array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 146

6 متطلبات للتوجه المستقبلي للثورة الصناعية الرابعة والسعودية تقفز للمركز الثالث عالميًا

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

يشعر المرء بتحولات كبيرة في إطار الثورة الرقمية التي نعيشها منذ سنوات؛ إذ أنها تجري في عالم الصناعة والعمل، إلى حدّ أن الباحثين والمخترعين الألمان أطلقوا عليها تعبير (الثورة الصناعية الرابعة). وتبنّته الحكومة الألمانية. وتعمل مراكز بحوث في التقنية العالية على تحقيق دمج الإنتاج الصناعي بتقنيات وسائل الاتصالات والمعلوماتيات الرقمية؛ لتصنيع أنظمة ذكية متشابكة، إضافة إلى تأمين عمليات إنتاج ذاتية من الألف إلى الياء، وإلى جانب عالم الأعمال، يتمثل الهدف –أيضًا- شمول الثورة الرقمية مجالات الحياة الإنسانية المختلفة[1]. إنها بحق لغة عالمية جديدة.

نشأت الثورة الصناعية الأولى باستخدام قوة الماء والبخار لمكنَنَة الإنتاج. والثانية استعملت الطاقة الكهربائية لتوليد الإنتاج الضخم. والثالثة استخدمت الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمتة الإنتاج (أي: جعله أوتوماتيكيًا). الآن هناك ثورة صناعية رابعة يتم بناؤها على الثالثة، والثورة الرقمية التي تحدث منذ منتصف القرن الماضي. وتتميز بمزيج من التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية.[2]

ولأن؛ التحول الرقمي هو رحلة عبور لا تنتهي، والتقنية في حالة تغير دائمة، فلا بد من الابتعاد عن نهج )التقنية من أجل التقنية فقط( الذي لا يرتبط بنتائج واضحة مما يؤدي إلى إهدار المال والوقت معًا. والعلم وحده لا يكفي، فقد قيل للمهلب بن أبي صفرة كيف بلغت ما بلغت، قال بالعلم، قيل فإن غيرك قد علم أكثر مما علمت ولم يصل إلى ما وصلت إليه، قال: ذاك عِلم حُمِل وهذا عِلم استُعمل[3]. وهكذا ينبغي العمل على إيجاد تواؤم بين التقنية وأدواتها من ناحية، وبين استراتيجيات المؤسسة وأهدافها وآليات العمل القائمة فيها من ناحية أخرى، بشكل يهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة، وما يتبعه من زيادة في معدل الإنتاجية ودفع لعجلة التنمية الاقتصادية والقدرة التنافسية.

ولهذا، فلا غرو بالقول إن الثورة الصناعية الرابعة، ثورة لم يشهد التاريخ البشري مثلها على الاطلاق، سواء من حيث السرعة أو النطاق أو مستوى التعقيدات. ولئــن اعتبرنا الثورة الصناعية الرابعة مستحدثة فإنه حقيق علينا بسط القول المُبين في أهمٌ مكوناتها وأسسها:

مكونات الثورة الصناعية الرابعة وأسسها:

يبرز الذكاء الاصطناعي اليوم باعتباره عصب بناء المستقبل، لا سيما أنه أحد أسس ومرتكزات (الثورة الصناعية الرابعة) التي تعتبر محركًا رئيسيًا لدفة النمو والتنويع الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين. ومن أهم مرتكزاتها هي:

الأساس الأول الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي وهو فرع من فروع علوم الحاسب (Computer Science). لذلك فإنه يعرف بأنه:(علم يهتم بصناعة آلات تقوم بتصرفات يعدها الإنسان تصرفات ذكية). أو ببساطة أكثر يعرفه رسل بيل -أحد العاملين في هذا المجال– على أنه محاولة (جعل الآلات العادية تتصرف كالآلات التي نراها في أفلام الخيال العلمي. فالذكاء الاصطناعي. إذًا هو علم هدفه الأول جعل الحاسوب، وغيره من الآلات تكتسب صفة الذكاء، ويكون لها القدرة على القيام بأشياء ما زالت إلى عهد قريب حصرًا على الإنسان كالتفكير والتعلم والإبداع والتخاطب[4].

