array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 114

الخيارات المتاحة: استراتيجية للتصنيع وتوطين العمالة ومصادر تمويل حديثة مقترحات للتعامل الخليجي مع الأزمة المالية: تحويل أصول مالية من الخارج إلى إنتاجية بالدخل

الإثنين، 05 كانون1/ديسمبر 2016

بقدر ما كانت التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون قائمة ومدركة بشكل جيد من قبل حكومات المجلس، بقدر ما كان التعامل معها يتم ببطء وبدرجة من الثقة في أن وفرة النفط، وارتفاع الفوائض قادرة على التعامل مع هذه التحديات.

       لكن العالم يتغير، والتحديات أصبحت ضاغطة، وبدأت آثارها ونتائجها تؤثر على الواقع، ومن ثم صارت المواجهة حتمية وعاجلة.

ورغم تعدد تلك التحديات، إلا أن أهمها على الإطلاق هو تراجع عوائد النفط، والانخفاض المستمر في أسعاره العالمية، وبالإضافة إلى الاتجاه نحو النفط الرخيص، فإن التطورات التقنية العالية، يمكن أن تقود إلى مزيد من انخفاض الطلب على النفط حتى قبل نفاذ الاحتياطيات، مما سيفرض قيودًا على ماليات دول المنطقة، الأمر الذي دفع بها إلى اتباع سياسات انكماشية، والسعي لترشيد الإنفاق الحكومي، وزيادة الموارد من مصادر أخرى لم يكن الحديث يقترب منها في السابق.

وقد أدى التراجع المستمر في أسعار وعوائد النفط إلى تزايد وضوح المخاطر الناجمة عن الاعتماد الكبير على النفط، فضلاً عن القيود الموضوعية على قدرة هذا القطاع في خلق فرص عمل كافية للأجيال الحالية والقادمة والتي ضاقت بها الإدارات الحكومية.

              ومما لا شك فيه أن الطريقة التي سيواجه بها الإقليم تلك التحديات سيكون لها آثار هامة على ازدهار دول المجلس، ونوعية الحياة التي تعيشها سواء في الآجل والمنظور أو البعيد ولعقود قادمة.

       لذلك نستعرض في هذه المقالة أبعاد هذه التحديات، وما يمكن اقتراحه من استراتيجيات في مواجهتها، والتي ترتكز على:

  • الانتقال من توليد الدخل على حساب استنزاف الثروات، إلى توليد الدخل من أجل تراكم الثروات.
  • تحويل الأصول المالية بالخارج، إلى أصول إنتاجية بالداخل.
  • تطوير العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص من التبعية إلى الشراكة.

العالم يتشكل من جديد

       ما من شك أن تراجع أسعار النفط العالمية، واستمرارها منذ أواخر عام 2014م، حتى الآن، قد أدى إلى قيام الكثير من دول مجلس التعاون بمراجعة آفاق النمو المستقبلية، وأنماط التنمية المطبقة، وأوضاع المالية العامة في الدولة، وهي إجراءات كان يتم التحسب لها والتخطيط لمواجهتها ضمن سيناريوهات عدة في وقت الرخاء دون عناية كافية.

وقد أدى التراجع المستمر في أسعار وعوائد النفط إلى تزايد وضوح المخاطر الناجمة عن الاعتماد الكبير على النفط، فضلاً عن القيود الموضوعية على قدرة هذا القطاع في خلق فرص عمل كافية للأجيال الحالية والقادمة والتي ضاقت بها الإدارات الحكومية.

       لكن استمرار واقع الحال فرض على دول المجلس خيارًا صعبًا وهو التخطيط للمستقبل في ضوء أوضاع مالية صعبة، وظروف دولية غير مواتية، وواقع إقليمي غير مستقر، ولو كانت المسألة قاصرة على تراجع أسعار النفط العالمية، والمصاعب المالية الناجمة عنها فحسب، لهان الأمر كثيرًا.

       فالولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للمنطقة راجعت أولوياتها، وبدلت حلفاءها، ومقبلة على فترة رئاسية مختلفة عما سبقها تمامًا، خاصة فيما يتعلق بتلك العلاقة الإستراتيجية بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي، فما كان يفهم من سياق مجريات الأمور، أصبح يقال على الملأ، والفرق ليس كبيرًا في جوهره، وبترول الخليج لم يعد بذات الأهمية للغرب عمومًا، وللولايات المتحدة خاصة، كما أن المصالح السياسية تتبدل بتحكم تغير الحلفاء، والعالم يعاد تشكيله.

       كذلك فإن ثروة العالم ومراكز القوة الاقتصادية يعاد تشكيلها مع بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين باتجاه الشرق، مرتكزًا على معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة أحرزتها الصين لعقود ثلاثة منذ الزمن 1980-2010، وبزوغ اقتصاد الهند بمعدلات نمو تاريخية، مع بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، محتلاً بذلك مكانة الاقتصاد الصيني فيما يتعلق بمعدلات النمو والتنوع والتوجه للخارج.

ومع ذلك سيظل التحول النسبي في القوة الاقتصادية نحو الشرق، مدعومًا بما حققته الصين من إنجازات، جعلها تتخطى ألمانيا من حيث الأهمية النسبية في الاقتصاد العالمي عام 2007م، وتسبق اليابان عام 2011م، وتمركزت كثاني اقتصاد بعد الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، ليزيد نصيبها عن 14% كما تقول التوقعات عام 2020م، اعتمادًا على حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

       صحيح أن الاقتصاد الأمريكي سيظل في الأجل المنظور وحتى عام 2030م، في صدارة الاقتصاديات العالمية، رغم تراجع أهميته النسبية في الاقتصاد العالمي، وسيظل الاتحاد الأوروبي، أكبر تكتل في العالم، متفوقًا على الولايات المتحدة، مستفيدًا مما تحققه الدول الأعضاء الجدد من نمو اقتصادي.

بدايات حقبة ما بعد النفط

       بعد عقد من الزمان سجلت فيه أسعار النفط ارتفاعًا غير مسبوق، عادت الأسعار للهبوط في أواخر 2014م، باتجاه تصحيح مؤقت للأسواق، وحققت الأسعار انخفاضات دراماتيكية من أكثر من 100 دولار إلى أقل من 30 دولار للبرميل، واستمرت عند مستويات منخفضة لفترة طويلة لم تكن متوقعة.

وألقت هذه التطورات بظلال من القلق والشك على الاقتصادات التي تعتمد على النفط خاصة دول مجلس التعاون الخليجي طوال العام المنصرم 2015م، ولا تزال قائمة عام 2016م، مما دفع بالكثير من الحكومات لمراجعة ميزانياتها، والتخطيط لفترات صعبة قادمة، وبدأ الأمر بإجراءات مالية تقشفية، تمثل ذلك في تخفيض دعم بعض المنتجات، وتخفيض الإنفاق على المشروعات غير الحيوية، وهو ما أثر بشكل مباشر على أنشطة القطاع الخاص، وعلى معدلات النمو الاقتصادي بشكل عام.

       ذلك أن اقتصاديات مجلس التعاون لا تعتمد فحسب على استنزاف ثرواتها من النفط كمصدر رئيسي للدخل، ولكن الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري يمثل المحرك الأساسي لبقية أنشطة الاقتصاد الوطني، والوقود المحرك لباقي القطاعات، خاصة القطاع الخاص، والعائلي، حيث يعد الإنفاق الحكومي كالمضخة التي تغذي باقي القطاعات وتبعث الحياة في النشاط الاقتصادي.

       وتحملت الشركات العاملة في مجال الطاقة تبعات الصدمة، واضطرت إلى تقليص حجم العمالة، بينما تضررت كثير من شركات المقاولات التي يقوم نشاطها الرئيسي على المشروعات الاستثمارية التي تمولها الحكومة من موازناتها، خاصة المشروعات الجديدة.

