array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التوافق الوطني في البحرين: الفرص والتحديات

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

البحرين كأي دولة من الدول العربية أو النامية، يتجاذب العمل السياسي فيها منهجان رئيسيان يؤثر كل منهما في مرحلة تاريخية من التطور السياسي للمجتمع والدولة، وهذان المنهجان هما منهج تطوير النظام السياسي أومنهج تغيير النظام السياسي. وما يحدث في البحرين بين الآونة والأخرى من أحداث سياسية، يمكن أن يلخص بشكل مبتسر هنا، بتغير المنهج وارتفاع مستوى الاحتدام والصدام في العمل السياسي وفقاً للأطراف الفاعلة فيه والمنهج الرئيسي الذي يحكم أجواءه.

ويبدو هذا التحليل والتصنيف جلياً في المراحل المختلفة لتطور العمل السياسي في البحرين منذ عقد العشرينات والثلاثينات وحتى أواخر الستينات، مروراً بمرحلة السبعينات في القرن المنصرم، حيث كان التيار المدني / الليبرالي في الصدارة. ومرحلة تفجر الثورة الإيرانية في عام 1979 وما بعدها وبالأخص بعد عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين في العراق، حيث بات التيار الإسلامي بشقيه السني والشيعي في الصدارة.

ومن هنا فإن ما يميز مراحل ما بعد الثورة الإيرانية عام 1979 عن المراحل التى سبقتها، هو التغير في الأطراف السياسية الفاعلة ومنهجها المتبع في العمل السياسي. فقد تم الانتقال من منهج تطوير النظام السياسي دون المساس بقمة الهرم إلى منهج تغيير قمة الهرم والنخبة السياسية الحاكمة عبر تغيير النظام السياسي ككل. يضاف إلى ذلك وبشكل استراتيجي تغير اللاعب الرئيسي في مواجهة الدولة، حيث أدى ضعف التيار الإصلاحي المدني /الليبرالي الذي تبوأ الصدارة في مراحل العمل السياسي لما قبل الثورة الإيرانية إلى تقدم التيار الإسلامي وبالأخص القوى الثورية المنبثقة عن رؤية سياسية وفكرية شيعية الجوهر والارتباط. كما لعبت التطورات السياسية الإقليمية بالأخص سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وسيطرة قوى سياسية تنطلق من ذات المنبع الفكري والسياسي تشكل الامتداد الطبيعي للقوى السياسية الإسلامية الشيعية المتصدرة للعمل السياسي في البحرين.

ما حدث في 14 فبراير 2011 عبر في بداياته عن مطالب سياسية مشروعة تمحورت حول الإصلاح الدستوري والسياسي وتحسين ظروف المعيشة وحل المشكلات الاجتماعية التى يعاني منها قطاع كبير من المواطنين، وعبرت هذه المطالب عن منهج التطوير للنظام السياسي وتحسين الأداء الحكومي. وهي مواضيع دستورية وسياسية تتصل بمسائل الإصلاح الهيكلي لنظام الحكم وتتعلق بتطوير أداء السلطات الثلاث في الدولة الديمقراطية الحديثة، كما تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بهدف تحسين الرقابة على ممارسة السلطة وإدارة المال العام وما يرتبط بها في خطوات تالية من إصلاح وظيفي لأداء السلطة التنفيذية بما يحقق تقدم الدولة والمجتمع وفقاً للمصلحة الوطنية.

لكن هذا المنهج القويم والذي حدد مسار تطور العديد من الدول الديمقراطية في الغرب، لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تغلب عليه نهج الثورة وتغيير نظام الحكم وإسقاط النخبة السياسية الحاكمة، عندما ارتفعت شعارات متطرفة من قبل حركات سياسية معارضة غير مرخصة لا تعترف بالنظام أو القانون أو الدستور وتدعو إلى إسقاط النظام وتمارس خطاباً يتطاول على أبرز رجالات القيادة السياسية التى تستمد شرعيتها من التاريخ الذي حكمت فيه العائلة الحاكمة والدستور وميثاق العمل الوطني والتوافق الشعبي باعتبارها من الثوابت الوطنية، حيث ترافقت هذه الشعارات المتطرفة مع تحركات خرجت عن موقع التجمع في دوار مجلس التعاون، وتمددت نحو الشوارع المجاورة والمرفأ المالي والمنطقة الدبلوماسية وقامت بقطع شارع الملك فيصل الحيوي بالمتاريس والحواجز ومنعت الحركة المرورية في عدة من الطرق الرئيسية.

