array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 129

الأمم المتحدة في العراق بين التأثير الأمريكي والوضع الأمني المتدهور

الإثنين، 02 نيسان/أبريل 2018

كان العراق أحد المؤسسين للأمم المتحدة في 24 اكتوبر 1945 بمدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعد مؤتمر دومبارتون اوكس الذي عقد في 7 أكتوبر 1944م، بالعاصمة الأمريكية واشنطن على إثر فشل منظمة عصبة الأمم في أداء مهامها بعد قيام الحرب العالمية الثانية، كما شارك العراق في أعمال مجلس الأمن بصفته عضواً غير دائم لمرتين: الأولى في عامي 1957-1958م، أما الثانية فقد كانت في عامي 1974-1975م. ويعود دور الأمم المتحدة في العراق إلى العام 1955([1]). ولكن ما أثر على دور وعلاقة الأمم المتحدة بالعراق كان نشوء أزمة الخليج الثانية باجتياح العراق للكويت في أغسطس 1990م، فعدّت الأمم المتحدة هذا العمل مهددًا للأمن والسلم الدوليين ومدعاة لوضع العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والمخصص للانتهاكات الشديدة للنظام الدولي، فأصدر مجلس الأمن بموجب هذا الفصل عدة قرارات أهمها القرار رقم 687 (1990م) الذي أباح استخدام القوة العسكرية بالضد من العراق وتحميله المسؤولية عن الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي تتعرض لها الكويت، كما فرضت الأمم المتحدة عقوبات شاملة على العراق، وكان تركيز الأمم المتحدة في تعاملها مع العراق طيلة 13 عامًا يتمثل بمهام رئيسة ثلاث: الأولى فرض عقوبات للحد من قدرة العراق على تطوير أسلحة الدمار الشامل. والثانية إرسال فرق لوكالة الطاقة الذرية ونشرها في العراق مهمتها رصد برامج الأسلحة والتفتيش عنها. أما الثالثة فهي إدارة برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء فيما بعد([2]).

   أما بعد العام 2003م، فقد اختلف الحال وتبدلت العلاقة بين الأمم المتحدة والعراق واختلف دور الأولى من فرض العقوبات والرقابة إلى المساعدة والسعي لتحمل المسؤولية كمنظمة دولية هدفها الأساس حفظ السلم والأمن الدوليين ومعالجة القضايا التي تخص أعضاءها، وفعلاً كانت فاعلية الأمم المتحدة في العراق تزداد بشكل تدريجي وتعددت المنظمات والوكالات التابعة لها والعاملة في البلاد، الأمر الذي سيتم التطرق له في موضوعنا هذا.

تطورات الدور

   تطلب وضع العراق بعد عام 2003م، أن يكون للأمم المتحدة دور فاعل في ساحته فجاء قرار مجلس الأمن رقم 1500 في 14 أغسطس 2003م، لإنشاء بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق لمدة أولية تقدر بـ 12 شهر ، وهذه البعثة تواصل أعمال هيأة الأمم المتحدة في أعقاب تسليم برنامج النفط مقابل الغذاء بتاريخ 21 نوفمبر 2003م، وبدأت البعثة أعمالها في 1 سبتمبر 2003م، إلا أن البعثة لاقت صعوبات في عملها نتيجة لتدهور الوضع الأمني وتعرضت مقرات الأمم المتحدة لهجمات مباشرة خلال عام 2003م، حصلت بعدها مراجعة لتفويض بعثة الأمم المتحدة للعمل في العراق ونقل عامليها إلى العاصمة الأردنية عمان، وكان أمن الموظفين القيد الاشد تأثيرًا على أنشطة الأمم المتحدة في العراق، بحيث انحسرت انشطتها داخل البلاد واقتصرت على الأعمال الضرورية فقط، ومن الجدير بالذكر أن البعثة كانت مهامها تتركز على الركن السياسي وإعادة الإعمار والتنمية ومكتب لحقوق الإنسان يعمل بالارتباط مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والركن السياسي يتم إنجازه من خلال ثلاث مكاتب تتمثل بالقسم السياسي والقسم المعني بالانتخابات ومكتب تقديم الدعم الدستوري([3]).

