array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التحول الروسي: تطور الدعم الشعبي لنظام جديد

الجمعة، 01 شباط/فبراير 2008

تأليف: ريتشارد روز ووليام ميشلر ونيل مونرو
كـمبردج - مطبـعة جامعـة كـمبـردج - 2006.

يُعَد التحول الذي شهدته روسيا ما بعد الشيوعية موضوعاً بحثياً شائع التداول من منظاري العلوم السياسية والعلاقات الدولية. ويحلل هذا الكتاب (التحول) من منطلق أنه تعطيل لمؤسسات مجتمع بعينه واستبدالها بمؤسسات أخرى. ففي الوقت الذي يمكن فيه للانتخابات أن تغير الشخصيات والأحزاب التي تتولى مقاليد الحكم مع إبقاء المؤسسات الرسمية سليمة يغير التحول هيكلية الحكم نفسها. لذا، يختلف التحول عن الإصلاح السياسي، فهو ليس مجرد تعديلات يتم إدخالها على مؤسسات رسمية للارتقاء بمستوى أداء نظام سياسي قائم، وإنما هو عملية تعطيل لمؤسسات نظام سياسي قائم واستبداله بنظام آخر. ولذلك، يمثل التحول ظرفاً مجتمعياً شاذاً، لأنه ينطوي على تغييرات جوهرية في المؤسسات المركزية لمجتمع بعينه.
في هذا الكتاب، يستعرض المؤلفون بالدراسة والتحليل أربعة عشر استطلاعاً للرأي العام أجراها مركز (ليفادا) في روسيا الجديدة خلال الفترة ما بين عامي 1992 و2005. ويُعَد مركز ليفادا أقدم وأشهر مؤسسة مسـتقلة غير ربحية لأبحاث استطلاعات الرأي العام في روسيا. واستخدم مؤلفو الكتاب هذه المجموعة من استطلاعات الرأي العام الروسي لتحديد كيفية تفاعل المواطنين العاديين في روسيا مع التحول الذي شهدته روسيا إثر انهيار الاتحاد السوفييتي.
وفي الحقيقة، تعيش الدول وتتحول بطرق خاصة بكل واحدة منها، لكن التحول السياسي يتجلى بأوضح صوره من خلال انهيار دول ونشوء أخرى. ومع أن حدود الدول تبقى ثابتة في لحظة تاريخية بعينها وفقاً للقانون الدولي، إلا أن هذه الحدود تتوسع أو تتقلص مع مرور الوقت لتظهر دول وتزول أخرى نهائياً من خريطة العالم. وحتى في حال بقاء حدود دولة بعينها على حالها، فإنه من الممكن للنظام السياسي ـ أي المؤسسات المركزية للدولة التي تربط الحكام بالمحكومين ـ أن يتحول. وفي الواقع، شهدت كل الأنظمة السياسية في الدول الشيوعية السابقة تغييرات جوهرية خلال حياة معظم مواطنيها، كما شهدت كثير من هذه الدول تغييرات في حدودها الجغرافية.
وخلافاً للتحول السياسي، فإن التحول الاقتصادي قد يحدث حتى من دون إجراء أي تغيير أساسي في الدولة أو النظام السياسي. ومع أن التركة السوفييتية جعلت النظام الروسي الجديد بحاجة إلى تحويل اقتصاده الموجه مركزياً إلى اقتصاد السوق، فقد باءت بالفشل كل الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس يلتسين في التسعينات لخصخصة الأصول الصناعية المملوكة للدولة، لأن القطاع الروسي الخاص لم يكن موجوداً أصلاً.
إن تجربة روسيا التحولية ظاهرة استثنائية بامتياز، لأن التحول الذي شهدته حدث بصورة مفاجئة وطال ثلاثة أبعاد مجتمعية مختلفة في آنٍ معاً هي الدولة والنظام السياسي والاقتصاد. ولذلك، يبقى وضع المجتمع الروسي مغايراً تماماً لوضع أي مجتمع آخر يمر بعملية تحول تدريجي تحدث خطواته في حقب مختلفة من تاريخه.