 بعد التطورات المؤسفة التى رافقت سقوط عدد من المواطنين قتلوا برصاص الأمن أعلن جلالة الملك تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في أسباب الأحداث وسقوط القتلى من المتظاهرين، كما أعلن وزير الداخلية أسفه لسقوط القتلى وتم إعلان الحداد الوطني عليهم ليوم واحد. في نفس الوقت أعلن سمو ولي العهد في البحرين دعوة للحوار الوطني من على شاشة التلفزيون الوطني، وشكل وفداً من وزير العمل وشخصيات مقربة من التيار الإسلامي المعارض للقاء بالقوة السياسية الأكبر في الحركة السياسية البحرينية وهي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وتم الاتفاق على التهدئة مع السماح للمتظاهرين بالبقاء في الدوار حيث تم سحب قوات الأمن العام، على أن يتم الالتزام بالبقاء فيه لفترة معينة خلال الحوار ما دام التعبير عن المطالب سلمياً والشعارات المرفوعة تتعلق بالإصلاح السياسي وتحسين مستوى المعيشة.

ويبدو أن الوضع في الدوار قد أدى إلى زيادة حدة المنافسة بين الجمعيات السياسية والحركات غير المرخصة المعارضة بشدة لأي حوار مع السلطات، إذ ارتفعت شعارات غير منطقية تدعو إلى إسقاط نظام الحكم وحدث اقتحام للدوار من قبل قوات الأمن سقط على أثره عدد إضافي من القتلى من المتظاهرين. وقد أدت عودة أحد قيادات إحدى الحركات السياسية الرافضة للحوار مع سلطات الدولة، إلى ازدياد حدة الموقف وتطور الوضع في الدوار، حيث بدأت بعض المجموعات من التوجه نحو مواقع مؤسسات الدولة مثل مجلس الوزراء ومقر وزارة الداخلية وزاد من حدة الموقف واحتدامه تعمد بعض الحركات السياسية التوجه إلى مواقع سلطات الحكم، حيث صممت مجموعات محددة على التظاهر أمام الديوان الملكي وفي وقت لاحق تظاهرت أمام قصر الصافرية، مقر إقامة جلالة الملك.

وفي كل هذا الخضم، كان الحوار بين سمو ولي العهد وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية مستمراً، بل إن ولي العهد عرض على المعارضة سبعة مبادئ أساسية لمعالجة الوضع الدستوري والسياسي والاجتماعي، لكن من المؤسف القول إن الجمعيات السياسية المرخصة والممثلة للمعارضة تلكأت كثيراً في التقاط المبادرة وبدلاً من التمسك بها قدمت مطالب غير واقعية تمثلت في المطالبة بإلغاء الدستور وحل الحكومة وحل مجلسي الشورى والنواب بل إن بعض القوى السياسية دعت إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وترافق مع هذه المطالب تنظيم مظاهرات تحت الشعارات نفسها ومحاصرة مجلس الوزراء ومجلس الشورى وتعطيل اجتماعاتهما المقررة، وضغطت من أجل استقالة بعض الأعضاء فيهما. وعلى ما يبدو فقد اعتبر البعض أن ما قدمه سمو ولي العهد مؤشر ضعف فصعد من مطالبه وتحركاته على الأرض.

البعض من داخل هذه الجمعيات بات اليوم يلوم قياداتها لأنها كانت مترددة في حسم موقفها من مسألة المبادئ السبعة، وبالأخص من محاولات كسب الوقت التي كانت الحركات السياسية غير المرخصة المعارضة تعمل على فرضها على الجمعيات الأخرى، بحجة أن النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط. وقد ترافق مع هذا التباطؤ في حسم الموقف إزاء عرض ولي العهد، والتصعيد غير المنطقي وغير المقبول والذي تركز في الدعوة للإضراب العام من قبل الاتحاد العام لعمال البحرين، والدعوة للعصيان المدني من قبل الحركات السياسية غير المرخصة المعارضة، ترافق صدامات متعددة مع قوى الأمن في المرفأ المالي حيث عملت بعض الحركات غير المرخصة على منع العاملين فيه من الدخول إليه، مما عطل مصالح المؤسسات العاملة فيه.

