array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الخطيئة العراقية استراتيجيات وافدة وفوضى نازفة

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

 شهد العالم متغيرات جوهرية في الصراع المعاصر، ولعل أبرز سماته المخيفة التحول من حرب الحدود والجيوش إلى الحروب (الشبحية) والعمليات الخاصة وإذكاء حرب الهويات الفرعية واستهداف المجتمعات، ولعل العراق أنموذج يجسد وحشية هذه المتغيرات الخطيرة ، ونتاج لصراع الاستراتيجيات الأجنبية والإقليمية.

عملت الأدوات السياسية الوافدة على تفتيت الديموغرافية العراقية إلى مكونات وطوائف وأعراق، ومع تفاقم مظاهر الميليشيات والجماعات الخاصة والتي تعمل بشكل مزدوج في السلطة وخارجها، وهي المرتكز الجوهري للفوضى النازفة، ويبدو أنه انعكاس للتخادم الأمريكي - الإيراني في العراق لاستمرار الفوضى كمبرر للبقاء والتواجد الأمريكي من جهة وتعزيز النفوذ الإيراني من جهة أخرى، وبالتأكيد أن الخطيئة العراقية ألقت بظلالها على المنطقة واستقرارها، وأضحت تستخدم كمعبر للتدخل والنفوذ وإشاعة الاضطراب السياسي والأمني، باستخدام جرثومة الاحتراب الطائفي (الهندسة الاجتماعية المعكوسة)، خصوصاً إذا علمنا أن القاعدة السياسية تقول (لا صديق دائماً ولا عدو دائماً إنها مصالح مشتركة) مما يفتح الأبواب على احتمالات مخيفة انطلاقاً من فوضى العراق النازفة، ويشير إلى  انهيار واقعي في أمن دول المنطقة من دون استثناء، كون النموذج العراقي طازجاً وقابلاً للتطبيق في أي بلد عربي (عرقنة الدول العربية)، وهذا يؤكد مخطط القضم الجيوبوليتيكي للدول العربية الكبرى، وتجزئتها إلى دويلات متحاربة مضطربة تسودها المهارشة الطائفية لتستنزف قدراتها كدول وشعوب.

 استراتيجية الهندسة المعكوسة

استنفد جنرالات الحرب الأمريكيون الأساليب والوسائل الحربية لتدجين الشعب العراقي، وجرى اقتباس أساليب الإرهاب السياسي والاختراق المجتمعي الإسرائيلية وتطبيقها في العراق، وفق فلسفة (الهندسة المعكوسة)، واعتمدت الاستراتيجية الوسيطة تلك على تكتيكات ميدانية عديدة أبرزها (هدم المنازل - غلق الطرق – تقطيع المناطق بأسيجة كونكريتية – استخدام القوة المفرطة)، وقد شهد العراقيون هذه المظاهر الحربية الدموية المؤلمة، والتي تجسدت بقصف الدور السكنية بالطائرات وقتل المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، وإعدام العراقيين أمام عوائلهم (القتل خارج القانون) والاعتقالات والتعذيب والاغتصاب والإذلال النفسي وامتهان الكرامة، ضمن فلسفة (الصدمة والترويع) العسكرية وبجزئيتها النفسية الهدامة، وسياسياً جرى تفكيك الشعب العراقي إلى مكونات وأعراق وطوائف متحاربة وكل طرف يرتبط بدول إقليمية (إيران- تركيا- إسرائيل) وفق فلسفة شد الأطراف وبقيادة اللاعب الرئيسي دولة الاحتلال، وبذلك تجري إزالة صمامات الأمان الاجتماعية والأخلاقية والقيمية، ويلاحظ تعاظم الإرهاب السياسي والقمع الحكومي ويصفها المسؤولون الأمريكيون ((تجربة ديمقراطية))، والتي أضحت عقيدة للسلطة، وكل تلك النظريات والأنماط الحربية المركبة اعتمدت على قدرات الجيش الأمريكي الجوية والبرية والمعلوماتية والفضائية والمرتزقة، بالتوافق مع النفوذ الإيراني، وقدمت إيران خدمات متعددة للاحتلال الأمريكي عبر وسائل نفوذها السياسية والفكرية والعسكرية والسلطوية، وقد استخدمت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق استراتيجية (الهندسة المعكوسة) التي تجعل المدني والمقاتل جميعهم أعداء، وباستخدام قانون مكافحة الإرهاب وعبر شبكة سجون ومعتقلات حكومية سرية وعلنية، ويمارس هذا التكتيك كوسيلة لإشغال الشعب بالقمع والترهيب والتعذيب، وتحقق بذلك سياسة التخطي الفكري والشعبي لتطبيق ما يطلق عليه (بيع الدول وصناعة الحكومات العاجزة) وهو عامل مغذ محوري للعنف وصناعة الإرهاب كمبرر لتجارة الأمن القومي.

