array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

المواجهة العسكرية الإسرائيليةـ الإيرانية مؤجلة ونزع فتيلها بالانسحاب من سوريا

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

*** لا شك أن القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثامن من مايو الماضي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران سوف يطرح العديد من التأثيرات شديدة الأهمية على منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة وعلى دول الخليج بصفة خاصة ولاسيما فيما يتعلق بطبيعة العلاقات الأمريكية/ الإيرانية, والعلاقات الأمريكية/ الأوروبية, والعلاقات الإيرانية / الخليجية, والعلاقات الإيرانية / الأوروبية, كما أن هذا القرار الأمريكي سوف يكشف لنا بوضوح كيف ستتحرك إيران في المرحلة القادمة للحد من مخاطر وسلبيات هذا القرار على وضعيتها وعلى استراتيجيتها النووية والعسكرية .

*** وفي الوقت نفسه لا يمكن لنا أن نغفل أو نتجاهل أو نقفز على موقف أحد الأطراف الرئيسية في هذا الموضوع والذي يمكن توصيفه بأنه الطرف الحاضر الغائب وأعني بذلك موقف الجانب الإسرائيلي الذي تحرك ولا يزال يتحرك بشكل مكثف وتأتي بعض هذه التحركات بشكل علني ويأتي بعضها الآخر بشكل سري وكلها تركز صوب الأنشطة النووية الإيرانية حيث ترى إسرائيل أن هذه الأنشطة تهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة والأمن القومي الإسرائيلي بصفة خاصة ومن ثم فإنها تتعامل معها بصورة جدية وتضع جميع السيناريوهات الممكنة لمواجهتها .

*** ومن هذا المنطلق سوف نحاول في هذا المقال الرد على الأسئلة الثلاثة الرئيسية التالية :

   ** السؤال الأول ويتعلق بماهية الموقف الإسرائيلي وطبيعة الاستراتيجية النووية الإسرائيلية .

   ** السؤال الثاني يرتبط بموقف إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني والتسليح النووي في المنطقة .

   ** السؤال الثالث ويتعلق بمدى إمكانية أن تقوم إسرائيل بعمل ما ضد إيران في المستقبل .

*** بداية من الضروري أن نوضح المحددات التي تستند إليها إسرائيل وهي تتعامل بشكل عام مع الملف النووي في المنطقة بما في ذلك بالطبع الملف النووي الإيراني وهو ما يمكن إيضاحه في المحددات الأربعة  التالية :

   ** المحدد الأول ويتمثل في الحرص على أن تمتلك إسرائيل السلاح النووي الذي يوفر لها سواء عنصر الردع أو مواجهة أية أخطار ترى أنها قد تهدد وجودها وبقائها وهو ما وضح من خلال تحركها وسعيها الدؤوب منذ عام 1958م، لامتلاك السلاح النووي وهو ما قد تحقق لها بالفعل منذ عام 1963م، واستمرت في تطوير قدراتها النووية منذ ذلك الحين حتى أصبحت إحدى الدول النووية في العالم .

   ** المحدد الثاني ويتعلق بالسعي الحثيث نحو الحيلولة دون امتلاك أي من دول المنطقة ولاسيما الدول العربية سلاحًا نوويًا يهدد الأمن القومي الإسرائيلي دون الممانعة في اقتصار استفادة أية دولة من المجال النووي للأغراض السلمية فقط, مع التحرك لتحقيق هذا الهدف بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة, وقد حاولت إسرائيل توسيع المدى الجغرافي لهذا المهدد ليصل إلى محاولة منع بعض الدول الإسلامية الآسيوية من امتلاك السلاح النووي مثل باكستان ولكنها اصطدمت بموازين القوى الدولية في منطقة شبه الجزيرة الهندية .

   ** المحدد الثالث وهو الابقاء على مسألة امتلاك إسرائيل سلاحًا نوويًا من عدمه كأحد الأمور الغامضة التي لا يمكن حسمها بصورة قاطعة فهي لم تعلن بصفة رسمية حتى الآن امتلاكها هذا السلاح ولكن كافة المعلومات المتوافرة تؤكد أن إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًا منذ عقود طويلة, ومن المفيد هنا أن نشير إلى تصريحات الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريس عندما أشار إلى أن إسرائيل لن تكون هي الدولة الأولى التي تدخل السلاح النووي للمنطقة ولكنها لن تكون الأخيرة .

