array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 123

ثمانية منطلقات عربية وفلسطينية لمواجهة المخطط الإسرائيلي القدس بين سياسة الأمر الواقع الإسرائيلي والمسؤولية العربية والدولية

الأربعاء، 20 أيلول/سبتمبر 2017

يبدو أن هناك مشكلة كبيرة تواجه كل من يريد أن يكتب عن القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي للمدينة الذى جاوز عقده الخامس وذلك في ضوء ما تحتويه هذه المدينة العريقة من مقدسات دينية ولاسيما المسجد الأقصى المبارك وتعدد جوانب وتشابك اتجاهات تاريخ وواقع المدينة من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، ولا يتسع هذا المقام لسرد تاريخ القدس الذى يعلمه الجميع فيكفي أن أقول أن القدس تعد من أقدم مدن العالم وتقع في محيط مهبط الرسالات السماوية وأنها باختصار مدينة السلام والتسامح والوئام كما كتب لها أن تكون كذلك منذ قديم الأزل، تلك مقدمة كان لابد منها قبل أن نتحدث بشكل تفصيلي عن الواقع الحالي للمدينة والأطماع الإسرائيلية فيها والوضع الراهن للمسجد الأقصى والتأثيرات المختلفة لهذه القضية والمسؤوليات التي تقع على الدول العربية والمجتمع الدولي للحفاظ على طابع المدينة المقدسة .

 بداية وقبل التعرض إلى تفصيلات ما يحدث في القدس والمسجد الأقصى لابد من الإشارة إلى تكتيك التعامل الإسرائيلي ليس فقط مع قضية القدس وإنما مع كافة مكونات القضية الفلسطينية حيث تقوم إسرائيل بوضع خطة ممنهجة تستند على إيجاد أمر واقع جديد على الأرض في المرحلة الأولى ثم تتحرك لدعم هذا الواقع الجديد بإجراءات متنوعة بعضها شكلي ومعظمها جوهري بحيث إذا أثيرت أية اعتراضات من أي طرف تقوم إسرائيل بالتنازل عن بعض الإجراءات الشكلية التي اتخذتها حتى يبدو أمام العالم أنها قدمت تنازلات بينما في حقيقة الأمر فإنها لم تتنازل إلا عن بعض الإجراءات التي لا تبدو مهمة بالنسبة لها، ولاشك أن دراسة الأحداث الأخيرة التي شهدها المسجد الأقصى ومسألة إقامة البوابات الاليكترونية ثم إزالتها تعد خير ترجمة فعلية لهذه السياسة الإسرائيلية .

بدأت المخططات الإسرائيلية في القدس بعد أيام قليلة من احتلالها المدينة بعد حرب 1967م، حيث أسرعت الحكومة الإسرائيلية بإصدار قرار حكومي منفرد بضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية مما أتاح لها أن تتوسع في عمليات الاستيطان والتهويد دون أية عوائق تحول بينها وبين تنفيذ سياساتها المتطرفة، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل قامت عام 1980م، بإصدار أخطر قرار من الكنيست باعتبار القدس الموحدة عاصمة أبدية للدولة ؛ منتهكة بذلك كافة القرارات الدولية التي تفرض عليها باعتبارها قوة احتلال مسؤوليتها الحفاظ على الوضع القائم للمدينة وهو ما سمح لها بشكل أكبر الاستمرار في سياساتها الاستيطانية بصورة مكثفة.

ولعل رفض المجتمع الدولي لهذه الإجراءات الإسرائيلية منذ البداية كان شديد الوضوح حيث أعلنت الولايات المتحدة في أكثر من موقف رسمي عدم اعترافها بأية إجراءات إسرائيلية في القدس الشرقية وهنا لابد من الإشارة إلى موقفين أمريكيين في منتهى الوضوح والتحديد الأول ويتمثل في بيان آرثر جولدبرج سفير الولايات المتحدة الذى أدلى به أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 1967م، بعدم اعتراف واشنطن بأية تدابير تتخذها إسرائيل في المدينة، أما الموقف الثاني فكان بيان السفير تشارلز يوست ممثل الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن الذى ألقاه في نفس التوقيت تقريبًا مؤكدًا على نفس المعنى بل أشار إلى موقف أكثر تقدمًا بأن القدس الشرقية تعتبر منطقة محتلة، كما قامت كافة الدول الأوربية بانتهاج نفس الموقف الأمريكي ولم تقم أية دولة منهم بنقل سفارتها إلى مدينة القدس إلا عدد محدود للغاية من دول أمريكا اللاتينية ولفترة مؤقتة ثم عادوا جميعًا ونقلوا سفاراتهم مرة أخرى من القدس إلى تل أبيب .

