array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

بناء السلم في غربي آسيا

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2005

أدت الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إلى حدوث العديد من التغيرات على الساحتين الدولية والإقليمية. وبرز هذا التغير بوجه خاص في ما يتعلق بمفهوم الأمن، فمع الهجوم على الولايات المتحدة تحولت الأخيرة من الاستراتيجية العسكرية الانعزالية إلى الاستراتيجية التدخلية، كما دعت إلى شن حرب دولية ضد الإرهاب، لتعيد بذلك التأكيد مرة أخرى على الأطروحات التي يقدمها أنصار المنظور الواقعي للأمن، والتي ترى أن تحديد التهديدات العسكرية التي تواجهها الدولة بالفعل أو التي من المحتمل أن تواجهها من ناحية، وتقييم القدرات العسكرية للدولة من أجل مواجهة تلك التهديدات من ناحية أخرى، يعتبران بمثابة المحددات الرئيسية للأمن، بحيث تم تضييق التعريفات المقدمة للأمن ليقتصرعلى المفهوم العسكري.

أما بالنسبة للمنظور الليبرالي، فإن التهديدات العسكرية والقدرات العسكرية هي محددات غير كافية للأمن، فهناك أنواع ومصادر أخرى للتهديدات، كما تختلف أهداف التهديدات، فالتهديدات لا تتوجه فقط ضد الدولة ونظامها الحاكم، بل قد تكون ضد الشعب نفسه أو بعض الجماعات العرقية فيه، بمعنى أن الأمن قد يكون مجتمعياً أكثر من كونه خاصا بالدولة. وتؤكد النظرية الليبرالية على عدم إقتصار التهديدات على التهديدات العسكرية الأمنية فقط، بل إنها تمتد لتشمل تهديدات اقتصادية وسياسية وثقافية وبيئية، كما لم يعد مصدر التهديدات مقتصرا على الساحة الخارجية، بل إنه ينشأ أيضا على الصعيد المحلي الداخلي.

وبين هاتين الرؤيتين للأمن، يأتي هذا الكتاب الذي قام بتحريره الدكتور ماجيد تيهرانيان، ليمثل إضافة إلى الدراسات الخاصة بالشؤون الأمنية والاستراتيجية. حيث يطرح هذا الكتاب- الذي ضم بين دفتيه 252 صفحة من الحجم المتوسط- والذي ساهمت فيه مجموعة من المتخصصين بالشؤون السياسية والعسكرية، وبقضايا السلم والأمن، والعلاقات الدولية، والجغرافيا السياسية، والإعلام والاتصال، والأنثربولوجيا من الدول العربية وأمريكا الشمالية وأوروبا وإيران وروسيا واستراليا، رؤية جديدة وتصوراً لمنظومة جديدة للأمن في منطقة تشهد العديد من التحديات والأزمات الأمنية، ألا وهي منطقة غربي آسيا، التي تضم بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الست كلاً من إيران والعراق.

وجاء هذا الكتاب ليقدم طرحا جديدا للتعاون والأمن في منطقة غربي آسيا، بديلا عن الطرح السائد على الساحتين الدولية والإقليمية، بل والمحلية أيضا. فالطرح الذي يحاول الكتاب بلورته يرتكز على مفهوم جديد للأمن وهو مفهوم الأمن التعاوني الذي يقوم على Win-Win Game، في مقابل مفهوم الأمن التنافسي القائم على نظرية المبارة الصفرية Zero-Sum Game. وبالإضافة إلى الطرح الذي يقدمه حول تعريف الأمن التعاوني، فأن أهمية هذا الكتاب الذي نحن بصدد عرض فصوله، تكمن في أنه يولى أهميه خاصة للدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني العالمي في تحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع.

وتأتى فصول هذا الكتاب لتعرض محاولات المشاركين فيه لعرض الرؤى المختلفة لمفهوم الأمن في منطقة غربي آسيا، حيث تناولت بعض الفصول عرضا للرؤى الحكومية الرسمية لبعض القوى المهتمة بقضايا الأمن في منطقة غربي آسيا بصفة عامة والخليج بصفة خاصة. فجاءت بعض فصول الكتاب لتعرض الرؤيتين الأمريكية والروسية للأمن في منطقة غربي آسيا، بينما تناولت الفصول الأخرى للكتاب مساهمات المشاركين فيه في بلورة مفهوم الأمن التعاوني وأبعاده المختلفة ومحاوره الرئيسية، وكيفية تحقيقه على أرض الواقع، والآليات والوسائل اللازمة لتنفيذه، والقوى التي يمكن أن تساهم في تحقيقه. وفى النهاية يقدم الكتاب بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في تحقيق التعاون الإقليمي وإقامة منظومة جديدة للأمن التعاوني في المنطقة.

