array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الصين ودول مجلس التعاون تشابك في المصالح وآفاق رحبة من العلاقات

الأحد، 01 أيار 2011

تحاول هذه الورقة الكشف عن الأبعاد التي اتخذتها العلاقات بين دول الخليج العربية والصين كقطب دولي فاعل، وكيف اتخذت هذه العلاقة أنماطاً اقتصادية وسياسية وثقافية، والتأثير الذي تركته على موقع الصين في السياسة العالمية والارتباط الوثيق في المصالح والذي تنامى خلال العقد الأخير بين الصين ودول الخليج، الأمر الذي ترك آثاره على كلا الطرفين.

هنالك حقيقة أساسية تتعلق بحجم وطبيعة العلاقات بين الصين والدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهي غياب أية علاقات دبلوماسية بين الطرفين حتى عام 1990، وذلك بسبب المنطلقات التي كانت تؤمن بها القيادة الصينية على صعيد علاقاتها الخارجية لاسيما مع الدول ذات الأنظمة الملكية والبلدان التي تحتفظ بعلاقات وطيدةٍ مع الغرب، لكن مثل هذه المنطلقات، تغيرت بشكل كبير وكانت نتيجةً للتغير في الموقف الصيني ورغبة بكين في لعب دور سياسي في منطقة تمس بشكل مباشر أمنها القومي.  

وتنامت خلال العقود الأخيرة المصالح الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية للصين في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي منطقة الخليج بشكل خاص، وكان مثل هذا التنامي والتشعب في المصالح مترادفاً مع تزايد الطلب على النفط والغاز الطبيعي ورغبة الصين في التأثير على المحيط الدولي. ولابد من التذكير بحقيقة أساسية وهي أن الصين تعد ثاني أكبر بلد مستهلك للنفط وثالث أكبر بلد مستورد لنفط الخليج، ولقد قامت الاستراتيجية الصينية على ضمان علاقات تقوم على التعاون والتنسيق مع بلدان الخليج من أجل استمرار تدفق النفط، وأدت مثل هذه الرغبة إلى تنامي نمط من العلاقات الوطيدة بين الصين وعدد من دول الخليج من بينها المملكة العربية السعودية التي تُعد المورد الأول للصين في مجال الطاقة، وتحتفظ الصين اليوم بعلاقات وطيدة مع كافة دول الخليج العربية، إذ لم يعد لمسألة الاختلاف الأيديولوجي تأثير كبير في مسار العلاقات التي تختطها الصين لاسيما في المرحلة التي أعقبت عقد التسعينات وبداية الألفية الجديدة. لقد وجدت الصين أن هنالك قدرة على إقامة علاقات وطيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل زيادة قدراتها على التأثير في محيطها الإقليمي لاسيما أنها قامت في الوقت ذاته بتوطيد علاقاتها مع مجموعات إقليمية أخرى كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومجموعة جنوب شرق آسيا (آسيان)، وعدت مثل هذا الترابط والتعاون مع المجموعات الإقليمية المتعاونة أفضل بكثير من التعاون مع دولة وحدها، كما آمنت بكين بأن مثل هذا التعاون مع المجموعات الإقليمية بمثابة ضمان أكيد على استمرار العلاقات وتنميتها بشكل مستمر، لكن ذلك لم يمنع بأي حال من الأحوال تطوير الصين لعلاقات منفردة مع كل دولة خليجية بالإضافة إلى التنسيق على مستوى مجلس التعاون ككتلة إقليمية موحدة.

