array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العراق ودول الجوار: تحديات مشتركة

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2005

عامان مرّا على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق، وغيرت وجه هذا البلد. ثلاثة أسابيع كانت كافية لتنقل العراق وشعبه وربما محيطه الإقليمي، من حال إلى حال. وبدت عيون المراقبين عاجزة عن الرصد المتأني والملاحظة المتفحصة لأحداث العراق وتطوراته المتلاحقة التي شهدتها ساحته وطالت شررها دول المنطقة دونما استثناء.

في هذه المرحلة الحافلة بالتحولات الحادة والمتسارعة، ليس على الصعيد العراقي فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، فإن مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية، وأهل الرأي السديد في الوطن العربي ودول الجوار مُطالـَـبـون بالاضطلاع بمسؤولياتهم لتقديم قراءة علمية دقيقة لما تشهده المنطقة من تطورات لاستشراف آفاقها المستقبلية، وطرح المقترحات العملية اللازمة لكيفية التعامل معها على النحو الذي يحدّ من تأثيراتها السلبية، ويعزز من احتمالات الاستفادة مما يمكن أن تنطوي عليه من إمكانات وفرص واعدة.

إن ما حدث ـ ويحدث ـ على أرض العراق، ستكون له تأثيراته الكبيرة وتداعياته العميقة، ليس بالنسبة لمستقبل الدولة والمجتمع في هذا البلد الغني بتراثه الحضاري وموارده المادية والبشرية فحسب، بل في مستقبل الوطن العربي والدوائر الإقليمية المحيطة به، وكذلك في مستقبل النظام العالمي وما يرتبط به من توازنات وتحالفات، خصوصاً أن المسألة العراقية تشكل أحد المفاصل الرئيسية للاستراتيجية الأمريكية، التي تقوم على أساس الحروب الوقائية والضربات الاستباقية، وذلك في ظل سيطرة نزعة إمبراطورية، تغذيها هيمنة المحافظين الجدد على مراكز القرار في واشنطن.

ولعلها من قبيل المفارقات التي تطالعنا بها العلاقات الدولية، بأن واحداً من أهم أسباب الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على نظام صدام هو اتهامه بافتعال الأزمات مع جواره الإقليمي ودخوله أكثر من حرب معها، ونزعة العداء التي تملكته في علاقاته الإقليمية. لكن الملاحظ أنه وبعد زوال نظام صدام، نجد أن علاقات العراق مع جواره لم تتحسن إن لم تكن قد تفاقمت سوءاً، فهناك اتهامات عراقية لأكثر من دولة جارة له بأنها تعمل على مساعدة الإرهاب، ورعاية الأعمال التخريبية وإثارة حرب أهلية. بالمقابل فإن العديد من دول الجوار العراقي باتت تنظر إليه بارتياب فهي تعتقد بأن بغداد ستكون الأداة بيد الاستراتيجية الأمريكية إزاءها، وتقدم النموذج للطريقة التي يمكن أن تنتهي إليها نظمها، الأمر الذي جعل ظلال الارتياب والعداء بين الأطراف تتصاعد.

إن بلورة مقترحات عملية تسهم في تعزيز هذه العلاقات، وتقييمها على أسس سليمة، تتجاوز إرث الماضي وهواجس الحاضر، وتتطلع بثقة وتفاؤل إلى المستقبل، بحيث يكون العراق عامل أمن واستقرار في المنطقة، تبدو أمراً بالغ الأهمية. ولا شك في أن للدول المجاورة للعراق دوراً إيجابياً وفعالاً في تأكيد سيادته، وضمان وحدته الإقليمية، وسلامة أراضيه، فضلاً عن تعزيز جهود إعادة الإعمار في بلد أنهكته الحروب والحصار والاحتلال.

ويبدو أنه لا بد من العمل على إيجاد رؤية تلتزم بالواقعية وتطمح للاستشراف إلى فهم مشترك بين العراق ودول الجوار لمواجهة التهديدات لاستثمار الفرص القائمة والمحتملة لتعزيز علاقات العراق مع الدول المجاورة له واستثمارها والانطلاق منها، فضلاً عن الوقوف على القضايا الخلافية الحقيقية ذات الانعكاسات السلبية والعمل على حلها وتسويتها بشكل جذري، وعلى أسس سليمة وواضحة تعزز أجواء الثقة المتبادلة، وتؤسس لمرحلة جديدة في علاقات العراق مع جواره.

إن واقع ومستقبل العلاقات بين العراق والدول المجاورة له تحكمها عوامل واعتبارات عديدة ومعقدة، بعضها يتعلق بالأوضاع والتطورات الداخلية في هذه الدول، والآخر بالبيئة الإقليمية والدولية المحيطة، وما تفرزه من تأثيرات بالنسبة للعراق ودول الجوار، وبخاصة في ظل الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولاتها لإعادة رسم وهندسة الأوضاع في المنطقة بما يتلاءم مع أهدافها ومصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها حرصها على تكريس مكانتها كقوة عظمى وحيدة في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة.

وإذا كان البعض يشدد على الإرث التاريخي الذي قد يلقي بظلاله على علاقات العراق مع بعض الدول المجاورة له، خصوصاً أن الخبرة التاريخية لعلاقاته مع هذه الدول ظلت لسنوات محكومة بطابع التأزم والصراع والحروب والتدخل في الشؤون الداخلية، فإن ما نتطلع إليه اليوم هو أن يتم تجاوز الماضي، ليس بالقفز فوقه، أو بالتقليل من شأنه، ولكن باستخلاص العبر والدروس التي تفيد في تأسيس علاقات راسخة بين العراق وجواره تقوم على أساس المصالح المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتجنب استخدام القوة أو التهديد بها، والاحتكام إلى الوسائل السلمية في معالجة أي خلافات أو نزاعات.

إن تأسيس علاقات إيجابية وبـنّـاءة بين العراق والدول المجاورة لن يتحقق بالتصريحات البرّاقة، ولا بالخطب المفعمة بالنيات الطيبة، بل عبر العمل المشترك، والحوار الجاد والمسؤول بين مختـلـف الأطراف المعنية، بما يعزز من دور دول الجوار في مساعدة العراق على الخروج من الحالة الراهنة، ويدعم العراق بوصفه عامل استقرار وأمن في المنطقة. وإذا كان هناك كثير من العقبات والتحديات في هذا الطريق، فإن مسؤولية الجميع هي البحث في كيفية تذليل العقبات ومواجهة التحديات على النحو الذي يعزز من قيام علاقات تعاون متينة بين العراق وجواره.

إن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات جادة من قبل جميع الأطراف من أجل إعادة بناء الذاكرة السياسية للشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة للعراق، بما يسمح بتبديد الرؤى والصور السلبية المتبادلة، التي ترسبت لدى فئات من هذه الشعوب من جراء الحروب والاحتلال، التي أفضت إلى خلق بيئة إقليمية غير مستقرة. ولذلك، يجب ألاّ نظل أسرى الماضي على الرغم من كل ما يحمله من جراح وآلام. وهذا هو درس التاريخ الذي تقدمه لنا تجارب دول وشعوب أخرى، خاضت في السابق حروباً وصراعات طاحنة، وأصبحت اليوم نموذجاً للتعاون والتكامل والاندماج.

إن من يحاول التطاول على التاريخ والجغرافيا ويقفز فوقهما لا بد وأن يرتدا عليه. وضمن هذا المنظور، بادر مركز الخليج للأبحاث إلى تنظيم ندوة تحت عنوان: "العراق ودول الجوار: رؤى متبادلة" يشارك فيها مجموعة من الباحثين والمختصين. ويحتوي هذا العدد على ملف خاص يتناول خلاصات لأوراق العمل المقدمة للندوة، بالإضافة إلى مقالات تعالج مختلف جوانب الشأن العراقي بعد عامين من الحرب وفي أعقاب الانتخابات التي جرت في العراق مؤخراً.

مقالات لنفس الكاتب