وتناول الدكتور ماجيد تيهرانيان بالتحليل دور الدبلوماسية متعددة المسارات في تحقيق السلم، وهو الدور الذي تعاظم كثيرا في فترة ما بعد الحرب الباردة خاصة مع تزايد دور المجتمع المدني في العلاقات الدولية، وبرز دور المنظمات غير الحكومية في عمليات صنع السلام، خاصة في الحالات التي تتمتع فيها الهيئات المستقلة بالمصداقية والقبول من جانب الدول أطراف الصراع، ومن أبرز ما أشار إليه الكاتب في هذا الصدد دور الدبلوماسية المسار الثاني، والتي تبنى على دور المجتمع المدني ومنظماته المختلفة، فهي بمثابة قناة موازية للمفاوضات الدبلوماسية الرسمية التي تتم بين الحكومات، والتي تعرف بدبلوماسية المسار الأول.

أما الدبلوماسية المسار الثالث فتكون حلقة الوصل بين المجتمع المدني والحكومات، وذلك من خلال إيجاد لجنة تتكون من مجموعة من الباحثين المتخصصين والدبلوماسيين. وتعد اللجنة الدولية للأمن والتعاون في غربي آسيا نموذجاً لدبلوماسية المسار الثالث، حيث تحاول إقامة مجموعة من حلقات الوصل ما بين الحكومات في غربي آسيا والمجتمع المدني وذلك من خلال فتح قنوات للاتصال وإعداد مجموعة من المقترحات بما يساعد صناع القرار. وتتكون اللجنة من دبلوماسيين من دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى إيران والعراق وكذلك ممثلين من الدول الخمس دائمي العضوية في مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة. ويؤكد الدكتور ماجيد تيهرانيان على أهمية مثل هذه اللجنة في منطقة غربي آسيا، نظرا للتحديات المتزايدة التي تواجهها دول الأخيرة. فمنطقة الخليج تمتلك حوالي 60% من احتياطيات وصادرات النفط العالمي، كما أن الحروب التي شهدتها نتجت عنها خسائر بشرية ومادية فادحة. وفي مثل هذه الظروف، ومع تزايد التوترات والخلافات بين دول المنطقة، فإن احتمالات إقرار السلام والأمن تتقلص -كما يقول تيهرانيان-إلا إذا اضطلع المجتمع المدني بمسؤوليته من خلال توفيره لقنوات بديلة لقنوات الاتصال والتفاوض الرسمية، كما أن هناك حاجة ماسة إلى إعطاء الأولوية لاقتراب الأمن الناعم، والذي يقوم على التشاور والحوار والتعاون، أكثر من الاهتمام بالاقتراب الذي يقوم على مبادىء التدخل العسكري المباشر واستخدام القوة العسكرية. وإذا كانت الدول تتمسك بحقوقها السيادية في إقامة علاقات خارجية من دون تدخل قوى وأطراف خارجية في شؤونها الداخلية، فإنها قد ترحب بالدور الذي قد تقوم به المنظمات غير الحكومية في توفير معلومات إضافية وفي تخفيف حدة التوتر. ومن ثم فهو يرى أن هناك ضرورة ملحة لتعبئة جهود الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، من أجل إيجاد حركة للسلام والأمن من خلال التشاور والتعاون.

