array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 140

الهيمنة الأمريكية على الأمم المتحدة ومستقبل النظام الدولي

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

خرجت الأمم المتحدة للعالم عام 1945م، كنتيجة لانتصار "الحلفاء" بزعامة أمريكا، وبالتالي فإنها تمثل انعكاسًا لطبيعة النظام الدولي الذي احتكم به العالم بعد الحرب الكبرى، ويؤكد ذلك أن الولايات المتحدة هي من وضع المقترحات الأساسية التي قامت عليها المنظمة، وضغطت بقوة لتمرير التصور الأمريكي للمنظمة، من الناحية الهيكلية، وأيضًا العملياتية وتوزيع السلطات والصلاحيات داخل المنظمة.

وكان طبيعيًا أن ظلت الأمم المتحدة تتأثر بأي تغير يطرأ على النظام الدولي طالما كانت هي تمثل انعكاسًا لتوازنات القوى الكبرى، بل إنها أصبحت في كثير من الأحيان مسرح للصراع الدولي بين القوى الكبرى سواء داخل المنظمة أو خارجها، وبالتالي تراجع دورها ومدى فعالياتها في حل أو احتواء الأزمات الدولية، مثلما هو حاصل مع القضية الفلسطينية، لكنها في أحيان أخرى كانت تتسم بالفعالية والتأثير في حل بعض الأزمات، حين تحولت لأداة طيعة لخدمة أهداف الدول المسيطرة والمتفردة في صنع القرار الدولي، مثلما حدث خلال أزمة الخليج وحرب الخليج الثانية 1991م، وهذا ما يثير الجدل حول دور الأمم المتحدة ومدى فعاليته بين الهيمنة الأمريكية وتحولات النظام الدولي.

أولاً: موقع العرب على خارطة التنظيم الدولي عشية الحرب العالمية الثانية

برزت فكرة التنظيم الدولي وتبلورت مع بروز الدولة القومية في القرن السابع عشر, وكان صلح "وستفاليا" 1648م، أول اتفاق دبلوماسي في العصر الحديث مستندا إلى مبدأ سيادة الدولة والذي أسس لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية، لكن ظلت الصراعات الدولية تمثل المؤثر الرئيس في شكل النظام الدولي؛ فخلال الحرب العالمية الثانية تدخلت الولايات المتحدة للدفاع عن أوروبا من خطر النازية فشكلت تحالفًا دوليًا أطلقت عليه اسم "الأمم المتحدة"، ومن ثمَّ تبنت الولايات المتحدة فكرة إنشاء المنظمة الدولية تبعًا للرؤية الأمريكية لعالم ما بعد الحرب.

تم التوقيع خلال مؤتمر سان فرانسيسكو في حزيران 1945م، على ميثاق الأمم المتحدة من قبل خمسين دولة بعد أن صادقت عليه الدول الخمس الكبرى، ومن ثم تم الإعلان عن نشأة الأمم المتحدة التي تبنت هدفًا رئيسًا تمثل في حفظ السلم والأمن الدوليين. وقبل أن تضع الحرب أوزارها، بدأت تتكشف نوايا "الحلفاء" السيئةـ تجاه الدول التي كانت تستعمرها وتستثمر طاقاتها في الحرب. في حين كانت الدول العربية تنتظر رد الجميل من الحلفاء وتنفيذها وعدها بإرساء قواعد الحرية وتقرير المصير للشعوب كافة بعد أن استردت هي حريتها خصوصًا وأن ما تضمنه ميثاق المنظمة من مبادئ وغايات كان يمثل حلم كل شعب في نيل حريته لدرجة القول بأنه لو اجتمع حمورابي وأفلاطون وفولتير ومونتسكيو لصياغة أحلام الشعوب لما جاؤوا بأفضل مما جاءت به مقدمة هذا الميثاق؛ تطمينًا لكل عاشق للحرية ومكافح في سبيلها.

