array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

البحرين في مرحلة ما بين الحربين (1918-1939)

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

البحرين

1- الموقع الجغرافي

تتألف البحرين من أرخبيل من الجزر تبلغ مساحته نحو 400 ميل مربع، ومساحة الجزيرة الكبرى وهي المنامة تبلغ نحو 300 ميل مربع وهي عاصمة البلاد، أما مساحة جزيرة المحرق فلا تزيد على 5 أميال مربعة، وتليها جزيرة سترة ومساحتها نحو 3 أميال مربعة، أما الجزر الأخرى الأصغر حجماً فتنتشر إلى الشمال الشرقي من المنامة، وكذلك إلى الجهة الغربية منها، ويزيد عددها على 30 جزيرة.

تتكون البحرين من أرخبيل من الجزر تبلغ مساحته نحو 400 ميل مربع

تبعد البحرين عن الساحل السعودي مسافة 12 ميلاً، كما تبعد عن إيران 180 ميلاً وعن البصرة 337 ميلاً، و20 ميلاً عن شبه جزيرة قطر. وتقع على خط طول 50 درجة شرقاً وخط عرض 26 درجة شمالاً.

2- الأحوال الاقتصادية

أ- الزراعة

إن نصيب الزراعة من الدخل القومي في البحرين قليل للغاية. ويعزى ذلك إلى جملة من العوامل منها قلة الأراضي المستغلة للأغراض الزراعية والتي تقتصر على مساحات صغيرة تتركز في المناطق الساحلية نظراً لوجود ينابيع المياه العذبة فيها. بينما تركت مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة في المناطق الداخلية بوراً لعدم توفر المياه الكافية للسقي. كما يضاف لذلك نقص الكفاءات الزراعية، وطبيعة وسائل الري البدائية لاسيما أن التربة تحوي نسبة عالية من الأملاح، ووجود المياه السطحية قرب سطح الأرض مما يضعف جذور النبات ولا يساعد على تغلغلها في التربة، ومع ذلك يبدو أن عناية الأجداد بالزراعة كانت أكثر من عناية الأحفاد إذ تذكر المراجع القديمة أنه كان بالبحرين أنواع من النخيل وأشجار الفاكهة والخضروات.

نصيب الزراعة من الدخل القومي في البحرين قليل للغاية

لقد برزت جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية أسهمت في تدهور الإنتاج الزراعي، منها (نظام التوكيل) الذي كان سائداً في البحرين. وتعود جذوره إلى بداية عهد آل خليفة في البحرين عام1783، إذ اعتبروا جميع الأراضي ملكاً لهم، فأصبح الحاكم يعطي ويأخذ ويتصرف كما يحلو له. وفي كثير من الحالات كان الشيخ يتصرف في أراضي لم يكن يمتلكها، أو أن يبيع الأرض مرتين. وهذه النقطة الأخيرة سببت الكثير من المشكلات، وبخاصة عقب خلع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1869-1923).

ومن المشكلات المهمة الأخرى انصراف السكان إلى العمل في شركة النفط والسياسة المتبعة بها والتي تمنع حفر أي بئر للماء إلا بموافقة السلطات البريطانية بحجة أن حفر الآبار المائية يؤثر على عمليات استخراج النفط، كما وضعت الشركة العقبات في سبيل حفر الآبار وزراعة الأراضي لكي تتوفر الأيدي العاملة اللازمة للعمل في الحقول النفطية، ولما كانت الشركة تحمل امتياز التنقيب عن النفط في جميع أراضي البحرين فإن انتشار الزراعة سيعرقل عمليات التنقيب، بالإضافة إلى السياسة الأخرى المرسومة التي ترمي إلى إجبار البحرين على استيراد المواد الغذائية الضرورية فتصبح سوقاً رائجة للبضائع الأجنبية المستوردة.

لم يقتصر تدخل البريطانيين على الأمور التي سبق ذكرها، بل حرصوا على إبقاء ملكية الأراضي بيد الأسرة الحاكمة وهنالك ظاهرتان تاريخيتان يمكن الإشارة إليهما في هذا السياق.