       ورغم أن القطاعات التي تعتمد على نمو السكان، وعلى الإنفاق الاستهلاكي مثل قطاعات تجارة التجزئة والخدمات الصحية، لم تتأثر بشكل فوري بتلك التطورات واستطاعت أن تتكيف بشكل أسرع وأن تحقق معدلات أداء أفضل من الاقتصاد الوطني بشكل عام، إلا أن ما بدأ من اتجاهات نحو تخفيض مستويات الأجور، خاصة في القطاع الحكومي، وانعكاسات ذلك على الأجور في القطاع الخاص، متأثرة بانخفاض الإنفاق الحكومي، يمكن أن يمثل واحدًا من أهم مصادر الركود المتوقع، وتأثر مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي بها.

       وفي ظل التوقعات باستمرار انخفاض أسعار النفط، خاصة مع المصاعب التي تواجه أوبك في تقليص المعروض من النفط في السوق العالمي، فمن المؤكد أننا أمام مؤشرات واضحة إيذانًا بحقبة جديدة، وبيئة مختلفة لما بعد الرواج، وعلى دول مجلس التعاون أن تواجه واقعها باستراتيجيات جديدة، وقد بدأت أسواق العمل بها تعكس تلك الاتجاهات، وبدأ الكثير من العاملين بالبحث عن سبل لإعادة تأهيل أنفسهم مع حقائق السوق الجديدة، كما أن عمليات التوظيف لدى الكثير من أصحاب الأعمال، قد تراجعت بشكل واضح، وصارت حذرة أكثر.

       وإذا كانت حقبة النفط قد تميزت بأن إنتاج النفط، وعائداته، تمثل المصدر الرئيس للناتج المحلي الإجمالي، وهي التي تقود الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن مستوى الأجور والمرتبات في الحكومة والقطاع الخاص هي التي تحدد الإنفاق الاستهلاكي، وتقود أنشطة القطاع الخاص في مجالات كثيرة كالتجارة، والتوزيع، والخدمات الصحية والاتصالات.

وتختلف إجراءات التقشف من قبل حكومات مجلس التعاون الخليجي، عن السياسات الانكماشية التي تطبقها الدول المتقدمة في حالات التضخم، والسعي لكبح جماحه، خاصة من حيث السياسات والأدوات الاقتصادية المطبقة، ففي حين يمكن الاعتماد على كل من السياسات المالية والنقدية في الدول المتقدمة، يقتصر الأمر في دول المجلس على السياسات المالية، وتصب مباشرة في دالة الإنفاق الكلي، المحدد الرئيس للنشاط الاقتصادي في اقتصادات دول المجلس.

       وقد انعكس ذلك على مدفوعات الأجور في القطاع الخاص بشكل واضح حيث تراجعت معدلات نموها في دول مثل البحرين والكويت، والإمارات، وإلى حد ما في السعودية وعمان وقطر، يضاف إلى ذلك تحول سياسات الأجور لدى رجال الأعمال نحو ربط الأجر بالأداء والإنتاجية.

       ورغم ضرورة تأثر حجم الإنفاق الاستهلاكي بمستوى الدخول في الأجل الطويل والمتوسط، إلا أن التعديل في نمط الإنفاق وتوزيع الدخل بين الاستهلاك والادخار لدى الأفراد، يستغرق بعض الوقت، مما يحول دون تأثر الإنفاق الاستهلاكي بانخفاض مستويات الأجور والدخل في الأجل القصير.

       لذلك فسوف يستمر الإنفاق الاستهلاكي الخاص عند مستوياته المرتفعة لبعض الوقت حتى يقوم الأفراد بتعديل أنماط الاستهلاك وتخصيص الدخل المخصص للاستهلاك، بين أوجه الإنفاق المختلفة.

       ومما يزيد من تأثير تلك الاتجاهات الانكماشية، على مستوى النشاط الاقتصادي، ما قامت به معظم حكومات دول المجلس من تخفيض أو إلغاء الدعم عن بعض السلع، ورفع الرسوم الحكومية على بعض الخدمات، كما شهدت أسعار وقود السيارات ارتفاعات ملحوظة، شكلت عبئًا على ميزانية الأسرة التي اعتادت نمط السيارات الكبيرة المستهلكة للوقود.

       وإذا امتد تأثير الارتفاع في أسعار وقود السيارات إلى أسعار بعض المنتجات والخدمات التي يعد الوقود أحد مدخلاتها الأساسية، فسوف ترتفع أسعار تلك المنتجات، وتزداد حدة ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة، ما لم يقابله انخفاضًا في بعض بنود الإنفاق مثل الإيجارات.

