array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الأزمة الفلسطينية القائمة تتطلب دوراً أكبر لدول الخليج

السبت، 01 كانون2/يناير 2005

أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، مجدداً التزام بلاده بضرورة إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. وفي خطاب وجهه إلى منظمة الأمم المتحدة، حث صاحب السمو الشيخ خليفة المجتمع الدولي واللجنة الرباعية على ممارسة ضغوط أكبر على الحكومة الإسرائيلية ومساعدة الفلسطينيين على تنظيم انتخابات خلال يناير 2005 لاختيار خليفة لـ ياسر عرفات على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية. وفي 12 ديسمبر 2004 أصبح محمود عباس (أبومازن) أول مسؤول فلسطيني رفيع المستوى يقوم بزيارة الكويت منذ حرب الخليج الثانية 1990 - 1991 معلناً بذلك عهداً جديداً من العلاقات الفلسطينية ـ الكويتية (وربما الخليجية) منذ وفاة ياسر عرفات في 11 نوفمبر 2004.

وتتمسك دول مجلس التعاون الخليجي بشكل دائم بموقفها المتحالف مع الفلسطينيين والداعم لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة. إلا أنها تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود إذا ما كانت ترغب فعلاً في المساهمة في إقامة دولة فلسطينية مجاورة على عشرين في المائة من أراضي فلسطين التاريخية. فالأوضاع في الأراضي الفلسطينية اليوم صعبة للغاية، ربما أكثر من أي وقت مضى على مدى التاريخ الفلسطيني الحافل بمسلسل طويل من المعاناة والمآسي.

لا شك في أن الأزمة التي تواجه الشعب الفلسطيني تحمل في طياتها جملة من التداعيات ربما تطال منطقة الخليج، خصوصاً أن مئات الآلاف من الفلسطينيين يقيمون في الدول الخليجية المختلفة. فالأحداث التي يشهدها العراق والأراضي الفلسطينية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحالة الهوان التي يعيشها العالم العربي، إلى جانب سياسة الهيمنة الأمريكية التي طالما أثارت موجة من الاستياء العارم في هذه الرقعة من العالم. فالملفان الفلسطيني والعراقي يتصدران عناوين وسائل الإعلام العربي ويشغلان تفكير الشارع العربي، مما يؤجّج السجال السياسي العام ويعمق مشاعر الاستياء أكثر من أي أحداث أو مستجدات أخرى.

وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين والمحللين السياسيين المتخصصين بشؤون منطقة الشرق الأوسط يعتبرون أن أي حل جدي للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا بد أن يمر عبر وساطة أمريكية، ينبغي على الدول الخليجية أن تستخدم أدوات الدبلوماسية العامة وقنوات دبلوماسية الكواليس في سبيل دفع الولايات المتحدة في اتجاه تحقيق هذا الهدف، خصوصاً أن منطقة الخليج اليوم باتت تحتل مركز الصدارة على أجندة واشنطن للسياسة الخارجية.

وعلى الرغم من بروز تحليلات عديدة تغلب عليها نبرة التفاؤل في كثير من وسائل الإعلام والدوائر السياسية، معتبرة رحيل ياسر عرفات - الرجل الذي تزعم الحركة الوطنية الفلسطينية لعقود طويلة - يمثل فرصة لإحياء "خريطة الطريق" المزعومة للسلام، فإن جذور الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تضرب في أعماق تتجاوز بمسافات كثيرة محاسن أو أخطاء فرد واحد. حيث إن الأزمة الفلسطينية بلا شك تتجسد في إجهاض عملية إنشاء كيان دولة ويتجلى ذلك بشكل واضح في حالة انهيار دعائم الاستقرار في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة وتداعي بنيان أركان القيادة على صعيد السلطة الفلسطينية، وهي تسعى نحو ملء الفراغ القائم بعد وفاة ياسر عرفات.

إن التركة التي خلفها الرئيس عرفات تتشكل من مزيج مركب يتكون من إدارة فاسدة تفتقر إلى الأداء الفاعل وأوضاع اقتصادية مزرية، إلى جانب بروز قوى التطرف الإسلامي مجدداً على الساحة الفلسطينية مدعومة من قبل معظم شرائح الشعب الفلسطيني خلال فترة السنوات الأربع الماضية. وقد ساهم عامل المقاومة الإسلامية ضمن سياق مشهد سياسي عالمي طرأت عليه تغييرات جذرية نتيجة هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ودعم عرفات الملتبس لانتفاضة الأقصى "المسلحة" الثانية التي اندلعت في شهر سبتمبر 2000 وما صاحبها من "عمليات فدائية"، في إتاحة الفرصة أمام رئيس الوزراء الليكودي ارئيل شارون (وهو الذي طالما دعم الحلم الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبرى) لحشر الحركة الوطنية الفلسطينية ضمن دائرة أهداف الحرب الأمريكية على الإرهاب.

أضف إلى ذلك أن ألاعيب شارون السياسية قوضت ما تبقى من موقف الفلسطينيين التفاوضي وأضعفت جوهر مقوماته. فخلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، حصل شارون على تفويض بلا حدود لتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وبناء جدار "التمييز العنصري" ببسط يده على المزيد من الأراضي الفلسطينية وشن حملات عسكرية عدوانية على المدنيين الفلسطينيين. وفي غضون ذلك، أرجأ شارون إلى أجل غير مسمى أي محادثات مع الفلسطينيين حول قضايا الوضع النهائي وفضل بدلاً من ذلك اتخاذ قرار أحادي الجانب بالانسحاب من قطاع غزة، بل حتى سياسة الانسحاب الأحادي رأى فيها ائتلاف الليكود اليميني المتطرف تنازلاً غير مقبول، وبالتالي أجبر شارون على التحالف مع حزب العمل.

