array(1) { [0]=> object(stdClass)#13017 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

تقويض الوجود الإخواني في أوروبا بصيغ مؤسسية لتفعيل استراتيجيات جديدة للمواجهة

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

على مدار السنوات التي تلت الإطاحة بحكم جماعة الإخوان من الحكم في مصر، عام 2013م، لجأت الجماعة إلى استراتيجية متعددة المحاور لإعادة التموضع إقليميًا ودوليًا مركزةً على تعزيز وجودها في عدة مناطق وبلدان حول العالم وفي القلب منها القارة الأوروبية، التي شكلت منذ خمسينيات القرن الماضي ملاذًا آمنًا للإخوان مكنها من إعادة بناء شبكاتها التنظيمية وإطلاق التنظيم العالمي/ الدولي الذي انطلق للمفارقة من قلب القارة العجوز في ثمانينات القرن الماضي.

وعمل كوادر الإخوان الهاربون من مصر، عقب الصدام مع نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، على استراتيجية ممنهجة لإعادة التموضع ورص الصفوف في القارة الأوروبية، وآتت تلك الاستراتيجية أُكلها خلال العقود التالية لدرجة أن الجماعة أصبحت تستخدم وجودها في القارة الأوروبية كأداة من أدوات الضغط على الأنظمة العربية مستغلة مساحات الحركة التي أُتيحت لها والتسهيلات والدعم التي قدمتها لها دول أوروبية، كما يتبين من مراجعة العديد من الشهادات والوثائق الخاصة بالتنظيم الدولي للإخوان، والتي تحرص الجماعة على إخفائها وإحاطتها بهالة من السرية شبه المطلقة.

ومع الصدمة الاستراتيجية التي تلقتها جماعة الإخوان وأفرعها المختلفة، عام 2013م، عادت الجماعة لتلعب بأوراقها في أوروبا مستخدمةً إياها ككروت ضغط تُشاغب بها الدولة المصرية والدول العربية الداعمة لها وفي القلب منها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وسعت الإخوان لتسويق سردية خاصة بها تقوم بالأساس على مرتكزات ورسائل صِيغت بدقة لمخاطبة صناع القرار ودوائر التأثير والضغط المختلفة في القارة الأوروبية وخارجها، مصورةً نفسها كأنها جماعة مدنية ديمقراطية تتبع النمط الغربي في الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان، وتناضل لإحلال هذه القيم في المنطقة العربية، رغم أن الأفكار المؤسسة لأيديولوجيا جماعة الإخوان، فضلًا عن الممارسة السياسية الفعلية لها تُبرهن أن الجماعة لا تؤمن بالديمقراطية أو القيم التي جاءت بها، بل تعمل على فرض نوع من الثيوقراطية المُقننة للسيطرة على أتباعها وعلى المجتمعات التي تنشط فيها.

البحث عن جذور الوجود الإخواني في أوروبا

على أن هذه المشاغبة التي دأبت عليها الإخوان، في السنوات الماضية، لم تكن سوى تجسيد لإحدى تمثلات الوجود الإخواني في القارة العجوز، وهو الوجود الذي يتسم بطابع إخطبوطي وتماهي مع الحالة الإسلامية في أوروبا، بمعنى أنه حيثما وجدت جالية إسلامية وُجد نشاط ومن ثم تنظيم للجماعة.

وترجع جذور هذا الوجود الإخواني، إلى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات في القرن الماضي، لكنه بدأ يأخذ شكلًا أكثر مؤسسية وتطورًا في منتصف السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وتزامن ذلك مع ما عُرف بالتأسيس الثاني للإخوان بعد الخروج من السجون المصرية في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، فحينها، طمحت الجماعة إلى إعادة بعث تنظيمها في مصر، وتكوين أذرع خارجية لها في دول وقارات العالم المختلفة بحيث تصير هذه الأذرع وسائل لنشر دعوتها وأدوات ودروع حماية للتنظيم/ الجماعة الأم إذا ما تعرضت لأي ضغط أو محاولة اجتثاث على غرار ما حصل معها سابقًا.