ونظرًا لأن التوجهات التكنولوجية الراهنة تعمل على إحداث تغييرات هيكلية كبيرة في أنماط الإنتاج والتوزيع والدخل، فإن لها تأثيرًا قويًا على الأنظمة الاقتصادية القائمة. فعلى سبيل المثال، تشير تقديرات شركة "ماكينزي" الاستشارية  إلى أن نصف العمالة القائمة حاليًا يمكن استبدالها بالأتمتة في ضوء التكنولوجيا المتاحة، وهو ما يمكن أن يوفر نحو( 16) تريليون دولار من الأجور، كما يُتوقع أن ترتفع الإيرادات من الذكاء الاصطناعي من نحو(8) مليارات دولار في الوقت الراهن إلى نحو (47) مليار دولار في عام (2020)[5].

فأنظمة الذكاء الاصطناعي تحتاج حتمًا لمن يمتلك الخبرة لتشغيلها وصيانتها ونقل تقنيتها أيضًا. والمستفيد الأول من هذه التقنية، هو من يدرك أن لهذه التقنية جوانب إيجابية، ليس من ناحية الإنتاجية أو الفعالية، بل من ناحية تأهيل موظفين تتناسب مهاراتهم مع هذه التقنية. ولعل التجربة الهندية في بداية التسعينات تعد المثال الأقرب لذلك، فالهند استفادت بشكل مثالي من ثورة المعلومات من خلال تخريج ملايين المختصين بالحاسب وعلومه من كلياتها وجامعاتها، حتى أصبحت تقنية المعلومات الأمريكية تعتمد وبشكل يقارب (%70) على الموارد البشرية الهندية. وفي الهند يعمل أكثر من (10) ملايين شخص في تقنية المعلومات، وهذا الرقم في ازدياد مستمر.

الأساس الثاني: الروبوتات

ظهرت كلمة "روبوت" لأول مرة عام (1920م)، في مسرحية الكاتب المسرحي التشيكي كارل شابيك ، التي حملت عنوان )رجال روسوم الآلية العالمية( وكلمة (روبوتا) السلافية تعني العمل، بدأت هذه الكلمة تنتشر في كتب وأفلام الخيال العلمي التي قدمت عبر السنوات عددًا من الأفكار والتصورات لتلك الآلات وعلاقتها بالإنسان، الأمر الذي كان من شأنه أن يفتح أفاق كبيرة للمخترعين؛ ليبتكروا ويطوروا ما أمكن منها[6].

وفي حين تجنح بعض الشعوب الغربية على أن الذكاء الاصطناعي سيسبب لها المزيد من معدلات البطالة من خلال انتشار أجهزة الروبوت، إلا أن دولاً أخرى مثل الصين والهند وكوريا تتكيف مع هذه الأنظمة، ليس على مستوى البحث والتطوير لهذه الأنظمة فحسب، بل على مدى التخطيط الاستراتيجي، لما يمكن أن تحدثه هذه الأنظمة من تغيير على المستوى الاقتصادي بشكل عام، وعلى سوق العمل على المستوى الخاص. فالتغيير في السوق هو تغيير اقتصادي، وهو قادم لا محالة، وهذه الاستثمارات في المجال التقني سوف تؤتي ثمارها عاجلاً أم آجلاً، والمنتصر من يكون مستعدًا لذلك التغيير حين حدوثه[7].

ومن المحتمل أن تكون لتطبيقات تحليل البيانات الضخمة انعكاسات إيجابية عديدة على الصناعة، منها: خفض تكاليف الإنتاج والتطوير بنسبة 5%، في المقابل ستعمل على زيادة الإنتاج بنحو 3%، كما ستخفض تكاليف الصيانة واستخدام المواد الأولية بنسبة 20% و10% على التوالي. وفي ضوء ذلك، يمكن خلق وفورات مالية قد تصل إلى نحو 450 مليار دولار لصناعة النفط[8]. 

الأساس الثالث: البنى التحتية والتوسع في استخدام التكنولوجيا:

وتعد البنى التحتية المعرفية المرتكز التي ترتكز عليه الثورة الصناعية، وقبل هذا وذاك، إصلاح التعليم، ولا يمكن أن نتصور بأننا نستطيع أن ندخل بوابة الذكاء الصناعي دون تعليم تقني، وأساسي جيد وجاد ومتمكن. كونه يتضمن جميع الأنشطة والعمليات الخاصة بصنع وإنتاج، وتسويق، وتوظيف، وتشغيل، واستهلاك، وإعادة إنتاج المعلومات والمعرفة. ويشمل –هذا- طيفًا واسعًا من الصناعات منها صناعات البرمجيات، والإلكترونيات، والاتصالات، ونظم المعلومات وخدمات المعلومات. والتي سيكون عمادها تقنية (البلوك تشين Block chain) ومخرجاتها، فعملتها المعتمدة رقمية، وأمنها التشفير العالي، وآلية إرسال واستلام الأموال في دقائق معدودة، وبدون مؤسسات مصرفية[9].

