array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إدارة أزمة العنف في كل من بريطانيا والبحرين: رؤية مقارنة

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

في السادس من شهر أغسطس 2011م، انطلقت احتجاجات من مدينة توتنهام البريطانية على خلفية مقتل شاب وسرعان ما انتقلت موجة الاحتجاجات إلى أجزاء أخرى من العاصمة لندن، ومن ثم إلى مدن وبلدات أخرى في جميع أنحاء إنجلترا مثل مانشستر وليفربول وبيرمنجهام وغيرها، وأسفرت أعمال العنف التي لم تدم سوى ستة أيام، وهي الأسوأ في بريطانيا خلال ثلاثة عقود، عن إصابة أكثر من 40 شرطياً، و20 شخصاً من مثيري الشغب، إضافة إلى وفاة خمسة اشخاص، وقدرت السلطات الخسائر الاقتصادية لأعمال الشغب بأكثر من مائتي مليون جنيه استرليني.

وكان الغالب على أعمال العنف والشغب الطابع الإجرامي من قبيل إضرام النيران وسرقة محلات تجارية ورشق مراكز الشرطة بزجاجات المولوتوف.

أصدر ملك البحرين في 15 مارس مرسوماً ملكياً بإعلان حالة السلامة الوطنية

بينما واجهت مملكة البحرين، منذ 14 فبراير 2011 م ولمدة تزيد على شهر أعمال عنف وشغب من قبل مجموعة من الشباب التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية تورطوا في العديد من التجاوزات والممارسات غير المشروعة كان أخطرها إقامة حواجز أمام المرفأ المالي، وعلى جسر مجلس التعاون الخليجي وغلق طريق الملك فيصل، ونقل أعمال العنف والشغب إلى المباني التعليمية والزج بالأطفال في المسيرات غير المرخصة وانتهاك حرمة الحرم الجامعي بجامعة البحرين، إضافة إلى (احتلال) مستشفى السلمانية ومنع وصول أو علاج المرضى والمصابين، وشل الحركة التجارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فضلاً عن استهداف المقيمين، والاعتداء على المساجد ومهاجمة ومحاصرة الأئمة والمؤذنين.

وكانت المحصلة سقوط العديد من الضحايا حيث توفي (4) من رجال الأمن، كما توفي (7) من المدنيين الأبرياء من المواطنين والمقيمين و(13) شخصا من الخارجين على القانون المشاركين في أعمال الشغب والعنف، فضلاً عن إصابة (391) رجل أمن، و(56) من المواطنين والمقيمين الأبرياء، بالإضافة إلى خطف وتعذيب (4) من رجال الأمن. وحدوث خسائر اقتصادية كبيرة بلغت نحو 550 مليون دينار بحريني 1.4 مليار دولار.

وعلى رغم الفارق الواضح في طبيعة العنف في الدولتين إلا أن رد الفعل البريطاني اتسم بالحدة والحسم الشديد لدرجة أن بريطانيا تناست ما كانت تدعو إليه دول العالم المختلفة ومن بينها البحرين إلى احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، حيث تحولت بريطانيا إلى دولة بوليسية أعلنت ما يمكن تسميته بالحرب الشاملة على الشباب الذين تورطوا في العنف، ومن مظاهر ذلك ما يلي :

1- إعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون منذ بداية الأزمة عن خطة طوارىء تشتمل على استخدام خراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، وزيادة عدد رجال الشرطة من 6 آلاف إلى 16 ألف شرطي.

2- استعانة الشرطة البريطانية بالكلاب واستخدام المدرعات ومشاركة قوات الجيش البريطاني مع الشرطة في مواجهة أحداث العنف.

3- قالت وزيرة الداخلية البريطانية (تريزا ماي) إنها أمرت كل قوات الشرطة أن تتبنى (نهجاً أكثر قوة وصرامة) في التعامل مع أي أحداث قادمة.

4- فرض إجراءات قانونية استثنائية في حالة نادرة في تاريخ بريطانيا، حيث اعتقل نحو ألف شخص ووجهت تهم رسمية إلى 600 منهم بالتورط في أعمال العنف بالعاصمة البريطانية ومثول 32 شخصاً أمام المحكمة.

5- هددت السلطات المحلية في كل من مانشستر وسالفورد وجرينتش السكان الذين يعيشون في المنازل التابعة للمجالس البلدية بإجلائهم إذا تم التأكد من مشاركتهم أو أقربائهم في أعمال الشغب.

6- توعدت السلطات بملاحقة نشطاء الفيس بوك وتويتر والهواتفالذكية التي تتهمها الشرطة البريطانية بأنها كانت وسيلة المتظاهرينلتنظيم وتأجيج العنف في العاصمة لندن.

وذلك على الرغم من أن تلك المواقعالإلكترونية هي مظهر من مظاهر حرية الرأي والتعبير وكانت أحد أهم مصادر المعلومات للحكومة البريطانية وصحافتها في اتهام دول أخرى بأنها معادية للديمقراطيةولحقوق التعبير عن الرأي.