لقد كانت أولى بوادر التعاون والتنسيق بين الصين ودول مجلس التعاون تمثلت في تشكيل منتدى الأعمال الصيني - الخليجي والذي أريد منه تفعيل عرى التعاون بين الصين ودول مجلس التعاون ككيان إقليمي موحد، وكان تأسيس هذا المنتدى قد جاء بمثابة نتاج للتعاون بين اتحاد الغرف التجارية والصناعية الخليجية وبين المجلس الصيني لتطوير التجارة الخارجية، وكان هذا التعاون قد زاد الروابط الاقتصادية متانة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وسعى هذا المنتدى إلى تسهيل كافة الإجراءات الخاصة بعمل رجال الأعمال والقطاعات التجارية والصناعية في دول الخليج وكذلك المؤسسات التجارية والاقتصادية الصينية. ولابد من التذكير بجملة من الحقائق التي تخص العلاقات الاقتصادية الصينية - الخليجية وهي أن هذه العلاقات لم تعد لتقوم على مجرد استيراد نفط الخليج باعتباره مصدراً أساسياً لإدامة الصناعات الصينية بل الاستثمار في مجالات أخرى واستيراد معادن أخرى كالألمنيوم والفوسفات. ورغم أن هنالك جملة من العوائق الثقافية التي قد تحول دون تنامي وتطور العلاقات الخليجية - الصينية إلا أن جملة من المحللين والمراقبين أشاروا إلى أن هنالك إمكانية لظهور(طريق الحرير) الجديد والذي يؤشر إلى العلاقات التجارية الوطيدة التي كانت تربط الصين بالمنطقة العربية ومنها منطقة الخليج وإمكانية أن يتحول هذا المشروع الجديد إلى تعاون في المجالات السياسية إلى جانب المجالات الاقتصادية التي تشكل حتى الوقت الحاضر البعد الوحيد للعلاقات بين الصين ومعظم دول الخليج. وهنالك تساؤل يطرح نفسه حول المدى الذي ستتخذه العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على المستوى الاقتصادي؟ وللاجابة عن هذا السؤال وجب علينا أن نعرف بعض الإحصائيات الخاصة بحجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون، ولعل أولى الأرقام التي تطالعنا هي أن حجم رؤوس الأموال المتبادلة بين الطرفين وصل إلى 32 مليار دولار، وقد يكون هذا الرقم مرتفعاً، لكنه قد لا يبلغ قيم التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، ولكن إمكانية تزايد حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون تبقى قابلة للازدياد خلال الأعوام المقبلة، خاصة إذا عرفنا أن حجم الصادرات الصينية لدول الخليج ارتفع إلى سبعة أضعاف مقارنة بما كانت عليه في عام 2000، ولقد تنبأ بعض المحللين الاقتصاديين بأن حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي سوف يصل إلى 350 مليار دولار -500 مليار دولار بحلول عام 2020م. وبطبيعة الحال فإن تنامي مثل هذه العلاقات الاقتصادية له ما يبرره من الجانب الصيني مع تزايد حجم السكان وتزايد حجم الاستهلاك الخاص بموارد الطاقة، وضرورة تلبية متطلبات الماكنة الاقتصادية، والتي تفضي إلى تزايد في الطلب على السلع والمواد الأولية، فلقد قدرت بعض الإحصائيات حاجة الصين إلى النفط بمعدل يتراوح بين 6-6.5 مليون برميل من النفط يومياً ومثل هذه الحاجة المتزايدة تقتضي إدامة سير العلاقات مع الدول التي تقوم بتزويد الصين بهذه الكميات من النفط لاسيما أن أغلب ما تستورده الصين من النفط يتأتى من أربع دولٍ هي الكويت والإمارات وقطر والسعودية، وهذا يعني أن دول الخليج أضحت المزود الرئيسي للصين بمورد الطاقة الأول والرئيسي. وإذ تتوفر لدى دول الخليج موارد الطاقة يتوفر لدى الصين سوق للعمل، أي أن هنالك إمكانية لإيجاد قدر من التكامل والتبادل الاقتصادي بين الطرفين وفق آلية تقوم على تبادل للطاقة (نفط وغاز طبيعي) من جهة دول مجلس التعاون في مقابل سلع وطاقات عمل من لدن الصين. وتشير بعض التوقعات التي قدمها محللون وأساتذة اقتصاد إلى ان حجم التبادل الاقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي سوف يرتفع خلال العقود المقبلة إلى الدرجة التي سوف يصل فيها حجم النفط الذي تصدره الصين لدول الخليج إلى ما يقرب من 3،7 في المائة من حجم صادراتها من النفط بحلول عام 2030م.

لقد تجسد البعد الآخر في العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج العربية بتزايد حجم الاستثمارات الصينية في الأسواق الخليجية والاستثمارات الخليجية في السوق الصينية، وعكس تزايد هذه الاستثمارات تنامي العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وتحفيز إنشاء مجالات أخرى يجري على أساسها التبادل والتنسيق الاقتصادي، حيث دخلت الاستثمارات الصينية في مجال التعدين والنفط والصناعات الكيماوية، وتطوير مشروع استخراج الفوسفات في السعودية على سبيل المثال من لدن شركات صينية، وكذلك البدء بمشاريع تطوير الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية.