ويكشف أحد محاضر اجتماع الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي من ضمن الكيانات المرتبطة بجماعة الإخوان، جزءًا من الأهداف المعلنة للجماعة في بريطانيا ومن خلفها القارة الأوروبية بشكل عام، إذ حددت الرابطة 8 أهداف تصبو في مجملها إلى تكوين "لوبي" أو جماعة ضغط في أوساط مسلمي الغرب وتوظيف الجاليات المسلمة لخدمة مصالح الإخوان، بصورة مباشرة وغير مباشرة.

وكانت أبرز تلك الأهداف:

  • خلق تيار بين المسلمين المقيمين في بريطانيا للضغط على الحكومة البريطانية للاعتراف بالإسلام كدين رسمي.
  • نشر الفقه الإسلامي بين الجاليات.
  • التركيز في الدعوة على الأبناء أكثر من الآباء.
  • البدء بالعمل مع المراكز والجاليات التي لها علاقات مع الرابطة في المقام الأول.
  • إيجاد نوادٍ للشباب، واستحداث أنشطة تواكب تطورات العصر لجذبهم إليها.

ويُلاحظ من تلك الأهداف أن الجماعة تعمل على حصر وإحصاء المسلمين في الغرب وهذه بالأساس خطوة أساسية في مسار التجنيد، كما أنها تحاول تصدير نفسها باعتبارها وكيلًا وحارسًا لهوية المسلمين أي إنه يظل حريصًا على تمايز تلك الهوية وليس اندماجها أو ذوبانها في المجتمعات الأوروبية، ولعل هذا التوجه يمثل تطبيقًا عمليًا لتنظيرات سيد قطب عن العزلة الشعورية مع المجتمع الجاهلي.

ومن اللافت أن الإخوان تركز على الأجيال الأحدث سنًا بقدر أكبر من الأجيال الأكبر، وهذا ملمح من ملامح انتهازية التنظيم/ الجماعة فالأجيال الجديدة لا تعرف شيئًا عنه ولا عن تاريخه، ومن ثم تكون عملية إقناعهم بأفكارها أسهل وأسرع، كما أن تلك الأجيال أقل معرفة وصلةً بحقائق الدين لذا فإن تجنيدهم عبر الوسائل والعناوين الدعوية سيكون أمرًا يسيرًا.

ويظهر أيضًا من استقراء الأهداف السابقة، أن الجماعة لديها طموح لعمل شبكات واسعة وتحالفات تمكنها من ابتلاع كل المؤسسات والجاليات وتطويع جهدها لصالحه، كما تُعطي تلك الأهداف لمحة عن ميكانزمات الجماعة في اختراق المجتمعات المسلمة في الغرب، فمثلًا تلعب الجماعة بورقة نشر الفقه الإسلامي عبر أكثر من محور، الأول عن طريق تجنيد المبتعثين من المؤسسات الدينية الرسمية في دول المشرق العربي (كالأزهر الشريف وغيرها) واستخدامهم لنشر أيديولوجيا الإخوان، والثاني تدشين مؤسسات شرعية ودعوية تابعة للتنظيم الدولي للجماعة مثل المجلس الأوروبي للإفتاء، الذراع الشرعية للإخوان في أوروبا وأحد المراجع في الأمور الفقهية للجاليات المسلمة هناك، والذي هو في حقيقته أداة من أدوات الجماعة التي تمزج بين الوظائف الشرعية والسياسية.

حجم وتأثير الوجود الإخواني في الغرب

وبنظرة متفحصة للوجود الإخواني في الغرب، يتضح أن الجماعة نجحت، خلال عقود، في إنشاء مظلة كبيرة من الشبكات التي تُغطي أوروبا بالكامل، وتكونت تلك الشبكة بالأساس من منظمات ضخمة كل منها يتخصص في مجال معين، ولكنها تدور جميعًا في فلك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا والذي بات يُعرف باسم "مجلس مسلمي أوروبا".

ومن أبرز هذه المنظمات، المجلس الأوروبي للإفتاء سالف الذكر، وشركة "أوروبا تراست"، وهي صندوق الإخوان الاستثماري المعني بتعظيم الموارد المالية، وشراء الأصول، وجرى تسليط الضوء على تلك المنظمة، في الفترة الأخيرة، خاصةً بعد شرائها عقارًا بـ 4 ملايين يورو، في ألمانيا عام 2021م، وتحويل العقار مقرًا لمنظمات إخوانية.