وعلى الرغم من أن دعوة سمو ولي العهد كانت فرصة قل نظيرها لتطوير النظام السياسي في البحرين بخطوات واسعة وتحقيق قفزة نوعية في الإصلاح والتقدم السياسي، لكنها ضاعت من جراء غياب العقلانية والخبرة السياسية لدى بعض أطراف المعارضة والمراهنة على إسقاط النظام من قبل بعض الحركات غير المرخصة وتردد بعض الجمعيات السياسية في البقاء بعيداً عن مثل هذا الاحتمال غير العقلاني والخاسر تكتيكياً واستراتيجياً.

ولكي تكون الصورة واضحة عن توجهات وقدرات فصائل المعارضة في البحرين نوجز ها هنا بعض المعلومات عن المعارضة مما يتسع له المقام. حيث تتكون المعارضة في البحرين من جمعيات ليبرالية (إن صح التعبير) وجمعيات سياسية إسلامية المنطلقات شيعية الفكر والهوية، بالإضافة إلى عدد من الحركات السياسية غير المرخصة وجميع هذه الحركات تنطلق من فكر إسلامي بهوية شيعية أيضاً. ويتكون الجانب الليبرالي من المعارضة من ورثة التوجهات السياسية والفكرية السابقة مثل حركة القوميين العرب وتطوراتها إلى اليسار القومي الماركسي والحركة الشيوعية وحزب البعث. ويمثل تلك التوجهات الفكرية جمعيات مثل جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وجمعية التجمع الوطني الديمقراطي: وجمعية المنبر التقدمي الديمقراطي (المنبر) وجمعية التجمع القومي الديمقراطي بالإضافة إلى جمعية الإخاء الوطني وهي جمعية سياسية تؤطر المواطنين من أبناء البحرين من ذوي الأصول الفارسية.

وفي الجانب الآخر يتكون الجزءالأكبر حجماً وتأثيراً في المعارضة من جمعيات تعود في جذورها الفكرية والسياسية إلى حزب الدعوة العراقي والتيار الشيرازي في إيران، وتمثلها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية وهي أكبر الجمعيات السياسية حجماً وقوة جماهيرية إلى جانب جمعية العمل الإسلامي ذات التأثير الأقل نسبياً. يضاف إلى ذلك عدد من الحركات الإسلامية ذات التوجه الفكري المشابه لحركة الوفاق الوطني الإسلامية وهي حركة حق وحركة الوفاء الإسلامي ومركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحل) وحركة خلاص بالإضافة إلى حركة أحرار البحرين التي توجد قيادتها بشكل رئيس في لندن. وقد شكلت بعض هذه الحركات المعارضة ما عرف خلال الأحداث بــ (التحالف من أجل الجمهورية).

وفي ضوء التطورات المؤسفة وفقدان عدد من المواطنين ورجال الشرطة لأرواحهم من جراء المواجهات العنيفة، وما نجم عن الأحداث من توتر في العلاقات الوطنية، دعا جلالة الملك إلى عقد مؤتمر لحوار التوافق الوطني لمناقشة كيفية الخروج من الوضع الناجم عن تلك الأحداث، وصياغة توافقات وطنية تؤدي إلى حل المشكلات العالقة التي تطالب بها بعض قطاعات الشعب. وليس من شك أن هذه الدعوة تشكل طوق نجاة للبحرين من الاستمرار في تعميق الخلافات وعدم وضع حد للتباين في الآراء حول مستقبل البحرين ومن أجل أفضل السبل للتعافي من آثار الأحداث المؤسفة التى عصفت بالبحرين. وعلى الرغم من علو سقف بعض المطالب السياسية وتعلقها بإجراء تغييرات عميقة في الإدارة السياسية للدولة، من مستوى انتخاب الحكومة من قبل مجلس النواب أو إلغاء مجلس الشورى وإجراء تعديلات دستورية تحقق ملكية دستورية على غرار الملكيات الدستورية في أوروبا، فإن بعضاً من هذه المطالب منطقية نظرياً والتي يشير إليها الميثاق والدستور، ويمكن التوافق حولها في إطار زمني على المدى المتوسط، لتتوفر لتنفيذها حالياً شروط أساسية وجوهرية.