أولاهما: إنه عندما غادرت قبيلة الدواسر البحرين في أعقاب الاضطرابات السياسية عام 1923 استولى الشيخ حمد بن عيسى (1923-1942)، وبدعم من البريطانيين، على جميع ممتلكاتهم وأراضيهم.

وثانيتهما: أن السياسة العامة _ وبتأييد من البريطانيين _ كانت تحبذ أن تبقى الأراضي في عهدة آل خليفة، فقد حدث أثناء أعوام الأزمة الاقتصادية العالمية (1929-1933) إن رغب بعض الشيوخ ببيع أراضيهم، فأعلن البريطانيون أن من يريد أن يبيع أرضه من آل خليفة فعليه أن يبيعها إلى عضو آخر من الأسرة.

وفي الواقع أن المجتمع الخليجي عامة لم يعرف الإقطاع بمعناه التقليدي، وكانت الأراضي الزراعية في الأصل، موزعة بين عدد كبير من الأسر التي تقوم بزراعتها. غير أن ذلك لايعني أن طبقة الفلاحين البسطاء في القرى لم يتعرضوا للاستغلال. على العكس من ذلك، لقد أصابهم من الإجحاف بقدر ما تعرضت له بقية فئات المجتمع الأخرى. فقد استطاعت فئة الملاكين الزراعيين في الريف وبالتحالف مع تجار المدن والزعماء السياسيين، من حصر الملكية الزراعية في أيديها بالتدريج وأخذت تستخدم الفلاحين البسطاء وأسرهم في العمل مقابل قوت يومهم لا غير، دون وجود أية ضمانات أو قوانين رسمية أو عرفية تحميهم من الاستغلال بأي شكل من الأشكال.

وفيما يخص البحرين اتخذت هذه العملية أشكالاً متعددة فقد كتب الوكيل السياسي البريطاني في أوائل العشرينات معلقاً على موضوع الضرائب الزراعية (أن الضريبة على النخيل تجمع على نحو تعسفي، وبحسب الشيوخ الصغار وميلهم للظلم، في المناطق التي تقع تحت نفوذهم)، وبالرغم من ذلك لم تحدث أي محاولة للإصلاح، بل حصل هنالك تجاهل متعمد للموضوع ولأسباب سياسية بحتة، وفي هذا الصدد كتب الوكيل السياسي البريطاني في ميناء بوشهر الإيراني رسالة إلى حكومته يوضح فيها ذلك بالقول (يجب ألا نورط أنفسنا في المسألة، لأن معظم الأراضي يملكها آل خليفة والقليل منها يملكها البحارنة، وإذا نحن طبقنا الإصلاح على الآخرين فقط فسوف نثير غضبهم علينا).

ب- التجارة

أولاً: تجارة السلع والبضائع

تتمتع البحرين بموقع جغرافي متميز كان له أثره الكبير على صلاتها بالمناطق المحيطة بها. فموقعها المتوسط بين بلدان الخليج العربي وقربها من الساحل، كل ذلك أضفى عليها أهمية خاصة تفوق أهمية موقع أي بلد آخر في المنطقة، فكان البحرينيون يقومون بأعمال الوساطة واكتسبوا خبرة تجارية واسعة وأصبح بلدهم مركز التقاء للحضارات المتعددة واللغات واللهجات المختلفة. ولم تتأثر هذه السمة عقب عصر الاستكشافات الجغرافية وحفر قناة السويس عام 1869، بل استمرت برغم أن كثير من المراكز التجارية الأخرى قد فقدت أهميتها من جراء ذلك. وفضلاً عن هذا كانت البحرين مركزاً تجارياً مهماً للسفن العربية في رحلاتها الدورية الى البصرة وإيران والصين ومناطق جنوب شرق آسيا.

موقع البحرين الجغرافي المتميز جعلها مركزاً تجارياً مهماً

أهم صادرات البحرين اللؤلؤ والتمور والحمضيات، إضافة إلى المنتجات الحيوانية، أما أهم الواردات فهي المواد الغذائية كالسكر والرز إضافة إلى الأخشاب والمنسوجات ومواد البناء وغيرها.

