array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الاستراتيجية الصينية الجديدة: طريق الحرير الجديد والخليج العربي

الأحد، 01 أيار 2011

كان هالفورد ماكندر الجغرافي البريطاني الذي اشتهر بنظرية (قلب اليابس) التي ذكرها في محاضرته التي ألقاها في الجمعية الجغرافية البريطانية في عام 1904 تحت عنوان (نقطة الارتكاز الجغرافي للتاريخ) قد نبه إلى أهمية سكة الحديد في دور القوة البرية الآسيوية التي اعتبرها تهدد النفوذ البريطاني، القوة البحرية العالمية، كما نبه إلى أهمية سكة الحديد كوسيلة نقل مهمة لروسيا القيصرية وامتدادها في سيبيريا، مما أقلق الغرب كثيراً بعد بروز الاتحاد السوفييتي.

لا تزال نظرية ماكندر تؤثر في التفكير الاستراتيجي الغربي والشرقي حتى الآن، وتنبهت الصين في الفترة الأخيرة إلى أهمية سكة الحديد ليس في ربط أجزاء الصين داخلياً، فهي عملت عليها منذ زمن طويل، لكن التفكير الاستراتيجي الآن مع بروز الصين كقوة اقتصادية عالمية وعلاقاتها التجارية الدولية وحاجتها المتزايدة للطاقة حتى أصبحت المستهلك العالمي الثاني بعد الولايات المتحدة، ففكرت في خط سكة حديد يمتد من الصين شرقاً إلى أوروبا مروراً بآسيا الوسطى ومنها إيران وتركيا وحتى قد تربط فيما بعد بالخليج العربي .

خط إكسبرس الشرق الصيني

نتذكر مع بداية القرن العشرين عندما كان التنافس الألماني - البريطاني، فقد كانت ألمانيا وراء خط إكس برس برلين بغداد مروراً بأسطنبول أيام عهد الأمبراطورية العثمانية، عندما كانت ألمانيا تريد الوصول إلى الخليج العربي، ميناء البصرة في تنافسها مع بريطانيا التي كانت موجودة في الهند درة التاج البريطاني، فوصول ألمانيا إلى الخليج العربي كان يعني تهديد النفوذ البريطاني في الهند وبالتالي إضعاف بريطانيا، وكان التنافس على أشده بين الأمبراطوريتين الألمانية والبريطانية، وكانت الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا وسيطرة بريطانيا على العراق، وأصبح الخط ضمن النفوذ البريطاني ويخدم مصالحها، فأخذت الصين تحاول ربط جيرانها أو الأطراف بخط (إكس برس الشرق الجديد) Orient Express.

استراتيجية الأطراف الواسعة

إن القوة الاقتصادية الصينية احتلت المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي متجاوزة اليابان، والدولة الأولى في التجارة العالمية والأولى أيضاً في ما تملكه من احتياطي العملات الأجنبية، وأصبحت الآن الدولة الثانية في البحوث العلمية المنشورة بعد الولايات المتحدة، دفعت الصين إلى تعزيز القوة الاقتصادية بالقوة العسكرية وزيادة الإنفاق العسكري، مما يدفعها للتدخل لحماية مصالحها القومية وخاصة في الدول المجاورة لها والذي يعرف في الاستراتيجية الصينية بالأطراف الواسعة ( Large Periphery )، فالصين يبلغ طول حدودها البرية 20 ألف كيلومتر، وغالباً ما كانت لها نزاعات حدودية مع الدول المجاورة لها مثل الهند والاتحاد السوفييتي السابق، لكن في ظل التطورات الإقليمية والدولية واتساع رقعة المصالح الصينية والوجود الأمريكي العسكري في آسيا الوسطى والنفوذ السياسي الأمريكي فإن الصين تفكر في حماية جوارها الجغرافي وخاصة في آسيا الوسطى وبعد الاضطرابات التي حدثت في قرغيزستان وأدت إلى إسقاط الحكومة القرغيزية، حيث كان العنف وسيلة للتغيير مما نبه الحكومة الصينية إلى أهمية تعزيز نفوذها وحماية حدودها خصوصاً بعد الأحداث التي حصلت أيضاً في التبت واضطرابات الدايلاما ومنطقة إيغوريا وما حدث من مقتل 200 شخص في أورومتشي في الخامس من مايو 2009، ونشاط الجماعات الإسلامية و(الناتو) في أفغانستان، كل هذه الأمور دفعت الصين إلى تعزيز الوجود العسكري الذي يحتاج إلى وسائل مواصلات سريعة مما جعلها تفكر في هذه المواصلات ومد سكة الحديد لدول الجوار وتوقيع اتفاقيات للعمل بتلك المشاريع . وتبلغ سرعة القطار على الخط الحديدي بين شنغهاي ونناتينغ 350 كليومتراً في الساعة وهو ما تسعى لأن يكون على غراره مع دول الجوار للصين، دول الأطراف الواسعة.