وتحت الشبكة الأوروبية السابقة، توجد منظمات وطنية مظلية (الطبقة الثانية تتكون من منظمة كبيرة في كل دولة وتدير المنظمة مجموعة من المراكز الإسلامية والمساجد)، تعمل كأذرع إخوانية في البلد التي توجد فيه، مثل منظمة الجالية المسلمة الألمانية في ألمانيا "المجتمع الإسلامي الألماني سابقا"، والتي أسسها وأدارها لمدة 10 سنوات سعيد رمضان صهر حسن البنا، في ستينيات القرن الماضي، وتدير 50 منظمة فرعية وعشرات المساجد في ألمانيا.

كما أن هناك مسار آخر تعمل الجماعة من خلاله على اختراق المؤسسات، وهو عضوية الأحزاب الألمانية، وخاصة حزبي الاشتراكي الديمقراطي والخضر، إذ هناك أعضاء بارزون في الحزبين مرتبطين بالإخوان، بل هناك نواب في البرلمان تحوم حولهم شكوك العلاقة بالجماعة.

ومن المثير للاهتمام أن المنظمات المظلية المذكورة لا ترتبط بروابط مؤسسية يمكن رصدها مع المنظمات الفرعية، وإنما تعتمد على الروابط الشخصية بالأساس عن طريق أشخاص متعددو الأدوار يمارسون أنشطة عابرة للجمعيات والمنظمات على سبيل المثال، فمثلًا هناك قيادي من أصل فلسطيني في شبكة الإخوان في ألمانيا، يدعى محمد حجاج، يشغل عضوية مجلس إدارة مؤسسة طيبة، وهي واحدة من أهم جمعيات الإخوان التي تدير مساجد في برلين، وكذلك عضوية مجلس إدارة جمعية إنسان، أحد الوجوه الناعمة التي تعمل تحت غطاء حقوقي في ألمانيا، ويعمل بمثابة نقطة الربط بين المنظمتين.

وهناك أيضًا قياديًا مصريًا يدعى سعد الجزار، هو مدير جمعية "مكان اللقاء الساكسوني"، ومركز مروة الشربيني للثقافة والتعليم في درسدن بولاية ساكسونيا، وكان يعمل بمثابة نقط ربط بين المنظمتين، قبل أن يغلق المنظمة الأولى بعد تردد اسمها في تقارير الاستخبارات الداخلية الألمانية.

أما بالنسبة، لتأثير الوجود الإخواني في الغرب، فيمكن قياسه وفق معيارين، أولهما: مدى نجاح الجماعة في السيطرة على الجاليات المسلمة في الدول الأوروبية.

وفي هذا الصدد، تُحقق الجماعة نجاحًا محدودًا، في ظل امتلاكها مساجد في عشرات المدن الأوروبية التي تعيش فيها هذه الجاليات، وتردد هؤلاء على المساجد، ووقوعهم أسرى لخطاب الإخوان وأدبياتها، ونضرب هنا مثالاً بمسجد الهداية في فيينا، الذي يتردد عليه العديد من المسلمين العرب المقيمين في العاصمة النمساوية، ويساهم في صياغة تصورات وأفكار هؤلاء المترددين عليه، بل ويؤثر في الجيل الثاني من المهاجرين عبر الدروس والأنشطة والكتب، وهذا المسجد على وجه التحديد بات تحت أنظار أوساط البحث والاستخبارات والإعلام في النمسا، لرصد محتواه الذي يحض على "الكراهية"، وفي الحقيقة فإن الأمر لا يقتصر على نشر خطاب الكراهية بل يتخطاها إلى التشجيع على التطرف.

أما المعيار الثاني، فهو مدى نجاح منظمات الإخوان في اختراق المؤسسات السياسية والمجتمع في الدول الأوربية، وحتى الآن، يمكن القول إن الجماعة حققت نجاحًا جزئيًا، لكن لا يمكن وصفه بأكثر من ذلك، لأنه يتفاوت من بلد إلى آخر وربما كانت ألمانيا الحالة الأكثر وضوحًا إذ نجحت مؤسسات إخوانية في فرض نفسها كشريك لمؤسسات ووزارات ألمانية، وحصلت على تمويلات حكومية بالملايين من وزارات الأسرة والداخلية.

