array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

علاقات عابرة للأوطان والخليج العربي

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2005

تاريخياً حظيت منطقة الخليج باحترام كبير بوصفها تمثل جسراً وممراً جغرافياً يربط بين أوروبا وآسيا، وكان يشار إليها في الكثير من الأحيان كمنطقة تلاقي وتفاعل الثقافات- ولو بشكل مؤقت، غير أن الروايات التقليدية التي اهتمت بمنطقة الخليج فضلت لفترات طويلة أن تركز الضوء على علاقات المنطقة بالقوى الإقليمية والدولية. وهذا التوجه ينطبق على المناقشات المرتبطة بماضي منطقة الخليج، كما يتحدد في إطار العلاقة بدول مثل البرتغال وهولندا وبريطانيا والدولة العثمانية. والأمر سيان بالنسبة لسياسات دول منطقة الخليج في الفترة المعاصرة، إذ إن سياسات المنطقة كثيرا ما يُنظر إليها من منظور علاقاتها بالولايات المتحدة.

صحيح أنه من الصعب دحض واقع أن تلك العلاقات تطغى على سياسات منطقة الخليج سواء في ماضيها أو حاضرها، لكن من الضروري أيضا التأكيد على أن هناك عدداً من الجوانب الأخرى التي تميز المنطقة. وتأسيسا على هذه المعطيات ومن خلال تبنيها كنطقة انطلاق، يسلط كتاب (علاقات عابرة للأوطان والخليج العربي)- الذي أشرفت على تحريره الكاتبة موضاوي الرشيد من كلية كينج، وهي باحثة أكاديمية تتمتع بصيت واسع وتتخصص بدراسة تاريخ المملكة العربية السعودية والأنثروبولوجيا الدينية - علم الأجناس الديني- الضوء على مسار تطور منطقة الخليج من عدد من الزوايا المختلفة التي تتشارك في سمة موحِّدة – ألا وهي أن منطقة الخليج كانت وما زالت تمثل مفترق طرق ونقطة تقاطع ثقافي واقتصادي.

ويساهم في الكتاب عدد من الباحثين المتخصصين بشؤون منطقة الخليج يعملون في حقول أكاديمية متنوعة، بما في ذلك التاريخ والعلوم السياسية والاقتصاد والأنثربولوجيا وعلم اللاهوت وغيرها، علماً أن جميع المساهمين يتناولون موضوع الطابع العابر للأوطان الذي يميز منطقة الخليج من خلال الأطر الفكرية والمنهجية التي تحكم مجالات اختصاصاتهم المحددة. وفي حين قد لا يتفق بالضرورة جميع الكتاب المساهمين مع بعضهم البعض بخصوص مدى وماهية هذه الظاهرة، إلا أن المحصلة الأكاديمية النهائية تمثل نعمة أكثر من كونها نقمة، حيث إن القارئ يحظى بفرصة أكبر للاطلاع على منظور متعدد الأبعاد أوسع بكثير مما تتيحه عادة دراسات من هذا القبيل.

ولعل الدراسة الأكثر إثارة للاهتمام والإعجاب في هذا الشأن تحديدا هي الدراسة التي يطرحها فريد أنسكومب (والمعروف بمساهمته الإبداعية والمؤثرة تحت عنوان (الخليج العثماني: نشأة الكويت، قطر والمملكة العربية السعودية). وهي أيضاً دراسة تذهب إلى القول إنه باعتبار أن شعوب المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية - وبوجه خاص منطقة الإحساء في المملكة العربية السعودية – يمليون إلى تحديد هويتهم من خلال روابط الدم وعلاقات القرابة بدلا من أن يتبنوا أي مرجعية جماعية، فإن المنطقة ظلت مطبوعة بطابع (لاقومي) أو من دون جنسية محددة. والنتيجة أن أي محاولة لمناقشة العلاقات العابرة للأوطان في هذا السياق من شأنها أن تؤول إلى الفشل.
ورغم أنه قد يعارض البعض لهجة الكتاب من حيث محوره وتوجهه، إلا أنه يدعو القارئ إلى طرح سؤال مهم على نفسه وهو في خضم اطلاعه واستيعابه للدراسات المتضمنة في الكتاب بقلم المساهمين الآخرين.

ويشار إلى أن لمحة ولو خاطفة على قائمة محتويات المجلد تعطي القارئ فكرة دقيقة حول ما يختزنه الكتاب، فالمناقشات التي يقدمها تنحرف - ولو على نحو يفتقد السلاسة والانسيابية - عن المناقشات التي عادة ما تسهب في تفصيل ماضي منطقة الخليج على مستوى العلاقات العابرة للأوطان لتسبر أغوار خصائص وميزات العلاقات العابرة للأوطان للمنطقة، كما تتبلور في الوقت الراهن لتنتهي فصول الكتاب، وبشكل مناسب، بمناقشة منطقة الخليج خارج حدودها الجغرافية.