كانت التجارة الرئيسية تعتمد في الأساس على اتصال البحرين بالهند، وإلى درجة أقل على اتصال البحرين بجيرانها العرب. أما وسيلة النقل الأولى فكانت السفن الشراعية الكبيرة والمتوسطة، ولكن ما إن أطل القرن العشرون حتى أصبحت هذه السفن غير اقتصادية في خدمة هذا الطريق وحلت محلها البواخر التجارية الكبيرة.

لقد حدث في البحرين تداخل كبير مابين السياسة والاقتصاد، إذ سيطر آل خليفة على جميع نواحي الحياة الاقتصادية، بل إن بعض فروعهم كانوا يحترفون التجارة قبل وصولهم لسدة الحكم، وساعدتهم ثرواتهم وعلاقاتهم التجارية المتشعبة على التحول إلى قوة سياسية ذات شأن كبير. لذا لا بد من التأكيد أن العلاقة بين الحكام وكبار التجار في منطقة الخليج العربي إجمالاً هي علاقة لا تنفصم عراها إلا فيما ندر، ولعل هذه الصلات المتينة ذات الأبعاد التاريخية هي ما تفسر النفوذ الواسع وغير المبرر الذي يتمتع به كبار التجار إلى يومنا هذا وبما يفوق حجمهم السكاني ودورهم الحقيقي في المجتمعات الخليجية المعاصرة، إذ تجدهم يشكلون أغلبية (المجالس الاستشارية) _ويتمتعون بامتيازات متنوعة تفوق الحصر، ويمثلون (قوة ضاغطة) في الشؤؤن العامة، بينما هم في واقع الحال لا يمثلون –عددياً- إلا أقلية ضئيلة إذا ما قورنوا ببقية فئات المجتمع الخليجي الأخرى.

إن الحديث عن شؤون منطقة الخليج العربي للمدة (1820-1971) لا بد وأن يتطرق وبإسهاب لموضوع الهيمنة البريطانية، والتي ظهرت بجلاء عقب نجاحها في إقصاء بقية المنافسين له. وتلا ذلك فرض النفوذ السياسي على مشايخ المنطقة عبر سلسلة من المعاهدات الجائرة التي تضمن لها السيطرة. ثم اتخذت بريطانيا من النزاعات القائمة بين حكام البحرين وبقية حكام الخليج العربي ذريعة للقضاء على أسطول البحرين التجاري بحجة سلامة المنطقة وحفظ أمنها حيث أحرقت في عام 1894 جميع السفن الحربية والتجارية وبذلك كانت الضربة القاصمة للكيان الاقتصادي البحريني. وما إن جاءت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) حتى أخذت الحركة الاقتصادية تعود للانتعاش في المنطقة حيث أخذ المجهود الحربي البريطاني يستغل كافة موارد البلاد لإدامة سير العمليات الحربية، فعادت كفاءات الأسطول الحربية وزادت أعدادها. وما إن انتهت الحرب حتى عادت الأمور إلى ما كانت عليه.

سيطرت شركة الملاحة الهندية البريطانية على عمليات النقل البحري في منطقة الخليج العربي، مما منحها امتيازات غير محدودة، فأنشأت لها مركزاً رئيسياً في البحرين، وسرعان ما أخذت البضائع البريطانية تحل محل نظيرتها الهندية، ونتيجة للنمو التجاري المضطرد قامت السلطات البريطانية بفتح فرع لأول بنك في المنطقة، وهو (البنك الشرقي) الذي فتح أبوابه في عام 1920. وقد استخدم البنك من قبل التجار الأجانب في باديء الأمر ولكن ما لبث أن أقدم التجار البحرينيين على التعامل معه. ويعود سبب ذلك إلى محاولة البريطانيين إقصاء العناصر المحلية عبر تطبيق سياسة (الباب المفتوح) أمام تدفق الهجرة الأجنبية، فاستطاع بعض هؤلاء القادمين من إيران ومناطق جنوب شرق آسيا وغيرها من التقدم بسرعة إلى مصافي كبار التجار والانضمام إلى تحالف الفئات العليا القائم بين التجار المحليين والزعماء السياسيين.