   ** المحدد الرابع وهو رفض التوقيع على أية اتفاقيات تتعلق بموضوع القيود المفروضة على امتلاك  السلاح النووي ومن أهمها عدم التوقيع على اتفاقية حظر الانتشار النووي المعروفة باسم معاهدة NPT .

*** وفي هذا المجال ترى إسرائيل أن إيران بسياساتها واستراتيجياتها وخاصة في المجال النووي تعتبر أحد أهم مهددات الأمن القومي الإسرائيلي فالتهديد الإيراني بالنسبة لها يعد تهديدًا وجوديًا, ومن المهم أن أشير في هذا الشأن إلى أن كافة المؤتمرات الاستراتيجية الهامة التي تعقد في إسرائيل وخاصة ما يعرف بمؤتمر ( هيرتزيليا ) الذي يعقد سنويًا ويعتبره الخبراء الدوليون أنه بمثابة عقل إسرائيل الاستراتيجي أكد أكثر من مرة بإجماع خبرائه على أن الخطر الوحيد الذي بات يهدد إسرائيل تهديدًا حقيقيًا في منطقة الشرق الأوسط هو البرنامج النووي الإيراني وليست أية تهديدات أخرى سواء كانت عربية أو غيرها .

*** وارتباطًا بالاتفاق النووي الذي وقعته إيران في الرابع عشر من يوليو عام 2015م، والذي يعرف باتفاق ( 5 + 1 ) من المفيد أن نشير هنا إلى أن إسرائيل تعرضت إلى العديد من القيود المفروضة عليها وهي تتعامل مع هذا الاتفاق كان أهمها ليس فقط موقف الإدارة الأمريكية آنذاك ( إدارة أوباما) التي سعت للتوقيع على الاتفاق رغم الضغوط الإسرائيلية ولكن أيضًا الموقف الإيجابي المؤيد للاتفاق من قبل الجانبين الأوروبي والروسي والصيني أيضًا وهي الأطراف المشاركة في هذا الاتفاق وبالتالي فقد واجهت إسرائيل في هذه الحالة نوعًا فريدًا من التحالف الدولي المؤيد والمتبني للاتفاق مع إيران مما أفقد إسرائيل أهم عناصر القوة الخارجية التي كانت تساندها بشكل دائم .

*** كما أنه من المفيد أن نوضح أيضًا كيف تحركت إسرائيل بشكل مكثف ومنظم قبل توقيع هذا الاتفاق من أجل منع التوصل إليه, والأمر الغريب الذي نلاحظه هنا أن هذا التحرك الإسرائيلي كان له الأثر الأكبر في القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق بعد تولى إدارة الرئيس ترامب السلطة والذي أعلن مرارًا أن هذا هو أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة, ويمكن توضيح شكل ومضمون هذا التحرك الإسرائيلي من خلال ثلاثة محاور رئيسية نوجزها فيما يلي :

   ** المحور الأول وهو التحرك على المستوى الداخلي حيث حرصت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو على تثبيت الموقف الرافض للاتفاق ونتائجه مهما كانت واعتبار أن السعي لإسقاطه أو إفشاله هدفًا استراتيجيًا لا يمكن لها التخلي عنه, بالإضافة إلى التلويح بالخيار العسكري ضد إيران باعتباره الوسيلة الوحيدة الناجحة إذا ما فشلت الجهود السياسية والاقتصادية التي يستخدمها المجتمع الدولي ضد إيران .

   ** المحور الثاني وهو نقل المعركة إلى داخل الكونجرس الأمريكي حيث سعى نتانياهو إلى تخطي كافة الحواجز والقيود البروتوكولية والدبلوماسية وقام بالتوجه لمخاطبة الكونجرس مباشرة وخاصة الأعضاء الجمهوريين من أجل توضيح مخاطر هذا الاتفاق مما أدى إلى تدهور العلاقة بين نتانياهو والرئيس السابق أوباما بصورة غير مسبوقة .

   ** المحور الثالث ويتعلق باستخدام إسرائيل للعمل الاستخباراتي للتأثير على البرنامج النووي الإيراني ونشير في هذا المجال إلى ما أثير حول اغتيال إسرائيل ثلاثة من كبار العلماء الإيرانيين المرموقين في المجال النووي دون إعلان إسرائيل بالطبع أية مسؤولية من جانبها عن عمليات الاغتيال .