الاستعداد الخليجي للمستقبل التقني:

تمكنت دول التعاون في الأعوام الماضية بتطوير النظم التعليمية، والبنى التحتية التكنولوجية لتكون من أفضل المتوافرة عالميًا، مع استمرارية التطوير والاعتماد على إدخال أحدث الأساليب والتقنيات الجديدة، سواء على المستوى الخاص أم المستوى الحكومي العام، وهو ما سيسهل استيعاب التقنيات المستحدثة، ويجعل هذه الدول قادرة لاستقبال التطورات التكنولوجية المترافقة مع الثورة الصناعية الرابعة.

ففي مجال التحول الرقمي خلال العقود الماضية، حققت دول مجلس التعاون تقدمًا كبيرًا، ويرجع الفضل في ذلك إلى عدد من العوامل من بينها التعاون بين تلك الدول على جميع المستويات. وقد نجحت حكومات تلك الدول في توفير خدمات حكومية متطور للجمهور، ولم تدخر جهدًا في إدخال التقنيات الحديثة ومواكبة أحدث التوجهات العالمية في عصر (الثورة). كونها تعد تغيير جذري في وظيفة الدولة.

وقد اتخذت الكثير من البلدان الخليجية خطوات جادة من أجل تأسيس قاعدة معرفية ومعلوماتية، وتبني مبادرات تسمح بتطور المجتمع وتحوله لمجتمع منتج وفاعل، انطلاقا من أن المعرفة باتت أهم السلع المنتجة في المجتمع. بالإضافة إلى تمتع المؤسسات الحكومية والتجارية ببنية تحتية معتمدة على حوسبة سحابية وخدمات متطورة.

ويمكن إجمال ما استعدت دول التعاون للانخراط والمشاركة في الثورة الصناعية، بما يلي:

ففي المملكة العربية السعودية تم توقيع اتفاقية بين حكومة المملكة والمنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2019م، لإنشاء فرع لمركز الثورة الصناعية الرابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي في المملكة، والذي سيشكل نقلة نوعية في جهود المملكة الرامية إلى امتلاك أدوات الثورة الصناعية الرابعة، ويجري الآن وضع خطة للتحوّل الرقمي وهي بشكل أو بآخر تقوم عليها رؤية السعودية 2030 التي من المتوقع المبدأ في برامجها التحوّل الوطني 2020- 2023م، والتي تركز على استثمارات عدة منها إنشاء وتمويل مصانع عدة في المملكة من أجل التحوّل الرقمي الكامل للعمليات التصنيعية، وتسريع القدرات الصناعية الرقمية، وتعزيز إنتاجية المصانع، تنفذها المدن الصناعية في مناطق المملكة ومشروعاتها المطورة، بحيث تعدد فيها مصادر الدخل غير البترولية مثل: الصناعات المختلفة المدنية والعسكرية والسيارات والطبية والزراعية والاستزراع السمكي مثل مشروعات البحر الأحمر والخليج العربي والمرتفعات الغربية والتركيز على مستقبل الطاقة الذاتية والرعاية الصحية والنظم المالية والنقدية، وتمويل المصانع الكبيرة للدخول في تقنيات )الثورة (. هذه الخطوات المتسارعة تضع المملكة على مشارف ثورة صناعية متقدمة تهدف إلى مضاعفة القدرات التنافسية العالمية في التقنية والمعرفة والابتكار، لتصبح من الدول الرائدة في استقطاب الاستثمارات وتطوير القدرات والأنماط لتتحول إلى عصر الكفاءة الصناعية والقدرة الإنتاجية، التي ستنعكس بشكل واضح على حياة المواطن ورفاهيته وكفاءته.

سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يزور معرض الابتكار والتكنولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأميركية في 25 مارس (آذار) 2018 (غيتي)

وبناء عليه تم اختيار منطقة (نيوم) شمال غرب المملكة، لتصبح أحدث معقل للثورة الصناعية الرابعة.

ونتيجة لهذه الخطوات ستنجح المملكة خلال أعوام قليلة إلى دخول عصر الثورة الصناعية الرابعة والقفز بترتيبها من المركز الـ19 إلى المرتبة الـ15 ضمن الاقتصادات الأكبر في العالم، وتحقيق المركز الثالث بين الدول الأسرع نموًا في القرية الكونية بعد الصين والهند.

ولمواكبة الثورة الصناعية الرابعة وتغيراتها المتسارعة أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة الدور المطلوب منها، وقامت بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للابتكار متضمنة القطاعات الاقتصادية المحفزة على الابتكار وكذا السياسة العليا للعلوم والتكنلوجيا والابتكار، وأعادت الدولة تشكيل وتنظيم حكومتها لتضم وزراء للذكاء الاصطناعي والعلوم المتقدمة والاتجاه للتركيز على تنمية رأس المال البشري من خلال تنمية وتطوير التعليم والبحث العلمي آخذة باعتبارها ملاحقة التطورات التكنلوجية والعلمية المستقبلية المتسارعة، وتشكيل مؤسسة دبي المستقبل، ومجمع العلماء والذكاء الاصطناعي، ومركز محمد بن راشد لأبحاث المستقبل كمنظومة علمية مستقبلية للدولة[10].

كما تم افتتاح مركز الثورة الصناعية الرابعة في الإمارات الذي يعتبر الخامس من نوعه على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والهند والصين، في إطار التعاون الاستراتيجي بين حكومة الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي.

فإلى جانب استحداث منصب سفير الدولة للثورة الصناعية ووزارة الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات، تم تعيين وزيرة دولة لتكون مسئولة عن ملف العلوم المتقدمة، مهمتها البحث والتطوير وصناعة الكفاءات العلمية، ومسؤولة أيضًا عن مجلس علماء الإمارات، وتقود باقتدار مهمة الإمارات للوصول للمريخ.

أما في سلطنة عُمان ، فقد تكللت جهودها في تطوير النظام التعليمي ليكون قادرًا على تلبية متطلبات (الثورة )وتتمثل هذه الجهود في الإعداد الجيد للمعلم العماني من خلال إنشاء مراكز متخصصة لتدريبه وتأهيله، وتحديث المناهج الدراسية، واستخدام أساليب وطرق تعلم تعتمد على التقنيات الذكية، وعملت هيأة  تقنية المعلومات على توفير البنية الأساسية اللازمة، وتنمية مهارات أفراد المجتمع، وتطوير صناعة تقنية المعلومات والاتصالات إلى جانب تشجيع ريادة الأعمال وتوفير مقومات الحماية والأمن السيبراني، وتنفذ الهيأة العديد من المشاريع اللازمة لدعم مسيرة السلطنة نحو تحقيق اقتصاد قائم على المعرفة انطلاقًا من محاور الاستراتيجية الوطنية لمجتمع عمان الرقمي.

واحتلت الكويت، المرتبة الـخامسة خليجيًا والـ 79 عالميًا على مؤشر الجهوزية للذكاء الاصطناعي للحكومات لعام 2019 الصادر عن منظمة (أكسفورد إنسايت) و(مركز أبحاث التنمية الدولية)في كندا.

ويعد مؤشر التنافسية العالمي وتقرير تقنيات المعلومات الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي من بين أهم المؤشرات المعتمدة لقياس مدى جاهزية الدول للثورة الصناعية الرابعة، وتعكس النتائج الإيجابية لمؤشر (EGDI ) الجهود الكبيرة والمستمرة التي بذلتها الحكومات الخليجية في ترقية البنى التحتية لتقنيات المعلومات والاتصالات على مستوى كل الوزارات والهيآت ، إذ صنفت الإمارات والبحرين ضمن فئة أعلى الحكومات الالكترونية تطورًا حسب المؤشر المذكور لعام 2018م. وجاء ترتيب الدول الخليجية كالتالي: الإمارات في المرتبة 21والبحرين في المرتبة 26، ثم تليهم الكويت بالمرتبة 41 وقطر بالمرتبة 51 والسعودية بالمرتبة 52 وعمان بالمرتبة 63.[11]