وهناك عامل آخر ساهم في ازدهار الحركة التجارية في البحرين، وهو المقاطعة الاقتصادية التي فرضها ابن سعود على الكويت للمدة (1920-1942)، وبالتالي فقد تحولت كل تلك البضائع إلى البحرين، ومنها عن طريق البحر إلى الأحساء ثم إلى داخل نجد. ومن جراء ذلك ازداد حجم البضائع القادمة إلى موانئ البحرين. إلا أن ذلك لم يصاحبه زيادة في عائد الكمارك لأن ابن سعود والمعروف بتحالفه الوثيق مع البريطانيين نجح بإقناع الوكيل السياسي البريطاني في البحرين بالضغط على الشيخ عيسى بن علي لإجباره على خفض الضريبة البالغة 5 في المائة إلى النصف. ونظراً لحجم التحالف الوثيق بين الطرفين تم تخفيض الضريبة إلى 2 في المائة فقط على الرغم من معارضة شيخ البحرين لهذه العملية، على أن تنقل البضائع خلال مدة 20 يوماً، وقد شجع النمو التجاري كثيراً من المواطنين على الاتجاه إلى هذه المهنة، وقبل اكتشاف النفط كانت الضريبة على عمليات الاستيراد وإعادة التصدير تشكل نسبة كبيرة من الدخل الحكومي، فمثلاً في عام 1930 شكلت ما نسبته 97 في المائة من الدخل الرسمي للحكومة، الأمر الذي استوجب إيجاد آليات لتنظيم العلاقة بين التجار والجهات الرسمية، فتم إنشاء ما يعرف (بمجلس العرف)، وكان يتم تعيين أعضائه من قبل الشيخ نفسه، وقد استمر يمارس صلاحياته حتى عام 1939 عندما تم إنشاء (غرفة التجار البحرانيين)، وتم اعتراف السلطات بها رسمياً في عام 1951، وسميت (غرفة التجار).

ثانياً: تجارة اللؤلؤ

إذا كان الغوص قد شغل سكان الخليج من الكويت حتى عمان، فإن البحرين احتلت مكان الصدارة في هذه التجارة، ويعود ذلك إلى وضعها كجزيرة، وإلى أن أفضل المغاصات تقع بالقرب من شواطئها، وربما لوجود ينابيع المياه العذبة تحت سطح البحر في تلك المنطقة. ولذا فإن الغوص لعب دوراً مهما في حياة البلاد الاقتصادية. فكان الحاكم يترأس احتفالات بدء الموسم في مايو، كما أن انتهاء موسم الغوص في نوفمبر يقترن دائماً باحتفالات مهيبة. وبما أن الغوص مسألة حيوية للبحرين، فقد تولد رد فعل عنيف حينما حاولت شركة بريطانية في عام 1871 أن تنافس البحرينيين في عمليات استخراج اللؤلؤ وذلك بالسعي للحصول على امتياز حصري، وقد عدلت الشركة عن ذلك في نهاية المطاف إذ أدركت انه يتوجب عليها استخدام القوة لمنع البحرانيين من مقاومتها.

كانت تجارة اللؤلؤ سبباً في ازدهار صناعة السفن الشراعية ومستلزمات الغوص

كانت تجارة اللؤلؤ سبباً في ازدهار عدة مجالات اقتصادية أخرى كصناعة السفن الشراعية ومستلزمات الغوص. إلا أن هذه الرساميل التجارية كانت محتكرة بيد الأقلية الثرية والمتنفذة في البحرين، وكان الغواصون، على رغم جهدهم ومهارتهم، يعيشون في ضنك ولا ينالون إلا النزر اليسير من عائد عمليات استخراج اللؤلؤ المدرة للأرباح الطائلة.