وقد ازدادت تلك الآمال بعد صدور "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" أواخر 1948م، وما تضمنه من غايات إنسانية سامية داعبت مشاعر كل الشعوب المستضعفة لكن تلك الطموحات والآمال لم تدم طويلاً حتى اصطدمت بواقع الهيمنة الأمريكية على المنظمة وسوء نوايا الدول الكبرى المسيطرة على المنظمة حديثة التشكيل.

كانت القضية الفلسطينية أول محطة تتكشف فيها الممارسة السياسية الحقيقية للأمم المتحدة والتي تخدم فقط أهداف ومصالح مؤسسيها، ففي (29 نوفمبر 1947م) صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار (181) والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين ومن ثم اعترفت المنظمة في مايو 1948م، بدولة إسرائيل وعندها حاول العرب الدفاع عن بلادهم والتصدي لهذا القرار المجحف في حقهم كانت حرب فلسطين (في 15 مايو 1948م) وكانت الغلبة للقوات العربية في الجولة الأولى، حين أصدر مجلس الأمن قرار بوقف القتال في 11 حزيران / يونيو من نفس العام، كما حظر إمداد طرفي النزاع بالسلاح وعندها التزم الجميع بذلك فيما يخص العرب فيما لم تلتزم الدول الاشتراكية ولا الغربية فيما يتعلق باليهود بل إن هذه الدول أمدتهم بالسلاح والخبراء والمتطوعين، كما لم يكن للأمم المتحدة أي موقف جراء خرق الهدنة من قبل اليهود.

لم يكن العرب وقتها قد أدركوا بعد أثر حق النقض "الفيتو" وأن أعضاء مجلس الأمن الدائمين هم من يملكون السلطة التنفيذية وأن آمالهم المعقودة على الجمعية العامة قد تبخرت أمام إرادة الدول الخمس الكبرى ورؤيتهم للصراع العربي الإسرائيلي، بما يخدم فقط مصالحهم. واتضح وقتها أن من وضعوا ميثاق المنظمة الأممية قد جعلوا من الجمعية العامة مجرد منبر تنفس الدول الصغرى من خلاله عن مشاكلها وتطالب بحقوقها وأن التمثيل الديمقراطي للجمعية العامة مجرد إرضاء شكلي للدول الصغرى، التي ظنت أنها تحررت من سطوة وسلطة الدول الاستعمارية.

ثانيًا: الأمم المتحدة: مشروع أمريكي فرضته مخرجات الحرب

كانت الولايات المتحدة تعي تمامًا ما تريده من إنشاء الأمم المتحدة فالمتتبع لمسيرة إنشاء المنظمة يدرك أن الأوضاع الدولية غير المستقرة ألقت بظلالها على ميزان القوى الدولية لصالح الولايات المتحدة حيث كان لها الكلمة العليا خلال المشاورات التي جرت لإنشاء المنظمة فقد أصر الرئيس الأمريكي "روزفلت" أن تكون الأمم المتحدة هديته للعالم حيث صاغ هو بنفسه الأسس والمبادئ التي قامت عليها المنظمة وهو يضع مصالح بلاده في المقام الأول معتبرًا أنه وضع الدب الروسي في مواجهة أوروبا وهو بذلك يضمن خضوعهم للتبعية الأمريكية.

