array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات الخليجية – الصينية في ميزان الاقتصاد والسياسة

الأحد، 01 أيار 2011

لا يمكن النظر إلى استراتيجية الصين في علاقاتها الدولية خارج إطار الحكمة التي تميز بها العقل الصيني خلال التاريخ، فلم توظف الصين أيديولوجيتها الشيوعية الماوية كأداة لازمة في مسار علاقاتها مع الآخر بالحدة التي وظفت بها السياسة السوفييتية قوتها وتفوقها التكنولوجي وأيديولوجيتها الشيوعية في توغلها بمناطق العالم المختلفة ولاسيما في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن العشرين.

إن الصين لم تخسر مكانتها الاعتبارية والحضارية لدى شعوب الأرض على غرار خسارة الاتحاد السوفييتي لمثل تلك المكانة ولاسيما في حلبة الصراع الدولي، ومن خلال هذا المشهد بقيت الصين تحظى بتقدير أهل الخليج العربي وقامت بينهما علاقات مميزة أخذ فيها الجانب الاقتصادي مكانة الصدارة مع محاولة دول الخليج العربية توسيع هذه العلاقة لتأخذ مساراً سياسياً من باب سعي دول الخليج إلى توسيع قنوات علاقاتها الدولية في ظل التغيرات السياسية في مداراتها الإقليمية والدولية، وقد وضع هذا التطور ميزان العلاقة بينهما في حقلي الاقتصاد والسياسة في قضية لا يمكن الانفكاك منها بالنسبة لدول الخليج العربية وهي بناء علاقات متوازنة في مسارات السياسة الدولية بعد الأحداث التي عصفت بالمنطقة الخليجية منذ عقد الثمانينات حتى الوقت الحاضر، حيث تجتاح المنطقة العربية تغيرات بنيوية يمكن أن ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، ولاسيما بعد الثورات الشعبية التي اجتاحت الوطن العربي في جناحيه الآسيوي والإفريقي في المرحلة الحالية، وما يمكن أن تكون عليه السياسة الأمريكية والغربية إزاءها. وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي تظهر هذه الأيام على لسان بعض المحللين السياسيين تجاه هذا التغير الدراماتيكي في المنطقة العربية، ينبغي النظر إلى هذه التغيرات في آثارها الثقافية مع اقتراب رياح عولمة الثقافة التي استندت إلى أذرعها الاقتصادية، ففي الوقت الذي زادت مداخيل الأفراد والأسر من حيث كمية النقد المتوافر، ولاسيما في كثير من دول الشرق الأوسط مع ذهاب أغلب هذه الزيادة النقدية إلى شراء أدوات العولمة ووسائطها المعلوماتية، كما أن هذه الزيادة لم تغط حاجات الإنسان الأساسية في ظروفها المتغيرة، بمعنى أن الزيادة النقدية التي يحصل عليها الإنسان لم تكن زيادة حقيقية في سبيل رفاهية الإنسان بقدر كونها وسيلة لشراء وسائط العولمة من هواتف نقالة وأنترنت وبث فضائي وانتشار الأطعمة الجاهزة وماركات عالمية في المجالات المختلفة التي أضحت ماثلة أمام المستهلكين في مجتمعات نامية لم تكن تعرفها من قبل إلا في إطار السماع فقط، ولعل هذا ما يفسر معاناة كثير من الأسر العربية بشكل عام من سد حاجاتها المتجددة، وفي خضم هذا التدفق السلعي من الأسواق العالمية إلى أسواق البلدان النامية ومنها دول الخليج العربية ازداد تدفق الأموال إلى الشركات العالمية المروجة لوسائل وأدوات العولمة، وفي هذا الإطار كان لابد للصين من أن تدخل، فتدفقت السلع الصينية المختلفة وبأسعار منخفضة ومشجعة سواء لإشباع حاجات المجتمع العربي ومنه الخليجي أو كنقطة عبور إلى الأسواق الإقليمية، (وقد مثلت دبي مركزاً عالمياً في هذا المجال).