أخذت تجارة اللؤلؤ بالتدهور منذ أوائل الثلاثينات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي تركت آثارها المدمرة على صناعة الحلي والتي يستخدم فيها اللؤلؤ، كما تأثرت أيضاً باكتشاف اليابان الوسائل العلمية لإنتاج اللؤلؤ الصناعي الأقل تكلفة والأرخص ثمناً، الأمر الذي أدى إلى تدهور تجارة اللؤلؤ الطبيعي عالمياً، وتضاؤل أعداد العاملين فيها، ففي الوقت الذي بلغ فيه عدد القوارب التي خرجت لصيد اللؤلؤ عام 1862 (2500) قارب وعلى متنها (50000) رجل انخفض عددها إلى (509) قوارب تحمل (19300) رجل، ولم يخرج لموسم الصيد في عام 1954 سوى (12) قارباً تحمل (45) رجلاً. كما أدى اكتشاف النفط إلى تحول عدد كبير من العاملين في صيد اللؤلؤ إلى العمل في الحقول النفطية، بسبب ارتفاع قيمة الأجور وانخفاض حجم المخاطر، وعليه تحول (5000) غواص للعمل في شركة النفط إضافة إلى آخرين توجهوا للعمل في قطاع البناء. وقد أدى تضاؤل هذا القطاع الاقتصادي الحيوي وركود النشاط الزراعي المخصص أصلاً لتلبية الاستهلاك المحلي إلى بروز أهمية الصناعة النفطية الواعدة.

ج- الصناعة

أولاً: الصناعة المحلية

كانت الصناعة المحلية في البحرين قبل اكتشاف النفط محدودة النطاق وتقوم على سد الحاجة المحلية فقط، وهي في مجملها تشكل ما يعرف (بصناعة الواحة)، وتتميز بكونها صناعات بدائية يقوم بها شخص بمفرده أو مجموعة أفراد قلائل ولا تستخدم فيها سوى الأدوات البسيطة، وأهم هذه الصناعات المحلية صناعة الأواني الفخارية واستخراج الجص وحياكة الحصر وقطع الأحجار من قاع الخليج في المناطق الضحلة لاستخدامها في البناء وبعض الصناعات الحرفية كالصياغة وغيرها.

ظلت الصناعة المحلية في البحرين قبل اكتشاف النفط محدودة النطاق

من الصناعات القديمة المهمة في البحرين صناعة بناء السفن الشراعية وكانت أحواض البناء في كل من الكويت والبحرين وعمان وقطر تنتج عدداً غير قليل منها، فلما وصلت البواخر إلى المنطقة أخذت أهميتها تتراجع حتى أصبح دورها ثانوياً بالنسبة لعمليات النقل والمواصلات. فالبحرين كادت تتخلى نهائياً عن هذا النوع من السفن إلا لإدامة صلاتها مع المناطق المجاورة. وقد كادت هذه الصناعة العريقة تندثر لولا أن قام بعض أصحاب السفن الشراعية بتركيب محركات لتسييرها مع الإبقاء على عدة الشراع بحيث تتمكن من الإبحار دون أن تتقيد باتجاهات الرياح وبذلك بقيت عاملاً مهماً في اقتصاديات النقل والمواصلات.

ثانياً: صناعة النفط

إن امتياز النفط في البحرين جزء من امتيازات النفط في الخليج العربي، والتي تمثل شكلاً من أشكال الهيمنة الاقتصادية الأجنبية، فعقب اكتشاف النفط في إيران عام 1908، أصبحت المنطقة محط أنظار الشركات العالمية.

ومن جانبها لم تتأخر الحكومة البريطانية عن دخول بوابة المنافسة فكانت أولى خطواتها الحصول على تعهد من شيخ الكويت في 27\10\1913 التزم بموجبه بعدم منح امتياز التنقيب إلا للشخص الذي ترشحه بريطانيا. كما حصلت في 14\5\1914 على تعهد مماثل من حاكم البحرين بألا يباشر باستثمار النفط بنفسه أو قبول أي عرض من طرف ثانٍ دون استشارة الوكيل السياسي البريطاني في البحرين ومصادقة الحكومة البريطانية. وفي 26\12\1915 حصلت على تعهد آخر من ابن سعود. وأخيراً التزم شيخ قطر بذلك أيضاً في 3\11\1916. وبهذا أحكمت بريطانيا سيطرتها على نفط المنطقة.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وساد المنطقة الاستقرار النسبي أخذ المنقبون يتحرون عن مكامن النفط في الساحل الشرقي للخليج العربي. وفي عام 1923 وصل للمنطقة الميجر فرانك هولمز (Franck Holmes) وهو مغامر نيوزلندي الأصل ونجح بالحصول على امتياز التنقيب في منطقة الأحساء إلا أن النتائج لم تكن مشجعة فألغي التصريح في عام 1927.