وفي سياق حديثه عن متطلبات إقامة نظام للأمن التعاوني في الخليج، أوضح الدكتور بجورن موللور، الذي قدم دراسة بعنوان (نحو تحقيق الأمن التعاوني في منطقة الخليج) فمنطقة الخليج تعد من المناطق غير المستقرة التي تتسم بوجود مجموعة كبيرة من مصادر التهديد التي تتسم في معظمها بأنها ذات طبيعة تقليدية، كما أنها تعانى من مشكلة عدم الاستقرار، فهناك مجموعة من الصراعات الدينية والعرقية، ونزاعات حدودية مع الدول المجاورة، التي تهدد استقرار دول المنطقة، كما تدخل دول الخليج في نطاق ما سماه بالدول الضعيفة، وإن كان بعضها أضعف من الآخر، كما لم تصل أي منها إلى مرتبة الديمقراطيات المستقرة. وليست هناك سلطة سياسية أعلى أو فوق الدول، كما أن استخدام الدول للقوة العسكرية ضد بعضها البعض ليس أمرا مستبعدا. أضف إلى ذلك، كما يقول الكاتب، أنه ليس من المحتمل أن تحقق آليات توازن القوى، الاستقرار في المنطقة. بالإضافة إلى عدم وجود منظمة في المنطقة ينطبق عليها مسمى الإقليمية، وذلك لأن عضويتها إما ضيقة للغاية أو واسعة للغاية أو الاثنان معا، أو لأنها تضم دولاً غير إقليمية(مثل جامعة الدول العربية) أو أنها تستبعد بعض الدول الإقليمية الرئيسية، مثل دول مجلس التعاون الخليجي. إلى جانب ارتفاع معدلات التسلح والإنفاق العسكري وواردات السلاح في المنطقة.

ويرى موللور أن هذه المؤشرات من شأنها إعطاء صورة مظلمة عن مستقبل التعاون في منطقة الخليج، إلا أنه يؤكد أن وجود مصالح وثقافة مشتركة قد يساعد على إيجاد الأسس اللازمة لإقامة علاقات تعاونية والتي قد تسهم في خلق منظومة للأمن الجماعي المشترك، الذي يبنى على إدراك الدولة أن الأمن الدائم لها، لا يمكن تحقيقه على حساب تهديد أمن الدول الأخرى، وهو ما يعرف (بمعضلة الأمن)، حيث تسعى الدول إلى ضمان أمنها من خلال بعض الوسائل التي تؤدي إلى زيادة عدم أمن الآخرين، الذين بدورهم سيستجيبون لهذه التصرفات باستخدام أساليب معادية، وتكون المحصلة في النهاية إضعاف أمن الطرفين. ومن أجل الخروج من هذه المعضلة، يمكن للدول اللجوء إلى بعض الوسائل التي تضمن أمن الدولة، من دون أن تشكل تهديداً للدول الأخرى.

ويرى موللور أيضاً أن تحقيق الأمن التعاوني أو الأمن المشترك لدول الخليج، ينبغي أن يضم العراق وإيران لا أن يستبعدهما، ويرتكز على تقوية الروابط الاقتصادية التي تؤكد على الاعتماد المتبادل، إلا أن ضعف التكامل بين اقتصاديات دول الإقليم، قد يمثل عقبة مؤسسية أمام تحقيق هذا الهدف. ولذلك فإن تحقيق الأمن التعاوني لن يتم من خلال تجاهل القضايا العسكرية والأمنية، ولكن من خلال التعامل معها بطريقة مباشرة، كما أن تحقيق الأمن الإقليمي المشترك يتطلب وجود إرادة سياسية، والتي من دونها لا يمكن إحراز أي تقدم.

إلا أنه يؤكد على أنه حتى مع وجود الإرادة السياسية، لا ينبغي أن يتوقع أطراف الصراع أن الصراع سوف ينتهي بصورة تلقائية.كما يؤكد الباحث أنه على الرغم من وجود بعض الآليات والوسائل التي أثبتت نجاحا في حل بعض الصراعات في بعض مناطق العالم، فإنه لا يمكن تطبيق هذه الآليات وتلك الوسائل بصورة تلقائية على دول أخرى في العالم مثل دول الخليج.

وعدد الدكتور موللور الآليات والوسائل المتعارف عليها في حل النزاعات، مثل:الوسائل السياسية، التي تتضمن التفاوض والحوار واتفاقيات عدم الاعتداء والأمن الجماعي واتفاقات عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووسائل ضبط التسلح الوظيفية، والتي تتضمن إجراءات بناء الثقة، وإجراءات بناء الأمن والثقة، وكذلك إصدار ما يعرف بالأوراق البيضاء، وعقد الندوات حول الاستراتيجيات العسكرية، وكذلك إنشاء مركز لإدارة الأزمات.

