array(1) { [0]=> object(stdClass)#13016 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

لبنان على طريق التسوية النهائية

الثلاثاء، 01 آب/أغسطس 2006

إذا كانت الحرب استمراراً وامتداداً للدبلوماسية بوسائل أخرى، فإن الحرب الإسرائيلية المستعرة الآن على لبنان اتسمت بحقد أعمى وسادية مفرطة. فمنذ بداية هذه الحرب حتى كتابة هذه السطور قامت إسرائيل بتنفيذ ما يزيد على أربعة آلاف غارة جوية على معظم أرجاء لبنان، رافقتها ضربات صاروخية من البوارج الإسرائيلية الرابضة قبالة السواحل اللبنانية، إضافة إلى قصف متواصل من سلاح المدفعية الإسرائيلية لقرى ومدن الجنوب اللبناني، ووقع ضحية هذه العمليات ما يزيد على خمسمائة قتيل وخمسة آلاف جريح، وهُجِّر أكثر من نصف مليون مواطن، بالإضافة إلى التدمير الهائل للبنية التحتية ولمناطق سكنية شاسعة في الجنوب اللبناني وما يعرف بضاحية بيروت الجنوبية.
إن الاستخدام المفرط للقوة والعقاب الجماعي لمعظم فئات الشعب اللبناني ودك بنيته التحتية لا يمكن أن تكون كل هذه الأعمال مجرد رد فعل على قيام حزب الله بخطف جنديين إسرائيليين بهدف تحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، ولكن إسرائيل تريد أن تؤكد أن أحداً من العرب لن يستطيع أن يحصل من إسرائيل على تنازلات بالقوة، وخصوصاً بعدما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 نتيجة لعمليات المقاومة.
لقد نشأ حزب الله كحركة مقاوِمةٍ بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وأعلن عن نفسه رسمياً عام 1985، وقد اتخذ المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان شعاراً له؛ تلك المقاومة التي اعتُبرت مشروعة لبنانياً وعربياً ولدى كثير من أعضاء المجتمع الدولي، في وقت كانت فيه الحكومة اللبنانية تعاني ضعفاً شديداً وفاعليةً شبه معدومة وقراراً شبه غائب. وعلى الرغم من الدعم الإيراني والسوري لحزب الله، فإنه نجح إلى حدٍّ كبير في الحفاظ على لبنانيته واستقلالية قراره؛ كما أن سلاح الحزب لم يُوَجّه مطلقاً إلى الجبهة الداخلية في لبنان، ولم يُستخدم إلا في الدفاع عن لبنان أرضاً وشعباً، إضافة إلى أن الحزب لم يتدخل يوماً في الشؤون الداخلية لأية دولة مجاورة أو غير مجاورة.
وحقق حزب الله خلال مسيرته إنجازات مهمة يأتي على رأسها نجاحه في إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي في لبنان وتحريره للجنوب اللبناني بعد احتلال دام نحو 18 عاماً، كما أنه نجح في عقد عدد من الصفقات الناجحة لتبادل الأسرى. لكن الظروف المحيطة بهذه الحرب اختلفت كثيراً عما كان جارياً أيام تحرير الجنوب، فبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وصدور قرار مجلس الأمن (1559) وخروج سوريا من لبنان، تعثر الحوار الوطني بين أقطاب الحكم الجديد في لبنان حول مسألة سلاح حزب الله لتبقى هذه النقطة من قرار مجلس الأمن المذكور عالقة بانتظار إيجاد حل داخلي سلمي لها. بالإضافة إلى أن الممارسات الإسرائيلية في فلسطين والآن في لبنان، تؤكد بكل جلاء أن إسرائيل تتجه نحو تصفية أي مقاومة لها أياً كان مصدرها في الداخل والخارج، مستغلةً الأوضاع المتفجرة وغير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في العراق الذي وقع في قبضة الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني منذ عام 2003، وفي إيران المنخرطة حالياً في تجاذبات سياسية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشأن ملفها النووي. وقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة تقدم الغطاء والدعم اللازمين لإسرائيل لكي تقوم بإنجاز مهمة القضاء على حزب الله نيابة عنها، حتى تستطيع هي إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط حسب رؤيتها ومصالحها بعد أن تكون قد نزعت ورقة حزب الله من يد كلٍّ من سوريا وإيران اللتين تعتبرهما حجر عثرة في طريق تحقيق رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة، في ظل عجز شبه تام للأمم المتحدة.