ويمكن أن يوصف دور الأمم المتحدة في العراق خلال هذه المرحلة (2003-2006) بالدور الهامشي أو المحدد وبسبب ذلك هو أن الولاية التي منحها إياها مجلس الأمن محددة ولا تستطيع بعثتها في بغداد العمل خارج هذهِ الولاية، إذ تجد البعثة نفسها محاصرة بين مطرقة الحدود المفروضة عليها للعمل داخلها، وسندان الوجود الأمريكي الذي بدوره يحد عمل أي جهة من الممكن أن تعمل خارج حدوده، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل مارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها على الأمانة العامة للأمم المتحدة للحيلولة دون صدور أي قرارات أو تصريحات تتضمن انتقادًا لأدائها في الساحة العراقية ما جعل دور الأمم المتحدة محددًا ومقيدًا([4]).

   تغير الأمر لصالح دور الأمم المتحدة في العراق عام 2007م، بعد أربع سنوات من سحب المنظمة لموظفيها في العراق بسبب تدهور الوضع الأمني، وجاء ذلك التغيير بعد تبني مجلس الأمن لقرار في أغسطس 2007م، يفضي إلى توسيع دور الأمم المتحدة في العراق ليشمل العمل على تحقيق مصالحة وطنية بين الأطراف المتصارعة في الساحة العراقية وإجراء حوار مع دول الجوار العراقي، ويفوض بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق مهمة تسوية الصراعات بين الطوائف العراقية المختلفة التي تسببت خلافاتها بإعاقة العملية السياسية وانتشار العنف الطائفي، بالإضافة إلى مهامها السابقة المتمثلة بالمساعدة على إجراء الانتخابات ومراقبة حقوق الإنسان. كما يتضمن دور الأمم المتحدة الجديد أن تقدم بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة الدعم والمشورة والمساعدة للعراقيين بشأن تفعيل الحوار الوطني والمصالحة السياسية ومراجعة الدستور ومعالجة الأزمات السياسية، والدخول في حوارات بين العراق ودول الجوار بخصوص عدة ملفات تتمثل بأمن الحدود والطاقة واللاجئين، والعمل على إعادة اللاجئين الذين فروا من أعمال العنف الطائفي والمساعدة في عملية إعادة الإعمار وغيرها. ([5])

   وفعلاً أصبح دور الامم المتحدة أكثر فاعلية فيما بعد وتطورت العلاقة مع العراق وتعددت مجالات الاهتمام والنشاط في الساحة العراقية، وتجلى ذلك بتوجه الأمم المتحدة لإخراج العراق من طائلة الفصل السابع عندما صوت مجلس الأمن بالإجماع على قرار 2017 في 27 يونيو 2013م، وإنهاء الالتزامات المترتبة على العراق، ونقل حالة الملفات العالقة بين العراق والكويت من الفصل السابع (صلاحية مجلس الأمن في فرض العقوبات أو التدخل العسكري عندما لا تستجيب الدول المتنازعة لمطالب المجلس) إلى الفصل السادس (الحل السلمي للنزاعات بين الدول)، وأهم هذه الملفات إعادة الكويت ورعايا الدول الأخرى أو رفاتهم إلى دولهم، وإعادة الممتلكات والمحفوظات الكويتية التي استولى عليها العراق، وتسديد ما تبقى من تعويضات مفروضة للكويت عليه([6]).