وفي الوقت الذي تسعى فيه دول مجلس التعاون الخليجي والصين إلى توسيع وتطوير علاقاتها الاقتصادية في مجال تبادل الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال وتبادل الخبرات وتطوير الروابط الثقافية فإن هنالك حقيقة لابد من ذكرها تتجلى بوجود جملة من العوائق والموانع التي تحول دون تطور هذه العلاقات ومنها العوائق اللغوية والثقافية. ومن المعروف أصلاً أن العلاقات الدولية ومجمل التفاعلات التي تجري بين دول ذات أنماط ثقافية وحضارية مختلفة لم تعد لتقتصر على البعد السياسي والدبلوماسي والعسكري، بل امتدت لتشمل تفاعلاً من مستوى آخر هو التفاعل على المستوى الثقافي لاسيما بعد أن أصبح الصراع الدولي صراعاً حضارياً قد لا يفضي بالضرورة إلى تصادم بين رؤى وأنماط فكرية مختلفة بل تفاعل إيجابي يعود بالنفع على الطرفين اللذين يتلاقحان ثقافياً. ولابد من تأشير حقيقة أساسية لا تخفى على المتتبعين للعلاقات بين الصين والعرب عموماً والصين ودول الخليج العربية على نحو خاص حول غياب التفاعل الثقافي بنحو يشي بانتماء الصين ودول الخليج إلى قارة واحدة وذلك لوجود جملة من العوامل التي عرقلت قيام مثل هذا الحوار والتفاعل لعل أهمها الحاجز اللغوي واتخاذ كل من الحضارتين العربية والصينية لنمط فكري يختلف وبشكل جذري عن النمط المقابل، وبالقدر الذي استمر فيه تفاعل الفكر العربي مع الفكر الغربي منذ القرن الثامن عشر، فلم يحصل إلا في العقود الأخيرة تماس كبير بين الثقافتين العربية والصينية، كما لم تبدأ الاستثمارات الخليجية في الصين إلا خلال العقد الأخير، وقد يجد الكثير من عرب الخليج أن هنالك قدراً كبيراً من التفاهم والتناغم بينهم وبين الثقافتين الأمريكية والأوروبية، لكنهم لا يتواءمون بأي حال مع الثقافة الصينية، والبدء بإعداد دورات لغوية لتعلم اللغة العربية واللغة الصينية لدى الجانبين، ولابد من التأكيد رغم وجود تقاطعات بين الحكومة الصينية المركزية ومسلمي الصين في إقليم تركستان، على أن تاريخ المسلمين في الصين لم يشبه حالة عدائية، فقد رعى عدد من أباطرة الصين الدعوة للدين الإسلامي من دون تحفظ، ولم يواجه المسلمون أية حالات من العنت والاضطهاد إلا في حقب تاريخية محدودة، وهنالك حاجة ماسة لدراسة الجوانب التاريخية المشتركة، وقد تكون مثل هذه الإجراءات ذات فائدة على المستوى القصير، لكنها ومن خلال تفعيلها لأدوات الحوار واللقاء المُشترك سوف تفضي إلى تعميق التفاهم بين الثقافتين العربية والصينية، وما يحتاج إليه الطرفان هو إدامة الحوار والتفاعل والتبادل الاقتصادي والحضاري والتلاقح الثقافي والذي لا تستلب معه الثقافة العربية الإسلامية لصالح ثقافة أخرى، لاسيما أن الثقافة الصينية لا تقوم على الإيمان بتفوق عنصر على آخر ولا أولوية جنسٍ على جنس آخر.

طريق الحرير يُبعث من جديد

يمكن القول إن البعد الجديد الذي اتخذته السياسة الخارجية الصينية لاسيما مع مطلع الألفية الجديدة يتجلى بتمتين العلاقات مع دول مختلفة عقائدياً وحضارياً عن الصين ومنها الدول العربية والخليجية تحديداً، وفي بروز مثل هذه العلاقات عودة لإحياء طريق الحرير القديم الذي كان ينطلق من جزيرة العرب ليلقي برحاله في الصين، وما زيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين دول الخليج والصين إلا مثال بارز على عودة هذا المشروع، فالصين بحاجة ماسة لموارد الطاقة كالنفط والغاز الطبيعي من أجل تلبية حاجات سكانها الذين يربو عديدهم على المليار، وفي ظل وجود وضع اقتصادي يقوم على قدر من عدم المساواة في الدخول وفي نسب الثروات، الأمر الذي يُعد بمثابة تحدٍ كبير أمام القادة الصينيين، ولعل ضمان استمرار تدفق موارد الطاقة من دول الخليج وتفعيل آليات تعاون اقتصادي معها سوف يفضيان إلى تقليص جملة من المشكلات السياسية والاقتصادية التي تحاول الصين تجنبها في المستقبل القريب، كما أن اعتماد الصين في استقرار اقتصادها على نفط الخليج يعني أنها تسعى إلى ضمان الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في دول الخليج، كما أن باستطاعة دول الخليج العربية أن تستفيد من علاقاتها مع الصين لإيجاد نمط جديد من توازن القوى في منطقة الخليج، والاستفادة من العلاقات الوثيقة التي تربط الصين بإيران وإمكانية تأثير بكين على طهران في المسائل التي تشكل تقاطعاً في العلاقات الخليجية - الإيرانية، وأن لعب الصين دور الوسيط وعنصر التوازن سوف يرفع من رصيدها في مجال تمتين وتشابك مصالحها مع دول الخليج، كما سيكون بإمكانها مواجهة أي قوة كبرى في المنطقة قد تعمد إلى اتباع سياسات تفضي إلى تقويض الأمن والاستقرار في هذه الرقعة التي تُعد الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي.

مقالات لنفس الكاتب