إن الحرب الإسرائيلية المسرفة قتلاً وتدميراً همجياً ضد شعب لبنان وأرضه هذه الأيام، لا يمكن أن تكون حرباً من أجل أسيرين اختطفهما حزب الله الذي لربما أخطأ في تقدير رد الفعل الإسرائيلي. إذ إن نظرةً إلى ما يمكن أن يكون مبيتاً وراء الأهداف المعلنة لهذه الحرب ربما تقودنا إلى نوايا أعمق لم يتم التصريح بها؛ فنحن أمام تدمير منظّم لمكونات الدولة اللبنانية، يتم تحت غطاء سياسي ودعم عسكري أمريكيين، بالإضافة إلى جهود الولايات المتحدة في عرقلة أي وقف فوري لإطلاق النار لتمكين إسرائيل من إكمال مهمة القضاء على حزب الله، الأمر الذي يعد هدفاً مُعلناً لكلٍّ من الدولتين (إسرائيل وأمريكا) وذلك بإزالة التهديد الأمني الذي يمثله الحزب للأولى، وبإسقاط نقطة القوة التي كان يعطيها الحزب لإيران وسوريا في مواجهة الثانية.
كما أن تزامن الحرب الإسرائيلية على لبنان مع العمليات العسكرية العنيفة التي تقوم بها إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة في وقت واحد، يؤكد لنا إسرائيل تقوم بعملية تصفية لجميع القوى التي تناصبها وواشنطن العداء؛ وقد استغلت إسرائيل رد الفعل الرسمي العربي الذي جاء هزيلاً وخالياً من أي إجراءات تدفعها إلى التفكير في وقف لإطلاق النار. وبطبيعة الحال يلوح في العمق هدف أمريكي ـ إسرائيلي مشترك من وراء هذه العمليات الحربية الإسرائيلية، وهو الوصول إلى شرق أوسط تدور دوله في فلك المحور الأمريكي ـ الإسرائيلي، لا مقاومة فيه ولا (إرهاب) بحسب التعريف الأمريكي والإسرائيلي له، منزوعة فيه أسلحة الدمار الشامل من جميع دوله باستثناء إسرائيل، ويضمن تدفق النفط للولايات المتحدة وحلفائها بأسعار معقولة طبقاً لحساباتها السياسية والاقتصادية.
إن ثلاثة عشر يوماً دامية من العدوان الإسرائيلي على لبنان، يبدو أنها قد رست به أمام سيناريوهات ثلاثة محتملة لانتهائه: الأول؛ هزيمة ساحقة لحزب الله يكون مؤشرها فقدان الحزب قدرته على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، مما يمكن الأخيرة من فرض شروطها، ولكنه ليس بالأمر السهل إطلاقاً. أما الثاني، فهو تحقيق إسرائيل إنجازاً عسكرياً محدوداً يحفظ لها ماء وجهها، ويسمح بتحرك دبلوماسي لتسوية كاملة تتبناها واشنطن توافق عليها إسرائيل ولبنان، بحيث يكون أهم بنودها إبعاد الحزب عن الحدود إما بنشر الجيش اللبناني عليها أو الاستعانة بقوات دولية، ويبدو هذا السيناريو هو الأرجح حتى الآن. أما السيناريو الأخير فهو قيام إسرائيل باجتياح لبنان وإعادة احتلاله أو احتلال جنوبه مع استمرار المقاومة في ظل ضعف ظاهر للدولة اللبنانية.