*** ومن الملاحظ أن طبيعة التحرك الإسرائيلي لم تختلف كثيرًا في أعقاب تولي الإدارة الجمهورية الأمريكية الحالية السلطة بل كان الأمر أكثر مرونة وسهولة فالتحرك الإسرائيلي في الحقبة الجديدة أصبح أكثر فعالية وإيجابية وتأثيرًا نظرًا لمعارضة الرئيس ترامب قبيل توليه السلطة لهذا الاتفاق والتأكيد على أنه سوف يسعى إلى الانسحاب منه عندما يصل إلى السلطة وهو ما تحقق بالفعل, وبالتالي نجحت إسرائيل في استثمار الموقف الأمريكي الجديد لصالحها كمقدمة لمزيد من ممارسة الضغوط الأكثر تأثيرًا على إيران خاصة في مجال إعادة فرض العقوبات عليها لدفعها لتعديل الاتفاق .

*** وفي الوقت نفسه حرصت إسرائيل على أن تدعم موقف جبهة الأطراف الإقليمية والدولية الرافضة والمعارضة للأنشطة النووية الإيرانية وذلك من خلال ما يلي :

   ** بث القناعة لدى المجتمع الدولي كله بأن تقنين أية وضعية مميزة لإيران في المجال النووي سوف يهدد الأمن القومي في المنطقة بل في العالم كله مع التأكيد على أن أية سياسات أو إجراءات مرنة أو تنازلات تقدم  لإيران ستقابلها الأخيرة بمزيد من التشدد والشيطنة .

   ** عدم الاكتفاء بالتحرك الرافض لامتلاك إيران سلاح نووي بل الانتقال من هذا المستوى من التعامل إلى مستوى أخر يشغل المجتمع الدولي حاليًا وأعني به قضية الإرهاب , حيث حذرت إسرائيل من أن رفع العقوبات عن إيران سوف يؤدي إلى مزيد من دعم دورها في تأجيج الإرهاب الدولي ودعم الجماعات الموالية لها في المنطقة ولاسيما في سوريا والعراق واليمن ولبنان مما سيؤدي بالتالي إلى مزيد من تعقيد الصراعات المثارة في المنطقة .

   ** سعي إسرائيل إلى أن تصنف نفسها ولو حتى من الناحية النظرية كأحد المحاور المنضمة لجبهة الرفض العربية السنية المعارضة ليس فقط للاتفاق النووي ولكن لكافة الأنشطة الإيرانية في المجالين النووي والعسكري بالإضافة إلى المجال السياسي .

*** ولاشك أن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق وما أثاره من بعض التحفظات الروسية والأوروبية والصينية الرافضة لفكرة الانسحاب نظرًا لأن مصالحها الاقتصادية مع إيران سوف تتأثر سلبًا وخاصة ألمانيا وفرنسا يصب بصورة واضحة في صالح الموقف الإسرائيلي الذي سيكثف من عملية الاقتراب من الموقف الأمريكي أملاًً في أن تمارس واشنطن كافة ضغوطها على إيران وباقي الدول الأطراف في الاتفاق من أجل إما أن تنسحب هذه الدول منه مثلما فعلت واشنطن أو على الأقل تضغط على  النظام الإيراني وتدفعه لإعادة النظر في الاتفاق من أجل تعديله في مفاوضات جديدة بما يتمشى مع المطالب الأمريكية وبالتالي مع الرؤية الإسرائيلية والتي تتلخص في ضرورة تحجيم البرنامج الصاروخي الباليستي وعدم السماح لإيران بأية أنشطة نووية بعد عام 2025م، وكذالك ضرورة وقف دعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة.

*** ونأتي إلى أهم نقطة تتعلق بالمستقبل وهي هل يمكن لإسرائيل أن تتعامل مع الأنشطة النووية الإيرانية بطريقة مغايرة للمسار السياسي والاقتصادي الحالي الذي لازال المجتمع الدولي والقوى الدولية الرئيسية تتبناه, وبعبارة أخرى وبلغة أكثر دقة ووضوحًا هل يمكن أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية, وفي رأيي أن هذا الأمر غير مطروح حاليًا في ضوء العوامل الستة التالية :

   ** العامل الأول أن الولايات المتحدة لم تتخذ حتى الآن أية قرارات بالمواجهة العسكرية مع إيران وبالتالي لن تسمح لأية دولة أخرى ولاسيما إسرائيل بالقيام بهذا العمل خاصة وأننا نعرف مدى عمق التنسيق والتعاون الاستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن بما يحول دون أن تقدم إسرائيل على أي عمل منفرد ضد إيران دون تشاور وموافقة واضحة مسبقة من جانب واشنطن .