كانت رؤية "روزفلت" لمجلس الأمن بمثابة الشكل الجديد الذي يميز المنظمة الجديدة "الأمم المتحدة" عن عصبة الأمم حيث اعتبر أن صلاحيات أعضاء مجلس الأمن وسلطته التقديرية الواسعة تقابل الاعتراف من قبل الدول الكبرى بحق الدول الصغيرة بعضويتها في الجمعية العامة ونيلها الاستقلال والمساواة التامة في التصويت. وقد كان إقرار حق النقض "الفيتو" للدول الخمس الكبرى مطلبًا أمريكيا؛ استخدمت إرهابًا سياسيًا على الدول الأخرى لتمريره حين ربطت الولايات المتحدة إنشاء المنظمة الدولية بإقرار حق الفيتو، كما ربطت من ناحية أخرى نجاح المنظمة بتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

من الواضح هنا أن قدرة الأمم المتحدة لجهة فض النزاعات وحفظ السلم والأمن الدوليين باتت مشلولة خصوصًا إذا كان المعتدي يتمتع بحماية إحدى الدول الخمس الكبرى مما يؤكد أن الفيتو نسف مبادئ الأمم المتحدة الأساسية وأن هذا الامتياز الممنوح للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن جعل كل دولة منها يفرض رؤيته على كل الدول الأعضاء في المنظمة مجتمعين متجاهلين المساواة في الحقوق التي يتمتع بها كل الأعضاء في المنظمة بحسب ميثاق المنظمة. أما من الناحية العملية يتضح أن النظام المعمول به في الأمم المتحدة كرس الهيمنة الأمريكية المستندة للقوة العسكرية ما منحها فرصة التحكم بمقدرات الشعوب والتلاعب بقرارات المنظمة باعتبارها شرطي العالم.

لم تكن فكرة إنشاء الأمم المتحدة في الأصل تعكس وجهة نظر العالم بل كانت فكرة تسعى لتحقيقها الدول المنتصرة في الحرب وهذا ما ظهر جليًا في التناقض بين الأهداف المعلنة للأمم المتحدة التي وضعتها الولايات المتحدة وبين الأهداف الخفية التي يستدل عليها من التوقيت الذي أُنشئت فيه المنظمة فقد كانت الأمم المتحدة بمثابة مشروع سياسي، يهدف لحسم الحرب وحكم العالم بعد الحرب من خلال المنظمة الدولية. وهذا ما اتضح من خلال تطور الأحداث ومسيرة إنشاء منظمة الأمم المتحدة وأداء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

وعليه نخلص إلى حقيقة تعامل الولايات المتحدة مع المنظمة وميثاقها من موقع المهيمن دون أي اعتبار لحقوق الآخرين وحرمانهم من حماية المنظمة الدولية التي أُنشئت أصلاً لهذا الغرض طالما اعتمد العدل كمقياس لمصالح الدول العظمى وتَحَول "الفيتو" لمجرد أداة لتعطيل عمل المنظمة الأممية وخرق ميثاقها وثنيها عن القيام بدورها في دعم حقوق الشعوب ونضالها الوطني. وهناك الكثير من الآراء التي تحدثت عن وفاة الأمم المتحدة وأن قراراتها لا تساوي الحبر الذي تكتب به ذلك بسبب الهيمنة الأمريكية على المنظمة.

التعامل الأمريكي مع الأمم المتحدة وقراراتها: نبذة عامة

تباين تعامل الولايات المتحدة مع هيأة الأمم المتحدة تبعًا للمناخيات الدولية التي كان يمر بها النظام الدولي ومستوى الصراع الدولي بين أقطابه بما يخدم الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية؛ فعلى مدار سبعة عقود من إنشاء الأمم المتحدة أصبح واضحًا تمامًا حقيقة تعامل الإدارات الأمريكية مع الأمم المتحدة وقراراتها فهي تشير عن ما تريد من قرارات عبر المنظمة الدولية إن استطاعت وكان ذلك متاحًا في الفترة التي لحقت تفكك الاتحاد السوفيتي وتحول النظام الدولي من مرحلة القطبية الثنائية إلى نظام دولي أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردة في المقابل فهي لا تكترث لأي قانون أو شرعية لا تتوافق مع سياساتها الخارجية وتهمل قرارات المنظمة التي سبق وأن شرعنت بها سياساتها وكأنها دائرة مرتبطة بوزارة الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض وذلك من خلال استخدام حق الفيتو لمنع صدور أي قرار لا يتماشى ومصالحها أو من خلال تجاهل قرارات مجلس الأمن وعدم تطبيقها طالما لا تتماشى مع التفسيرات الأمريكية مثلما حدث خلال أزمة الخليج الثانية وتفسيرها لقرار مجلس الأمن رقم (1441) وتشكيل تحالف دولي لضرب العراق. كما يتضح هذا التعامل مع قرار مجلس الأمن رقم 242 الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي.