فعلى سبيل المثال، فإن مطلباً مثل الحكومة المنتخبة لا يمكن تنفيذه في ظل الاحتكام لتوازن يقوم على قاعدة حزبية ذات صبغة فئوية وسيطرة ذهنية محورها إسقاط النظام. بالإضافة إلى ذلك الارتباط بمرجعية مذهبية محلية وإقليمية غير ودية مع النخبة الحاكمة إلى جانب الاختلال الشديد في الثقة المتبادلة والظنون بوجود علاقات مع قوى إقليمية دولية تشكل تهديداً للأمن الوطني. أو لوجود مخاوف بأن تكون الحكومة المنتخبة مقدمة للإخلال بالثوابت الوطنية وبميزان القوى الوطني وتحقيق هدف تغيير النظام بوسائل مؤسسية في أية فرصة سانحة. هذه المخاوف المؤدية إلى تعميق عدم الثقة تؤدي لتعطيل آليات الوصول إلى توافقات وطنية مرحلية تحقق الإصلاح السياسي والدستوري المرغوب استراتيجياً. والأمر يتطلب تغيراً في الذهنية السياسية والممارسة العملية على أرض الواقع وعلى مستويات عديدة من بينها قيام جمعيات سياسية لا ترتبط بالطوائف أو الهويات المذهبية، والقبول بالدولة المدنية فعلياً دون انتقائية، وتكريس قيم الثقافة السياسية الديمقراطية وبناء ثقة متبادلة ومد جسور التواصل مع الأطراف الرئيسية في العمل السياسي لتكريس الممارسة الفعلية وليس عبر الشعارات السياسية العامة. هذه المعايير هي شروط ضرورية عامة للتقدم السياسي والسير إلى الأمام.

ولعل ما يمكن لدول الخليج أن تلعبه في هذا الإطار هو أن تعزز العلاقات السياسية والاقتصادية بالإضافة إلى البنية العسكرية والأمنية لإظهار الوحدة الإقليمية إزاء المخاطر الخارجية، وإرسال إشارات لمصدر التهديد الأمني المحتمل في الخليج بأن البحرين مهما تكن مشكلاتها الاقتصادية أو السياسية ليست وحيدة في حل تلك المشكلات وأن التوازن الداخلي فيها ليس مفصولاً عن التوازن العربي في منطقة مجلس التعاون، كذلك فإن التطورات السياسية فيها لا بد أن تكون متوافقة مع الاستقرار والأمن القومي العربي الخليجي.

وفيما يتعلق بالتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، فقد أبدت السلطات في إيران الكثير من المؤشرات على رغبتها في رؤية تغيير للنظام السياسي في البحرين - واعتبرت أن دعم مجلس التعاون للبحرين، على رغم رمزية هذا الدعم وعدم احتكاك القوات المحدودة التي دخلت إلى البحرين بناء على اتفاقية دولية مقرة وشرعية - فإن الإعلام الممول من قبل إيران شن حملة ظالمة ضد البحرين والمملكة العربية السعودية الشقيقة وكال التهم المغالى فيها لمجرد تحقيق أهداف سياسية تنسجم مع مزاعم بالسيادة على البحرين في مراحل تاريخية سابقة على السيادة العربية على إقليم مملكة البحرين، على رغم معرفة السلطات الإيرانية بأن شعب البحرين متمسك بهويته العربية الخليجية مهما تعالت مزاعم إيران تلك. ولعل من يراقب الإعلام الممول من قبل إيران حتى هذه الأيام يتضح له حجم التدخل السياسي الإيراني في الشؤون الوطنية البحرينية وتشجيعها لكل ما يهدد الاستقرار السياسي للبحرين.

إن أي مخرج لما تواجهه البحرين من تباينات سياسية يكمن في تعزيز آليات الإصلاح الدستوري المرحلي المتدرج بما يعزز رقابة الشعب على أداء الحكومة والسلطة التنفيذية، وبما يعزز فاعلية الأداء الحكومي ويحول دون استشراء الفساد المالي والإداري، وتحقيق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون. فالإصلاح هو إصلاح هيكلي وإصلاح وظيفي. والإصلاح الهيكلي يحقق قيام نظام سياسي يقوم على الفصل بين السلطات وتلبية متطلبات سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات جميعاً. أما الإصلاح الوظيفي فهو ضروري لاستكمال الإصلاح الهيكلي ـ فالحكومة التي لا تقدم إنجازاً ملموساً لبرنامجها الذي تقدمت به للسلطة التشريعية لا يتوجب أن تستمر في الإدارة التنفيذية لأنها لا تحقق الأهداف الوطنية التى تنسجم مع تطلعات الشعب، وبالتالي فهي تفقد الثقة التي نالتها عند بداية ولايتها الدستورية. فالإصلاح الهيكلي لا يكتمل دون الإصلاح الوظيفي وهذا ما تحتاج إليه البحرين في المرحلة القادمة.

 

 

مقالات لنفس الكاتب