   وعمل الأمم المتحدة في العراق جاء بناءً على طلب الحكومة العراقية من أجل دعم جهود التنمية الوطنية على الصعد السياسية والانتخابية والإنسانية، وتقديم الخبرة والمشورة والدعم للعراق حكومة وشعبًا والعمل على بناء القدرات للأفراد والمؤسسات خلال مرحلة التحول الديمقراطي، وتتألف منظمات الأمم المتحدة في العراق مما يقرب من (20) منظمة ووكالة ومكتباً([7]). تتمثل بـ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، منظمة العمل الدولية، المنظمة الدولية للهجرة، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، صندوق الأمم المتحدة للسكان، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (ليونيدو)، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ، مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع ، برنامج الأغذية العالمي، منظمة الصحة العالمية([8]).

   ويضم كادر منظمات الأمم المتحدة في العراق ما يقرب من 170 موظفًا دوليًا وما يزيد عن 420 موظفًا وطنيًا، وتنفذ الأمم المتحدة برامجها ومشاريعها المختلفة عن طريق تعاون وشراكة وثيقين مع الحكومة العراقية ومنظمات المجتمع المدني وعدد آخر من الشركات والنظراء أهمهم المنظمات غير الحكومية سواء الوطنية أو الدولية([9]).

   ويعمل فريق الأمم المتحدة القطري في جميع المحافظات العراقية وعلى مستوى المجتمع المحلي والمحافظة فضلاً عن المستوى الوطني، وينتشر الموظفون المحليون والدوليون في مختلف أنحاء البلاد ويعملون بالتعاون مع نظرائهم المحليين والوطنيين، ويقود الفريق برنامج عمل يتعلق بالأمور الإنسانية وإعادة الإعمار والتنمية بأسلوب منسق يعتمد على الأولويات الوطنية، وقد وقع هذا الفريق مع الحكومة العراقية في مايو 2016م، إطار عمل الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية في العراق يتم تنفيذه على مدى 4 سنوات ، ومن ضمن ما يتضمنه دور الأمم المتحدة هذا هو تقديم المساعدة للحكومة العراقية من أجل الوفاء بالتزاماتها المختلفة ، ومنها الأهداف الإنمائية للألفية، والمعاهدات الدولية التي يكون العراق طرفًا موقعًا فيها وغيرها([10]).

   وكان دور الأمم المتحدة في العراق فاعلاً في مرحلة ما بعد 10 يونيو 2014م، التي سيطر فيها تنظيم داعش على مناطق عدة من العراق، ولا سيما في الجوانب الإنسانية والإنمائية ورعاية اللاجئين ومخيمات النازحين ومجالات حقوق الإنسان وحتى العمل للحفاظ على التراث الحضاري والثقافي العراقي، حينما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 281 في يونيو 2015م، تحت بند (انقاذ تراث العراق الحضاري) وتضمن تأكيدات عدة على التدابير المتخذة في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية لحماية الممتلكات الثقافية وبخاصة الاتجار بها، وإدانة الأعمال التخريبية والإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش ضد المكتبات ودور العبادة والمؤسسات التعليمية والمواقع الأثرية([11]).

مجالات الاهتمام

على الرغم من تنوع وتعدد المجالات التي تهتم بها الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة في العراق إلا أنه سيتم التركيز على من أهم هذهِ المجالات تتمثل بـ:

-دعم بناء النظام السياسي وقدرات الدولة، قدمت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق الدعم والإسناد في المجال السياسي والمتمثل بدعم العملية السياسية بما فيها العملية الانتخابية وعملية إعداد وصياغة الدستور الدائم للبلاد والمساعدة في بناء مؤسسات تعزيز وحماية حقوق الانسان، مثلما كان للأمم المتحدة دورها في الإسراع بنقل السلطة والسيادة إلى الشعب العراقي ضمن جدول زمني محدد بمواقيت انتهت بانتهاء انتخابات عام 2005م، وكانت بعثة الأمم المتحدة قد أنشأت مكتبًا للدعم السياسي إضافة إلى دور الممثل الخاص في هذا المجال، ويتمثل الدعم السياسي بالقيام بالمساعي الحميدة بين أطراف العملية السياسية، والقيام بدور ريادي في إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي في العراق، وأن طريق الدعم السياسي يساهم في إرساء الأمن والاستقرار وتشجيع الحلول الوسطى عبر آليات ووسائل عدة أهمها: الالتقاء بالقادة و رجال الدين والتحاور والتشاور معهم، والتواصل مع دول الجوار والدول الإقليمية للمساهمة في استقرار العراق ، التواصل مع الدول المانحة لمساعدة العراق، دعم منظمات المجتمع المدني، والعمل على شمولية العملية السياسية وضمان استقلاليتها. أما في مجال الانتخابات فقد ساهمت الأمم المتحدة في كل العمليات الانتخابية التي جرت في العراق منذ عام 2003م، مرورًا بعملية الاستفتاء على الدستور الدائم عام 2005م، وقدمت الدعم فنيًا وماديًا، اذ تضمنت البعثة في العراق لجنة مساعدات فنية في مجال الانتخابات والتحضير لها وتعمل بمعية اللجان والهيآت الوطنية المختصة.([12])مثلما يقدم فريق الأمم المتحدة في العراق المشورة الفنية والاستراتيجية للمؤسسات المنخرطة في الأنشطة الانتخابية بهدف قيام عمليات انتخابية سليمة ومستدامة، كما قدمت الأمم المتحدة دعم العمليات الانتخابية منذ عام 2003م، من خلال مساعدتها في عمليات تحديث سجلات الناخبين في الأعوام 2004 و 2005 و 2008 و 2009 و 2010 والانتخابات المحلية المختلفة، وساهمت في اختيار أعضاء مجلس مفوضي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في عام 2012م، وقامت ببناء قدراتهم وقدرات 17000 مراقب محلي ساهموا في مراقبة العملية الانتخابية([13]).

   وفي مجال دعم النظام السياسي ومؤسسات الدولة أيضًا يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إصلاح قطاع الأمن من خلال تطوير خطة عمل لإصلاح القطاع، وتعزيز الديمقراطية عبر بناء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، والمساعدة على إصلاح القضاء ونظام العدالة الجنائية من خلال تطوير مناهج ومعايير لتوظيف القضاة والمدعين العامين وتدريبهم ، وقد وقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الحكومة العراقية في 11 أغسطس 2016م، اتفاقية للمساعدة على تقوية قدرات الحكومة لتقصي قضايا الفساد المختلفة وملاحقتها قضائيًا، وكذلك دعم برنامج الحكومة الإصلاحي ودعم توظيف كبار الموظفين على أساس الخبرة والكفاءة، مثلما تم دعم تطبيق قانون المحافظات رقم (21) كونه ركيزة مهمة لنقل الصلاحيات إلى المحافظات، والمساهمة في إصلاح موازنات المحافظات وتنفيذها([14]).

-     دعم حماية وتعزيز حقوق الإنسان، هذه القضية تثير الكثير من التعقيدات والمصاعب أمام بعثة الأمم المتحدة في العراق كونها تواجه إرث للمرحلة السابقة التي يظن فيها الكثير من العراقيين أنهم كانوا ضحاياها، وإفرازات وتداعيات مرحلة جديدة يرى آخرون أنهم ضحاياها، وكل ذلك في ظل تطورات واقع سياسي وأمني معقد ومرتبك ويزخر بالمخاطر والتحديات الناجمة عن العمليات العسكرية عبر مراحل مختلفة منها عمليات قوات الاحتلال الأمريكي منذ حرب عام 2003م، إلى ما قبل الانسحاب عام 2011م، وأخرى عمليات مواجهة الرهاب والجماعات الإرهابية فيما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق([15]) .