بيد أن الفترة الأخيرة شهدت حملة للتدقيق في أنشطة الإخوان والكشف عن تلك المنظمات سواء في ألمانيا أو أوروبا، بدأت بإعلان وجود روابط شخصية بين الإخوان ومنظمة الإغاثة التي كانت تحصل على مبالغ طائلة من برلين، ثم رصد حصول جمعيات مثل "إنسان" على أموال رغم روابطها بالإخوان، وأخيرًا، الكشف عن تشكيل كيان متشدد يسمى مجلس أئمة برلين، يتم تمويله بأموال دافعي الضرائب الألمانية.

ومن الواضح أن جماعة الإخوان تعمل وفق خطة مدروسة هدفها إعادة التموضع بالفعل، وتملك أجيال جديدة متعلمة جيداً وأدوات للتأثير، وتمضي بوضوح في طريق ترسيخ أقدامها عبر السيطرة على الجاليات المسلمة، واختراق المؤسسات لفرض أجندتها.

وفي المقابل، هناك وعي متزايد بخطر الجماعة في دول أوروبية بعينها، منها ألمانيا والنمسا، لكن مكافحة الإخوان في أوروبا تتطلب وقتًا وجهودًا عابرة للحدود، وتنسيقًا بين الشركاء والأصدقاء في الأسرة الدولية التي التأمت جهودها في السابق في محاصرة تنظيم داعش ونجحت إلى حد كبير في جهودها، بالرغم من أن الإخوان أخطر بكثير من داعش والقاعدة.

مقاربة مقترحة لتقويض فاعلية شبكات الإخوان في أوروبا وإجهاض محاولاتهم التأثير على العلاقات الأوروبية ـ الخليجية:

لقد حاولت جماعة الإخوان استغلال علاقتها مع الدول الأوروبية في التأثير على العلاقات الأوروبية مع مجلس التعاون الخليجي وكذلك على العلاقات البينية بين الاتحاد الأوروبي ومصر، لا سيما في الفترة التي تلت الإطاحة بالإخوان من الحكم في مصر.

غير أن الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عملت على تطبيق استراتيجية استباقية في مواجهة المساعي الإخوانية للتأثير على العلاقات الثنائية مع دول القارة الأوروبية، وبدا ذلك في ثنايا وثيقة الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج الصادرة في صيف العام الماضي (2022م)، والتي أظهرت وجود إصرار سعودي بالأساس على التعاطي بحيوية مع أي جهود مشتركة تعزز الثقة بين الطرفين وتبرز جهود المملكة في مكافحة التطرف والإرهاب.

وعلى هذا الصعيد، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي إيلاء مزيدًا من الجهود للعمل على اجتثاث بؤر التطرف في القارة الأوروبية والتي هي في جوهرها أذرع تنظيمية مترابطة داخل تنظيم عالمي هو التنظيم الدولي للإخوان والذي يتخذ من لندن مقرًا رئيسيًا له.

وينبغي أن يُركز التعاون الخليجي-الأوروبي على مجالات البحث وتبادل المعلومات والاستخبارات، خاصة وأن هناك فجوة كبيرة في المعلومات تعطل مسار التدقيق في أنشطة الإخوان في الغرب، بجانب غياب واضح لخطاب إسلامي أكثر اعتدالًا ومضاد لخطاب الجماعة، بحيث يتمكن من التأثير على الجاليات المسلمة في أوروبا وتوجيههم إلى الطريق الصحيح بدلًا من أن يتركوا فريسةً لجماعات الإسلام السياسي.

ومن المهم أيضًا الاهتمام بمخاطبة الرأي العام الأوروبي الذي يبقى متروكًا أيضًا لتأثير الإخوان، فالجماعة تنجح دائما في الوصول لكبريات الصحف ومراكز التفكير والدراسات والقنوات، وتستغل تلك الوسائل في الترويج لمظلوميتها، وتصدر وجهًا متسامحًا ومندمجًا في هذه المجتمعات، في مقابل غياب أي نشاط مضاد يملك المعلومات الكافية عن تاريخ الجماعة وأنشطتها وتحركاتها، ويمكنه كشف وجهها الحقيقي، فعلى سبيل المثال، استفادت الجماعة من عدم وجود تحرك واعي للمؤسسات الإعلامية العربية لإظهار الوجه الحقيقي للإخوان بالتزامن مع تعرضها لضغوط شعبية وقانونية وسياسية في النمسا وألمانيا.

ولم تقم وسائل الإعلام العربية بتأسيس منصات ناطقة بالألمانية تشرح عبر تقارير مهنية قوية، وأبحاث رصينة تاريخ الإخوان وكيفية تأثيرها على المجتمعات وأهدافها الحقيقية، وهذا الأمر ترك فراغًا كبيرًا، وباتت الساحة خالية للإخوان لتنفيذ هجمة مرتدة ناجحة إلى حد ما، لتتمكن في نهاية المطاف من استيعاب زخم الحملة المضادة لها، وتقويض أسس تلك الحملة وبالتالي لم يتم حظر أنشطة الإخوان في كل الدول كبريطانيا وألمانيا والنمسا وغيرها.

ومن الجدير بالملاحظة أن الخبرة المستمدة من التجارب الأخيرة للتدقيق في أنشطة الإخوان، أثبتت وجود فجوة معلوماتية كبيرة في ما يتعلق بملف الوجود الإخواني في أوروبا، وهذا ساهم  في تعطيل مسار المكافحة في أكثر من محطة، وكذلك لعبت سيطرة الإخوان بشكل أو بآخر على الحياة الدينية لأبناء الجاليات المسلمة في وضع عراقيل وضغوط سياسية على المؤسسات في دول أوروبية بعينها، وبات الخوف من خسارة ناخبين مسلمين أساس لتعطيل كثير من الإجراءات القانونية والسياسية ضد الإخوان، وهذا ظهر بوضوح في تعطيل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا عمل لجنة خبراء الإسلام السياسي في وزارة الداخلية، في خطوة لم يكن لها مبرر إلا الخوف من خسارة الناخبين المسلمين، في ظل نجاح المنظمات الإخوانية في السيطرة عليهم.

وفي ضوء تلك المعطيات، يجب التركيز على توعية أوروبا بخطر الجماعة على الدولة القومية وتماسك المجتمعات الأوروبية، والدفع في اتجاه وضع الجماعة وأذرعها على قوائم الإرهاب، لأن الإخوان ليست سوى تنظيم لا يختلف عن تنظيمات أخرى تحمل السلاح، فالهدف بالنسبة للجماعة يبقى هو هدم الدولة والمجتمع سواء بالتفجير أو بالتفكير والتحرك، رغم أن الجماعة تُجيد الاختباء خلف القيم الغربية واستغلال ثغراتها في ترويج خطابها التخريبي المهدد للقيم الإنسانية المشتركة.

ومن المفيد أن تتم أي تحركات خليجية لتقويض الوجود الإخواني في أوروبا ضمن صيغ مؤسسية مثل منظمة التعاون الإسلامي التي يمكن الاستفادة منها في إنشاء وتفعيل إستراتيجيات جديدة لمواجهة التطرف في القارة الأوروبية، والعمل على مبادرات من أجل إيجاد فهم مشترك لحقيقة الإسلام ومواجهة حملات الكراهية التي تعاونت على صنعها تيارات التطرف الإسلامي أو اليميني والتي تتشارك صناعة الإرهاب والتطرف.

وفي النهاية، يمكن القول إن جماعة الإخوان لن تنجح في جعل القيم الغربية حصان طروادة الذى يمكنها من اختراق أوروبا واختطاف مجتمعاتها رهينة وجعلها أداة لتحقيق أحلام الجماعة، مادام التعاون والتنسيق قائمًا بين دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي، وهنا تبرز أهمية اتفاقية الشراكة الأوروبية الخليجية التي تعد إطارًا مرجعيًا لهذا التعاون الذي ينبغي العمل على دفعه للأمام وإضفاء قدر من الحيوية على العلاقات والحوار الدائم بين المؤسسات المنخرطة فيه وفتح الباب لمبادرات على مستوى رفيع لتطوير العلاقات والتنسيق المشترك.

مقالات لنفس الكاتب