارة الأمريكية، وتتطلع إلى إنهاء الفترة المتبقية من عمرها بما تبقى من ماء الوجه، بعد أن تلطخت أيديها بدماء أبناء الشعب العراقي في النجف والصدر وسامراء والفلوجة، عندما قررت اقتحام هذه المدن ووضعت الحرس الوطني في خندق قوات الاحتلال ليشارك في تهجير مئات الآلاف من أبناء المدن العراقية من ديارهم ويحيلهم إلى لاجئين داخل بلدهم فضلاً عن ارتكاب جرائم وحشية تتمثل في ذبح المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، كما جرى في مدينة الفلوجة من إحراق لآلاف الدور وتدميرها، والتي لم يسمح إلى الآن لوسائل الإعلام بدخولها أو الكشف عن آثار الدمار فيها.

اما القوى السياسية التي تصر على إجراء الانتخابات، فإنها تعتقد بأن الفرصة السانحة التي أمامها للحصول على أكبر تمثيل في المجلس المزمع انتخابه قد لا تلوح مرة أخرى في ظل توافق مصالح فريد من نوعه بين هذه القوى وبين الإدارة الأمريكية الراغبة في إجراء الانتخابات، ولاشك في أن من حق هذه القوى، وفق حسابات المصلحة السياسة، أن تتمسك بهذه الفرصة في ظل وضع أمني مستقر نسبياً في مناطق نفوذها وفي ظل تأييد ديني ودعم شعبي لها وتتمسك المفوضية العليا للانتخابات بالموعد المحدد، معللة ذلك بأسباب قانونية ذلك أن المادة الثالثة، من قانون إدارة الدولة، تنص على عدم إمكانية تحديد الفترة الانتقالية للحكومة المؤقتة أو إرجاء موعد الانتخابات إلى ما بعد المهلة المحددة في القانون في الحادي والثلاثين من شهر كانون الثاني 2005.

وبعكس التيار المتحمس لإجراء الانتخابات في موعدها، هناك تياران أحدهما يقاطع الانتخابات وآخر يدعو إلى مقاطعتها وتأجيلها، ولكل تيار منطلقاته ومبرراته التي تدعوه إلى اتخاذ هذه المواقف، وعليه فإنني سأتناول بشيء من التفصيل مواقف هذين التيارين.

أولاً: التيار الداعي إلى مقاطعة الانتخابات:

وينقسم هذه التيار إلى مجموعتين، الأولى: ترفض الانتخابات من حيث المبدأ، أي أنها تقاطع الانتخابات لذاتها، لأنها ترى في الديمقراطية مفهوماً دخيلاً على المجتمع الإسلامي، وهي كفر، وبالتالي فإن المشاركة في الانتخابات تخرج الناخب من الأسلام . فقد جاء في بيان لجيش أنصار السنة والجيش الإسلامي وجيش المجاهدين، نشر على شبكة الانترنت (أن الانتخابات مهزلة وضعها الأعداء لإضفاء ما يسمونها الشرعية على الحكومة الجديدة والخادمة للصليبين المنفذة لخططهم، وأن السعي لإنجاح هذه الانتخابات والمشاركة فيها هو أكبر هدية تقدم لأمريكا عدوة (الإسلام وطاغوت هذا العصر) وقد هددت هذه المجموعات، التي تعتبر فاعلة على الساحة العراقية في 18 تشرين الثاني 2004 في بيان على موقعها على الانترنت، بالهجوم على المرشحين للانتخابات ومكاتب التصويت في العراق.

أما المجموعة الثانية التي تقاطع الانتخابات، فإنها تؤمن بأن الانتخابات من حيث المبدأ هي الوسيلة الأفضل لتمثيل الشعب العراقي، غير أنها تقاطعها لعدم توفر الشروط التي تؤمن إقامتها ونزاهتها في ظل وجود قوات الاحتلال، وبالتالي فإنها تطالب، بوضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال، أولا، من المدن ورقابة دولية على العملية الانتخابية. وتعتبر هيئة العلماء من أبرز الداعين إلى هذا الأمر، رغم أنها تؤمن بالعملية الانتخابية من ناحية المبدأ حسب ما ورد في بيانها المرقم (14) الذي جاء فيه "تود الهيئة أن تؤكد أنها مع الانتخابات إذا توافرت لها الظروف والشروط الموضوعية لضمان نجاحها ونزاهتها وتمثيلها العادل لكل فئات الشعب ومكوناته" وقد انظم إلى الهيئة عدد من القوى السياسية والشعبية والدينية أبرزها المؤتمر التأسيسي وتيار السيد مقتدى الصدر والسيد البغدادي والخالصي وتدور معظم مبررات الداعين إلى المقاطعة حول المسائل التالية:

1- مبررات من حيث المبدأ تتعلق بوجود قوات الاحتلال، وتشترط وضع خريطة زمنية للانسحاب قبل قبول الدخول في العملية الانتخابية.
2- مبررات فنية تتعلق بعدم ضمان نزاهة وشفافية إجراء الانتخابات في ظل سيطرة أحزاب وقوى سياسية على العديد من المدن العراقية، فضلاً عن التشكيك بالمفوضية العليا للانتخابات التي تشكلت وفق اعتبارات وضعها المحتل.
3- المطالبة برقابة دولية من قبل الأمم المتحدة ومنظمات دولية على إجراء الانتخابات.
4- المطالبة بوقف الاعتقالات والإفراج عن المحتجزين وإيقاف المداهمات.
5- توفر ظروف أمنية ملائمة تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وإذا كان موقف القوى السياسية الداعية للمقاطعة قد استمد قوته من مجموعة المبررات والأسباب التي ذكرت آنفاً، فإن الموقف الشعبي وفر إسناداً لهذه المقاطعة، ذلك أن هناك عدم استجابة للمشاركة لدى الكثير من القطاعات الشعبية، احتجاجاً على الاحتلال وممارساته وهناك مقاطعة قسرية عن المشاركة بفعل تهديدات جدية للمرشحين وللناخبين فضلاً عن دعوات من غالبية فصائل المقاومة لمقاطعة الانتخابات مادام الاحتلال موجوداً.

ثانياً: التيار الداعي إلى تأجيل الانتخابات:

وينقسم هذا التيار إلى مجموعتين، الأولى: تدعو إلى التأجيل مع استعدادها للمشاركة في حالة عدم الموافقة عليه. والثانية: تدعو إلى التأجيل أو الانسحاب والمقاطعة إذا لم يتم ذلك.

وينطوي تحت المجموعة الأولى عدد من القوى السياسية، من ضمنها قوى مشاركة في الحكومة مثل تيار الديمقراطيين المستقلين فضلا عن أحزاب وقوى سياسية أخرى، وتبرر هذه المجموعة دعوتها إلى التأجيل بضرورة توفير الفرصة اللازمة لمشاركة جميع قطاعات الشعب العراقي في هذه الانتخابات من خلال إجراء حوار مع التيار المقاطع لها والتوصل في النهاية إلى صيغة توفر الجو المناسب لمشاركة جميع هذه القوى بغية الوصول إلى تشكيل جمعية وطنية تمثل جميع قطاعات الشعب العراقي ومكوناته دون استثناء، وقد كانت العديد من القوى الأخرى المشاركة في الحكومة، وخاصة الأحزاب الكردية والحزب الإسلامي العراقي وحركة الوفاق والرئيس غازي عجيل الياور، تشارك هذه المجموعة في دعوتها للتأجيل لاسيما خلال الاجتماع الذي عقد في "دوكان" والاجتماع الذي أعقبه في بيت عدنان الباجه جي. لكن تصريحات الرئيس بوش ومن بعده السفير الأمريكي في بغداد (نيجروبونتي) جعلت الكثير من هذه القوى تتراجع عن موقفها وتلتزم بإجراتها في موعدها.

ورغم أن المبررات التي تسوقها القوى المطالبة بالتأجيل منطقية وصحيحة، إلا أن السبب الأساسي، في اعتقادي، هو خشية هذه القوى من عدم حصولها على مقاعد تتناسب وحجمها في الجمعية المقبلة، في ظل غياب أغلب قواعدها عن المشاركة في التصويت، وفي ظل هيمنة الأحزاب الدينية على االساحة الشيعية وفي ظل غياب الكتلة السنية العربية، مما سيجعل هذه القوى أقلية وسط برلمان تسيطر عليه أكثرية دينية شيعية، لا سيما بعد الدعم الذي تلقته قائمة الأحزاب الدينية الشيعية من قبل المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيستاني .

أما المجموعة الثانية الداعية إلى التأجيل، فأبرز الداعين لها الحزب الإسلامي العراقي الذي قرر الانسحاب من الانتخابات في حالة الإصرار على إجرائها في موعدها، وطالب بتأجيلها إلى ستة شهور كحد أدنى. وتشارك مجموعة من القوى السياسية والروابط العشائرية موقف الحزب الإسلامي، حيث ترى أن هناك أسباباً قاهرة تدعو إلى تأجيل الانتخابات إلى أن يتوفر الأمن والاستقرار في المحافظات المضطربة كشرط لا بد منه لممارسة الناخب والمرشح دورهما الانتخابي. وتشترط هذه القوى أيضا سد العديد من الثغرات القانونية في عمل المفوضية العليا للانتخابات وتوفير المستلزمات الفنية والإدارية والإعلامية الضرورية لإنجاح العملية الانتخابية.

وإزاء هذه المواقف المتباينة حول الدعوة إلى مقاطعة أو تأجيل الانتخابات فإن المشهد السياسي ينطوي على مجموعة من الحقائق لعل أبرزها:

1- إن الجدل الدائر حول عملية إجراء الانتخابات في موعدها أو مقاطعتها وتأجيلها، جعل من موضوع الانتخابات غاية بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيق غاية، وقاد إلى تصعيد في مواقف الداعين لها إلى حد اعتبارها واجباً شرعياً، في حين يعتبرها الطرف الداعي لمقاطعتها خيانة لله وللوطن ولا تجوز شرعاً وهذا الأمر قد يقود إلى تعميق الشروخ، التي بدأت تتشكل مع تشكيل مجلس الحكم، بين مكونات المجتمع العراقي، وقد يقود لاحقاً إلى توترات لا تُحمد عقباها.