ترتيب دول الخليج في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي

المصدر: الهيأة الاتحادية للتنافسية والاحصاء- دولة الإمارات العربية المتحدة

https://fcsa.gov.ae/ar-ae/Pages/Competitiveness/Reports/Global-Competitiveness-Report-by-WEF.aspx

متطلبات دول الخليج للمنظومة الصناعية الجديدة:

ارتكزت بنى الاقتصادات الخليجية على توليد الدخل أساسًا من استخراج وتصدير الثروة النفطية، ليعاد ضخ العوائد في المجتمع مما ولد عددًا من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، دون أن تتكون الأصول الإنتاجية (البشرية والمادية، والتقنية) الكافية لاستمرار تولد الدخول وتكوين ثروات أخرى بشكل تلقائي أو ذاتي.

 ومع التوجه الدولي للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، زادت المخاوف بتأثير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل على معدلات البطالة. هذه المخاوف لم تأتِ من العدم، ذلك أن معدلات الإنفاق العالمي على تطوير الذكاء الاصطناعي في ازدياد مستمر. فبعد أن كان مجموع الاستثمار العالمي في هذا المجال لا يتجاوز (8) مليارات دولار عام (2015)، قفز هذا المبلغ إلى ما يتجاوز (13) مليار دولار في عام (2017)، والمتوقع أن يزيد هذا المبلغ على (46) مليار دولار العام الحالي (2020)[12]،

وتعكس هذه الأرقام دخول دولة الإمارات عالم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي من أوسع أبوابه، فتحوّلت خلال سنوات قليلة من مرحلة الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية.

 وقبل كل هذا وبعده يجب التركيز على العامل البشري لأن؛ فسيفساء التحول الرقمي متشعبة ومتعددة ومترابطة فالمكونات التقنية كثيرة وآليات العمل متغيرة- وبالتالي - فمن الضروري الاستفادة من الجهات التي لديها معرفة واسعة بمتطلبات الأعمال وقدرة على نشر الموارد البشرية وتوجيهها حسب الحاجة وبالسرعة الممكّنة. وهكذا يتم تنفيذ الخطوات البسيطة التي يمكن أن تحسن تجارب المستخدمين مثل استخدام (طريقة التجربة الموحدة) التي تهيئ واجهة متشابهة في كافة قنوات التواصل ومختلف أنواع الأجهزة للاستفادة من البيانات ذات الصلة بغض النظر عن مصادرها التقنية. الواقع إننا ما زلنا في بداية الطريق، وما نفقهه حتى الآن عن استعداد دول التعاون للثورة الصناعية الرابعة ما هو إلى بداية الطريق، فإذاكان ما سبق بيانًا - نحسبه- وافيًا لحقيقة الثورة الصناعية الرابعة، وتوضيحًا لأهم متطلبات الواجب توافرها للسعي في الانخراط للمنظومة الصناعية الجديدة ، فإنه حقيق علينا أن نبسط القول في أهم التوجهات منها ما يلي:

1-     يجب على المؤسسات الخليجية والعربية الاستثمار في الابتكار واحتضان التغيير الذي سيسهم في تغيير أداء عمل المؤسسات.وفي الوقت نفسه الإقلاع عن الأساليب التقليدية.

2-     يجب على مؤسسات التعليم العالي التركيز على المهارات التي تواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، ومواءمة مخرجات التعليم العالي مع حاجات ومتطلبات سوق العمل. فالتعليم والتدريب هو المحور المركزي لأية استراتيجية عمل مستقبلية تتبناها أية مؤسسة.

3-     توظيف تقنيات ومحركات الثورة الصناعية الرابعة في مناهج وطرق التدريس، وأن على المدارس التحول التدريجي من البيئة المدرسية التقليدية إلى البيئة المدرسية المواكبة لمتطلبات هذه الثورة.

4-     هيكلة سوق العمل: ساهمت تكنولوجيا المعلومات في زوال الكثير من الوظائف التقليدية، وبالتالي زيادة عدد العاطلين عن العمل، لكن من جهة أخرى فتحت الباب لكثير من الوظائف الحديثة المتعلقة بها، مما جعل المهارة معيارًا هامًا في التقييم والتوظيف، وفتح المجال أمام نوع جديد من التنافس هو التنافس على المعرفة.