     وقد أوكل قرار مجلس الأمن رقم 1546 إلى بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق مهمة تحسين أوضاع حماية حقوق الإنسان، ومن أجل تحقيق مهمتها يقوم مكتب حقوق الإنسان التابع للبعثة بمراقبة حقوق الإنسان في العراق من أجل دعم النشاطات الموجهة لإعادة تأهيل وإعمار المؤسسات العراقية وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وأن مكتب حقوق الإنسان يعمل مع وزارات العدل وحقوق الإنسان والداخلية، ومع منظمات المجتمع المدني بهدف تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون.([16])

وتدعم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عمل بعثة الأمم المتحدة وذلك بالمساعدة في تنفيذ الأنشطة وتقديم الارشادات ومشورة الخبراء في مسائل تخص حقوق الإنسان، كما يتعاون مكتب حقوق الإنسان مع الوكالات والمنظمات والبرامج الأخرى التابعة للأمم المتحدة بما فيها البرنامج الإنمائي وهيأة الأمم المتحدة للمرأة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونسيف. ويركز المكتب عمله على حماية المدنيين من آثار النزاع المسلح والعنف، وحماية حقوق المحتجزين أو الذي تجري محاكمتهم، وحقوق النساء والأطفال، وحقوق الأقليات، وحرية التعبير، كما دعم المكتب إنشاء المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق.

أما الأنشطة والوسائل المعتمدة في هذا المجال فتتمثل بـ : رصد حالة حقوق الإنسان وتقديم التقارير عنها والدعوة مع الحكومة والجهات الفاعلة إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان وتدريب الموظفين الحكوميين وقوات الأمن، والتثقيف والتوعية في مجال حقوق الإنسان وتدريب أعضاء المجتمع المدني على سبل ووسائل القيام بالدعوة والرصد وتقديد التقارير في هذا المجال، وقدمت وكالات الأمم المتحدة العديد من التقارير الدورية عن انتهاكات لحقوق الإنسان سواء خلال مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق أو المرحلة التي شهدت سيطرة تنظيم داعش على مناطق عدة من العراق وارتكبت العديد من الجرائم والتهجير القسري والعديد من الأعمال التي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان([17]).

-     دعم المصالحة الوطنية، من أهم المجالات التي أولتها وكالات الأمم المتحدة اهتمامًا كبيرًا هي ملف المصالحة الوطنية، إذ شاركت عدد من هذه الوكالات ومنها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دعم ومساندة مختلف مبادرات المصالحة الوطنية التي طرحتها الأطراف السياسية أو الحكومة العراقية، وينطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذا المجال من رؤية مفادها أن جهود تعزيز المصالحة يشكل طريقًا إلى عراق أكثر بعدًا عن العنف وأكثر تمثيلاً ومرونة لمكوناته، ويعمل البرنامج بشراكة لجنة تنفيذ ومتابعة المصالحة الوطنية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء وعقد معها شراكة عام 2017م، لإطلاق مشروع دعم المصالحة المتكاملة في العراق، ويدعم البرنامج العراق من خلال هذا المشروع في عدة مجالات تتمثل بــــــ: إنشاء "لجان سلام محلية" لزيادة الثقة ضمن المجتمعات المحلية وبينها وبين السلطات، وتعزيز التلاحم الاجتماعي والتعايش ."دعم الضحايا" مع التركيز على تدارك الجرائم الجنسية وجرائم النوع بهدف تسجيل ومعالجة شهادات الضحايا وتجاربهم حول الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان، وتسجيل ونشر آراء الضحايا عن العدالة الانتقالية، ورعاية الدولة العراقية لاعترافات الضحايا عن الانتهاكات الجسيمة في طريقة موحدة وشاملة، وزيادة الوعي العام عبر تطوير مستويات أعلى للاستشارات المدنية من أجل عمل سياسة رفيع المستوى([18]).

