array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلمانية من وجهة نظر إسلامية

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

كثيراً منا يسمع عن مصطلح العلمانية، وعلى الرغم من انتشار المصطلح وذيوعه إلا أن الكثيرين منا لا يفهمه، وفي الحقيقة أن هذا أمر خطير، لا سيما على دول العالم الإسلامي، ولذا ينبغي علينا أن نفهم ماهية العلمانية، حتى نستطيع التصدي لها ولأفكارها الهدامة، وفي هذا المقال أردت أن ألقي الضوء على هذا المصطلح، حتى يستطيع قارئنا فهم هذا المصطلح القادم إلينا من الغرب، والدخيل على معجمنا العربي.

ماهية العولمة:

أصل العلمانية هي ترجمة للكلمة الإنجليزية (Secularism) أو الكلمة الفرنسية (Laïcité)، وفي الحقيقة هي ترجمة غير دقيقة ولا صحيحة، لأن الترجمة الصحيحة للكلمة الإنجليزية هي (اللادينية أو اللاغيبية أو الدنيوية أو اللامقدس)، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية، ويمكننا القول بأن العلمانية هي كل ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.

ولقد عرفت دائرة المعارف البريطانية العلمانية بأنها: (حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها).

العلمانية هي كل ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد

وقد قسم أستاذنا الدكتور عبد الوهاب المسيري –رحمه الله- العلمانية إلى علمانية جزئية، وعلمانية شاملة، فالعلمانية الجزئية تعني فصل الدين عن الدولة، وأما العلمانية الشاملة فتعني فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص.

والجدير بالذكر أن التعبير الشائع لمعنى العلمانية في العالم -سواء في الغرب أو الشرق- هو فصل الدين عن الدولة، وهي ترجمة للعبارة الإنجليزية (separation of church and state) والتي تعني حرفياً فصل المؤسسات الدينية (الكنيسة) عن المؤسسات السياسية (الدولة).

وفي الحقيقة أن هذا التعبير لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولذا نرى أنه كان من الأصوب لتعريف العلمانية تعريفاً شاملاً أن نقول إنها (فصل الدين عن الحياة)، أو بعبارة موازية هي إقامة الحياة بعيداً عن الدين.

العلمانية الشاملة تعني فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص

لذا فإننا نفضل تعريف العلمانية في صورتها الشاملة والتي تعني (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص)، على نحو ما ذكرنا أعلاه.

نشأة العلمانية:

لقد انتشرت العلمانية في أوروبا، بشكل كبير وسريع، وكان ذلك راجعاً إلى عدة أسباب نذكر منها ما يلي:

1- عبث الكنيسة بدين الله وتحريفه، وتشويهه، فقد حدث ما يسمى بالطغيان الكنسي، حيث أصبح رجل الكنيسة له الحق في الغفران عن طريق إعطاء صك الغفران (Indulgence)، وهو عبارة عن وثيقة كانت تمنح من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية مقابل مبلغ مادي يدفعه الشخص للكنيسة تختلف قيمته باختلاف ذنوبه، بغرض الإعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب على الخطايا والتي تم العفو عنها.

2- وقوف الكنيسة ضد العلم والعلماء، فقد وقف رجال الدين موقفاً مخزياً ضد أصحاب العلم التجريبي وما وصلوا إليه من اكتشافات جديرة بالاحترام والقبول لولا أن هؤلاء قابلوهم بأنواع الاضطهاد والتعذيب، وقد وصل الأمر إلى اتهام هؤلاء العلماء بالهرطقة، مثل كوبرنيكوس صاحب كتاب حركة الأجرام السماوية الذي نشر عام 1543م، وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب، وكذلك العالم جاليلو جاليلي الذي صنع التلسكوب فقد عذب عذاباً شديداً وكان عمره آنذاك سبعون سنة، كما أن الكنيسة قد حكمت بالكفر على رئيس بلدية بألمانيا، بتهمة أنه اخترع غاز الاستصباح، وهو اختراع يجعل الليل نهاراً، في حين أن الله خلق الليل ليلاً وخلق النهار نهاراً، وقد شكلت في ظل سيطرة رجال الدين محاكم عرفت باسم "محاكم التفتيش" كانت عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب وآلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري، وكانت المحكمة مزودة بآلات تعذيب أخرى مثل آلة على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة، يلقون الضحية في التابوت ثم يطبقونه عليه فيمزقه إرباً إرباً... إلخ.