بينما في مملكة البحرين، قدمت القيادة السياسية نموذجاً متميزاً في الإدارة الناجحة للأزمات والتكيف مع أحداثها وفهم أبعادها الداخلية والخارجية، واتخاذ القرارات الملائمة في كل مرحلة من مراحل تطورها. كما أن المتتبع للتدابير والإجراءات التي اتخذها ملك البلاد طوال أحداث الأزمة يجد أن هناك إطاراً حاكماً يتمثل في الحفاظ على السلم الأهلي الداخلي الذي مثل خطاً أحمر لم يسمح بتجاوزه واتخذ جميع السبل الممكنة لتحقيقه، إضافة إلى المرونة الكبيرة في التعامل مع جميع أطياف المجتمع والاستجابة للمطالب المشروعة، ومن مظاهر ذلك ما يلي:

1- التفاعل الإيجابي والسريع مع حادثة مقتل شخصين وسقوط نحو 20 جريحاً في اشتباكات بين متظاهرين ورجال الأمن، حيث وجه ملك البلاد خطاباً إلى الشعب عصر نفس اليوم 15 فبراير أعلن فيه عن تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في الاحتجاجات، مشدداً على ضرورة الالتزام بالقانون المنظم للمسيرات والمظاهرات.

2- في بادرة أخرى لانفراج الأمور والحيلولة دون تعقدها، أمر ملك البحرين في 21 فبراير بالإفراج عن عدد من المحكومين في قضايا جنائية كالقتل وخيانة الأمانة وإيقاف سير الدعاوى القضائية ضد آخرين.

3- في ظل التوتر الخطير في الأوضاع، ورفض مبادرات ولي العهد للحوار كانت المعالجة الحاسمة في خطوات ثلاث متكاملة شكلت جميعها مخرجاً ملائماً للأزمة، حيث طلبت السلطات البحرينية دعماً خليجياً للمساعدة في حماية المنشآت الحكومية، فتم إرسال ألف عنصر من قوات (درع الجزيرة) المشتركة، التابعة لمجلس التعاون الخليجي إلى مملكة البحرين لتأمين المنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد وتحت سيطرة القوات الوطنية في البحرين، كما أصدر ملك البلاد في 15 مارس مرسوماً ملكياً بإعلان حالة السلامة الوطنية، ثم قامت قوات الأمن البحرينية في 16 مارس بإخلاء دوار مجلس التعاون الخليجي من المحتجين بعد أن بات مصدراً للعنف والفتنة الطائفية، ومن أجل إعادة أمن واستقرار الوطن، وحماية الممتلكات العامة والخاصة.

وقد كان تدخل وزارة الداخلية في الوقت المناسب وبعد أن تكشف أمام الجميع في الداخل والخارج النوايا المبيتة وحجم المؤامرة والمخطط المدعوم من الخارج المنوي تنفيذه، وبات الجميع على قناعة بأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد بل والمطلوب للخروج من هذه الأزمة.

4- بعد انتهاء الأزمة ومن أجل معالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي خلفتها اتخذ ملك البحرين خطوتين بارزتين لهذا الغرض وهما:

أ- الدعوة إلى حوار التوافق الوطني بين جميع مكونات المجتمع ودون شروط مسبقة وبجدول زمني محدد، وقد أثمر الحوار عن مرئيات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية تسارع الحكومة حالياً إلى تنفيذها حيث وضعت الآليات وأنشأت اللجان اللازمة لوضع تلك المرئيات موضع التنفيذ.

ب- الأمر بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق تتشكل من خبراء دوليين، وذلك من أجل إضافة شكل جديد وبعد مهم لحماية حقوق الإنسان والتأصيل لنهج يقوم على إشراك المجتمع الدولي بأشخاصه ومنظماته الموثوق بها والمقبولة عالمياً كي تكون شاهداً وفاعلاً في تطوير مسيرة حقوق الإنسان وإعطاء كل ذي حق حقه.

الدرس الأبرز من تلك المقارنة بين كيفية إدارة أحداث العنف التي وقعت في كل من مملكة البحرين وبريطانيا هو أن مفاهيم حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان ما وجدت أساساً إلا لمصلحة المجتمع والحفاظ على أمنه وسلامته، فإذا ما أدت هذه المفاهيم إلى خلاف ذلك فإن الخلل هو في فهم هذه الحقوق وكيفية ممارستها.

ومن الدروس المهمة أيضاً أن إجراءات تطبيق القانون على المتورطين في أعمال العنف والتخريب في أي دولة هي أمر حتمي وضروري للحفاظ على أمن الأفراد والممتلكات وحماية المكتسبات الاقتصادية والديمقراطية والتنموية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

وقوانين جميع دول العالم بما فيها المتقدمة والديمقراطية تعتبر أعمال الفوضى والتخريب والعنف والشغب إرهاباً يجب التصدي له بكل قوة وحسم، كما أن المواثيق الدولية ومن أهمها (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للأمم المتحدة)، يؤكد في المادتين (19) و(20) على حرية الرأي والتعبير شريطة (حماية الأمن القومي أو النظام العام) وحظر (أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف).

 

مجلة آراء حول الخليج