نمو معتدل للأعمال

تأثرت معدلات نمو الأعمال والناتج في دول مجلس التعاون بالانخفاض في عوائد النفط، وبافتراض استمرار انخفاض أسعار النفط للعام الثالث على التوالي، فإن معدلات النمو الاقتصادي ستستمر عند معدلاتها المتدنية منذ الأزمة المالية 2008/ 2009م.

       ورغم أن حكومات مجلس التعاون لا تزال تنفذ استثماراتها الأساسية والحرجة، باللجوء بحذر إلى احتياطاتها من الفوائض البترولية لتعويض النقص في إيراداتها الجارية، إلا أن استمرار انخفاض أسعار النفط، دون تحسن ملحوظ لفترة طويلة سوف يجبر تلك الحكومات على خفض مصروفاتها.

       وقد دفع ذلك الكثير من المنشآت في قطاعات عديدة إتباع سياسات حذرة فيما يتعلق بعمليات التوظيف، وباستثناء قطاع خدمات الرعاية الصحية، عمدت تلك المنشآت إلى مجرد عمليات الإحلال أو تأجيل خطط التوظيف الجديدة حتى تتضح الصورة في الأسواق بشكل أفضل، أما بالنسبة للمنشآت التي تخطط للتوسع في العام القادم، فالفرصة أمامها سانحة للحصول على كفاءات عالية بأجور أقل.

       لكن الوضع في نهاية الأمر ليس مريحًا بالنسبة للعمالة الوطنية، خاصة مع تزايد عدد الداخلين إلى سوق العمل من خريجي الجامعات والمعاهد العليا وغيرهم، ومع تشدد الحكومات في عملية التوظيف الجديدة، سوف تزداد المسؤولية على القطاع الخاص، وهنا يصبح الأمر في حاجة إلى سياسات جديدة تعالج الاختلالات الأساسية في أسواق العمل بالمنطقة.

       ذلك أنه بجانب الاتجاه الحديث من جانب الكثير من المواطنين لقبول العمل بالقطاع الخاص، وفق ظروفه المختلفة عن العمل بالحكومة، وحتى في ظل انخفاض مستويات الأجور، إلا أن ذلك لا يحل مشكلة البطالة المتفاقمة ولا يلبي الطموحات التي سعى الشباب لتحقيقها عند التحاقهم بالجامعات والمعاهد العليا.

استراتيجية مقترحة للخروج من الأزمة

1-اتباع السياسات الجديدة        New Policies

الانتقال من توليد الدخل على حساب استنزاف الثروات، إلى توليد الدخل من أجل تراكم الثروات.

بداية لا يمكن حل مأزق ما بالاستمرار في اتباع نفس السياسات التي أدت إلى حدوثه، فالاعتماد على النفط كمصدر للدخل لسنوات طويلة، يأتي في طليعة أسباب الأزمة، والاعتماد على الإنفاق الحكومي كأداة لتحريك النشاط الاقتصادي، وراء استمرار الأزمة.

وقد حان الوقت لعهد جديد، تكتسب فيه عوائد عناصر الإنتاج، الأجور، والريع، والفوائد، والأرباح، من تولد القيمة المضافة، الناشئة عن تضافر كل عناصر الإنتاج في تكوين طاقات وأصول إنتاجية مادية من آلات ومعدات وتجهيزات، وبشرية ممثلة في رأس المال البشري من خلال تزويدها بالمعارف والمهارات، فضلا عن مدخلات التقنية، ورفع الإنتاجية الكلية للعناصر.

لذلك فإن خطط تنويع هيكل الاقتصاد الوطني ظلت تراوح مكانها، لسنوات طويلة، حيث لم تتغير منهجية توليد الدخل من خلال استنزاف الثروات الطبيعية، ومن ثم لم يكن هناك مجال لتكوين طاقات وأصول إنتاجية تساعد في توليد دخول كافية خارج هذا الإطار.