موقف إدارة ترامب من الأمم المتحدة

اتسمت مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالدراماتيكية والجرأة منذ انطلاق حملته الانتخابية حيث أثارت تلك المواقف الكثير من الجدل على المستويين الشعبي والرسمي لدرجة أثارت التساؤل حول إمكانية تنفيذ الرئيس ترامب لوعوده وبرنامجه الانتخابي. وقد خص هيئة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة التابع لها بقسط كبير من النقد اللاذع والتقزيم وتصريحات الرئيس ترامب بشأن الأمم المتحدة واضحة وصريحة حتى خلال حملته الانتخابية؛ حين انتقد الأمم المتحدة ووصفها بالضعف التام وعدم الكفاءة وقد صرح خلال خطابه في الجمعية العامة في سبتمبر 2017م، بأن الأمم المتحدة لم تحقق أهدافها بسبب البيروقراطية وسوء الإدارة كما اعتبر أنه ليس من العدل أن تتحمل الولايات المتحدة القسط الأكبر (حوالي 22%) من الأعباء المالية للأمم المتحدة.

جدير بالذكر أن المساهمات الأمريكية تتناسب مع حجم اقتصادها حسب ما هو متفق عليه بين الأعضاء إلا أن ترامب ركز على تخفيض الميزانية أكثر مما ركز على أداء الأمم المتحدة وقد قامت الأمم المتحدة لاحقا وبضغط من الولايات المتحدة بتخفيض ميزانيتها بحوالي (500) مليون دولارًا كما أوقفت أو خفضت الولايات المتحدة دعمها لعدة منظمات تابعة للأمم المتحدة وأبرزها وكالة الأونروا.

ودعا ترامب إلى اجتماع دولي بشأن إصلاح الأمم المتحدة عبر تغيير الأساليب التي أثبتت فشلها وطالب الأمين العام "انطونيو غوتيريش" بإحداث تغييرات. أما من الناحية العملية فقد نفذ ترامب انتقاداته ووعوده تلك حين انسحبت إدارته من مجلس حقوق الإنسان على إثر تقاريره التي تدين إسرائيل وأكد أنه لن يعود إليها حتى يتم إصلاحه بشكل حقيقي كما برر وقف الدعم الأمريكي للمحكمة الجنائية الدولية ورفض أي اختصاص لها بالشأن الأمريكي ونفى عنها صفة الشرعية إذا ما تعلقت أحكامها بالولايات المتحدة معتبرا أن المحكمة انتهكت مبادئ العدالة والإنصاف وأنه يرفض تسليم سيادة بلاده ومواطنيها إلى بيروقراطية عالمية غير منتخبة.

مستقبل الأمم المتحدة في ضوء الهيمنة الأمريكية وتحول النظام الدولي

إن الطبيعة المتغيرة للنظام الدولي والذي يتصف باستمرارية الحركة والصيرورة تشير بوجود تحولات في النظام الدولي ذلك نتيجة للصراع بين القوى الكبرى؛ فقد تحول النظام الدولي لنظام أحادي القطبية منذ تسعينيات القرن الماضي وما يشهده المسرح السياسي الدولي في الفترة الأخيرة من تغيرات لجهة مواقف الدول الكبرى يشير إلى أن تحولاً طرأ على النظام الدولي مؤخرًا.