وبالإضافة إلى الوسائل السياسية وآليات ضبط التسلح الوظيفية، هناك آليات ضبط التسلح الهيكلية، وتتمثل في إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، وإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ووضع قيود على امتلاك الصواريخ الباليستية.

وتناولت بعض فصول الكتاب، بعض وسائل وآليات تسوية النزاعات بشيء من التفصيل، فقام الدكتور شهرام شوبين بدراسة قضية نزع أسلحة الدمار الشامل، من خلال عرضه لتجربة الخليج ، أما دراسة كل من الدكتور بهزاد شاهانداه والدكتور لينن بيجوت، فتناولت بالتحليل إجراءات بناء الثقة كإحدى الأدوات الرئيسية لحل الصراعات، وكيفية استخدام التعليم كوسيلة لبناء الثقة، إذ أكد الدكتور بهزاد شاهانداه على أهمية إجراءات بناء الثقة من أجل إزالة الرواسب المتراكمة من خبرات الماضي، التي أدت إلى إضعاف الثقة المتبادلة بين دول الخليج .كما أوضح أن النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب أتاح الفرصة أمام تكوين وتشكيل التجمعات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية، وأن دول الخليج لا يمكن أن تظل بمناىء عن هذه التغيرات الدولية، وبقاء هذه الدول مرهون بقدرتها على الاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة، وكذلك قدرتها على خلق تجمع اقتصادي خاص بها.وهو يرى أن التعاون بين دول الخليج يمكن أن يتحقق من خلال بناء الثقة والتعاون في القضايا غير السياسية وغير الحساسة في البداية، ثم يأتي الاهتمام بالتعاون السياسي الاستراتيجي في مرحلة لاحقة من مراحل عملية التكامل.

ويرى الدكتور بهزاد شاهانداه، أن دول الخليج لا تفتقر إلى الهياكل المؤسسية والأدوات الفنية اللازمة لبناء الثقة، بل تفتقر إلى الثقة المتبادلة فيما بينها، ومن ثم يمكن الابتعاد في البداية عن القضايا التي تثير حسآسيات بين الدول، ومن هذه القضايا كما يقول الدكتور بهزاد شاهانداه، قضايا صناعة النفط والغاز، والاتجار في المخدرات، وقضايا المياه، وصناعة الغذاء، وحماية البيئة وتآكل التربة ومنع القطع الجائر للأشجار. أما عن دور التعليم كوسيلة من وسائل بناء الثقة، فقد تحدث الدكتور لينن بيجوت عن وضع سياسات تدريجية وليست ثورية للمساهمة في تقوية دور المجتمع المدني والاتجاه التعاوني في حل الصراعات، وتغيير المناهج الدراسية وتدريس وسائل بديلة لحل الصراعات.كما نادى بإنشاء مركز إقليمي للحوار والتعاون، تكون مهمته وضع السياسات وتطوير الاستراتيجيات والمبادرات اللازمة لتعزيز الأمن والتعاون بين الدول الأعضاء، ويتضمن مناهج دراسية حول قضايا السلام وحل النزاع والتفاوض والوساطة.

ويؤكد الدكتور لينن بيجوت على ضرورة الاهتمام بنشر ثقافة السلام خاصة في المدارس وبين الطلاب، وذلك لأن الطلاب سيصبحون مواطنين وقادة لدولهم في المستقبل، ومن المهم الاهتمام بهم، لأنهم بدورهم سوف يسهمون في تشكيل العادات والتوقعات الخاصة بالحلول السلمية للنزاعات، ومن ثم فلابد من البدء في تدريس قضايا السلام في المدارس الابتدائية، وتتم متابعة تدريسها خلال المراحل التالية من التعليم. فالفصول في المدارس تعد ساحة للحوار والنقاش بين الطلاب ووسيلة لتعليم الطلاب آليات حل الصراع والوساطة والمساومة والتفاوض فيما بينهم، وتعلمهم كيفية حل المشكلات الخاصة بهم، وبالجماعة التي ينتمون إليها، ومن الإجراءات السابقة، يمكن إيجاد الأسس التي عليها يتم غرس قيم التعاون والثقة المشتركة.