   كما تدعم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) مشروع المصالحة الوطنية عبر آلية عقد سلسلة من الجلسات الحوارية في مختلف مناطق العراق تحت عنوان "التسوية الوطنية: آفاق وتحديات" تأمل منها الأمم المتحدة أن تساهم في تحقيق تسوية وطنية شاملة تنتقل بالعراق نحو مستقبل أفضل بعد سنوات النزاع والانقسامات، وتجمع هذه الجلسات أطراف متعددة منها عشائرية ودينية وأكاديمية وسياسية وأطراف فاعلة في المجتمع المدني.([19])

-دعم إعادة الإعمار والاستقرار، اهتمت الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في العراق بعملية إعادة الإعمار بعد عام 2003م، نظرًا لما اصاب العراق من دمار جرّاء الحروب المتعاقبة التي كان أخرها الحرب الأمريكية في مارس 2003 م، ثم تبعها عمليات عسكرية وأعمال إرهابية لم تنقطع عن المشهد العراقي، فكانت الأمم المتحدة أحد الأطراف الفاعلة في دعم العراق في هذا المجال سواء عبر مشاركتها في مؤتمرات المانحين أو مساهمتها المباشرة عبر وكالاتها المتعددة، إذ أنشأ العهد الدولي بناءً على طلب العراق إلى الأمم المتحدة عام 2006م، للدخول بصفة شريك للعراق في عملية إعادة الإعمار وتنفيذ إصلاحات لدمج العراق في المجتمع الإقليمي والدولي وساهمت في عقد العديد من المؤتمرات الدولية بشأن دعم العراق([20]).

   واستمرت حاجة العراق للإعمار لا سيما بعد ما نتج من دمار جراء الحرب ضد تنظيم داعش والعجز المالي الذي مر به العراق، ما يعني حاجة البلاد إلى تعبئة الجهود الدولية من أجل إعادة بناء وإعمار المناطق المحررة من سيطرة داعش وتلبية احتياجات سكانها من الخدمات وتوفير السبل التي تساهم في إعادة إرساء الاستقرار([21]).

   فكانت جهود الأمم المتحدة حاضرة في هذا الشأن إذ تدعم أكثر من 25 جهة مانحة جهود تمويل الاستقرار ، ويساعد "صندوق تمويل الاستقرار الفوري" التابع للبرنامج الإنمائي في الإسراع بعملية إعادة تأهيل البنى التحتية العامة وتقديم المنح إلى المؤسسات الصغيرة وتعزيز قدرات الحكومات المحلية وتشجيع العمل المدني والمصالحة المجتمعية ، وتوفير فرص العمل وبناء المساكن، كما أطلق البرنامج الإنمائي قناة ثانية لإعادة الاستقرار "صندوق تمويل الاستقرار الموسع" وهو آلية وسيطة مصممة للبناء على المكاسب المحققة خلال الاستقرار الفوري سريعًا عبر إيجاد فرص عمل كثيرة في المدن المحررة وإعادة استقرار الممرات بين هذه المدن([22]).

   فضلاً عن هذه المجالات فإن هنالك مجالات أخرى اهتمت بها وكالات الأمم المتحدة في العراق ترسيخًا لدورها فيه، وتتمثل بالاهتمام بالدعم الإنمائي والإنساني، والبيئة والمياه والصرف الصحي والتوظيف والصحة والكهرباء واللاجئون والنازحون داخليًا والشباب والمرأة ومكافحة الفساد.

   وختامًا يسجل على دور الأمم المتحدة في العراق أنه تحول من دور المحاصر والمعاقب للعراق قبل عام 2003م، إلى دور المساعد والمساهم في العديد من المجالات والقطاعات المختلفة فيه، وأن هذا الدور قد تأثر كثيرًا في العراق نتيجة عاملين رئيسيين الأول هو التأثير الأمريكي على الأمم المتحدة وممارسة دورها سلبًا أو إيجابًا في الساحة العراقية، والثاني هو الوضع الأمني للعراق الذي يؤدي تدهوره إلى تراجع دور الأمم المتحدة والعكس صحيح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وأكاديمي عراقي