يعتبر التغير التدريجي في النظام الدولي عملية طبيعية حيث تمر القطبية الأحادية بشكل من أشكال التبلور تمهيدًا للانتقال لنظام دولي جديدذلك بعد تراجع دور القوة العسكرية في التأثير على محصلة القوة بالإضافة لصعوبة قيام الولايات المتحدة بتطويع كل القوى الكبرى في النظام الدولي حيث تمتلك بعض الدول قدرة نسبية لاتخاذ مواقف مستقلة بل ومناهضة للرؤية الأمريكية على نطاق واسع.

وفي ضوء تصاعد الصراع الدولي بين القوى الكبرى وتساعر الحرب التجارية بين أمريكا من جهة وروسيا والصين من ناحية أخرى يرى كثيرون أن روسيا والصين أصبحتا قوتين تعارضان الهيمنة الأمريكية وتهددان مصالحها الحيوية إلا أنهما غير قادرتين على الانتصار عليها؛ بسبب التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة. في المقابل يرى البعض أن أيام الهيمنة الأمريكية ذهبت إلى غير رجعة وعلى أمريكا أن تقبل بأنها أصبحت إحدى القوى الرئيسة بين كثير من الدول التي تنافسها في عالم متغير وغير منتظم والذي سيزداد في عدم انتظامه خلال السنوات القادمة.

فقد باتت المؤشرات واضحة على اختلال نظام الهيمنة الأمريكية فبعد الفشل الذي خلَّفته السياسة الأمريكية على مستوى العالم بعد احتلال أفغانستان والعراق يبدو أن نظام الهيمنة الأمريكية قد دخل مرحلته الهشَّة وباتت المواقف الروسية والصينية تشير إلى تراجع الهيمنة الأمريكية لصالح عودة التوازن بين القوى الدولية داخل الأمم المتحدة وخارجها خصوصًا بعد عودة الدور الروسي للمشهد الدولي.

من ناحية أخرى تراجع دور الأمم المتحدة في ظل عودة التوازن على مستوى الصراع الدولي فلم تنجح في حل أي من الصراعات الدولية التي تفجرت في السنوات الأخيرة وأصبحت أقطابًا دولية تنازع الولايات المتحدة سيطرتها على العالم وتتعارض مع رؤيتها لحل الصراعات الدولية مما يحتاج لقراءة جديدة للمشهد السياسي الدولي حيث تخوض روسيا مؤخرًا مرحلة جديدة من الصراع الدولي وتبرز أهميتها في مواجهتها للسياسة الأمريكية؛ والملف السوري خير دليل على ذلك. كما أن روسيا تتخذ موقفًا مشابهًا داعمًا للنظام الإيراني.

على هذا النحو يمكن القول بأن أبجديات الصراع الدولي قد تغيرت وأن الصراع العسكري والأيديولوجي قد تراجع لصالح ظهور منظومة عالمية جديدة تمثل حالة وسطيَّة بين الاعتراف بالقوة الأمريكية كقوة عظمى لها مصالحها وبين النظام متعدد الأقطاب هذه المنظومة من الممكن أن تتبنَّى نمطًا توافقيًا من التفاعلات الدولية بحيث تتراجع فيه الزعامة الأمريكية ويحدث نوع من التوازن بين التكتلات الاقتصادية الكبرى.

فلا مجال لنشوب صراعات وجودية أيديولوجية تقود لحروب كبرى وعليه يتحول الصراع لحالة من التنافس الاقتصادي والسياسي الذي قد يصل لدرجة من الحدَّة أو التأزُّم لكن دون مواجهة عسكرية كبرى مثلما هو حاصل اليوم بين أمريكا وروسيا والصين وذلك بسبب وجود درجة عالية من الاعتماد المتبادل. كما أن الرأي العالمي يرفض بقوة نشوب حروب كبرى لن ينتج عنها سوى مزيدٍ من العنف وعدم الاستقرار، بالإضافة لأن الاقتصاد الأمريكي لا يحتمل حروبًا خارجية، وهو لم يتعاف بعد من الأزمة الاقتصادية العالمية 2008م.