يدخل العراق اليوم مرحلة خطيرة تتسم بالفوضى النازفة المتجهة إلى الانهيار

 استراتيجية الحرب وسط المجتمع

 استخدمت وبشكل متداخل استراتيجية وسيطة (الحرب وسط المجتمع) بعد الاستنزاف العسكري والمالي عام 2007 في مستنقع العراق، وقد استخدمت استراتيجيات وسيطة وتكتيكات حربية وقتية، وأبرزها توظيف المال لشراء السيطرة الثابتة المستقرة، وتجسدت تكتيكاً بالـ (الصحوات – مجالس الإسناد) والقمع الحكومي، واستخدام واسع لجواسيس الخدمة السرية - المخبر السري، والطائرات من دون طيار، وحدة العمليات الخاصة، والترهيب بالاغتيالات، لتحقيق السيطرة في مسرح العمليات، ويعد هذا تكتيكاً حربياً ميدانياً لتقليل الاستنزاف العسكري والمالي، وفي تطبيقات استراتيجية (الحرب وسط المجتمع) تجري مزاوجة القوة الناعمة والصلبة والذكية، واتسمت ضربات الاحتلال بوحشيتها لاستهدافها المدنيين من نساء وأطفال وعجزة، وحسب منهجية (بترايوس) يجري استهداف المجتمع  كوقود حربية، وجرت مزاوجتها باستراتيجية وسيطة أخرى كخطة إنقاذ (الطريق الجديد إلى الأمام) مطلع عام 2008.

 استراتيجية (الطريق الجديد إلى الأمام)

 جرى تطبيق الاستراتيجية الوسيطة (الطريق الجديد إلى الأمام) مطلع عام 2008، وقد أطلقت عليها الحكومة العراقية اسم (معاً إلى الأمام) وباستخدام الاندفاعة العسكرية وما يطلق عليها (سورج) - زيادة القوات بـ 30 ألف جندي أمريكي، وجرى التحول إلى هذا النمط من الحرب واسمها (الحرب المركبة) وتعني استخدام القدرة العسكرية الأمريكية معززة بالقدرة المكتسبة من القوات العراقية الملحقة بها (وحدة العمليات الخاصة - القوات الأمنية المدمجة – الميليشيات – الصحوة - مجالس الإسناد))، وغايتها المحورية تحقيق (الوجود الأمريكي الذكي) وما أطلق عليه الفجر الأمريكي الجديد، والذي يعتمد على التلاعب عن بعد بالأدوات السياسية ويوجهها لتنفيذ برامجه ومخططاته، خصوصاً أن الأدوات السياسية اعتنقت مذهب (الحرب بالوكالة ضد الشعب) بدلاً من الاحتلال والنفوذ الإقليمي.

استنفد جنرالات الحرب الأمريكيون الأساليب والوسائل الحربية لتدجين الشعب العراقي

 التموضع العسكري والوجود الذكي

ترتكز الاستراتيجية الأمريكية وبطابعها الاقتصادي والسياسي والعسكري والنفسي على عقيدة الصدمة والترويع، ويلاحظ عند امتلاك أمريكا روابط القدرة الصلبة تجدها حاضرة في التطبيق على الأرض (استراتيجية الاقتراب المباشر)، وعندما ينفرط عقد القوة تنحى (استراتيجية الاقتراب غير المباشر)، وتتجه إلى المسار ألشبحي الفوضوي، وبعد تطبيق متوالية الاستراتيجيات الوسيطة اتجهت إلى المهارشة الاستراتيجية والتموضع العسكري، ولعل أبرز مرتكزاتها هو (التموضع العسكري، العمليات الشبحية الانتقائية، الدبلوماسية المضللة، المهارشة بالتجريد الجيوبوليتيكي، التفكيك السياسي، التفتيت الديموغرافي، عمليات التقشير، الرعب والبطش المطلق، الاعتقالات الواسعة، التعذيب والتنكيل)، وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها وتسليم الملف الأمني للحكومة الحالية، إلا أنها لا تزال تنفذ العمليات الحربية الخاصة ضد العراقيين وبالتعاون مع وحدة العمليات الخاصة المرتبطة برئيس الوزراء، وهذا يؤكد أن التموضع العسكري في 94 قاعدة عسكرية حاصل في العراق، وهذا ما سماه السفير الأمريكي السابق كريستوفر هيل الوجود الذكي.