ولابد من التعرض هنا إلى جوهر السياسة الإسرائيلية تجاه مدينة القدس حيث انتهجت إسرائيل خطة مدروسة اعتمدت على تنفيذ العديد من الإجراءات التدريجية الهادفة لتغيير الأمر الواقع لصالحها في النهاية وذلك من خلال ما يلي:

البدء بأكبر أعمال حفريات في محيط المسجد الأقصى ولازالت عمليات الحفر تتم حتى الآن وإن كانت بمعدل أقل كثيرًا ولا شك أن هذه الحفريات يمكن أن تؤدى إلى انهيار المسجد الأقصى في أي وقت وهنا لابد أن نذكر افتتاح إسرائيل عام 1996م، لما أسموه (نفق الحشمونائيم) أسفل المسجد الأقصى وحضر افتتاحه معظم القيادات الإسرائيلية الرسمية والحكومية.

 توسيع مساحة مدينة القدس التي كانت تبلغ حوالي 7 كيلومتر قبل احتلالها إلى حوالي 80 كم وذلك طوال سنوات تنفيذ الخطة مع بناء أكثر من 14 مستوطنة في المناطق التي وسعتها وضمتها إلى المدينة لتصبح هناك مدينة جديدة تمامًا في شكلها ومساحتها وطبيعة سكانها.

السعي بكافة الطرق والوسائل من أجل تغيير التركيبة الديموغرافية للمدينة حتى يكون تعداد اليهود بها أكثر من تعداد الفلسطينيين وهو ما تحقق بالفعل.

القيام بنقل بعض مكاتب المؤسسات الإسرائيلية الرسمية سواء السياسية أو الأمنية أو الاجتماعية إلى المدينة تأكيدًا لادعاءات أنها عاصمة الدولة.

التمهيد لتنفيذ مقترح التقسيم الزماني والمكاني بين اليهود والفلسطينيين في المسجد وهو من أخطر المقترحات التي تسعى إسرائيل لتنفيذها حيث يقضى بأن يتم تقسيم المسجد الأقصى وتحديدًا باحة المسجد إلى قسمين بين الفلسطينيين واليهود ليتيح لهم ذلك الدخول للقسم الخاص بهم في أي وقت يرغبون فيه دون أن يواجهوا أية معارضة فلسطينية أو عربية أو دولية.

 وفى الوقت نفسه قامت إسرائيل بالتضييق على الحياة اليومية للفلسطينيين بهدف إجبارهم على ترك المدينة مثل الضغط على السكان لشراء منازلهم بأسعار خيالية تحت الضغوط والتهديدات، وكذا سن كافة القوانين التي تمنع أي فلسطيني من إعادة ترميم منزله أو إعادة بنائه بشكل جديد وهو ما يحقق لهم نفس الهدف من دفع الفلسطينيين إلى بيع منازلهم وذلك لأفراد قد يحملون جنسيات أمريكية أو أوروبية ولكنهم يعملون لصالح بعض الجمعيات اليهودية المتخصصة في شراء الأراضي، ناهيك عن سن قوانين أخرى تتيح للحكومة الإسرائيلية مصادرة أية أراضي لدواعي أمنية أو محلية أو في إطار القانون القديم المسمى بقانون أملاك الغائبين مع الأخذ في الاعتبار سماح إسرائيل للسكان المقدسيين التمتع ببعض الخدمات الإسرائيلية المحلية باعتبارهم يقطنون في القدس عاصمة الدولة وليست منطقة محتلة كما تدعي إسرائيل .