وهذا ما يبرر عودة نمط الحروب بالوكالة في مناطق مختلفة من العالم مثل: سوريا، في حقبة الرئيس ترامب والذي يرى في إرسال القوات الأمريكية خارج حدودها تكلفة إضافية للموازنة الأمريكية وطالب مرارًا بثمن الحماية الأمريكية خصوصًا في ظل ما يبدو أنه إعادة ترتيب لأولويات السياسة الأمريكية في ظل التغيُّر الذي طرأ على طبيعة التعامل الأمريكي مع الأزمات الإقليمية والدولية.

وهنا يظهر التساؤل حول مستقبل الأمم المتحدة والذي يرتبط مباشرة بالتحولات الكبرى التي تطرأ على النظام الدولي. كما اتضح أن إمكانية إصلاح المنظمة باتت شبه معدومة، خصوصًا في المجال السياسي. وفي محاولة لاستشراف مستقبل الأمم المتحدة، يمكن أن نتصور سيناريوهين متباينين:

السيناريو الأول: يمكن أن تواجه الأمم المتحدة المصير نفسه الذي واجهته عصبة الأمم وهذا ما يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة تفضي إلى واقع دولي جديد أي أن قوى دولية ستختفي عن المسرح الدولي في حين قد تصعد قوى دولية أخرى، إلى جانب الدول التي ستتزعم التيار الذي سينتصر في الحرب. وبذلك سوف تختفي المنظمة بالضرورة وينتهي دورها بسبب التغيُّر البنيوي المفترض في المصفوفة الدولية.

السيناريو الثاني: بقاء المنظمة قائمة بالفعل لكنها معطلة في المجال السياسي وذلك بفعل الصراع بين الدول الكبرى سواءً في إطار الأمم المتحدة أو خارجها؛ فقد ظلت المنظمة لفترات طويلة عاجزة عن القيام بمهامها لجهة حفظ السلم الدولي فلم تشهد المنظمة الدولية توافقًا بين الدول الكبرى إلا في قضايا وأوقات معينة وذلك تبعًا لعلاقات القوة التي كانت تحكم التفاعلات الدولية حيث ظل دور المنظمة محصور في الجوانب الإنسانية والاجتماعية الإغاثية وذلك بفعل النظام العقيم الذي يحكم المنظمة (الفيتو) والذي صادر عمل المنظمة في المجال السياسي.

فكيف تُطالَب الأمم المتحدة بفضّ الصراعات الدولية وهي المنظمة التي عانت من الإفشال والتعطيل الذي وصل لمرحلة الشلل بسبب صراع الدول الكبرى؟! أو بالأصح إن المنظمة وُلِدَت كنتاج للصراع الدولي لتكون أداة في يد القطب المهيمن. وبذلك نؤيد الاتجاه القائل بأن الأمم المتحدة كانت ولا زالت تعكس شكل النظام الدولي بتفاعلاته الرئيسية بل نقول إن الذين وضعوا ميثاق المنظمة المحكم الصياغة قصدوا أن يظل العالم محكومًا من قبل الدول الخمس الكبرى في حالة التوافق أو مشلولاً في حالة التناقض وهذا ما عملت به الولايات المتحدة صاحبة الرؤية والمشروع عندما استخدمتها كأداة لتنفيذ سياستها.

وقد بات من المؤكد عدم وجود إرادة حقيقية لإصلاح المنظمة، وعليه؛ فإننا نرجح السيناريو الثاني (انحسار دورها في المجال السياسي) ونعتبره أكثر منطقية وواقعية وهذا ما يظهر لأي متابع لعمل المنظمة ودورها السياسي منذ تأسيسها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي وباحث مختص في السياسة الدولية ـ مركز التخطيط الفلسطيني

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج