array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الطاقة وأثرها في مستقبل العلاقات الصينية - الخليجية

الأحد، 01 أيار 2011

يبدو أن جمهورية الصين الشعبية تعدّت مداخل القوة التقليدية، وأخذت بالولوج نحو مصاف القوة العظمى كمدخل لإدارة التغير العالمي وتشكيل النظام الدولي الجديد الذي طالما تحدثت عنه الأدبيات الاستراتيجية العالمية كنظام مغاير لمرحلة ما بعد الحرب الباردة إبان نهاية حقبة التسعينات من القرن الماضي.

من هنا أدركت الصين أن التأسيس لعلاقات استراتيجية مع دول الخليج هو حاجة وضرورة استراتيجية لصيرورة القوة الاستراتيجية الصينية ما بعد عام 2050م، نتيجة للتقدم في حجم السكان وتطور قطاعات الاقتصاد الصيني بالإضافة إلى مكانة الصين في النظام العالمي الجديد وخصوصاً في بعده الاقتصادي، وهذا ما سيجعل الصين بحاجة ماسة للتنافس مع القوى العظمى في مقدمتها الولايات المتحدة والدول الكبرى في أوروبا كألمانيا وروسيا الاتحادية بالإضافة إلى القوى الصاعدة في آسيا كالهند وأمريكا اللاتينية كالبرازيل، ومن هنا فإن إدراك حجم التنافس للتفاعل مع دول الخليج يجعل الصين تندفع خلال الـ 40 عاماً المقبلة لتوطين وترسيخ مبادئ خلاقة للعلاقات الصينية – الخليجية في طورها المستقبلي.

الصين – دول الخليج: الحاضر

إن عالمية الصين ما بعد 2050 تجعل من الضروري التفكير ببناء فضاءات مشتركة للعلاقات الخليجية – الصينية، وخصوصاً في قطاعات استراتيجية تجعل من دول الخليج قوة فاعلة ومؤثرة على الصعيد الاقتصادي خلال الـ 40 عاماً والتأثير في القرار الاقتصادي الدولي مع القدرة على التوظيف الاستراتيجي الخلاق لبناء مكانة سياسية بقوة الاقتصاد ليس إلا، وخصوصاً في قطاع الطاقة.

ومنذ عام 1993 تبين أن الصين بلد مستورد بشكل كامل للنفط، وبما أن الصين حققت أعلى معدلات النمو الاقتصادي في آسيا بشكل خاص وفي العالم بشكل عام إذ تجاوز معدل نموها السنوي 9.1 في المائة خلال الخمس عشرة سنة الماضية مما أدى إلى ارتفاع معدل نمو الطلب على النفط فيها ليتجاوز8 في المائة سنوياً، وقد أصبحت الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة متخطية اليابان، إذ بلغ استهلاك الصين من النفط عام 2009، المستهلك الأول لتتعدى الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حجم الطلب نتيجة للنمو الاقتصادي المتوازن ليبلغ 8.3 مليون برميل يومياً.

وبذلك فهي تستهلك 10 في المائة من طاقة العالم ويأتي نصفه من الخارج، وتحتل المملكة العربية السعودية الموقع الأول في التصدير للصين بنسبة 20 في المائة مما تستورده من الخارج. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتسارع استيراد الغاز في الصين من صفر عام 2000 إلى ما بين 20 و25 مليون متر مكعب قبل انتهاء عام 2015م. واستهلكت الصين عام 2009 ما مقدار 77.9 مليار متر مكعب من الغاز بينما لم يكن الإنتاج المحلي سوى 77.5 مليار متر مكعب.

وحظيت العلاقات الاقتصادية الخليجية - الصينية باهتمام خاص مع التركيز على دور النفط في هذا المضمار بعد أن أصبحت الصين المستهلك الثاني للطاقة في العالم، وهذا ما يجعل عوامل التجارة والاستثمار أدوات بناءة في تعزيز العلاقات الصينية – الخليجية، خصوصاً أن مرحلة ما بعد تسعينات القرن الماضي قد أدت إلى اندفاعات قوية نحو خطى كبيرة. وهذا ناتج عن أن الصين حققت خلال الـ 20 عاماً أسرع نمو اقتصادي مستدام في تاريخ البشرية، وأظهرت الأسس التي قام عليها ذلك النمو، موضحة أن التجربة الصينية في هذا المجال تشكل مفارقة بالنسبة للنظرية الاقتصادية التقليدية، حيث كانت الإنتاجية هي القوة المحركة للنمو الاقتصادي الصيني وليس رأس المال.

ولذلك نجد أن مظاهر تنامي الوجود الصيني في منطقة الخليج تأخذ أشكالاً عدة بما فيها قدوم البعثات التجارية والسياح والزيادة المنتظمة للاستثمارات في مجال الصناعات الخليجية وخصوصاً في الصناعة البتروكيماوية، ويأتي هذا التفاعل بفضل الحاجة المتزايدة للصين إلى وقود الخليج الخام.

العلاقات التجارية الصينية – الخليجية تطورت لتتبوأ مكانتها ضمن الأسرع نمواً في العالم

ثم إن معدلات النمو الاقتصادي العالية بينت بعد انتهاج الصين خلال الـ 40 عاماً الماضية سياسة الباب المفتوح وشعار (الكل رابح) من أجل تذليل الفجوة التكنولوجية التي عانت منها الصين، وتنشيط التجارة الخارجية الصينية، وإيجاد قاعدة إنتاجية قوية قائمة على الاستثمارات الخارجية.

ويبدو أن النموذج الاقتصادي الصيني الذي يتبنى مفهوم (اشتراكية السوق) ويجمع اقتصاده على أنموذجين من الاقتصاد (مركزية الاشتراكية) و(رأسمالية الأطراف)، مما قد يدفع دول الخليج إلى بناء أنموذج محاكاة لهذا الأنموذج الفريد من نوعه خلال الـ 40 عاماً المقبلة.

لقد تطورت العلاقات التجارية الصينية – الخليجية لتتبوأ مكانتها ضمن العلاقات التجارية الأسرع نمواً في العالم، وفي حين أن العالم المتقدم، الذي تقوده الولايات المتحدة، قد عانى خلال أزمة الائتمان العالمي 2007، كان الناتج المحلي الإجمالي الصيني يسجل نمواً بنسبة 11 في المائة في عام 2007، وكان متوسط النمو لدى دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط (السعودية، البحرين، الكويت، عُمان، قطر، والإمارات) قد وصل إلى 7 في المائة تقريباً في الفترة نفسها، كما بلغت قيمة التجارة بين المنطقتين نحو 240 مليار دولار في عام 2008، أي ضعف ما كانت عليه في العام 2000، ويتوقع للاستثمارات الخليجية في الصين أن تكون قد بلغت خلال الاعوام الماضية نحو 20 مليار دولار، فيما يتوقع تقرير مؤسسة (جي إل ماك غريغور آند كو) الاستشارية في بكين، والتي تقدم النصح والاستشارات لصناديق التحوط في الولايات المتحدة ولعملاء آخرين، ان يحول المستثمرون الخليجيون ثلث محافظهم المالية، أو 250 مليار دولار، إلى الصين على مدى السنوات الـ 15 المقبلة.

وبناء على سيناريوهات الأساس المتعلقة بقطاع الطاقة في الصين والصادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومنظمة (أوبك) ووفقاً لتقرير آفاق التعاون العربي - الصيني في مجال النفط والغاز الطبيعي حتى عام 2030م الصادر عن منظمة أوبك، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة الأوليـة في الصين بنسبة 55 في المائة في الفترة 2011 – 2030، بمعدل نمو سنوي 1.8 في المائة حيث سيصل الطلب العالمي على الطاقة عام 2030م إلى حوالي 356 مليون برميل مكافئ نفط يومياً مقارنة بـ 229 مليون برميل عام 2005.

فمثلاً يتوقع أن يزداد الطلب على النفط في قطاع النقل في الصين 4.5 مليون برميل يومياً عام 2020 وإلى 5.8 مليون برميل يومياً عام 2030م، أي بمعدل نمو سنوي يصل إلى 3.7 في المائة. كما ستزداد حصة الصين من إجمالي الوقود المستخدم في قطاع النقل من 91 في المائة عام 2000 إلى 96 في المائة عام 2030.

وفي ضوء الزيادة في الواردات النفطية التي من المتوقع أن تصل إلى 10.9 مليون برميل يومياً عام 2030، فقد لجأت الصين إلى تبني سياسات طاقة تتمثل في تنويع مصادر الطاقة وترشيدها وزيادة التعاون وتوسيع رقعة الاستثمارات مع الدول النفطية وخصوصاً نفوط دول أوبك بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص، مما يمثل أحد مظاهر اعتماد الصين المتزايد على الدول الخليجية، إذ إن 16 في المائة من صادرات الدول العربية النفطية وفي مقدمتها الدول الخليجية ستذهب إلى الصين، وتقدر الدراسات أن نحو 57 في المائة من واردات الصين ستأتي من الدول العربية وخصوصاً الخليجية المنتجة للنفط في عام 2030.