واصلت الشركة الصغيرة والتي يملكها هولمز والمسماةEAST GENERAL and SYNDICATE  عملها في المنطقة، وحدث أن زار هولمز البحرين فطلب منه حاكمها أن يقوم بحفر عدد من الآبار المائية لحسابه. وفق عقد فريد من نوعه ينص على ألا يحصل على أي مقابل فيما إذا اخفق بالعثور على الماء ولكن إذا نجح فإنه يتوقع علاوة على أجره الشخصي، أن ينظر الحاكم (بعين الاعتبار الجدي) في طلبه للحصول على امتياز التنقيب عن النفط. وفعلا عثر على الماء بوفرة في البئرين اللذين حفرهما، الأمر الذي سمح له بالحصول في 2\12\1925 على امتياز للتنقيب عن النفط بالبحرين في قطعة أرض تبلغ مساحتها (100.000) أيكر ولمدة عامين قابلة للتجديد.

واجه هولمز صعوبات جمة في تمويل مشروعه الطموح إذ لم يكن بمقدوره بيع الامتياز أو مشاركة جهة ثانية إلا بترخيص من الحكومة البريطانية طبقاً لاتفاقية عام1914، ومن جهة أخرى رفضت كل من شركة شل بورما وشركة النفط البريطانية – الإيرانية المشاركة، لأنهما لم تكونا تؤمنان بوجود النفط في البحرين استناداً لتقارير خبرائهما، لكنه نجح أخيراً في 30\11\1927 في إقناع شركة كولف (GULF OIL COMPANY) الأمريكية بالدخول كشريك في الامتياز، لكنها أجبرت على تحويل الملكية إلى شركة نفط كاليفورنيا (SOCAL) حتى لا تخرق بنود اتفاقية (الخط الأحمر).

نصت الشروط على أن يتقاضى هولمز (50.000) دولار على أن يقوم بتجديد الامتياز السابق ثم يحيله إلى الشركة الأمريكية. لكن الاتفاق واجه معارضة بريطانيا صاحبة الحق الأصلي، وبعد أخذ ورد تم الاتفاق في عام 1929 على تأسيس شركة مملوكة بكاملها إلى (SOCAL) باسم شركة نفط البحرين (بابكو-BAPCO) وتسجل في كندا، ومن الشروط الأخرى تبقى بابكو شركة أمريكية إلا أن أحد مديريها يجب أن يكون بريطانياً، وأن تكون جميع الاتصالات مع شيخ البحرين عن طريق الوكيل السياسي البريطاني، كما أن الموظفين يجب أن يكونوا وبقدر المستطاع إما بريطانيين أو بحرينيين.

في شهر مايو 1930 وصل مدير الإنتاج في الشركة وبرفقته كبير الجيولوجيين، إلى البحرين، وشرعا بمعاينة الأرض لاختيار موقع التنقيب، وفي مايو1931التحق بهم فريق من الحفارين وبدؤوا عملهم في 16\10، وفي 21\6\1932 تدفق النفط لأول مرة بمعدل (9600) برميل يومياً من عمق (2008) أقدام. بيد أن هذا الاكتشاف السريع لم يكن نجاحاً كاملاً للشركة بسبب كمية التدفق المتواضعة وانعدام الغاز تقريباً، الأمر الذي نتج عنه انعدام الضغط الطبيعي اللازم لضخ النفط الخام إلى السطح. فشرع المنقبون بحفر بئر أخرى. وسرعان ما تدفق النفط هذه المرة بقوة الأمر الذي شكل نجاحاً كبيراً لبابكو.

بلغ إنتاج البحرين من النفط نحو (16.900) برميل يومياً، ومع تدفق النفط بكميات تكفي للتصدير، دخلت بابكو في مفاوضات مع حكومة البحرين في أواخر عام 1934، وتم التوصل إلى الحصول على امتياز جديد مدته 55 عاماً، واتفق أن تكون ضريبة الملكية 3. 5 روبية للطن الواحد، وفي مقابل ذلك أعفيت بابكو من دفع أية ضرائب أو رسوم كمركية أخرى. وقد بقي الاتفاق قائماً من دون تغيير حتى عام 1940.

3- الأحوال الاجتماعية

أ- ديموغرافية السكان

أن أية دراسة للتطور الاقتصادي لا بد وأن تأخذ موضوع السكان في الاعتبار كونهم يشكلون عماد عملية التطور وبناتها وهم الذين يكونون عنصر العمل. وكما أن للسكان دور أساسي في تطور الاقتصاد فإن العكس صحيح أيضاً إذ قد تسهم العملية في التأثير على أعداد السكان وأنماط معيشتهم عن طريق الهجرة والهجرة المعاكسة، ولعل التغييرات التي جرت في البحرين عقب اكتشاف النفط لهي خير مثال على ذلك، مع الإشارة هنا إلى أنه لا توجد لدينا إحصاءات دقيقة للسكان، وأقدم إحصاء يعود للعام 1941 وبلغ فيه عدد السكان (74.040) نسمة، وربما لا نسلم بدقة هذه الأرقام لصعوبة التعداد وتدوين المعلومات ولامتناع السكان عن تقديم البيانات الصحيحة لعدم إلمامهم بأهمية العملية ولتوارد الشائعات عن تطبيق التجنيد الإلزامي، والتي إشاعتها ظروف الحرب العالمية الثانية. كذلك ذكر النبهاني الذي زار البحرين في عام 1912 في كتابه (التحفة النبهانية) بأن عدد سكان البحرين يبلغ حوالي (300.000) نسمة، ولا يجب الأخذ بهذا الرقم أيضاً لأنه مبني على اجتهاد المؤلف الشخصي، كما أنه لم تحدث متغيرات جوهرية تجعل العدد ينخفض إلى ما أصبح عليه في عام 1941.

تعرضت البحرين إلى هجرات بشرية متعددة على مر تاريخها. وكان الحافز الرئيسي لذلك موقعها الاستراتيجي وخصوبة تربتها ووفرة المياه فيها. إلا أنه لا يمكن وضع جدول زمني دقيق لهذه العملية التي بدأت منذ عهد الآشوريين، ولعل ذلك ما يفسر التشابه الكبير بين غالبية سكان البحرين وسكان جنوبي العراق. ثم أعقبت ذلك هجرات عديدة جاءت من شبه الجزيرة العربية، كما واستقر في البحرين عدد من الإيرانيين أثناء الاحتلال الإيراني للبحرين (1622-1783)، ومع قدوم آل خليفة حكام البحرين الجدد، نزح برفقتهم أفراد من عدة قبائل حليفة لهم ومنهم المسلم والزيانية والدواسر والنعيم وغيرهم. ومع الطفرة التي أوجدها اكتشاف النفط في البحرين هاجر إليها عدد من الشباب العرب الذين ينتمون إلى الشام ومصر والعراق للعمل في قطاع التعليم وإشغال بعض الوظائف الحكومية الأخرى، كما توجد في البحرين جالية هندية كبيرة حالها في ذلك حال بقية منطقة الخليج العربي، وأخيراً تنفرد البحرين بوجود بضع مئات من اليهود العراقيين والإيرانيين وغالبيتهم من كبار التجار والصيارفة.

لقد سبب قدوم آل خليفة مشكلة طائفية في البحرين تطورت فيما بعد لتؤدي إلى تقسيم المجتمع إلى قسمين متميزين، أولهما (لبحارنة) وهم يكونون أغلبية السكان ومن الممكن تقسميهم أيضاً إلى 3 أقسام ثانوية وهم:

1- الغالبية العظمى من السكان الأصليين الذين استقروا في البحرين قبل عام 1783.

2- بعض سكان الأحساء والقطيف الذين نزحوا إلى البحرين عقب احتلال الوهابيين لمناطقهم.

3- الفرس وهم قلة.

أما القسم الثاني فيضم بعض السكان الأصليين وأفراد القبائل التي رافقت آل خليفة، ثم عرب (الهولة) ويمثلون قبائل بني كعب العربية الذين طردهم شاه إيران رضا بهلوي (1925-1941) عقب احتلاله إمارة عربستان في عام1925.