الصين قلقة من الوجود الأمريكي في وسط آسيا وترى أنه يهدد مصالحها في هذه المنطقة الحيوية

وبالفعل قامت الصين بالعمل على مد خط سكة حديد إلى التبت ونيبال، ويمتد إلى جنوب شرق آسيا المجاورة للصين، إلى لاوس، سنغافورة، كمبوديا، فيتنام، تايلاند وماينمار (بورما سابقاً)، وهذا ما أوردته وكالة الأنباء الصينية في 17 أكتوبر 2010. والجدير بالذكر أن هناك جاليات صينية في هذه الدول ولها دور اقتصادي قوي كما هو الحال في سنغافورة .

التعاون الصيني – الإيراني

إثر تزايد الضغط الأوروبي والأمريكي على إيران، وأزمة المفاعل النووي الإيراني، تلتقي المصالح الإيرانية – الصينية، فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متقي في الخامس عشر من نوفمبر 2010 عن موافقة كل من إيران وطاجيكستان وأفغانستان على التعاون مع الصين في بناء خط سكة حديد يصل إلى إيران، يمتد من سينكاينغ في غرب الصين مروراً بقرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان حتى إيران، على أمل أن يواصل امتداده مستقبلاً إلى العراق، حيث الاستثمارات الصينية في الغاز والنفط فيها، وبذلك تصبح الصين على مشارف الخليج العربي، ويذكرنا بخط (إكس برس الشرق السريع) بغداد - برلين الذي أشرنا إليه فهل يعيد التاريخ نفسه أم تتشابه حوادث التاريخ في تنافس الشرق والغرب من جديد على منطقة الخليج العربي مع تزايد وتشابك العلاقات الاقتصادية؟ إن مشروع خط سكة حديد الصين – إيران يتفق مع المشروع خط سكة الحديد عبر آسيا الذي تموله الأمم المتحدة والذي يعرف بشبكة عبر آسيا (TAR) ، وهو الخط الذي يسعى إلى ربط أوروبا بالصين عبر شبكة خطوط الشرق الأوسط .

طريق الحرير الجديد

إن ما تسعى إليه الصين هو طريق حرير جديد لنقل الطاقة، خاصة مع مشاريع شبكات نقل الغاز والنفط من منطقة بحر قزوين إلى أوروبا وجنوب آسيا وشرقها، تربط منطقة الخليح العربي- قزوين – الصين، وهذه الشبكات ضمن الاستراتيجية الصينية عبر طريق الحرير الجديد التي تسعى لأن تكون تركيا وسوريا من ضمنها، حتى إنه في 19 إبريل 2010 تضمنت نشرة الصين موضوعاً بعنوان (سوريا في استراتيجية طريق الحرير الصينية الجديدة).

وتتفاوض الصين حالياً مع 17 دولة أوروآسيوية من أجل مشروع سكة حديد عبر آسيا حتى تكون سرعة الخط 486 كيلومتراً في الساعة، تتجاوز سرعة الخط في جنوب شرق آسيا . ويدخل طريق الحرير الجديد في الاستراتيجية الصينية في الصراع على أوروآسيا. وخاصة أن الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة حاولت بقوة تعزيز الوجود العسكري في أوروآسيا من منطلق نظرية (سبيكمان) من أن الذي يسيطر على أوروآسيا يسيطر على العالم، ونلاحظ أن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، زبغنيو بريجنسكي في كتابه (رقعة الشطرنج)، أكد على أهمية أوروآسيا بالنسبة للولايات المتحدة في هيمنتها على العالم، وحذر من سيطرة دولة واحدة على أوروآسيا مما يهدد مصالح الولايات المتحدة .