وحتى الآن، لم نلمس بعد أي تغييرات مهمة بعد رحيل عرفات. وأي شخص يشعر بالتفاؤل لما يوصف بأنه "فرصة" للسلام عليه أن يتذكر بأن الشعوب العربية سمعت هذه السيمفونية في مناسبات عديدة سابقة. فالحديث نفسه دار حول توفر فرصة تاريخية للسلام مباشرة بعد حرب الخليج الثانية التي شنها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الأب ضد صدام حسين بعد أن أقدم هذا الأخير على غزو الكويت. صحيح أن حرب الخليج الثانية مهدت الطريق لمفاوضات مدريد وبعدها اتفاقيات أوسلو، إلا أن هذه الاتفاقيات انهارت مع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000. ولم يجسد تعهد الرئيس الأمريكي الحالي بوش الابن عشية انطلاق عملية غزو العراق بالعمل على صياغة حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي سوى مجرد خطاب فارغ من أي معنى. وجاء التصريح المشترك لبوش وحليفه بلير في الثاني عشر من نوفمبر 2004 ليحمّل الفلسطينيين مسؤولية التحرك، مطالبَيْن السلطة الوطنية بتنفيذ إصلاحات داخلية أولاً وإيقاف "أعمال العنف" كشرط أولي قبل الحديث عن كيان لدولة فلسطينية. ومن خلال تبنيه للموقف الإسرائيلي، طرح الرئيس بوش مطالبه التعجيزية شرطاً أساسياً لأي حوار فلسطيني ـ إسرائيلي بخصوص قضايا الوضع النهائي، وهي المطالب ذاتها التي أعاد بوش طرحها خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده بصحبة الرئيس الباكستاني برويز مشرف في نوفمبر 2004.

علاوة على ذلك، يبدو أن الوضع الفلسطيني يتضرر من التنافس الحاصل داخل منظمة حركة "فتح". فالقيادي ذو الشعبية الواسعة مروان البرغوثي، والذي يمثل "جيل الشباب" ضمن الحركة الوطنية الفلسطينية أعلن عن ترشحه ومن ثم انسحابه لمنصب رئاسة السلطة. ومن خلال إعلانه التمسك بمطالب عرفات التي تشدد على تحقيق الحد الأقصى الممكن حول ملفات الوضع النهائي، ساهم مروان البرغوثي في إضعاف سيطرة السلطة الفلسطينية على الساحة الداخلية، فيما يبقى موقف حركة "حماس" متأرجحاً بين مقاطعة الانتخابات المقرر إجراؤها في التاسع من يناير 2005 وإصدار بيانات تؤكد موافقتها على إقامة دولة فلسطينية على أراضي الضفة والقطاع. غير أن المفارقة المثيرة للاستغراب أن حركة حماس رفضت هذا العرض حينما كان مطروحاً على طاولة المفاوضات (وكان عرفات وقتها بحاجة إلى دعم الحركة من أجل تعزيز دعم الشعب الفلسطيني لمبادرة كامب ديفيد الثانية في شهر يوليو 2000)، وبالتالي فإن موقف حركة حماس الحالي جاء متأخراً بعض الوقت.

ولا أحد ينفي أن مروان البرغوثي بترشحه لمقعد رئاسة السلطة كان يمارس حقاً من حقوقه الديمقراطية، لكن من المؤكد أن قراراته حول خوض الانتخابات الرئاسية عمّقت الشقاق في صفوف القيادة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن أبو مازن لا يمثل بالنسبة للفلسطينيين في الداخل شخصية ذات شعبية واسعة، فإنه في الوقت الحاضر يمثل أفضل خيار لخلافة ياسر عرفات. فأبو مازن قائد سياسي براغماتي يعترف علناً بأن "العنف" لا يخدم القضية الفلسطينية ويحافظ على علاقات جيدة مع دول الخليج، خصوصاً أنه عارض قرار ياسر عرفات دعم الغزو العراقي للكويت. وفي حال فاز أبو مازن بالانتخابات الرئاسية، فسوف يكون بمقدوره خلال الأشهر المقبلة استقطاب دعم دول الخليج في اتجاه الضغط على الحكومة الإسرائيلية وحملها على الدخول في مفاوضات السلام. ومن المؤكد أن جولته التي شملت عدداً من الدول العربية، بما فيها الكويت التي فتح أبومازن معها صفحة جديدة من العلاقات الفلسطينية - الكويتية.

إن كل من يتتبع تطورات ملف القضية الفلسطينية يدرك أن دول مجلس التعاون الخليجي تبنت موقفاً – ولا تزال تتمسك به - يتسم بالبراغماتية والاستعداد الدائم للمساهمة في حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، برزت المملكة العربية السعودية كإحدى أهم قنوات عملية السلام منذ خطة الملك فهد لعام 1981 التي عرضت الاعتراف بـ "دولة إسرائيل"، ومروراً بالحل القائم على أساس دولتين، وأخيراً المبادرة السعودية التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في شهر فبراير 2002، والتي قدمت لإسرائيل عرضاً بتطبيع علاقات الدول العربية معها مقابل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

واليوم المملكة العربية السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مطالبة بأخذ زمام المبادرة مجدداً، مع العلم أن الاستمرار في مطالبة إسرائيل بالعودة إلى طاولة المفاضات لن يثمر عن شيء. فبفضل الدعم الأمريكي وغياب أي عراقيل في وجه سياسات شارون، يمكن أن يعتبر العرب أنفسهم محظوظين إذا قبلت إسرائيل بالجلوس على مائدة المفاوضات للتباحث حول بنود تسوية سلمية جدية مع الفلسطينيين.

مجلة آراء حول الخليج