ومن جانب آخر سمحت إسرائيل للمنظمات اليهودية المتطرفة وعلى رأسها ما يسمى بجماعة أمناء جبل الهيكل بالدخول للمسجد الأقصى واقتحامه وهو ما يحدث حاليًا على فترات متقاربة، وزاد من خطورة الأمر أنها سمحت لمسؤوليها الرسميين بدخول باحة المسجد ولا يزال أعضاء الكنيست من الأحزاب الدينية والمتطرفة يقتحمون المسجد الأقصى حتى الآن بموافقة حكومية ومرافقة أمنية مع العلم بأنه قد تمت أحدث هذه الزيارات في نهاية شهر أغسطس 2017م، بعد توقف دام عامين، ولا تلقي الحكومة الإسرائيلية بالاً لأية اعتراضات من الجانب الفلسطيني أو حتى من أعضاء الكنيست العرب أومن الأحزاب الإسرائيلية اليسارية الرافضة لهذه الإجراءات .

 وفى هذا المجال لا يمكن لنا أن ننسى الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون إلى المسجد الأقصى في سبتمبر 2000م، قبل توليه رئاسة الوزراء في تحدٍ واضح للعالم الإسلامي والمجتمع الدولي كله وأدت إلى اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي استمرت عدة سنوات ؛ قامت إسرائيل خلالها بتدمير المؤسسات الفلسطينية الأمنية التي تم تأسيسها بعد اتفاق أوسلو 1993م.

 وحتى تكون الصورة مكتملة من الضروري أيضًا أن نلقي الضوء على الموقف السياسي لقضية القدس، فمن المعروف أن القدس من الناحية السياسية تعتبر واحدة من أهم قضايا الوضع النهائي عندما نتحدث عن تسوية شاملة للقضية الفلسطينية في إطار مفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقد تم طرح العديد من الحلول لمشكلة القدس كان أهمها مقترحات الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون التي طرحها في منتصف عام 2000م، وقبل أن يترك السلطة حيث اقترح بأن تكون مدينة القدس مفتوحة أمام أبناء الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية وألا يكون لإسرائيل أي سيادة على المقدسات المسيحية والإسلامية ولا على الأحياء الفلسطينية في المدينة وهو أمر طبيعي إلا أن إسرائيل رفضت كافة هذه المقترحات بل أن الحكومة الحالية برئاسة نتانياهو ترفض مجرد فكرة أن تخضع القدس للمفاوضات بدعوى أنها عاصمة للدولة.

وفى الجانب المقابل كان الموقف العربي أقل قوة وتأثيرًا في التعاطي مع قضية القدس بصفة عامة فلم يخرج هذا الموقف عن تشكيل ما يسمى بلجنة القدس التي تم تأسيسها بناء على توصية المؤتمر السادس لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في جده عام 1975م، ثم وافق المؤتمر العاشر على أن توكل رئاسة هذه اللجنة إلى العاهل المغربي، إلا أن الواقع يؤكد أنه لم يكن لاجتماعات هذه اللجنة أي مردود حقيقي على الأرض لحماية القدس من المخططات الإسرائيلية، ولا يمكن لنا أيضًا أن ننسى أن مؤتمرات القمة العربية كانت حريصة على تعظيم قضية القدس والتحرك السريع من أجل توفير الدعم المادي الذى يسمح بدعم صمود أبناء القدس في مواجهة عمليات تهويد المدينة التي تسير بخطوات ثابتة ويتوفر لها الدعم المادي الإسرائيلي واليهودي، إلا أن هذا الدعم العربي بأشكاله المختلفة لم يستطع أن يحمي القدس من العنكبوت الاستيطاني الذي أحاط بالقدس من كافة أطرافها.

 إذن نحن في قضية القدس يتضح لنا أننا أمام مخطط إسرائيلي شديد الوضوح والقوة الغاشمة والغطرسة ؛ اعتمد في البداية على إصدار مجموعة من القرارات الخاصة بضم القدس للدولة ثم وضع لها آليات تنفيذ على الأرض ساعدت في مجملها على تسريع وتيرة التهويد في مقابل موقف عربي لم يستطع حتى الآن مواجهة هذا القطار التهويدي السريع الذى يكاد يلتهم المدينة هذا دون أن نعفي المجتمع الدولي من المسؤولية التي تقع عليه لأنه لم ينجح في أن يفرض على إسرائيل أجندة تفاوض سياسي تكون القدس من بين قضاياه , شأنها شأن القضايا الأخرى الخاصة بالاستيطان والأمن والحدود  والمياه والأسرى .