 

[1]- انظر: وزارة الخارجية – جمهورية العراق، العراق والأمم المتحدة، الرابط: http://mofa.gov.iq/ab/submenu.php?id=31

[2]- علي المولوي، علاقة الأمم المتحدة بالعراق، الرابط: http://www.bayancenter.org/2018/02/4283/

[3]- همسة قحطان الجميلي، "اهمية دور الامم المتحدة في دعم العملية السياسية في العراق"، مجلة العلوم السياسية، العدد 36 (بغداد: 2008)، ص216.

[4]- تهميش دور الامم المتحدة، موقع الغد، 27 اغسطس 2005، الرابط: http://www.alghad.com/articles/551451-%D8%AA%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%B4-%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9

[5]- الأمم المتحدة توسع دورها السياسي في العراق، موقع DW، الرابط: http://www.dw.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%25%E2%80%A6

[6]- مصباح كمال ، إخراج العراق من طائلة الفصل السابع ومدى تأثيره على قطاع التأمين ، الرابط : http://iraqieconomists.net/ar/2013/08/24/%D9%85%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AD-%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5/

[7]- موقع الأمم المتحدة -العراق، الرابط: http://www.uniraq.com/index.php?option=com_k2&view=item&layout=item&id=1077&Itemid=574&lang=ar

[8]- علي عصام عبد علي، العراق والأمم المتحدة بعد عام 2003، مجلة السياسية والدولية، العدد 20 (بغداد: 2012)، ص 234.

[9]- الأمم المتحدة -العراق، مصدر سبق ذكره.

[10]- موقع الأمم المتحدة-العراق، وكالات الأمم المتحدة في العراق، الرابط: http://www.uniraq.com/index.php?option=com_k2&view=item&layout=item&id=1044&Itemid=639&lang=ar

[11]- غالب فهد العنبكي، التدابير التي اتخذها مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة لإنقاذ تراث العراق الثقافي والحضاري (بغداد: مركز البيان للدراسات والتخطيط، 2017)، ص8 .

[12]- عبد العزيز رمضان الخطابي، دور الأمم المتحدة في العملية السياسية في العراق، مجلة الرافدين، العدد 31 (الموصل :2007)، ص 277-278.

[13]- الأمم المتحدة – العراق، الانجازات، الرابط: http://www.uniraq.com/index.php?option=com_k2&view=item&layout=item&id=1051&Itemid=640&lang=ar

[14]- حول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، الرابط:http://www.iq.undp.org/content/iraq/ar/home/operations/about_undp.html

[15]- عبد العزيز رمضان الخطابي، مصدر سبق ذكره، ص283.

[16] - تقرير حقوق الإنسان 1 تموز /يوليو -31آب/اغسطس، بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة للعراق، بغداد، ص1-2 .

[17]- انظر: موقع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق، الرابط: http://www.ohchr.org/AR/Countries/MENARegion/Pages/IQOHCHR.aspx

[18]- موقع الأمم المتحدة - العراق، مشروع دعم المصالحة الوطنية المتكاملة، الرابط : http://www.iq.undp.org/content/iraq/ar/home/operations/projects/democratic_governance/reconciliation.html

[19]- موقع الأمم المتحدة – العراق، في اجتماع حول المصالحة الوطنية الأمم المتحدة تحث العراقيين على انتهاز زخم الانتصارات على داعش لبناء مستقبل افضل، الرابط: http://www.uniraq.com/index.php?option=com_k2&view=item&id=7845:%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%E2%80%A6&lang=ar

[20]- عباس كاظم عبيد، العراق والامم المتحدة بعد عام 2003، جريدة الصباح الجديد (بغداد)، 22 ابريل 2015.

[21]- علي المولوي، مصدر سبق ذكره.

- حول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، مصدر سبق ذكره

[22]-

مجلة آراء حول الخليج