3- قيام الثورة الفرنسية: لقد ذاق الفرنسيون ألوان الحرمان والجوع والشقاء، وقد تبين أن وراء كل أسباب تلك المصائب طبقة النبلاء والأشراف وطبقة رجال الدين، فقامت الثورة الفرنسية، والتي كان من شعارها -نتيجة للظلم التي مارسته الكنيسة-: (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)، وقد اعتبرت ثورة فرنسا بأنها الفاتحة والمشجع الأول لقيام العلمانية، وإخفات أصوات طغاة الكنيسة، والمناداة بإقامة الحكم على اللادينية، ولذا جاءت الحكومة الفرنسية سنة 1789 وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب.

الكثيرون من الذين ذهبوا للدراسة في الدول الغربية العلمانية رجعوا بقلوب غير تلك التي ذهبوا بها

4- نظرة التطور والارتقاء: حيث ظهر في عام 1859م كتاب بعنوان (أصل الأنواع) (The Origin of Species) لتشارلز دارون والذي أكد فيه أن كل أنواع الكائنات الحية قد نشأت عن نوع سابق لها في الوجود، حيث زعمت هذه النظرية أن القرد يعد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها. وقد أدت هذه النظرية إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد، وبالتالي ساعدت على انتشار العلمانية، وقد قال أحد العلماء الغربيين في النظرية الداروينية: بأن أبوها الكفر وأمها القذارة.

أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي:

ومن أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبد عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطوان سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر ،أنور السادات (صاحب شعار لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)، د. فؤاد زكريا، د. فرج فودة الذي اغتيل بالقاهرة، وغيرهم.

موقف الإسلام من العلمانية:

يجب أن ندرك في البداية أن لكل من الإسلام والعلمانية طريقاً مختلفاً ومتبايناً عن الآخر، كما أنه لا يمكن أن يقام بينهما قنطرة اتصال، فمن اختار الإسلام لا بد أن يرفض العلمانية، فهما طريقان متباينان، ولا يلتقيان أبداً.

وقد ورد في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة -الصادرة عن دار الندوة العالمية- أن الإسلام يرفض العلمانية، وذلك للأسباب الآتية:

* تغفل العلمانية طبيعة الإنسان البشرية باعتباره مكوناً من جسم وروح فتهتم بمطالب جسمه ولا تلقي اعتباراً لأشواق روحه.

* نبتت العلمانية في البيئة الغربية وفقاً لظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية وتعتبر فكراً غريباً في بيئتنا الشرقية.

* إن العلمانية تفصل الدين عن الدولة فتفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية.

* تفسح العلمانية المجال لانتشار الإلحاد وعدم الانتماء والاغتراب والتفسخ والفساد والانحلال.

* إن العلمانية تجعلنا نفكر بعقلية الغرب، فلا ندين العلاقات الحرة بين الجنسين وندوس على أخلاقيات المجتمع ونفتح الأبواب على مصراعيها للممارسات الدنيئة، وتبيح التعامل بالربا وتعلي من قدر الفن للفن، ويسعى كل إنسان لإسعاد نفسه ولو على حساب غيره.

* إن العلمانية تنقل إلينا أمراض المجتمع الغربي من إنكار الحساب في اليوم الآخر ومن ثم تسعى لأن يعيش الإنسان حياة متقلبة منطلقة من قيد الوازع الديني، مهيجة للغرائز الدنيوية كالطمع والمنفعة وتنازع البقاء ويصبح صوت الضمير عدماً.

* مع ظهور العلمانية يتم تكريس التعليم لدراسة ظواهر الحياة الخاضعة للتجريب والمشاهدة وتُهمل أمور الغيب من إيمان بالله والبعث والثواب والعقاب، وينشأ بذلك مجتمع غايته متاع الحياة وكل لهو رخيص.