ففي القرن الماضي، مرت روسيا بتجربتين سجلت خلالهما تحولاً ثلاثي الأبعاد شمل كلاً من الدولة والنظام السياسي والاقتصاد. وجرى التحول الروسي الأول عقب ثورة عام 1917، التي قضت على الإمبراطورية القيصرية. حينذاك، أسس لينين دولة ذات حدود جديدة عُرفت باسم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية (الاتحاد السوفييتي)، ونظاماً شيوعياً بهدف تغيير ذهنية وسلوك شعوب الاتحاد السوفييتي. أما نظام ستالين، فقد حول اقتصاد روسيا المتخلف إلى اقتصاد صناعي موجه مركزياً، وكانت تعليمات الحزب الشيوعي وخطط البيروقراطيين تحدد السلع التي كان يجب إنتاجها.
وبدأ التحول الروسي الثاني عندما حاول ميخائيل غورباتشوف إصلاح النظام السوفييتي في أواخر الثمانينات. لكن النتيجة غير المقصودة لسياسة الغلاسنوست (الانفتاح) والبرويستريكا (إعادة الهيكلة) تمثلت بحدوث تحول آخر ثلاثي الأبعاد كان غورباتشوف بارعاً عندما وصفه بأنه تعدى أحلام أو كوابيس أي روسي. ومع نهاية عام 1991، تفكك الاتحاد السوفييتي إلى خمس عشرة دولة مستقلة. وبدلاً من استئثار الحزب الواحد ذي النـزعة الاستبدادية بالسلطة، أصبح الآن في روسيا نظام انتخابي متعدد الأحزاب، وغدا الروس يتمتعون بحريات كانوا قد حُرموا منها سابقاً.
ويرى مؤلفو هذا الكتاب أن التحول الذي حدث في روسيا بعد عام 1991، والذي سنشير إليه في بقية هذه القراءة بكلمة (التحول)، هو برنامج مكثف في إعادة التعلم السياسي غـيّر حياة الشعب الروسي، بالإضافة إلى تغيير نظام حكمه؛ وأشاروا إلى أن بعض التغييرات سارت نحو الأفضل، بينما سار بعضها الآخر نحو الأسوأ. فعلى سبيل المثال، مثّل النظام الجديد تحرراً فورياً من الدولة القمعية ذات الحزب الواحد، ولكنه تسبب أيضاً بتضخم مالي فاقت نسبته مائة في المائة، كما ألغى ضمانات العمل. وعندما بدأ تحول ما بعد عام 1991، كان الروسي العادي، رجلاً كان أم امرأة، متوسط العمر ومعتاداً على نمط حياة بعينه. وكانت أغلبية المواطنين الروس العاديين لا تعرف أي نظام سياسي آخر سوى النظام السوفييتي. لكن التحول عطل دور المعايير والمؤسسات الجماعية التي أوحت للروس العاديين كيف ينظمون حياتهم.
ويسعى هذا الكتاب لتحديد مدى تطور دعم الروس لنظامهم الجديد الذي ملأ الفراغ الذي خلفه التحول. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، استند مؤلفو الكتاب في مسعاهم إلى مصدر وحيد للأدلة، هو أربعة عشر استطلاعاً لمجمل الرأي العام الروسي في الفترة الممتدة بين عامي 1992 و2005. ويُظهر تحليل نتائج هذه الاستطلاعات أن الروس لا يختلفون في تقييمهم للنظام الحالي فقط، وإنما يختلفون أيضاً حول إمكان أو ضرورة استبدال ذلك النظام. وفي ضوء هذه الاختلافات، ينتقل الكتاب إلى هدفه الثاني المتمثل في توضيح أسباب دعم بعض الروس للنظام السياسي الجديد، بينما يعارضه البعض الآخر. ونظراً إلى أن مواقف عامة الروس إزاء هذا النظام تأرجحت بين طرفي نقيض منذ عام 1992، تركز هدف الكتاب الثالث حول فهم كيف عدل عامل الزمن مواقف عامة الروس من هذا النظام. فقد حلت معايشة تداعيات التحول الروسي محل الأحلام التي راودت الروس مع بداية ذلك التحول. وبينما يرى كثير من الروس أن النظام الجديد لا يحقق آمالهم ولا يجسد مُثلهم العليا، فإن معظم هؤلاء الروس غير المستعدين لتقديم أي دعم إيجابي لهذا النظام قد قبلوا به باعتباره أهون الشرين.