الاقتصاد الصيني سيتقدم على نظيره الأمريكي ليصبح الأكبر في العالم بحلول 2035م

وقد تعزز مفهوم أمن الطاقة في هذا السياق انطلاقاً من حاجة الدول المنتجة والمصدرة للنفط إلى ضمان أسواق وعملاء، والذين يتمثلون في الدول المستهلكة، ومن ضمنها الصين، من أجل العمل على إدارة ضمان إمدادات النفط، وفي هذا السياق نجد أن المستثمرين الصينيين ينشطون في القطاع الأساسي للطاقة (Upstream) كالاستكشاف والتنقيب في الدول العربية والخليجية من جهة بينما نجد أن شركات النفط الوطنية العربية لديها مصالح في الصناعات اللاحقة في الصين (Down Stream) كالتكرير والبتروكيماويات، وهذا ما نلاحظه من خلال تزايد حجم المشاريع الخليجية الاستثمارية في الصين.

وبالتالي فإن بروز الصين كدولة رئيسية مستهلكة ومستوردة في سوق النفط العالمي ظاهرة جديرة بالمتابعة لاسيما بالنسبة لقربها الجغرافي من دول الخليج العربية التي تمتلك احتياطيات نفطية وغازية كبيرة وتتميز بقربها الجغرافي من تلك السوق، ما قد يمنحها قيمة اقتصادية خاصة.

وتؤكد الدراسات المستقبلية أن الاقتصاد الصيني سيتقدم على الاقتصاد الأمريكي ليصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2035م، وأن تتضاعف أهميته بحلول العام 2050م، كي يصبح أكبر اقتصاد عالمي بعد أن تخطى الاقتصاد الياباني في العام 2010 ليصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

ومن المنتظر أن يبلغ حجم التجارة الصينية 6 تريليونات يوان (914 مليار دولار) في عام 2015، وستقوم الصين باستخدام هذه الفوائض الضخمة في الاستثمار في الخارج، حيث ستحصل إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا على حصة نسبتها 80 في المائة من تلك الفوائض، وهذا ما نتمنى أن تكون لدول الخليج حصة كبيرة في هذه الكتلة المالية عبر الاستثمارات الصينية في منطقة دول الخليج، والتي من خلالها ستؤمن الصين إمداداتها من النفط والغاز لدول الخليج.

وتتوقع الدراسات أن يبلغ الناتج الإجمالي للصين الذي يبلغ حالياً 3000 مليار دولار مقابل 14000 مليار للولايات المتحدة، لكن مع أخذ مستويات القدرة الشرائية في الاعتبار فإن الناتج الصيني يبلغ تقريباً نصف الناتج الأمريكي.

ويبدو أن ما يميز السياسات الاقتصادية الصينية خلال الـ 40 عاماً المقبلة، أن تخفيف القيود المفروضة على رؤوس الأموال سيكون مفيداً في توسيع نطاق الأعمال والاستثمارات، بالإضافة إلى أن العملة الصينية ستصبح واحدة من أهم ثلاث عملات عالمية رئيسية للتسوية التجارية.

وهذا ما يجعلنا نرى أنه في حال اقترب التوسع الصيني من نسق توسع بقية بلدان الشرق الأقصى في مرحلة مشابهة من نموها، فإن قوة مراكمة نسب النمو تعني أن الاقتصاد الصيني سيكون بالتأكيد أكبر من الاقتصاد الأمريكي قبل النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين.

ولذلك توصلت بعض الدراسات إلى أنه في عام 2050 سيبلغ الناتج الإجمالي الصيني 82000 مليار دولار مقابل 44000 مليار في الولايات المتحدة وفقاً لرؤى العديد من الخبراء في البنك الدولي، وهذا ما سيجعل القوة المالية للصين ستمتد إلى كافة أبعاد استراتيجية الشؤون الخارجية بما فيها القوة العسكرية والتأثير الدبلوماسي للصين مما يتطلب من دول الخليج الساعية نحو العالمية التفاعل مع هذه القوة الاقتصادية العالمية في إدارة النظام الاقتصادي الدولي.

الصين – دول الخليج : المستقبل

تدلنا الدراسات المستقبلية على فك طلاسم المستقبل وفق مصفوفات زمنية نحاول من خلالها استقراء مستقبل العلاقات الصينية – الخليجية، عبر تأثير عامل الطاقة على الاتجاهات أو المشاهد المستقبلية للعلاقات الخليجية – الصينية خلال الـ 40 عاماً المقبلة.