أولاً: ذراع الاقتصاد في العلاقات الخليجية – الصينية

لا يعلو فوق صوت الاقتصاد أي صوت آخر في مسار العلاقات الخليجية - الصينية في الوقت الحاضر رغم أهمية الصوت السياسي في ظروف عالم اليوم الذي تسعى الصين وبعض القوى العالمية لتجعله متعدد الأقطاب في عقوده المقبلة، وعلى الرغم من اختلاف الرؤى بين الصين ودول الخليج العربية إزاء بعض القضايا الإقليمية إلا أن هذا لا يمنعهما من تطوير علاقاتهما ولاسيما في المجال الاقتصادي وكذلك في المجال السياسي، ومع هذا لم يشغل الصين شاغل بقدر الشاغل الاقتصادي في علاقاتها مع الخليج ولاسيما في مجال الطاقة وتأمين طرق وصولها، وتبرز أهمية ذلك من خلال دراسة حديثة قام بها الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر مدير مركز الخليج للأبحاث مع جفري كيمب مدير البرامج الإقليمية في مركز نيكسون، تحت عنوان (العلاقات الصينية ومجلس التعاون الخليجي: التطلع إلى ما وراء النفط- المخاطروالمنافع) نشرت على موقع مجلة الرافدين، أكدت على تنامي اعتماد الصين على الطاقة المستوردة بعد التطورات الضخمة في اقتصادياتها التي بدأت ملامحها منذ عقد السبعينات، وانتشرت خلال عقد التسعينات حتى الوقت الحاضر، مما جعلها تسعى إلى سد حاجاتها من الطاقة وأصبحت مستهلكة لما نسبته 10 في المائة من طاقة العالم، التي يأتي نصفها من الخارج، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في تصديرها، وبنسبة 20 في المائة مما تستورده الصين من الخارج، وفي هذا الإطار تتوقع وكالة الطاقة الدولية ازدياد استيراد الغاز في الصين من صفر عام 2000 إلى ما بين 20 و25 مليون متر مكعب قبل انتهاء عام 2015م، وقد استهلكت الصين في عام 2009 77,9 مليار متر مكعب من الغاز بينما لم يكن الإنتاج المحلي سوى 77,5 مليار متر مكعب، كما تزداد حاجاتها من النفط يوماً بعد آخر، وتعتبر دول الخليج العربية سوقاً واسعاً لصادراتها النفطية، ونظراً لكون الصين من الدول التي تميزت بارتفاع تنامي اقتصادها إلى ما يزيد على 9 في المائة سنوياً مما يضاعف من احتياجها للنفط، إذ انها تستورد من المملكة العربية السعودية 725 ألف برميل يومياً ومن إيران 425 ألف برميل يومياً استناداً إلى الأرقام الخاصة لعام 2008، وفي المقابل تعد الصين من أكبر الدول تصديراً لمنتجاتها المختلفة إلى دول الخليج العربية، إذ تشير الدراسة أعلاه إلى أن الإمارات العربية المتحدة من أولى الدول الخليجية استيراداً للسلع الصينية، باعتبارها نقطة عابرة للمنتجات الصينية إلى حوالي مليوني مستهلك في الشرق الأوسط والهند وروسيا الاتحادية وإفريقيا، ولعل أبرز المنتجات والسلع الصينية السيارات المصنعة في الصين الأنسجة والأطعمة المعالجة والمعبأة والأدوات الصناعية الثقيلة والمنتجات الكهربائية وغيرها، وكل ذلك يدخل في استراتيجية الصين في مد نفوذها الاقتصادي وتأمين إيصال منتجاتها إلى مناطق العالم المختلفة، وتأمين إمدادات الطاقة إليها ولاسيما من منطقة الخليج العربية.