وفي حين لا يتناول الكتاب منطقة الخليج بكاملها – حيث إن الكويت وقطر وسلطنة عمان تظل غائبة بشكل واضح- إلا أن المؤلِّف يشير في بداية الكتاب إلى أن الهدف من وراء الكتاب لا يرتبط بتغطية جميع دول المنطقة، ويمكن للقارئ أن يفهم الدوافع الكامنة وراء ذلك: فبينما تبدو الحالات موضع البحث والدراسة في كل فصل من فصول الكتاب محدودة، يبقى من السهل والممكن تطبيق عدد من الدراسات على أي دولة من دول الخليج الأخرى والتوصل إلى استنتاجات ونتائج مماثلة. وفي هذا الصدد، يمكن بكل يسر تطبيق دراسة الحالة التي يقدمها
جيمس أونلي عن الصفاريين في البحرين وتجربتهم في بناء شبكة من العلاقات الأسرية العابرة للأوطان – وهي حالة تبرز بقدر كبير من البيان حالة الاختلاط الثقافي كما شهدته منطقة الخليج في الماضي - على كل من العاصمتين الكويت ومسقط بوصفهما اليوم تمثلان مراكز تجارية متألقة.

وبنفس المعنى، فإنه من الممكن ملامسة المحاور المستمدة من الدراسة التاريخية لنيـليدا فوكارو للشرائح المجتمعية من أصل فارسي في البحرين أو الدراسة التي نشرها ماثياس ديديريتش عن الجماعات الأندونيسية في المملكة العربية السعودية في الجاليات الهندية المقيمة في سلطنة عمان أو الإمارات العربية المتحدة.

وبالانتقال إلى مرحلة أقرب إلينا زمنياً، يدرك القارئ أن الكتاب يطرح تفصيلات عن الاتجاهات العابرة للأقطار كما تتبلور حاليا على المسرح الإقليمي لمنطقة الخليج، بما في ذلك تجليات النـزعة العابرة للأوطان في مدينة دبي، ويناقش هذه التجليات رولاند مارشال، وهو زميل باحث أول في المركز القومي للبحث العلمي الكائن في باريس، في حين يتصدى غايل لي بوتيير لمناقشة أبعاد الإعلام العربي على المستوى الإقليمي الداخلي وعلى مستوى العلاقات بين الأقاليم. وغايل لي بوتيير باحث متخصص بالشأن اللبناني وقضايا الإعلام في منطقة الشرق الأوسط. وتلي هاتين الدراستين دراسة عن النـزعة العابرة للأقطار خارج منطقة الخليج ضمنتها محررة الكتاب قضية النـزعة السعودية الدينية العابرة للأقطار، كما نشهدها في العاصمة البريطانية لندن. ويتناول جوناثان بيرت - وهو مرشح لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد - قضية ذات علاقة متنامية بالفكر الوهابي في المملكة المتحدة. وكلتا الدراستين ترسمان صورة واضحة عن دول الخليج وكيف استطاعت بفضل ما تمتلكه من رؤوس أموال طائلة أن تصدر بفاعلية لافتة بعض جوانب ثقافة المنطقة إلى الخارج.

غير أن هذا كله لا يوحي بأي معنى من المعاني بأن الكتاب لا تشوبه بعض الثغرات والنواقص. وكمثال على ذلك، دعونا نلقي الضوء على الفصل بقلم أنسكومب، فهذا الفصل ينطلق من مجموعة من النقاط المثيرة والممتعة في آن، لكن وتيرته تتباطأ نسبياً بسرعة لتخفت وتنعرج في نهاية المطاف لسرد روايات ونوادر عن الحضور العثماني في منطقة الإحساء، وهي تفاصيل لا تتصل، وفي أفضل الحالات تتصل بخيط رفيع، بجوهر النقاش. وبالمثل، أننا نجد أن فصل مارشال، وعلى الرغم من أنه ممتع، فإنه مضمونه يبدو إلى حد ما يخفق في طرح قراءة نقدية وموضوعية لعملية التطوير التي تشهدها دبي، كما لمسنا ذلك في كتابات بأقلام أخرى من أمثال فروك هيرد-باي أو كما رأينا مؤخرا في كتابات كريستوفر دفيدسون. ومن ناحية أخرى يمكن وصف التحليل الذي يعرضه غايل لي بوتيير لشبكات الإعلام في علاقاتها الإقليمية الداخلية والدولية بالقاصر والمقصِّر يشبه في ذلك شجرة عيد الميلاد التي لم تكتمل زينتها. فعلى الرغم من أن دراسة لي بوتيير تتضمن مناقشة للعديد من جوانب القضية موضوع البحث، إلا أنها تترك القارئ متعطشا للمزيد من التحليل الأكثر عمقاً وتمحيصاً. وحتى أونلي الذي يقدم ضمن الفصل المخصص له أكثر الدراسات وضوحاً وتوصيفاً لمجتمعات الخليج في فترة ما قبل النفط وما شهدته من تحولات لاحقة، لكنّه لم ينجح في تشريح وشرح المغزى الأبعد والنهائي الذي تنطوي عليه مساهمته شأنه في ذلك شأن معظم نظرائه من المساهمين الآخرين في المجلد.