1- مشهد الارتباط المرن

هذا المشهد يقوم على رؤية مفادها أن مستقبل العلاقات الصينية – الخليجية سيكون ارتباطه تكتيكياً وليس ارتباطاً كلياً نتيجة إدراك مكانة الطاقة في الخليج من قبل القوة العظمى الصينية ونتيجة أيضاً الحاجة لتأمين مكانة القوة فإن مستوى الطلب سيكون الحصة الأكبر لتغطيته من دول الخليج خلال الـ 40 عاماً المقبلة، وهذا ما يدفع الصين نحو الارتباط المرن إلى حين تأهيل مناطق استثمارية قادمة وفي مقدمتها إفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهذه المناطق تحتاج تقريباً إلى أكثر من ثلاثة عقود لوضوح صورتها كأقاليم مستقرة ونامية تدفع الاقتصاد العالمي ومنها الاقتصاد الصيني نحو الأمام وتكون بمثابة البدائل الذكية للطاقة في العالم خصوصاً أن اندفاع الشركات النفطية الصينية للاستثمار في إفريقيا وأمريكا اللاتينية يتقدم بخطى اندفاعية عقلانية هادئة تستقرئ الجيوبوليتيك العالمي ومناطق النفوذ الرخوة للتأسيس والاستقرار ومن ثم التنقيب والإنتاج ورفع علم الامتياز على الحقول النفطية والغازية في إفريقيا وامريكا اللاتينية من أجل التأسيس لفك الارتباط بعد الـ 40 عاماً المقبلة مع دول الخليج، التي تتفاعل مع قضاياه وفقاً لحجم المصالح الاستراتيجية ودوافع الارتباط في إدارة قضايا الأمن والانتشار النووي وتعزيز بيئة التجارة الدولية في الخليج بالإضافة إلى الدفع بالعمالة الصينية، ناهيك عن التفاعل الثقافي والسياسي نتيجة للقوة التصويتية للصين داخل مجلس الأمن في ظل التنظيم الدولي التقليدي لدعم المواقف الخليجية العالمية ومصالحها العالمية وقضاياه المستقبلية.

2- مشهد الارتباط التام

هذا المشهد قائم على رؤية مفادها أن مستقبل العلاقات الصينية – الخليجية خلال الـ 40 عاماً المقبلة سيكون مرتبطاً ارتباطاً تاماً نتيجة تأثير عامل الطاقة وخصوصاً أن العالم يمر بتحديات جسيمة، ناهيك عن عدم وجود بدائل للنفط والغاز على الرغم من التقدم التكنولوجي وخصوصاً في مجال الطاقة النووية لتوليد الطاقة وتعزيز بدائل الطاقة بالإضافة إلى الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحيوية. وهذا ما سيدفع القوة الاستراتيجية الصينية، وخصوصاً في المجال الصناعي الذي ولجته الصين بصورة تفوق الخيال، إلى تعزيز مداخل الطلب وفي مقدمته من دول الخليج التي تغطي نسب كبيرة في سلة نفوطها الطلب الصيني مما يتطلب من الصين التأسيس للارتباط التام من خلال تكثيف فرص التعاون السياسي والتجاري والثقافي والتعليمي والمجتمعي بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الخليجية نتيجة لوجود فرص التعاون الكتلة البشرية المسلمة في إقليم كساينغ لأكثر من 350 – 400 مليون نسمة وفرص الاستثمارات الزراعية، وفرص تفعيل المستثمرين الخليجيين الصغار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي يرتكز عليها الاقتصاد الصيني بواقع 70 – 80 في المائة، بالإضافة إلى العلاقات الدفاعية من خلال أنظمة الدفاع المتطور وإدارة التجربة الصينية في توطين الصناعات الاستراتيجية الدفاعية وفي مقدمتها صناعة الطائرات العسكرية المتقدمة المشابهة لأجيال (الشبح) الأمريكية، وبما أن دول الخليج ترتكز في عقيدتها العسكرية على القوة الجوية فيمكن أن تكون أحد البدائل الاستراتيجية للتغيير في نوعية القدرة الاستراتيجية في هذا المجال والاعتماد على الأجيال الصينية أو بناء أجيال مشتركة تحقق متطلبات الدفاع الخليجي خلال الـ 40 عاماً المقبلة وفقاً لاستقراء التحديات المستقبلية لدول الخليج العربية.