تصدير العلمانية إلى الشرق:

لقد نجح الغرب في تصدير العلمانية إلى الشرق، وقد استخدم في ذلك وسائل شتى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

* البعثات الدراسية من الشرق إلى الغرب: إن الكثيرين من الذين ذهبوا للدراسة في الدول الغربية العلمانية رجعوا بقلوب غير تلك التي ذهبوا بها، فقد أبهرتهم هذه الدول، وتمنوا لو أن مجتمعهم الإسلامي يتحول في لحظة إلى صورة طبق الأصل من هذه المجتمعات العلمانية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أخذوا ينشرون تلك الأفكار والمعتقدات التي تلقوها في هذه الدول، واعتقدوا بأنه لا مخرج لدولهم إلى التقدم وامتلاك القوة إلا بتقليد الغرب في كل كبيرة وصغيرة.

* الأحزاب والجمعيات العلمانية: لقد ساعد على انتشار العلمانية في الأقطار العربية والإسلامية انتشار الكثير من الجمعيات والأحزاب ذات التوجهات اليسارية والليبرالية والقومية والشيوعية... إلخ. كل هذه الأحزاب والجمعيات قد تختلف في أي شيء إلا في تبني العلمانية والسعي بشتى الطرق إلى علمنة الدولة أو الأمة التي تعمل بها.

* ظهور بعض القيادات ذات الفكر والتوجه العلماني: وأقوى دليل على أن هذه القيادات التي كانت سبباً قوياً في انتشار العلمانية، تركيا التي أصبحت دولة علمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي استطاع أن يقطع كل صلة لتركيا بالإسلام والمسلمين، والذي سقط على يديه آخر خليفة مسلم في الدولة العثمانية، كما أسقط الدستور الإسلامي واستبدله بالقوانين الوضعية مثل القانون المدني السويسري، وقانون الجزاء الإيطالي، والقانون التجاري الألماني، وغيرها من القوانين الوضعية التي تخالف الكثير من نصوصها أحكام الشريعة الإسلامية.

* الغزو الفكري: وذلك عن طريق إبعاد المسلمين عن دينهم بوسائل مختلفة، وتحت أسماء ومصطلحات خادعة رقيقة مثل التحديث، التنوير، التغريب، الحداثة، التحضر، التغيير الاجتماعي...إلخ.

مواجهة العلمانية:

يمكن مواجهة العلمانية بطرق عديدة نذكر منها ما يلي:

* نشر العلم وتوعية الناس بدينهم، وفي هذا الإطار يقع على عاتق القائمين على العملية التعليمية من أدنى مراحل التعليم إلى أعلاها الكثير من الواجبات أهمها على سبيل المثال لا الحصر: تنقية المواد العلمية من الكفريات والضلالات المدسوسة بها، وأن ينتهز المعلم أية فرصة لتوضيح قضية من قضايا الإسلام، أو لشرح وتوضيح مفهوم من مفاهيم الإسلام...إلخ.

* نشر الثقافة الإسلامية سواء من خلال الكتب أو المجلات أو المقررات الدراسية أو أجهزة الإعلام.

* إنشاء المؤسسات والنوادي الاجتماعية وتطوير أنشطة الجمعيات الخيرية.

* زيادة التوعية بخطورة العلمانية على الدين والمجتمع.

* دعم المفكرين الإسلاميين وإبرازهم علىالمستوى الإعلامي.

* رصد وجمع مقالاتهم وأطروحاتهم ثم تصنيفها وإيصالها لمن يستطيع الرد والإنكار عليهم، ومناظرة رموزهم وقياداتهم الضالة.

وفي النهاية نشير إلى أن العلمانية ما هي إلا آفة من الآفات التي قد تصيب المجتمع، وذلك لما لها من آثار وثمار خبيثة، ومن هذه الآثار على سبيل المثال: إقصاء الدين عن كافة مجالات الحياة، إفساد التعليم وجعله خادماً لنشر الفكر العلماني، جعل مادة الدين مادة هامشية، نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية، وتشجيع ذلك والحض عليه، وشيوع مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق...إلخ.

مجلة آراء حول الخليج