أصبحت الصين الآن الدولة الثانية في البحوث العلمية المنشورة بعد الولايات المتحدة

ولا شك في أن الصين قلقة من الوجود الأمريكي في وسط آسيا حيث النفط والغاز الطبيعي المهم للصين التي يتزايد اعتمادها على الطاقة المستوردة من الخارج، وهذا يفسر سياسة الصين وموقفها من العقوبات الاقتصادية على إيران وسياسة واشنطن تجاه إيران، حتى إن روسيا الاتحادية قلقة من نفوذ الولايات المتحدة في منطقة تعرف في الاستراتيجية الروسية بمنطقة الجوار الجغرافي وتطبق على الجمهوريات السوفييتية السابقة مبدأ مونرو الروسي كمنطقة نفوذ روسيا، وترى أن الوجود الأمريكي يهدد الأمن القومي الروسي، كما ترى الصين أنه يهددها في وقت تداخلت وتشابكت المصالح الاستراتيجية وتراجع دور الولايات المتحدة .

وحسب الرؤية الاستراتيجية الصينية التي تسربت عام 2000، فترى الصين أنه إذا كانت الولايات المتحدة لها نفوذها وقواعدها في المنطقة الغربية من الخليج العربي، فالصين يجب أن يكون لها وجودها في المنطقة الشرقية من الخليج العربي، وتشكل المحور الصيني –الروسي- الإيراني حتى لا تتحكم واشنطن في تدفق النفط في مضيق هرمز، وحيث إن الصين ترى قدرة واشنطن على التحكم في خطوط نقل النفط البحري، فإنها معنية بشبكة النقل البري على شبكات خطوط الأنابيب البرية عبر أوروآسيا.

يعتبر الخليج العربي ومنطقة بحر قزوين ضمن المصالح الاستراتيجية الصينية العليا

مجلس التعاون والمصلحة القومية الصينية

إن الصين قوة اقتصادية عالمية وتتوفر لديها مقومات القوة والتأثير الدولي، فمع عام 2030م، يتوقع أن تستورد الصين 75 في المائة من حاجتها من الطاقة من الخارج، لذا يعتبر الخليج العربي ومنطقة بحر قزوين ضمن المصالح الاستراتيجية الصينية العليا، وتبين الأرقام ذلك عن منطقة دول مجلس التعاون، حيث بلغ حجم التجارة بين الصين ودول المجلس في عام 2006، 40 مليار دولار، وحجم التجارة الصيني مع الشرق الأوسط عامة 76 مليار دولار. كما أن أرقام 2005، في المملكة العربية السعودية التي تعتبر في ذلك العام المصدر الرئيسي للنفط من دول المجلس، كشفت أن حجم التجارة بين السعودية والصين وصل إلى 7,6 في المائة من حجم التبادل الأمريكي- الصيني، 8,7 في المائة من حجم التبادل الصيني - الياباني، و1,1 في المائة من حجم الصادرات والواردات الصينية بشكل عام. ولا يقتصر التبادل التجاري على النفط، بل يتعدى ذلك إلى مشاريع أخرى مثل الألمنيوم مما يجعل دول مجلس التعاون ذات أهمية في المستقبل مع زيادة التجارة والاستثمارات الصينية في المنطقة، وتعتبر الصين سوقاً استثمارياً كبيراً في الصين.

وقد اشترت مؤسسة الاستثمار الكويتية (KIA) أسهما بقيمة 720 مليون دولار في البنك الصناعي والتجاري الصيني ICBC، كما أن مؤسسة الاستثمار القطرية اشترت في البنك نفسه أسهماً بقيمة 206 ملايين دولار، وتستعمل الصين القوة الناعمة في توسيع علاقاتها سواء في منطقة الخليح العربي أو إفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها.

وإثر تراجع دور الولايات المتحدة وتحول النظام الدولي إلى التعددية القطبية فإن الصين أصبحت الدولة التي يمكن التعامل معها في توازن قوى جديد يوفر مجالاً للمناورة السياسية على مستوى النظام الدولي قد يحقق الاستقرار في منطقة الخليج العربي. كما أن العلاقات الاقتصادية والحاجة للطاقة تجعل الصين حريصة أيضاً على استقرار منطقة الخليج العربي.

مقالات لنفس الكاتب