ينبغي على صناع القرار في دول الخليج وضع ورقة عمل للتعامل مع الصين 2050م

وبالتالي فإن كل ما تقدم سيؤسس لاستراتيجية الارتباط التام نتيجة إدراك المستقبل بتحديات الحاضر لحجم وأداء العلاقات وسبل تطويرها نحو فضاء أوسع. ومن هنا فإن تأثير عامل الطاقة (النفط والغاز) سيكون سبيلاً لتعزيز العلاقات، خصوصاً أن آفاق التعاون في التحول من شكل العلاقة بين منتج (دول الخليج) ومستهلك (الصين)، يمكن أن تتحول إلى شكل علاقة الشراكة بعد التحول من النمط العمودي (استخراج النفط والغاز الخام) إلى النمط الأفقي (تكرير المشتقات النفطية والغازية)، وبالتالي بناء شراكات استراتيجية في الصين عبر استثمارات خليجية عملاقة من خلال الوقود الخام، وجهود صينية في بناء المصافي وقطاعات التكرير والتكسير للمشتقات النفطية والغازية وإيجاد ميزة مضافة لقطاع الطاقة والتوسع خلال الـ 40 عاماً المقبلة في هذه الصناعات الاستراتيجية التي سيتزايد الطلب عليها خلال الفترة نفسها.

3- مشهد الارتباط المنافس

هذا المشهد قائم على إدراك قوة الصين ومكانتها العالمية وسبل تعزيز فاعليتها الاستراتيجية من خلال بناء مكملات القوة الاستراتيجية الذكية، وفي هذا المجال يدرك صناع القرار في الصين أهمية العلاقات مع دول الخليج المغرية بطاقتها للتزود بالنفط والغاز وتحريك عجلة الاقتصاد الصيني بنسبة مهمة ومؤثرة بالإضافة إلى أن إدراك العالمية دفع الصين إلى التوجه نحو المنافسة في الولوج إلى المنطقة والتنافس مع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والهند وأمريكا اللاتينية، كما أن التنافس مع القوة الصاعدة في العالم يجعل من الضروري أن تندفع الصين نحو بناء علاقات خلاقة للتعاون في أفق ذات فضاءات أوسع من التفاعل في الوقت الحاضر. ومن هنا نجد أن العلاقات الصينية – الخليجية تأخذ اتجاه ودافع التنافس من أجل أن تكون هنالك مكانة كبيرة للنفوذ الاقتصادي الصيني في منطقة الخليج التي تعتمد على جيوبوليتيكية مصالح مختلفة الرؤى والأفكار في إدارة أمن الخليج خلال القرن الحادي والعشرين.

وبما أن الصين هي إحدى القوى المؤثرة في النظام الدولي الجديد ما بعد عام 2050، فإنه من الضروري أن تدرك القيادة الصينية الاندفاع بشكل العلاقة نحو الأمام والتأسيس لارتباط منافس بهدف قياس الاستمرارية والديمومة في أداء العلاقات للوصول بها إلى فضاءات مشتركة تؤسس لعلاقات متينة وغير قابلة للتحجيم عبر التركيز على الفضاءات المشتركة في السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والتكنولوجيا والدفاع والأمن.

وهذا ما سيدفع دول الخليج وصناع القرار إلى البحث عن بدائل التأثير في النظام الدولي ما بعد 2050م عبر التأسيس لارتباط تنافسي يعطي للقرار الخليجي خيارات وفضاءات أوسع في الحركة الاستراتيجية وقدرة حقيقية معقلنة في بناء خياراتها وقراراتها الاستراتيجية، ومن هنا يتم التأسيس والدفع في العلاقات الخليجية – الصينية باتجاهات فاعلة، خصوصاً بعد إدراك مكانة الصين كأحد أقطاب النظام الدولي الجديد.

وفي الختام نجد أن المشهد المستقبلي لمسار الأداء في العلاقات الصينية – الخليجية هو مشهد مركب يجمع بين سيناريوهين هما المشهد الثاني (مشهد الارتباط التام) خلال 2011 – 2035م، والمشهد الثالث (مشهد الارتباط المنافس) خلال 2035- 2050م. ولذلك فإن صناع القرار في دول الخليج العربية مطالبون بوضع ورقة عمل للتعامل مع الصين 2050م، وآليات التفاعل من أجل التعامل بصورة واقعية مع القوة القادمة والتي ستكون أحد أركان النظام الدولي الجديد خلال الـ 40 عاماً المقبلة، ومن هنا يمكن التماس عامل الطاقة وتأثيره في مسار الأداء للعلاقات الخليجية – الصينية، التي تتطلب من دول الخليج المنتجة للطاقة (النفط والغاز) توظيفها في تطوير الاداء الاستراتيجي الخليجي عالمياً وتعزيز مكانة دول الخليج في القرن الحادي والعشرين.

مجلة آراء حول الخليج