إن تبعات هذه الحرب قد لا تتوقف مع انتهائها حتى لو كان هذا في القريب العاجل، فتداعيات الحرب وانعكاساتها بدأت منذ اللحظة الأولى وعلى مختلف الصعد، ولا شك في أن كثيراً من هذه الآثار يتسم بطول الأمد. فعلى الساحة اللبنانية أضعفت هذه الحرب الدولة اللبنانية بشكل كبير وشلت معظم أركانها، كما أن الدمار الحاصل جراء الحرب قد يحتاج إلى سنوات من الإعمار ومليارات من الدولارات لتعويضه. وعلى مستوى الشعب فإن الحرب عززت الوحدة الوطنية اللبنانية، ولكنها في الوقت نفسه عمّقت حساسية اللبنانيين تجاه الدول العربية التي لم تتخذ موقفاً حاسماً في مساندة الشعب اللبناني وهو يتعرض للمجازر، وتتعرض بلاده لتقطيع الأوصال. أما في حالة تبني تسوية يتم فيها إقصاء حزب الله بما يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، فإن الوحدة الوطنية التي رسختها الحرب، قد تتفكك وتنهار بعد إنهاء الحرب بهذه الطريقة، وقد يظهر أكثر من حزب الله. ولكن حتى في حال التوصل إلى تسوية تبقي على حزب الله ضمن المعادلة اللبنانية، فإنه من غير المتصور بعد هذه الحرب أن تعود علاقة الحزب بالدولة الحالية كما كانت قبلها، ذلك أن التكلفة المادية والسياسية والاجتماعية للحرب باهظة جداً.
أما على الساحة العربية، فإن هذه الحرب رسّخت تبعية بعض الدول الرئيسية في المنطقة لواشنطن مقابل صمت الأخيرة عن أوضاعها الداخلية، وهذا سيجر إلى مواصلة بعض الدول عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل على المستوى الرسمي. ولكن في المقابل أوجدت الحرب شرخاً كبيراً ينذر بتحديات داخلية بين بعض الأنظمة الحاكمة وبين شعوبها، وذلك لتناقض المواقف الرسمية والعملية لتلك الأنظمة مع بعض أهم المبادئ والرؤى والرغبات الشعبية في دولها. وعلى الصعيد الاقتصادي العربي فقد سببت الحرب ارتفاعاً قياسياً في أسعار النفط، وأثرت في البورصات وأسواق المال في العديد من الدول.
ولكن على الجانب المقابل، فإن أي نصر لإسرائيل في هذه الحرب سيعتبر هزيمة لا سيما بعد المقاومة الشديدة التي أظهرها حزب الله، الذي يبقى محدود القدرات بشكل كبير في مواجهة دولة من أعتى دول المنطقة على الصعيد العسكري؛ كما أظهرت الحرب أيضاً هشاشة نظرية الأمن الإسرائيلي، بل هي على وشك إسقاطها، حيث أثبتت أن التفوق العسكري لا يحقق الأمن بالضرورة.
ونحن نبحث عن حلٍ يجنّب اللبنانيين الأبرياء المزيد من القتل والتدمير، لا بد من القول إن حزب الله لم يقفز فوق الدولة، وسمح لنفسه أن يتخذ قراراً بالحرب على إسرائيل وحسب، ولكنه أيضاً لم يوفق، هذه المرة على الأقل، في قراءة الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية بشكل صحيح. وإذ نحرص على التأكيد أن هذا الانتقاد يجب ألاّ يفهم على أنه تبرير للعدوان أو انتقاص من حق مقاومة الاحتلال، نُشدد على ضرورة إيجاد حل عادل وشامل ونهائي يرضي جميع الأطراف؛ وبالتالي فإنه على المجتمع الدولي بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار حتى يتم فسح المجال أمام مفاوضات لتبادل الأسرى ومن ثم إدماج بعض من قوات حزب الله وسلاحه في الجيش اللبناني، الأمر الذي سيعزز من دور الدولة واستعادتها لسيادتها على كافة الأراضي اللبنانية، ونشر قوات دولية على الحدود قادرة على منع الخروقات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، ورفع قضية مزارع شبعا لمحكمة العدل الدولية تمهيداً لرسم حدود نهائية بين لبنان وإسرائيل.

مجلة آراء حول الخليج