ب- التعليم

أنشئت أول مدرسة في البحرين عام 1892 من قبل البعثة التبشيرية الأمريكية وخصصت لتدريس البنات وفي عام 1905 افتتحت مدرسة للبنين، وقد قصدها عدد قليل من البحرانيين لقيامها بتدريس مادة الدين المسيحي ضمن مناهجها. كما أنشئت في عام 1910 مدرسة خاصة بأبناء الجالية الإيرانية، وقد أعيد تأسيسها في عام 1923 على أسس رسمية وسميت (مدرسة التربية).

تأثرت المدارس البحرينية بالمناهج الشامية والمصرية والعراقية

بدأ التعليم الرسمي في البحرين عام 1919 بافتتاح (مدرسة الهداية الخليفية) في المحرق والتي أسهم السكان جزئياً في تكاليفها. وتولت الإشراف عليها لجنة التعليم برئاسة نجل الحاكم الشيخ عبدالله آل خليفة، وقد تم استبعاد البحارنة منها، وفي عام 1926 تم افتتاح (مدرسة الهداية الثانية) في المنامة، وبعد عامين افتتحت مدرسة للبنات وهي الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي، ولقد قوبل هذا الإجراء باحتجاجات واسعة من قبل الأوساط المحافظة في البحرين.

اقتصر الدخول غلى هذه المدارس على أبناء طائفة معينة الأمر الذي أدى إلى خلق شعور لدى البحارنة بضرورة حصول أبنائهم على التعليم العصري، ولذلك شكلوا لجنة من وجهائهم لجمع التبرعات لبناء مدارس خاصة بهم، وفي عام 1928 افتتحت (المدرسة الجعفرية) وفي العام التالي افتتحت (المدرسة العلوية) وقد استقدمت اللجنة مدرسين لها من العراق، في حين استقدمت اللجنة الأولى مدرسين لها من بلاد الشام ومصر.

تأثرت المدارس البحرينية بالمناهج الشامية والمصرية والعراقية لأن معظم مدرسيها كانوا ينتمون إلى هذه البلدان. وهكذا اطلع المجتمع البحريني الناشئ على مصادر جديدة ومتنوعة للوعي الثقافي دفعت به إلى آفاق جديدة بعيداً عن بيئته الخليجية المحافظة، فكانت أشعار الرصافي والشريف الرضي وشوقي والمنفلوطي تلقى رواجاً في البحرين.

أثار هذا التوجه العروبي السلطات البريطانية فقررت التدخل لوقفه في مرحلة مبكرة وفي عام 1922 تم فصل مدير المدرسة الشيخ حافظ وهبة بحجة (تحدثه بالسياسة). ولكن العملية اتخذت شكلاً أكثر صرامة في عام 1929 إذ تم استحداث منصب المفتش العام، وقد بدا تدخله بالإعلان عن جملة من التعديلات شملت تغيير المناهج الدراسية وتعديل رواتب المدرسين وتقليل ساعات عملهم، الأمر الذي أثار سخطهم فأعلنوا الإضراب بدءاً من 1\1\1930، بدعم من مديري مدرستي المحرق والمنامة وساندهم الطلاب في ذلك، وقدموا جملة من المطالب وهي:

1- عدم تخفيض رواتب المدرسين نتيجة لتقليل ساعات عملهم.

2- تعيين المدرسين على أساس وظيفي دائم.

3- الأخذ برأي المديرين عند تغيير المناهج.

جاء رد فعل الحكومة سريعاً، إذ قبضت على المحرضين وأبعدتهم خارج البلاد، وفي 15\2\1930 استتبت الأمور، وتلا ذلك حل لجنتي التعليم ونقلت مهامها إلى المفتش العام، مما مهد لإلغاء التمييز الطائفي داخل المدارس الحكومية.

إن المعطيات السابقة تظهر وبجلاء حجم النهضة التربوية التي شهدتها البحرين وخلال مدة محدودة نسبياً، وقد أدى ذلك إلى نشوء طبقة من الشباب المتعلم تعليماً عصرياً، كانوا على كل حال أكثر تنوراً بالنسبة للمحيط العام في بيئة الخليج العربي، الأمر الذي مكنهم فيما بعد من الإسهام مع فئات المجتمع المتنورة الأخرى في مسيرة الحركة الوطنية في البحرين. 

مقالات لنفس الكاتب