وتدور أطروحة الكتاب المركزية حول فهم تطور الدعم الشعبي للنظام الروسي الجديد على نحو يستحيل تحقيقه إلا من خلال أخذ أهمية عامل الزمن في الحسبان، فعندما يؤدي تحدٍّ دينامي ما إلى تعطيل الحياة السياسية لمجتمع بعينه ثم إلى تحويلها، يصبح كل من الشعب ونخبه السياسية مُرغماً على التكيف مع الوضع الجديد. وفي البداية، يتكيف الناس مع مثل هذا الوضع عبر الاستعانة بتجارب الماضي أو بدافع الآمال والخوف على مستقبلهم. لكن مع مرور الوقت، تتولد لدى الأفراد القدرة على تقييم النظام على أساس أدائه السياسي والاقتصادي الحقيقي. أما فهم دينامية تغيير الأنظمة، فإنه يتطلب من النخب السياسية الحاكمة توضيح خصائص الأنظمة الجديدة التي يُراد إرساؤها. ويصنف مؤلفو هذا الكتاب الأنظمة وفقاً لمعيارين، هما: احترام أو عدم احترام حكم القانون ومدى قابلية مساءلة النخب السياسية من قبل الشعب عبر الانتخابات الحرة. ويقول مؤلفو الكتاب إن نظام روسيا الاتحادية أصبح انتخابياً استبدادياً، لأنه ينظم الانتخابات من دون فرض الالتزام بحكم القانون. وأضافوا أن سنوات روسيا الاتحادية الأولى كانت مضطربة، فيما حاولت النخب السياسية استحداث المؤسسات السياسية والاقتصادية وبناء الدولة الروسية الجديدة، لكن منذ أن أصبح فلاديمير بوتين رئيساً للبلاد في عام 2000، اتخذ نظام الحكم في روسيا منحى تميز بدرجة أعلى من التنظيم والسيطرة، وهي عملية رسخت حكم الفرد بدلاً من تطوير الجانب الديمقراطي من النظام.
وتعكس استطلاعات الرأي العام التي أُجريت في روسيا الجديدة أوائل التسعينات تطلعات المجتمع الروسي عندما انطلقت عملية التحول. وعلى الرغم من أن كامل حياة الشعب الروسي كانت مؤدلجة، فإن القيم التي تبنتها أغلبية الروس تمثلت في الحرية والانفتاح ووحدة روسيا والديانة المسيحية. لكن في خضم التخبط الذي تخلل عملية التحول، برزت لدى الروس هموم يومية ملحة أيضاً، مثل الوقوف في طوابير لساعات طويلة من أجل الحصول على الخبز وانتظار أسابيع أو حتى شهور لقبض الأجور أو الرواتب، غير أن المهارات التي اكتسبها كثير من الروس خلال الحقبة السوفييتية ساعدتهم على التغلب على معظم الصعوبات التي واكبت عملية التحول، وتعلمت أغلبية الروس أيضاً التحلي بالصبر خلال تلك الحقبة.
وطبقاً للأدلة التي توفرها نتائج أربعة عشر عاماً من استطلاعات الرأي العام في روسيا الجديدة، اختلفت إجابات الروس دائماً كلما سُئلوا عما إذا كانوا يؤيدون النظام الحالي، علماً بأن النسب المئوية لمؤيدي هذا النظام لم تكن ثابتة. وهناك تباين مماثل في مواقف عامة الروس من الأنظمة البديلة، كالدكتاتورية التي يقودها رجل قوي أو العودة إلى النظام الشيوعي.