   ** العامل الثاني أن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران لم يؤت ثماره المرجوة بصورة كاملة حتى الآن بمعنى أن على إسرائيل والقوى الأخرى الانتظار حتى تتضح نتائج هذا القرار ومدى تأثيره على الموقف الإيراني وهل يمكن أن ترضخ إيران في النهاية وتوافق على تعديل الاتفاق من عدمه, إضافة إلى أن مستقبل العلاقات الإيرانية ــ الأوروبية في أعقاب قرار ترامب يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تظهر مدى انعكاسات التطورات الأخيرة فعليًا على الأرض .

   ** العامل الثالث أن أي عمل عسكري محتمل ضد إيران سوف تكون له تداعيات سلبية على الوضع في منطقة الشرق الأوسط كلها وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة.

   ** العامل الرابع هناك قناعة لدى إيران باستبعاد أي عمل عسكري ضدها رغم ما تلوح به من احتمالات قيام بعض الأطراف مثل الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا العمل وقدرتها على التصدي له ثم الرد العنيف في أعقابه, إضافة إلى أن إيران تحاول من فترة لأخرى التهديد بمواصلة برنامجها الصاروخي وإعادة تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع إذا استمرت المواقف الأمريكية ضدها .

   ** العامل الخامس أن الدلائل والمعطيات تشير إلى أن كل من روسيا والصين والدول الأوروبية تعارض تمامًا أي عمل عسكري ضد إيران باعتباره عنصر تفجير لأمن واستقرار المنطقة كلها ولمصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط وهو الأمر الذي تأخذه الإدارة الأمريكية في حسبانها خاصة وأن التعامل في قضايا مثل سوريا وليبيا واليمن وحتى مسألة فرض العقوبات الاقتصادية يعد أمرًا مختلفًا بصورة مطلقة عن مسألة تنفيذ عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية .

   ** العامل السادس هناك شبه قناعة إسرائيلية بأن القدرات الإيرانية لم تصل حتى الآن إلى مرحلة امتلاك السلاح النووي المهدد للأمن القومي الإسرائيلي وأن الضغوط التي تمارس على إيران قد تنجح في تحجيم الطموحات الإيرانية في هذا الشأن .

*** وفي كل الأحوال علينا أن نعترف بوضوح ودون أي لبس بأن الأنشطة والسياسات الإيرانية تشكل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة ولاشك أن الموقف في سوريا واليمن والعراق يعد دليلاً قاطعًا على خطورة هذه المواقف الإيرانية, وبالتالي فمن الضروري استمرار الضغوط الإقليمية والدولية على إيران حتى تعدل من هذه السياسات المتطرفة التي تتبناها والتي تهدد كل دول المنطقة وخاصة دول الخليج العربي التي عليها مواصلة التوحد وزيادة قدراتها المختلفة في مواجهة هذا الموقف الإيراني كما أنه أصبح من المطلوب ألا يشكل الاتفاق النووي أي تهديد للمنطقة ومن ثم فإن المطالبة بتعديله أضحت مسألة ضرورية .

*** أما فيما يتعلق بإسرائيل وتحركاتها القادمة فإنها سوف تتابع عن كثب كافة الأنشطة الإيرانية ولاسيما في المجالين النووي والصاروخي وكذا دعم الجماعات الإرهابية والتمركز في سوريا, وفى رأيي أنها لن تقدم على أي عمل إلا في إطار التنسيق المتكامل مع الولايات المتحدة والتي في رأيي لا تميل إلى انتهاج العمل العسكري ضد المنشآت الإيرانية على الأقل في المرحلة الحالية بل وفى المدى المنظور أيضاً دون أن نغفل بعض المواجهات الإسرائيلية / الإيرانية التي تتم بين الحين والآخر على الأراضي السورية والتي في رأيي سوف تستمر ولكن دون أن تتطور لأبعد من ذلك خاصة إذا ما تم التوصل لاتفاق لإنهاء الوجود الإيراني العسكري على الأراضي السورية وهو ما سوف يتضح خلال فترة قريبة قادمة.

مجلة آراء حول الخليج