 الفوضى النازفة و(طوئفة) القوة

يدخل العراق اليوم مرحلة خطيرة تتسم بالفوضى النازفة المتجهة إلى الانهيار، والتي ترتكز على (طوئفة) القوة والسياسة، و(ميلشة) الدولة، واستعداء المواطن وقمعه وتجويعه، واستنزاف قدرات العراق المالية لصالح أجندات وافدة، مع شيوع ظواهر الاحتراب السياسي، والانهيار الاقتصادي، والبؤس المجتمعي الناتج عن اعتناق النظام العراقي مذهب (مليتين فريدمان) الذي يخصخص أصول الدولة العراقية للشركات الأجنبية، ويعمل على فتح الأسواق لها من دون ضوابط الاقتصاد الوطني، وديمومة الحركة المجتمعية، وخطة التنمية الوطنية، وتشكل الخصخصة عبئاً على القدرة الشرائية والمعاشية للمواطن العراقي، خصوصاً بعد رفع الدعم عنه حكومياً منذ تولي حكومة الجعفري السلطة عام 2005 وحتى اليوم، وفي ظل البطالة المتفاقمة تجلب الشركات الأجنبية الوافدة عمالتها الأجنبية كبديل عن الأيدي العاملة العراقية، وينعكس ذلك على المرافق الأخرى، ناهيك عن الإرهاب الفكري والتفكك القيمي، والفساد المالي والإداري المتعاظم والمتمثل في رأس الهرم السياسي والحكومي نزولاً إلى الموظفين الصغار، وتعاظم تجارة السجون والمعتقلات وانتزاع الاعترافات بالقوة من المعتقلين للتضليل عمن يقف خلف العمليات الإرهابية وسط المجتمع، مع تجدد مظاهر الإرهاب الميليشياوي، ناهيك عن أسلحة التدمير الدولي كالديون والفوائد والتعويضات، ويبرز هنا التخادم الأمريكي - الإيراني في العراق طيلة هذه السنوات، ويلاحظ رسائل الغزل السياسي بين الإدارة الأمريكية مع إيران وتركيا كلاعبين وكلاء في العراق، وتجسد جلياً في التعتيم السياسي والإعلامي على إرادة الشارع العراقي في تغير النظام السياسي عبر ثورة الغضب في 25 فبراير 2011 ، وقد ذهب ضحيتها مئات المتظاهرين العراقيين العزل بالرصاص الحكومي الحي، وبذلك أسقط الشعب العراقي مرتكزات الإرهاب السياسي والفكري والميليشياوي، الذي أدخل العراق في نفق الاستنزاف الشامل والذي سيقود العراق إلى المجهول.

وأضحى العراق بعد غزوه في إبريل 2003 مسرحاً للفوضى الدموية والصدمات المتكررة للشعب العراقي، وقد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، أبرزها القتل خارج القانون والاعتقال والتغييب القسري والتعذيب والإعدامات والتهجير الطائفي، وقد أسهمت قوات الاحتلال بتوسيع ظاهرة الميليشيات الطائفيةوزجها في اجتياح المدن والمناطق بشكل واسع ومنظم، وقد أشاعت الفوضى والقتل وسفك الدماء من دون مبرر، وجرى تفكيك الدولة العراقية وبيع أصولها وتجريف قدراتها من قبل الحاكم المدني (بول بريمر)، وكان قد حل مؤسسات الدولة والقوات المسلحة وعطل أكثر من 3000 مصنع حكومي و4000 شركة حكومية.

لقد أصبحت خطيئة العراق سرطاناً يستشري في جسد الشعب العراقي والمنطقة، ويسيل لعاب الشركات القابضة وأطماع الدول الإقليمية التي تعمل على إشاعة الاضطراب السياسي والأمني ضمن مخطط تفكيكي للدول العربية وتفتيت ديموغرافيتها، وتمارس أمريكا اليوم سياسة الهروب إلى الأمام والتعتيم على تداعيات سياساتها واستراتيجيتها الهدامة في العراق والمنطقة، والتي فتحت أبواب النفوذ الإقليمي من أوسع أبوابه عبر تعميم نموذج العراق، ولعل العراق اليوم مسجل خطر ينذر بعواقب سياسية وأمنية وإنسانية وخيمة في ظل تفاقم الإقطاع السياسي والدكتاتوريات الطائفية والأحزاب العائلية والتي سعت إلى (طوئفة) القوة والسياسة والدولة، واستنزاف قدراتها الشاملة، وبات واضحاً أن الأدوات السياسية الوافدة لديها مشكلة مع العراق كدولة، والعراقيين كشعب، ويسعون إلى القضاء على العراق وشعبه، وراقب الشارع العراقي الغاضب النفاق الأمريكي والدولي والإقليمي بحق ثورة الشعب العراقي والتعتيم على إرادته، وسيادة لغة المصالح الشركاتية الجشعة على حساب وحدة وسلامة العراق وحريته وأمنه، وقد أدى غزو العراق إلى انهيار الأمن القومي العربي، وكما تشهد اللوحة الاستراتيجية العربية من تصدع واضطراب وتفكك وتفتيت، أنها خطيئة العراق التي مررها النظام الرسمي العربي من دون اكتراث لعواقبها الاستراتيجية.

 

مقالات لنفس الكاتب