وعلى الرغم من بعض من العيوب التي تعتري مضمون الكتاب، فإنه لا بد لنا من التسليم بأن هذا الكتاب يعرض نظرة مستحدثة حول منطقة الخليج، وهو الأمر الذي يتحاشاه عادة الكثير من الباحثين المرموقين، ولعل موضاوي الرشيد نفسها هي أفضل من عبر عن ذلك ضمن ملخص الكتاب. فهي تقول إنه (في سياق السجالات النظرية الدائرة حاليا تم تقديم دراسات الحالة التي يحتويها (الكتاب) لتبيان أن الخليج ليس مُصدّرا للنفط والرأسمال فقط، لكنه أيضا مصدر للثقافة والدين).

وعلاوة على ذلك، يمكن القول إن تبويب الكتاب منظم على نحو دقيق، إذ إنه يدعو القارئ لرحلة فكرية عبر المكان والزمان، وبالتالي فهذا المجلد يتبوأ موقعا فريدا بعيدا عن بقية المؤلفات عن منطقة الخليج، كما أنه وبكل تأكيد سيساهم في سد الفجوة القائمة على مستوى دراسات الحالات المشار إليها سابقا.

وفي نهاية الكتاب، يبقى القارئ وجهاً لوجه مع سؤال يدور حول ما إذا كان من الممكن الاستمرار في النظر إلى العولمة التي توصف في الكثير من الأحيان بالحبلى بتهديدات قد تنال من التجانس الثقافي القائم في منطقة الخليج باعتبارها مفهوماً مستحدثاً، فكتاب (روابط عابرة للأوطان والخليج العربي) يدلل بوضوح على وجود مثل هذه الظاهرة - العولمة- منذ القرن التاسع عشر، تاركا القارئ ليتساءل عما يقلق العالم من جراء هذه الظاهرة التي عمرت قروناً طويلة. فكيف، إذن، تطرح العولمة تهديدا لمنطقة تميزت بتنوعها وروابطها الصلبة مع العالم الخارجي لأكثر من 150 سنة؟

وإضافة إلى ذلك، يجبر الكتاب القارئ أن يأخذ في الاعتبار الوجه الآخر لظاهرة العولمة، وفي حين نجد أنفسنا أمام واقع اختراق ظاهرة العولمة للمنطقة، إلا أنه أمر حقيقي وواقع أيضا أن العولمة تجسد عملية ثنائية الاتجاه، إذ إن دول الخليج نفسها ليست بمنأى كليا عن تحمل مسؤولية ركوب موجة العولمة من خلال تصدير ثقافتها المحلية، وخصوصا معتقداتها الدينية في اتجاه الخارج.
وأخيراً من المؤكد أن كتاب (علاقات عابرة للأوطان والخليج العربي) سيثير الكثير من ردود الفعل المتنوعة، وإذا ما ركزنا أنظارنا على أفضل ما يتضمنه الكتاب، فإننا نجد أن المجلد يجمع بين دفتيه رؤى بديلة رائعة تجاه منطقة الخليج من شأنها بكل تأكيد أن تعين الطلبة في المرحلة الأكاديمية، خصوصا تلك المهتمة بظاهرة النـزعات العابرة للأوطان. وحتى مع الاعتراف بفجوات الكتاب فإنه لا يسعنا سوى تثمين ما يمثله – على أقل تقدير- بوصفه يمثل إضافة أكاديمية تنطوي على نكهة خاصة لا تجدها إلا في منطقة الخليج.

اسم الكتاب: علاقات عابرة للأوطان والخليج العربي
المحرر: مضاوي الرشيد
دار النشر: مطبعة روتليدج
تاريخ النشر: 2005
الرقم العالمي المتسلسل: 0-415-33135-8

مقالات لنفس الكاتب