2- إن تيار الداعين إلى المقاطعة أو التأجيل يكاد ينحصر في الكتلة العربية السنية، ماعدا استثناءات قليلة، وبالتالي فإن المتوقع هو غياب السنة العرب عن التمثيل في الجمعية الوطنية المقبلة، فضلا عن غياب العديد من الأقليات الأخرى الموجودة في المحافظات المضطربة عن المشاركة خوفاً من التهديدات، وبالتالي فإن الجمعية المقبلة ستكون مشوهة من حيث التمثيل وهذا ما يلقي بظلال الشك حول مشروعية الانتخابات وشرعية نتائجها. فرغم أن مشاركة أكثر من 50% من مجموع الناخبين في أي انتخابات كافية لإعطائها مشروعية، إلا أن الحالة العراقية، قد لا ينطبق عليها هذا المعيار، ذلك أن غياب الكتلة السنية العربية عن التمثيل، ستترتب عليه استحالة استمرار تماسك البلد، لأن هذه الكتلة تمثل جسراً يربط بين مكونات الشعب العراقي بحكم موقعها الجغرافي في وسط العراق وبحكم امتداد جناحها في الجنوب مع الشيعة العرب وجناحها الآخر في الشمال مع السنة الأكراد.

أما ما يترتب على النتائج فإنه بلا شك سيكون محل شك وعدم مشروعية، لأن الجمعية المقبلة يفترض أن ترسم المستقبل السياسي للعراق وفق منظور جديد لا يسمح بعودة ديكتاتورية الشخص أو الطائفة أو الحزب لحكم العراق، وبالتالي فإن الحكومة المقبلة سوف لن تكون ممثلة لكل مكونات الشعب العراقي فضلاً عن أنها قد تكون لطائفة أو مجموعة واحدة على حساب المجموعة الأخرى.

3- إن مراهنة الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية المؤقتة والقوى السياسية الداعية لإجراء الانتخابات في موعدها، على أسلوب تخويف السنة العرب من أنهم سيهمشون وسوف تضيع حقوقهم لدفعهم للمشاركة في الانتخابات، قابلها إصرار على موقفهم واتساع لدائرة المقاطعة والمقاطعة، لا سيما بعد انضمام الحزب الإسلامي العراقي إليها، مما جعل مواقف الداعين للانتخابات في حرج، وقد تجلى ذلك في تحرك بعض الدول العربية لإقناع السنة العرب فضلا عن طلب وكيل السيستاني من مصر التدخل لدى السنة العرب، لإقناعهم بضرورة المشاركة.

وإزاء هذه الحقائق، فإن الإدارة الأمريكية أخذت تدرك أن غياب السنة العرب سوف لن يجعل نتائج الانتخابات محل شك فقط، وإنما سيزيد الأمور تعقيداً واضطراباً لاسيما أن عمليات المقاومة العراقية تكاد تنحصر في المناطق السنية العربية، وبالتالي فإنه إذا كان إجراء الانتخابات شبه مستحيل في هذه المناطق بسبب فقدان السيطرة عليها من قبل الحكومة أو قوات الاحتلال، فضلاً عن المقاطعة الشعبية لها، فإن النتائج ستكون مزيداً من عدم الاستقرار في ظل الحكومة المزمع قيامها بغياب ممثلين عن المناطق المشتعلة بالمقاومة. وقد اعترف الرئيس الأمريكي بوش بتاريخ 7/1/2005 بهذه الحقيقة عندما قال إن هناك صعوبات حقيقة لإجراء الانتخابات في خمس محافظات عراقية.

ومن كل ما تقدم فإنني أرى أن المطالبة بالمقاطعة أو التأجيل، بحد ذاتها، ليست هي الحل مثلما هو الإصرار على إجرائها في موعدها ليس هو الحل، ذلك أن كلا الخيارين ينطويان على مخاطر جمة قد تقود إلى مزيد من تعميق الخلافات والصراع بين مكونات الشعب العراقي الذي أصبح موقفه من الانتخابات يرسم وفق خريطة طائفية. وإذا كانت القوى السياسية الداعية للانتخابات قد حرصت على مشاركة العراقيين في المهجر في الانتخابات، مع كل ما يلقيه ذلك من شكوك في إمكانية حصول عمليات تزوير، دون أن تحرص على مشاركة مكون أساسي من مكونات الشعب العراقي، فإن الحل باعتقادي هو الدعوة إلى الحوار بين القوى الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية للوصول إلى صيغة تؤمن أوسع مشاركة شعبية وألا تصبح الانتخابات هي الغاية، وإنما وسيلة للوصول إلى تمثيل حقيقي لكل هذه المكونات في الحكومة المقبلة التي يفترض أن تنأى بنفسها عن نموذج ديكتاتورية الفرد أو الطائفة أو الحزب.

مجلة آراء حول الخليج