5-     الحاجة إلى نظم وتشريعات جديدة للتعامل معها. وعلى رأسها الجانب القانوني، فإن هذا يطرح الكثير من التساؤلات منها: بأيِّ قانون يمكن التعامل مع الجريمة التي يمكن أن تقع من الروبوتات، أو الحوادث التي تسببها السيارات من دون قائد أو ذاتية القيادة؟ وكيف يمكن التعامل القانوني مع العملات الرقمية؟.

6-     السعي لإقامة شراكات جديدة، وقد يؤدي هذا إلى عمليات استحواذ، ولكن من خلال العمل مع شركاء من الخارج، يمكن لكلا المؤسستين تعويض التكاليف واستقطاب مجموعة متميزة من المهارات والخبرات.

على العموم،خلقت التكنلوجيا وظائف أكثر من تلك التي تسببت في فقدانها. ولا مجال لإيقاف ركب الثورة الصناعية الرابعة، ومن يتجاهلها سيكون الخاسر الأكبر. وفي اعتقادي أن انتشار التكنولوجيا الرقمية الاصطناعي وعلم الروبوتات في المؤسسات لن يسبب عجزًا في الوظائف بل سيسبب عجزًا في المهارات، ومن هنا ظهر اقتصاد المواهب المفتوح الذي يستبدل الموظفين التقليديين الدائمين بأصحاب المهارات.

ويتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى تغيرات كبيرة تتجاوز ما أحدثته الثورات الصناعية الثلاث السابقة، وإذا كان بعض هذه التغيرات ينطوي على آثار سلبية محتملة، فإن الثورة الصناعية الرابعة يمكن استغلالها بشكل إيجابي في خدمة اقتصادات دول المنطقة، والمساهمة في خلق فرص جديدة للتنمية الاقتصادية، ولكن ذلك يتوقف على إمكانات الدول وما تتمتع به من بُنى تكنولوجية، وقدرتها على تطوير نُظمها التعليمية، وتوظيفها في خدمة المستقبل، وتعزيز مهارات مواطنيها وإكسابهم الخبرات التي تساعدهم على التعامل مع هذه التطورات التكنولوجية.

 

[1] معهد بحوث الرأي - ألمانيا.

[2]اختار منتدى دافوس العالمي 2016 عنوان (الثورة الصناعية الرابعة) شعارًا لدورته الـ46، ومرّد هذا الاختيار، أن (الثورة الصناعية الثالثة)، وهي ثورة الحوسبة الرقمية، التي انطلقت في خمسينات القرن الماضي، وصلت إلى ذروتها وتطبيقاتها في الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيوية وثلاثية الأبعاد والثورة الحاصلة في مجال مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي ووصف المشاركون في دافوس الثورة الصناعية الرابعة بمثابة تسونامي التقدم التكنولوجي الذي سيغير في الكثير من تفاصيل الحياة البشرية.

[3]مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر -الجزء السادس والعشرون.

[4] د عادل عبد النور، مدخل إلى عالم الذكاء الاصطناعي، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، 2005م، ص 7.

[5] د أحمد الصفتي، كيف توظف الدول الثورة الصناعية الرابعة في خدمة اقتصاداتها؟، مركز المستقبل للأبحاث والدارسات المتقدمة، أبو ظبي، 3/5/2017.

[6]قاموس المورد، البعلبكي، بيروت، لبنان.

[7] د عبد الله الردادي، الذكاء الاصطناعي ومعدلات البطالة، جريدة الشرق الاوسط.  04 سبتمبر 2017 م.

[8] د قتيبة العاني، دراسة، مرتكزات الثورة الصناعية الرابعة وآثارها، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، ع 451.

[9]البلوك تشين Block chain: تقنية جديدة، قدمت مفهومًا مجردًا في عام 1999م، وأثمرت نموذجًا تطبيقيًا في 2008 مع بدايات ظهور البيتكوين والعملات الرقمية. فركائزها قوة التشفير (درجة الأمان العالية للتعاملات والوثائق)، واللامركزية (إلغاء دور الوساطة)، والتوثيق.

[10] Yدارة الدراسات والسياسات الاقتصادية، موقع وزارة الاقتصاد الإماراتية.

[11] فاطمة السبيعي، مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، اتجاهات تطبيق تقنية البلوك شين في دول الخليج، يوليو 2019.

[12] د عبد الله الردادي، الذكاء الاصطناعي ومعدلات البطالة. مصدر سابق.

مجلة آراء حول الخليج