وبالإضافة إلى الحديث عن نظام للأمن الإقليمي لمنطقة الخليج، تناول أحد فصول الكتاب قضية إقامة نظام للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، حيث عرض الدكتور بيتر جونس ركائز هذا الأمن، الذي يجب أن يكون أمنا شاملا، بحيث لا يقتصر على القضايا الخاصة بالأمن العسكري فقط، بل يمتد ليشمل قضايا التماسك الاجتماعي والنمو السكاني، وندرة الموارد وقضايا البيئة، وعلاقة النخبة الحاكمة بشعوب المنطقة، كما أكد على أن يكون الأمن تعاونيا، بحيث يقوم على الحوار والتعاون بين دول الإقليم من أجل تطوير وتنفيذ الآليات اللازمة للتنسيق بينهم. أما بالنسبة لنظام الأمن الإقليمي فهو يرى أنه لا يوجد نمط واحد لتطور نظم الأمن الإقليمية في العالم، وأن تبني أحد الأقاليم لأي من الأنماط والصور الخاصة بنظم الأمن الإقليمي، يجب أن يكون بالتوافق مع تقاليدها المحلية وتطلعاتها، وأن إيجاد هذا النظام لا يعد ضامنا في حد ذاته لإنهاء الصراع، ولكنه يعبر عن الرغبة في تطوير آلية إقليمية للتعامل مع الخلافات، ولا ينبغي أن يستبعد هذا النظام أي طرف يرغب في الانضمام إليه، فقط لأن لديه رؤية مغايرة للرؤى المتفق عليها من قبل الجميع، كما أن العضوية في هذا النظام يجب أن تكون عضوية اختيارية وطوعية.

أما عن عناصر نظام الأمن الإقليمي للشرق الأوسط فهي: الأبعاد السياسية والعسكرية، التي تتضمن إيجاد آليات إقليمية للاتصال والتنسيق للتعاطي مع المشكلات الثنائية والإقليمية، وتخفيض التوقعات الخاصة بتصاعد وتيرة النزاعات، من خلال السماح بمناقشة المشكلات قبل أن تتحول إلى أزمات، واستبدال عقلية المباراة الصفرية بالعقلية الإيجابية التي تقوم على إمكانية تحقيق مكاسب للطرفين. وحدد الدكتور بيتر جونس مجموعة المبادىء الحاكمة لنظام الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وهي احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والحقوق المتساوية لكل المواطنين، وإقرار حق تقرير المصير، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، واحترام سيادة كل دولة، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وإدراك الحق المشروع للدول في استخدام وسائل للدفاع عن النفس، والالتزام بضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل.كما أكد على أهمية مأسسة هذا النظام، بمعنى إيجاد مؤسسات تعمل على تحقيق أهداف محددة وواضحة.أما في ما يتعلق بتوقيت البدء في إقامة هذا النظام، فإنه يعتمد على الدول الراغبة والمستعدة للانضمام إليه، وينصح الدكتور بيتر جونس بأن تكون البداية للدول الراغبة في الانضمام إليه، مع إفساح المجال أمام الدول الأخرى للانضمام إليه فيما بعد، حينما تكون مستعدة لذلك. وينتهي الباحث في حديثه عن نظام الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط بالتأكيد على مدى إلحاح وضرورة إقامة هذا النظام، خاصة أن التغيرات التي تشهدها البيئة الدولية، قادمة لا محالة إلى دول الإقليم، وستؤثر بالضرورة في دولها. وأن على قادة دول المنطقة أن يمتلكوا الشجاعة الكافية للقيام بإحداث مجموعة من التغيرات الضرورية، وأن يتوقفوا عن التنافس والصراع ويتجهوا إلى التعاون والتنسيق.

ويشير الدكتور ماجيد تيهرانيان في نهاية الكتاب إلى أن الاتجاه العالمي نحو الإقليمية قد ترسخ مع تزايد قوى العولمة وانتشار الديمقراطية حول العالم، حيث أصبحت الدول القومية في ظل عصر العولمة من الضعف بإمكان مواجهة الضغوط والمشكلات المتزايدة، مثل المشكلات البيئية ومشكلات الهجرة والصراعات العرقية، كما فقدت الكثير من سيادتها الاقتصادية والثقافية، مما جعل الكثير من الدول تتجه نحو التكتلات وإقامة صور مختلفة من التجمعات الإقليمية. وإذا كان لمنطقة غربي آسيا أن تقيم نظاما للأمن الإقليمي، فإن نجاح ذلك مرهونا بقيام المجتمع المدني في المنطقة بتعبئة جهوده للضغط على الحكومات من أجل تحقيق التعاون الإقليمي للأمن والتنمية.

ويشير الكاتب إلى انه إذا كانت التوجهات السياسية والثقافية والاقتصادية المتعددة للنظم الحاكمة والثروات الطبيعية(خاصة النفط)، تعمل كعامل مفرق وليس عاملاً موحداً لتطلعات الدول إلى التعاون، فهناك مجالات أخرى للتعاون الإقليمي بين دول غربي آسيا. ولكن ماذا عن المجالات المحتملة للتعاون بين دول المنطقة؟ حدد الكاتب هذه المجالات فيما سماه بالجدليات.فهناك الجدلية الخاصة بالحجم، فالدول الصغيرة في غربي آسيا لا تتمتع بحجم كاف حتى يكون لها اقتصاديات ذات حجم كبير باستثناء صناعة النفط، ومن ثم فيمكنها أن تتعاون من أجل حل مشكلاتها المشتركة.

أما الجدلية الخاصة بالاقتصاد، فيقصد بها أن دول المنطقة منقسمة فيما بينها، فهناك دول تتمتع بفوائض في رأس المال وبعضها يمتلك فوائض في العمالة، وهناك دول مصدرة للكفاءات، وأخرى مستوردة للكفاءات البشرية.ومن ثم فيمكن لهذه الدول التعاون فيما بينها من أجل تحقيق التنمية الإقليمية.أما بخصوص جدلية المصداقية فتقوم على أن التعاون والتنسيق بين الدول في المجالات الاقتصادية، يمكن أن يقوى صناعاتها واقتصاداتها، وسوف ينعكس ذلك على تعزيز مصداقيتها وقدراتها التنافسية عالميا.

وهناك جدلية الصياغة الفعالة، وتقوم على أن المساومة الجماعية على مستوى الإقليم من شأنها تقوية الوضع الاقتصادي لدول غربي آسيا، وحماية صادراتها. أما فيما يتعلق بجدلية الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فإن الكاتب يرى أن وجود نظام للأمن الإقليمي، سوف يضمن الحدود الموجودة حالياً، مما يعزز من الاستقرار السياسي، وأن المشكلات البيئية الخطيرة في منطقة الخليج وبحر قزوين، وكذلك الصراعات المستمرة على المياه، يمكن أن تتم معالجتها في إطار استراتيجية شاملة للتنمية الشاملة للإقليم ككل، وهو ما سماه جدلية إدارة الموارد.كما أن الأمن الناتج عن التعاون الإقليمي سوف يخلق الشفافية ويبنى الثقة، وكل ذلك سيسهم في تقليل السباق على التسلح وأنماط الاستثمار المشوهة، وهو ما يعرف بجدلية السلام المقسم.

والخلاصة التي يصل إليها الكتاب، أنه في ظل عصر العولمة والإقليمية الجديدة، فأن دول غربي آسيا تواجه خيارا صعبا، فإما أن تتحد معا أو أن تنقسم وتنفصل. والسؤال الذي يطرح نفسه، ليس هل ستندمج دول المنطقة في كيان إقليمي؟ ولكن متى وكيف ومع من ستشكل هذا الكيان الإقليمي؟

ويرى الكاتب أن دول غربي آسيا يمكنها الاستفادة من والبناء على خبراتها وتجاربها السابقة في الاندماج الإقليمي، التي يمكن أن تقدم لها (روشتة) للنجاح في المستقبل، وهو يرى أنه من أجل تحقيق التعاون الإقليمي، فينبغي على دول غربي آسيا الالتزام بتأسيس مركز إقليمي للحوار من أجل بناء وتعزيز الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل، كما ينبغي أن يركز التعاون الإقليمي في البداية على الجوانب الإجرائية، مثل الاتصالات والمواصلات وحماية البيئة والمعاملات اليومية بين الأفراد، وبعد بناء قاعدة من التفاهم المشترك، يمكن المضي قدماً في النقاش حول القضايا السياسية والأمنية الاقتصادية الأكثر حساسية، ولابد أن تتسم عملية التعاون الإقليمي بالتدرجية.
وتنتهي سطور الكتاب بالتأكيد على ضرورة حل الصراع الاسرائيلى - الفلسطيني، فبدون إقامة السلام بين الجانبين، فإن السلام الإقليمي سيصبح أمرا صعب التحقق.

وفي واقع الأمر، هذا الكتاب يزخر بالعديد من الأفكار والرؤى المهمة والضرورية لإقامة نظام للأمن الإقليمي في منطقة غربي آسيا، حيث يحدد متطلبات إقامة هذا النظام، وكذلك الركائز الأساسية لهذا النظام.ولا يسع القارىء سوى أن يثني على المشاركين في الكتاب، لتأكيدهم على ضرورة إحلال مفهوم الأمن التعاوني محل الأمن التنافسي، وتأكيدهم على الحاجة الماسة لإقامة نظام للأمن الإقليمي في ظل بيئة دولية وإقليمية، تتزايد فيها التحديات والتهديدات التي تواجه دول المنطقة، والتي لا تجد أمامها سوى الاتجاه نحو التكتل والاندماج فيما بينها.

وقد كان الكتاب مصيبا في تأكيده على ضرورة توافر الإرادة السياسية، فمن دون وجود إرادة -مستعدة لتقديم تضحيات وإحداث تغييرات قد تكون جذرية- لا يمكن تحقيق نتائج ملحوظة، كما كان مصيبا في ضرورة البدء في إقامة هذا النظام من خلال مجموعة الدول الراغبة في ذلك مع إتاحة الفرصة أمام الدول الأخرى للانضمام فيما بعد، والبدء بمعالجة القضايا غير العسكرية وغير السياسية(والتي لا تثير حساسيات كبيرة) بحيث تكون أساساً للتعاون بين دول المنطقة، وبعد توافر مستوى معين من الثقة المتبادلة بين الأطراف المعنية، يمكن إثارة النقاش حول القضايا السياسية والأمنية.

ونثني على الكتاب تأكيده على أهمية التعليم وتغيير الثقافة السياسية، وذلك لأنها وإن كانت عملية لا تأتي بنتائج سريعة، إلا أنها عملية ضرورية، إذا ما أردنا تغيير السلوك وإزالة رواسب العداء والشك المتوارثة من الماضي. ولكن عند طرح الكتاب للرؤى الخاصة بنظام الأمن الإقليمي لمنطقة غربي آسيا، تجاهل المشاركون فيه العقبات والقيود التي تحول دون إقامة هذا النظام، وكيفية التغلب على هذه العقبات.

فبداية ليس واضحا ما هي الدول التي ستنضم إلى هذا النظام، فأحيانا يتوسع الكتاب في ضم بعض الدول من خارج المنطقة، وأحيانا أخرى يقيد عضوية هذا التجمع على دول المنطقة فقط. كما يعول الكتاب كثيرا على دور المجتمع المدني، وذلك على الرغم من القيود الكثيرة المفروضة عليه والعقبات التي تواجه منظماته، وعلى الرغم من اعترافنا بأهمية دور المجتمع المدني، إلا أنه مازال ضعيفاً نسبياً، وحديث النشأة في العديد من دول الإقليم.وبالإضافة إلى ما سبق أسرف الكتاب في التركيز على أمن الدول، وأمن النظم الحاكمة، سواء في مواجهة التحديات الداخلية أو الخارجية من دون إبداء الاهتمام الكافي بأمن شعوب المنطقة ومواطنيها.كذلك هناك بعض الصعوبات في تنفيذ بعض المقترحات الواردة في الكتاب والخاصة بإقامة نظام للأمن الإقليمي.فبالنسبة للمقترح الخاص بتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة من خلال تبادل الدول للخبرات والعمالة والثروة فيما بينها، فنجد أن هناك بعض الصعوبات التي تعترض سبيل بلوغ هذا الهدف، في ظل توجه بعض الدول إلى إستبدال العمالة الأجنبية بعمالة وطنية وتوطين صناعتها المحلية. ولذلك فمن أجل التغلب على هذه الصعوبات، ننتهي إلى ما انتهت إليه صفحات هذا الكتاب، بالتأكيد على أهمية دور الإرادة السياسية، وتغيير الثقافة السياسية عن طريق التعليم، مع الحاجة إلى تفعيل دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وإزالة القيود المفروضة عليه.

مقالات لنفس الكاتب