ومن المعروف أن علماء الاجتماع، الماركسيين وسواهم، يفسرون المواقف السياسية على أنها انعكاس لمستويات اختلاف التركيبة الاجتماعية، لكن الروس يعتقدون أن تأثير تركيبتهم الاجتماعية في تقييمهم للنظام الجديد وبدائله كان ضئيلاً.
إن العيش في ظل نظامين مختلفين يمكّن الروس من تقييم النظام الجديد بأنه أفضل من السابق أو أقل أو أكثر شراً منه. ويمكن لمستوى دعم نظام سياسي بعينه أن يعكس أيضاً ما إذا كانت المؤسسات الرسمية تُعَد جديرة بالثقة أم فاسدة، وما إذا كانت سياسات رئيس البلاد تحظى بقبول واسع أم لا. وتُظهر استطلاعات الرأي أيضاً أن تأثير القيم السياسية والأداء السياسي بالغ الأهمية، وأن هذا التأثير يتغير أحياناً نتيجة للتجربة المكتسبة مع مرور الوقت.
ولا تعكس مجموعة استطلاعات الرأي العام التي أُجريت في روسيا الجديدة حول المؤشرات الاقتصادية أهمية الاقتصاد في دعم النظام وحسب، وإنما تُبرز أيضاً أي العوامل الاقتصادية الوطنية أو الفردية هي الأهم في هذا الشأن. وأظهرت مجموعة استطلاعات الرأي العام الآنفة الذكر أن مرور الوقت ولّد دعماً سياسياً متوازناً للنظام الروسي الجديد، حيث بات كثير من الروس يسلمون بقبول ذلك النظام، على الرغم من رفضهم لأدائه الاقتصادي والسياسي.
ويُستدَل من التحول الروسي أن دعم الشعب الروسي للنظام الجديد قابل بطبيعته للتعرض لنكسات. وعندما تطرق مؤلفو هذا الكتاب لمسألة تحديد كل ما شأنه أن يعطل التوازن السياسي الذي ظهر في روسيا الاتحادية مؤخراً، خلُصوا إلى أن تأثير الاختلاف بين الأجيال المتعاقبة والتغييرات الاجتماعية في هذا التوازن قد يكون ضئيلاً في المستقبل المنظور. ويرى الروس أن مجتمعهم يواجه عدة مخاطر، كانتشار مرض الإيدز أو وقوع حادث نووي مدني، لكن هذ النوع من المخاطر لن يقوض الدعم السياسي للنظام إلاّ في حال تحميله مسؤولية كارثة ما. ويتمثل التحدي الوشيك الذي يواجه التوازن السياسي الداعم للنظام الروسي، في حدود فترات حكم رئيس روسيا الاتحادية؛ التي ستتطلب من الرئيس بوتين نقل مهمات منصبه إلى رئيس جديد يخلفه في عام 2008، أو تعديل الدستور أو انتهاكه. وسيُظهر رد فعل عامة الروس على إجراءات الرئيس المرتقبة مدى استمرارية الدعم الشعبي للنظام المقبل الذي ستُقِره النخبة السياسية في روسيا.
وأخيراً يحلل هذا الكتاب أربعة عشر استطلاعاً للرأي العام قام بها مركز ليفادا في روسيا الجديدة خلال الفترة ما بين عامي 1992 و2005. ويُعَد مركز ليفادا أقدم وأشهر مؤسسة مستقلة غير ربحية لأبحاث استطلاعات الرأي العام في روسيا. واستند مؤلفو هذا الكتاب إلى مجموعة استطلاعات الرأي العام المذكورة أعلاه لتحديد كيفية تفاعل الروس العاديين مع التحول السياسي الذي شهدته روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. وخلُص المؤلفون إلى استنتاج عام مفاده أن كثيراً من عامة الروس يرون أن النظام الجديد لا يحقق آمالهم ولا يجسد مُثلهم العليا، ولكن معظم هؤلاء الروس غير المستعدين لتقديم أي دعم إيجابي لهذا النظام قبلوا به باعتباره أهون الشرين.

مجلة آراء حول الخليج