والحقيقة أنه لا سبيل للخروج من الأزمة ما لم يحدث تغير جذري في منهجية توليد الدخل، مما كان عليه الحال لسنوات طويلة، حيث كان ولا يزال يتم توليد الدخل من خلال استنزاف واستهلاك ثروات النفط والغاز، إلى منهجية جديدة بحيث يتم توليد الدخل، من تضافر المدخلات الأساسية من رأس المال المادي، ورأس المال البشري والتقنيات الحديثة، وبعدها تتراكم أرصدة الاقتصاد من الأصول الإنتاجية، ويتم تكوين الثروات سواء المادية أو المالية.

2-بناء القدرات والطاقات الإنتاجية

تحويل الأصول المالية بالخارج، إلى أصول إنتاجية بالداخل.

تشير التجارب العملية، ونظريات النمو إلى أن مدخلات دالة الإنتاج والدخل ترتكز على رأس المال المادي، ممثلاً من الإنشاءات والآلات والمعدات والتجهيزات، وعلى رأس المال البشري ممثلاً فيما يمتلكه من معارف ومهارات تشكل قوة عمل معرفية، وتقنيات حديثة، ممثلة في الابتكارات التي تنتجها الجامعات في مراكزها البحثية، والشركات في مراكز البحث والتطوير.

وترتكز استراتيجية بناء القدرات والطاقات الإنتاجية على تحويل الأصول والأرصدة المالية المتراكمة، إلى أصول إنتاجية، وأرصدة من رأس المال المادي، والبشري، والتقنية، والسبيل إلى ذلك هو السحب من الاحتياطات المتراكمة وتسييل جانب منها وتحويلها من استثمارات مالية خارجية، إلى أصول إنتاجية داخلية.

   ولا يرتبط ذلك فحسب بالظروف العالمية غير المستقرة حاليًا، لكنها توجه، استراتيجي أصبح حتميًا، فحماية الأجيال القادمة إنما تكون بتوريثهم قدرات وأصول إنتاجية (مادية، وبشرية وتقنية) من خلال استغلال الاستثمارات المالية (الأوراق المالية كالأسهم والسندات الأجنبية)، وتحويلها من استثمارات مالية خارجية، إلى أصول إنتاجية محلية، بحيث تصبح توجها استراتيجيًا حتميًا.

حيث يتم تحويل تلك الفوائض إلى استثمارات عينية في أصول إنتاجية سواء كانت مادية كالآلات والمعدات والتجهيزات، أو في رأس المال البشري وخلق كوادر بحثية عالية المهارات، ومزودة بالمعارف الحديثة، وتخريج الطلاب من الجامعات لديهم قدر مناسب من المعارف الحديثة، والمهارات العالية للعمل في المشرعات عالية التقنية، وتشجيع البحث العلمي بالجامعات والمراكز البحثية، ومراكز البحث والتطوير بالشركات، على الابتكار وإنتاج تقنيات حديثة.

3-شراكة جديدة بين الحكومة وقطاعات الأعمال

تطوير العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص من التبعية إلى الشراكة

من الحقائق الثابتة أن قطاعات الأعمال الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، قد ساهمت بشكل كبير في تنويع وتطوير هياكل الإنتاج بتلك الدول، رغم حداثتها، ورغم القيود التي تفرضها بيئة العمل التي تمارس فيها أنشطتها، من بيروقراطية، وتعقد الإجراءات، وغيرها من مؤشرات ممارسة الأعمال، وإن تباينت درجة التعقيد من دولة إلى أخرى.

لكن النهج الجديد للتنمية، بعيدًا عن القطاع الرائد، وهو النفط، وعن الإنفاق الحكومي، كمحرك للنشاط، يقتضي شراكة من نوع جديد بين الحكومة والقطاع الخاص، حتى يمكن له الولوج إلى مجالات النشاط الجديدة، كالصناعات التحويلية، وغيرها من مجالات النشاط الاقتصادي.

 وتقوم الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال مبادرات حكومية لإنشاء تجمعات صناعية، توفر لها عناصر البنية الأساسية والمرافق، وتشارك الحكومة في رأس المال عند بدء الأعمال في الصناعات التحويلية الحديثة التي تعتمد على مدخلات من التقنية العالية، والتي بطبيعتها تعد عالية المخاطر، وفي حاجة إلى تمويل من نوع خاص من التمويل المخاطر Venture Capital.