ثانياً: العلاقات الخليجية - الصينية في عالم معولم

لا يمكن فصل تطور هذه العلاقات عما يجري من تطور وتغير في العالم منذ عام 1989 وما أعقبه من طرح بعض التصورات النظرية عن العولمة منها ما جاءت به مقولة فرانسيس فوكوياما في عام 1990 عن نهاية التاريخ والتبشير بولادة النظام العالمي الجديد لتعقبها بعد خمس سنوات مقولة هنتنغتون عن صدام الحضارات وغيرهما من الفرضيات والأطروحات التي تروج للعولمة والقطب الواحد، لتبدأ الصين بتفكير هادئ للدخول إلى حلبة الصراع الاقتصادي مع طرح فرضية - عالم قادم متعدد الأقطاب - ليكون أحد مساراته الصين الحديثة وحرصها على إقامة علاقات مميزة مع دول الخليج العربية، كما كان سعي الدول الخليجية من جانبها توسيع شبكة علاقاتها الدولية وتوسع مصادر السلع المستوردة بما فيها الأسلحة لتملك فرص أوسع في عالم سريع التغير، ولاشك في أن فهم ما يجري في العالم يدعو دول الخليج إلى توسع علاقاتها الخارجية في وقت تسعى الدول الصناعية الغربية إلى البحث عن مصادر الطاقة البديلة مما يجعل الدول الخليجية تسعى إلى بناء أفضل أواصر العلاقات مع مستهلك ضخم للطاقة (النفط والغاز) كالصين مع ازدياد منتجاتها الصناعية المتنامية في إطار ضمان أسواق عطشى للنفط الخليجي في المستقبل، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن العالم المعولم في ظل وجود أقطاب متنامية كالصين، لا يمكن أن يبقى على حاله أو يحقق كل أهدافه المرسومة بفعل دخول متغيرات جديدة قد تعرقل ذلك حينما تظهر قضية جديدة يمكن أن نطلق عليها عالمية العلاقات الاقتصادية والسياسية سوف لا تكون في إطار عالم معولم لتسقط حينها كثير من الفرضيات الخاصة بالعولمة مما يتوقع خلال العقود المقبلة من القرن الحادي والعشرين سيكون للاقتصاد الصيني لغته العالمية، وبالتالي ازدياد نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي في المحافل الدولية ليس من خلال استخدام السلاح أو من خلال سباق التسلح إنما من خلال فرض قوة الاقتصاد الصيني في كل أجزاء المعمورة، لذا فإن دول الخليج العربية التي تميل إلى اقتصاد السوق ستجد نفسها أمام واقع جديد من التطور الاقتصادي الذي تمتزج فيه ملامح الاقتصاد الصيني الموجه وبقاوها مع توجهها الرأسمالي الذي سيكون اقتصاداً رأسمالياً معدلاً وفق متغيرات الثقافة في منطقة الشرق الأوسط. لذا فإن رسم حدود الاقتصاد الوطني الخليجي هو بالتأكيد مرتبط أولاً وأخيراً بثقافة المجتمع العربي الخليجي وما تقرره هذه الثقافة من نظم سياسية واجتماعية، حيث ستقرر خيارها من بين خيارات عدة تطرحها المتغيرات الدولية المقبلة، وبالتالي تستطيع مواكبة موجة التغيرات الثقافية في المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع الخليجي بشكل خاص من خلال الرؤى الثقافية الجديدة للأجيال الحالية أو من خلال قدرتها على توظيف الحداثة بشكل إيجابي في بناء مرتكزات الاقتصاد الخليجي عن طريق تأسيس هيئات علمية على مستوى مجلس التعاون الخليجي وتوحيد الخطاب الثقافي من أجل إحداث النقلة النوعية في المجتمع الخليجي بحيث تكون متواكبة مع تطلعات الأجيال الحالية والقادمة وكذلك العمل السياسي من أجل رسم ملامح خطاب سياسي متقدم موحد من أجل المحافظة على وحدة دول الخليج العربية، لأنه من دون ذلك ستتجه هذه الدول من حيث تدري ولا تدري إلى أتون تغيرات ستعصف بالنظام الخليجي نفسه. ولذلك فإن بلورة رؤية وسياسة إعلامية خليجية حرة وفلسفة اقتصادية واعية ستجعل علاقات دول الخليج العربية مع الصين تأخذ أبعاداً حقيقية في تأسيس خصوصيتها الاقتصادية تصنيعاً وتسويقاً لسلع شرقية وغربية تحقق لها أرباحاً وافرة مع احتفاظها بسلاح النفط كنقطة مركزية في تشكيل هذه العلاقة في عالم معولم يكون الاقتصاد الخليجي مستفيداً منه وليس ضحية، لذا فإن الشراكة الاقتصادية الخليجية - الصينية - إن صح التعبير- ستكون أداة فعالة في التعامل مع حقائق العولمة إيجابياً من خلال توظيف قدرات الطرفين، كل من مصادر قوته، ليصبح لكل منهما صوت مسموع في هذا العالم المعولم.