أما فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة التي شهدها المسجد الأقصى والمتعلقة باستحداث إسرائيل استخدام بوابات إليكترونية لدخول المسجد أو وضع كاميرات مراقبة في بعض الأماكن ورفض الفلسطينيين وقياداتهم هذا الموقف ففي رأيي أن هذه شكليات حتى وإن كانت مهمة نسبيًا كما يرى البعض ولكن يجب ألا تكون هي جوهر الصراع حول المسجد الأقصى , فالأمر أعمق وأكبر من ذلك بكثير وليس أدل على ذلك من أن ردود الأفعال الإقليمية والدولية المختلفة أدت بالفعل إلى تراجع إسرائيل عن هذه الإجراءات (الشكلية) ثم انتهت القضية دون أن يتعرض أحد إلى سياسة التهويد التي تقوم بها إسرائيل في القدس على مدار اليوم وتلك هي مشكلتنا في التعامل مع مثل هذه الأحداث .

 ومن هذا المنطلق أرى ضرورة استثمار الأحداث الأخيرة التي اندلعت في القدس والمسجد الأقصى وأدت إلى إغلاق إسرائيل المسجد للمرة الأولى منذ عام 1969م، (في أعقاب إحراق أحد المتطرفين اليهود المسجد) وما ترتب على هذه الأحداث من استخدام إسرائيل القوة المفرطة ضد السكان الفلسطينيين لتنفيذ بعض المقترحات التي قد تكون مفيدة في مواجهة الموقف الإسرائيلي أهمها ما يلي:

 ضرورة تصعيد الدول العربية قضية القدس في كافة المحافل إقليميًا ودوليًا , وبحيث تظل القضية حاضرة بكل مكوناتها مع استمرار وزيادة الدعم المادي المخصص لصمود أهالي القدس وضرورة أن يكون له مردود إيجابي على الأرض.

 التأكيد للمجتمع الدولي على أن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في القدس بصفة عامة والمسجد الأقصى بصفة خاصة سوف تؤدى إلى ردود أفعال غير محسوبة من بعض الجماعات المتشددة وستمنح الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين الإسلامي ستارًا لها الفرصة لتنفيذ عملياتها ضد المصالح الغربية في العالم بدعوى أنها تدافع بذلك عن قدسية المسجد الأقصى في مواجهة إسرائيل.

 مواصلة السكان المقدسيين النضال السلمي من أجل الحفاظ على الطابع العربي للمدينة في مواجهة عمليات التهويد التي لا تتوقف ومن المهم استمرار هذا النضال ولا تخف جذوته باعتباره أحد أهم العوامل التي يمكن أن تدفع إسرائيل إلى إعادة النظر في بعض إجراءاتها تجاه القدس أو تجاه المسجد الأقصى.

 ضرورة إنهاء الخلافات الفلسطينية / الفلسطينية وتحقيق المصالحة الحقيقية وعودة السلطة الشرعية إلى قطاع غزة حيث أن استمرار هذه الخلافات سوف يقضي على ما تبقى من قضية القدس بل ومن القضية الفلسطينية نفسها.

 استمرار دفع الموقف الأمريكي لعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس حيث أن إسرائيل لا تزال تمارس ضغوطها على إدارة الرئيس الأمريكي حتى الآن لتنفيذ وعوده الانتخابية في هذا الشأن.

 التحرك العربي المكثف من أجل دفع الإدارة الأمريكية لبدء مفاوضات إسرائيلية فلسطينية في أقرب وقت ممكن حتى نحافظ على القضية الفلسطينية وقضية القدس ولا نتركها تذهب إلى دائرة النسيان وهو ما تهدف إليه الحكومة الإسرائيلية الحالية.

 عدم تقييد حرية الراغبين في زيارة القدس من مواطني العالم الإسلامي حتى لا نتركها فريسة أمام مزيد من السيطرة الإسرائيلية عليها أخذًا في الاعتبار أن إسرائيل تعد أكثر الأطراف استفادة من استمرار قرار أغلبية الدول بعدم فتح باب الزيارة إلى القدس.

 ضرورة تمسك الجانب العربي والفلسطيني بمبادرة السلام العربية المطروحة في قمة بيروت عام 2002م، التي تقضي بالانسحاب الإسرائيلي الكامل أولاً مقابل السلام الكامل وفى نفس الوقت عدم التخلي عن فكرة حل الدولتين التي قبلها المجتمع الدولي كله والتي تعني أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل ؛ في أمن وسلام واستقرار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بالمجلس المصري للشؤون الخارجية.

مقالات لنفس الكاتب