 ويمكن للجامعات الحكومية والخاصة أن تقوم بدور أساسي في هذا المجال حيث تتوفر بها قدرات على البحث والتطوير R&D والابتكار، والتوصل إلى تقنيات حديثة، بحيث تقوم حول كل جامعة من الجامعات المنتشرة في أنحاء بلدان المجلس مجمعات رأس المال المخاطر venture Capital Complexes على غرار الجامعات العالمية مثل: كاليفورنيا (وادي السيلكون في سان فرانسيسكو)، ماساشوسيتس (بوسطون).

       ويساعد تمركز المجمعات التقنية حول مراكز البحث والتطوير في الجامعات والمعاهد العلمية والشركات الكبرى، على توفير مخرجات عالية التقنية من الابتكارات، حيث تمثل الشراكة بين الجامعات وقطاعات الأعمال بالمجتمعات الإقليمية، حوافز كافية وضمانات مطلوبة لرواد الأعمال من خلال تخفيض مصاعب بدء الأعمال في مثل تلك المشروعات، كما أن شركات التمويل المخاطر وخبرائها يمكن أن تقدم خبراتها واتصالاتها، لتقليل الكثير من تكاليف الحصول على المعلومات اللازمة لبدء الأعمال الجديدة.

       وتوفر تلك الشراكات دعمًا أساسيًا لرواد الأعمال تساعد في التحفيز على بناء طاقات إنتاجية جديدة في مجالات التقنية المتقدمة، تنتشر في مناطق تفتقد مناخ أعمال موات، وبنية أساسية من التقنية، ويساعد في حشد موارد التمويل المحلية إلى مشروعات واعدة، وتوجيه رأس المال المخاطر إلى مناطق تقنية عالية ومستقرة.

       وكما يشير تقرير الإيكونوميست، فإن إصلاح نظم التعليم تمثل المدخل الأساسي لنجاح التحول من الاعتماد على الثروة المتولدة من النفط، إلى الثورة المتولدة عن رأس المال البشري، من خلال الاستثمار في التعليم والتعلم، بتزويد قوة العمل بالمعارف الحديثة، وإكسابهم المهارات المتقدمة التي تحتاجها عملية التحول من اقتصاد قائم على قطاع أولي إلى اقتصادات متنوعة يضم قطاعات عالية القيمة المضافة.

       4-خيارات لابد من حسمها

هناك عدد من الخيارات أمام متخذي القرارات وصانعي السياسات في دول المنطقة:

  1. وضع استراتيجيات للتصنيع والمفاضلة بين التركيز على المجالات التي تتمتع فيها بميزات تنافسية (الصناعات كثيفة الطاقة) وبين تقليل الاعتماد على الصناعات الكربوهيدرات.
  2. البحث عن مصادر تمويل حديثة للموازنة العامة، وهو ما سوف يقتضي المفاضلة بين إدخال نظم ضريبية على الدخل وعلى الشركات، وغيرها من الضرائب على الإنفاق، والثروة، أو البقاء على عدم وجود ضرائب كأحد الحوافز الأساسية.
  3. الاستمرار في إتباع سياسات توطين الوظائف في مقابل سياسات عمل أكثر مرونة، ولعل من أهم التحولات الواجبة في مجال بيئة الأعمال، تلك المتعلقة بعلاج الاختلالات الهيكلية في سوق العمل، وتطوير نظم الأجور، وإجراء تغيرات أساسية في طبيعة عقود العمل للأجانب، وهو الاتجاه الذي بدأته قطر فيما يتعلق بنظام حماية الأجور والكفالة والذي سيطبق اعتبارًا من ديسمبر 2016م، والتحول من العقود السنوية إلى العقود الدائمة، وغيرها من نظم العمل والإقامة، وجعل عملية التوظيف أسهل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزير ومستشار وكيل الجامعة للأعمال والإبداع المعرفي

المراجع:

The Economist  Intelligence Unit Limited 2010

Gulf Talent. Employment and Salary Trends in the Gulf. 2016

مجلة آراء حول الخليج