ثالثاً: العلاقات الخليجية – الصينية في ميزان جديد

ينبغي النظر إلى هذه العلاقات في أبعاد جديدة على ضوء التغيرات السياسية والثقافية السريعة الحاصلة في المنطقة العربية، وما يمكن أن تكون عليه الأوضاع العامة فيها، لذا فإن الصين شأنها شأن الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها تراقب هذه التغيرات ومساراتها المقبلة في ظل الدعوة إلى فلسفة جديدة من الحكم قائمة على المشاركة الجماهيرية والقيم الديمقراطية في إطار السعي لبناء الدولة المدنية في كثير من البلدان العربية، وبالتالي تكون الأوضاع السياسية على الصعيد الداخلي والخارجي تخضع لإرادة الشعب بعد أن كان الحاكم يرسم ملامح هذه السياسات من دون أن يستطيع أحد التدخل فيها. لذا فإن استراتيجية العلاقات الصينية- الخليجية تدخل ضمن هذه الحسابات، وبالتالي فإن تقييم الصين لعلاقاتها الاقتصادية ومواقفها الدولية تجاه هذه المنطقة يكون من أولويات سياستها الخارجية بما فيها الخلافات التي تحصل بين دول المنطقة وأبرزها ما يتصل بالقضية الفلسطينية وكيفية النظر إليها من وجهة الأجيال القادمة وعلاقات دول الخليج العربية مع بعض حلفاء الصين في المنطقة ولاسيما إيران ومستقبل هذه العلاقات في سياق تطور المفاعل الإيراني وطبيعة المواقف تجاه الحراك السياسي في المنطقة. وفي خضم هذه الظروف وفي أجواء عالمية متفاعلة كما يقول البعض يعيش العالم مرحلة سقوط الأيديولوجية في الوقت الذي تتعامل الصين مع أوضاعها الداخلية على أسس أيديولوجية لا تكتفي بأسسها المستمدة من الفلسفة الشيوعية إنما أسس الحضارة أو الثقافة الكونفوشوسية وفي هذا الربط تكمن قوة الصين وتبنيها كذلك أساليب الإنتاج الرأسمالي ضمن معامل ومصانع وورش تتفاعل على أسس اقتصادية لا تخلو من التأثر باقتصاد السوق ودخولها في ظرف تاريخي في الاستجابة لمتطلبات العولمة المعلوماتية والسلعية لتدخل السوق العالمي منافسة الإنتاج الرأسمالي وبأسعار منخفضة لم تستطع فلسفة الإنتاج والأسواق الرأسمالية أن تجاريها وتنافسها حتى باتت الصين تنتج على سبيل المثال مليارات أجهزة (الموبايل) التي تصل إلى المستهلك بأسعار رمزية محققة بذلك تدفق أموال بطريقة سريعة، مما سبب قلقاً مستمراً لدعاة العولمة وفشلها النسبي بطريقة أو أخرى في احتكار تجارة وسائل ومعدات المعلوماتية، ليفاجئ المارد الصيني العالم الغربي بغزو سلعي منافس منقطع النظير، لذا فإن الصين سترسم سياساتها الخارجية حسب المطلوب في المنطقة العربية محققة توغلاً صناعياً في أسواقها المحلية وكنقاط عبور إلى المناطق الأخرى، كما أنها ستصيغ سياساتها مع أيديولوجيات أخرى مثل إيران على وفق مصدات لتوغل الغرب تجاه أسواق الشرق والعمل على الحد من نفوذه السياسي، وهكذا العمل مع الساحة الإفريقية وبعض دول أمريكا اللاتينية، ولا يخرج هذا التوجه خارج إطار العلاقة مع الدول الخليجية التي تظهر شعوراً بالارتياح حول أبعاد الهاجس الأيديولوجي عن هذه العلاقة، وهي تحمل في الوقت نفسه تصوراً جديداً تجاه مستقبل المنطقة في ظروفها المتغيرة وما يلعبه الغرب على أوتار ثقافية أو إثنيات المنطقة العربية في المرحلة الحالية وما تحمله الأجيال القادمة من ثقافة عابرة لتلك الأوتار مما يجعل الصين تسعى إلى البحث عن آليات جديدة في التعامل مع ثقافة المنطقة المستقبلية التي ستكون خارج لعبة المصالح الغربية والصينية وغيرها لترسم سياسة جديدة قائمة على أساس الاندفاع إلى الإمام، غير مبالية بأي مشروع في المنطقة مهما كان مصدره ليكون هناك ميزان جديد تحدد ملامحه التغيرات الدراماتيكية في المنطقة وقدرة الأنظمة السياسية فيها على التعامل معها بالقبول وليس الرفض، وفي ذلك يعلو صوت الحكمة المطلوبة - إذا تحقق ذلك القبول- الذي يحفظ لهذه المنطقة هويتها الثقافية.

مجلة آراء حول الخليج