array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ظاهرة (الاستعمار) القديمة الجديدة

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

أعتقد أن شرح وتحليل وتبسيط المفاهيم والمصطلحات السياسية المهمة للقارئ العربي بخاصة، أمر في غاية الأهمية والفائدة التوعوية. إذ إن الإلمام بهذه المفاهيم يسهل فهم ما هو كائن، وما يجب أن يكون في الساحتين الإقليمية والعالمية. فربما يغني شرح لمصطلح، أو توضيح مفهوم، عن تدبيج عشرات التحليلات لوقائع كائنة وأحداث متواصلة، تمس حياة المعنيين، وتؤثر في مستقبلهم. ومن هذا المنطلق، كتبت مقالات عدة، آخرها هذا.

(الاستعمار) كلمة بغيضة، تشير إلى ظاهرة كريهة، وخاصة في دول العالم النامي، الذي كان وما زال يقاسي الأمرين من هذه الظاهرة العدوانية (القديمة – الجديدة). والاستعمار يعني في معناه السياسي الواسع: قيام كيان قوى بحكم (واستغلال) طرف أضعف منه. وعلى مستوى الدول، يعني: إقدام دولة أقوى نسبيّاً على حكم واستغلال منطقة أو دولة أضعف نسبيّاً منها، سواء بصفة مباشرة، أو غير مباشرة علناً أو خفية.

وظاهرة (الاستعمار) قديمة قدم البشر والدول، لكنها في كل عصر تأخذ طابعاً مختلفاً معيناً، أو يمكن تعيينه، وإن بقى الجوهر واحداً. وقبل أن نحاول جلي أهم ملامح هذه الظاهرة، نذكر بأن: ما تعاني منه غالبية دول العالم النامي من حدة ملحوظة لحلقة (الفقر – الجهل – المرض والتخلف)، يرد إلى عدة أسباب رئيسية، يأتي الاستعمار بأنواعه في مقدمتها. وهذه حقيقة لا تنكرها إلا قلة بائسة ومتحاملة من المثقفين.

لذلك، أصبحت مقاومة الاستعمار بكل أشكاله وألوانه وحماية الشعوب منه، هاجساً أساسيّاً، لدى مفكري دول العالم النامي، ومثقفيه. فـالاستعمار عدو رئيسي لأغلب شعوب الدول التي تبتلى به، كونه يصادر إرادتها وينهب مقدراتها ومقاومته – بشتى طرق المقاومة- واجب تقتضيه كل الشرائع، بل كل القيم النبيلة والمبادئ الأخلاقية والوطنية السامية. إضافة إلى منطق ضرورة المحافظة على الذات، وحماية الحقوق، والذود عن الكرامة.

وتبعاً لذلك، أصبح من أهم واجبات سكان الدول النامية خاصة، أن يعرفوا أولاً أعداءهم وخصومهم الفعليين والمحتملين قبل أن يشنوا ضد هؤلاء المقاومة الواجبة التي لن تكون ذات جدوى، إلا إذا قامت على أسس مدروسة وصلبة، من أهم عناصرها المعرفة التامة بـ (الأعداء) وما يُسهِل مقاومتهم، ويفُعِّل مكافحتهم.

والمعرفة بـالعدو (أي عدو أو خصم) تتطلب أول ما تتطلب الإلمام التام بكل نقاط قوة وضعف ذلك العدو بما يمكن المقاوم من الهجوم عبر نقاط الضعف، ومحاولة تحييد نقاط القوة، والدفاع عن نفسه ضد تأثير وخطر هذه النقاط.

عرفت ظاهرة الاستعمار (Colonialism) في أحد قواميس علم السياسة الأمريكية بأنها حكم منطقة وأهلها من قبل قوى أجنبية، ذلك الحكم الناجم عن الإمبريالية (أي الاستغلال والتوسع على حساب الغير). كما يمكننا تعريف الاستعمار بأنه محاولة دولة أقوى نسبيّاً للسيطرة على بلد آخر أضعف نسبيّاً وحكمه بطريق مباشر أو غير مباشر بما يحقق مصالح للطرف الأقوى ولو على حساب حقوق وكرامة الطرف الأضعف.

ومن ذلك، نرى أن هذه الظاهرة قديمة قدم البشر، والدول وإن اختلف شكلها، من عصر إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى. وقد ارتبطت ظاهرة الاستعمار، في الفترة الحديثة والمعاصرة من التاريخ البشري بحركة التوسع الأوروبية في مناطق القارتين: آسيا وإفريقيا خاصة، وإلى مدى أقل، في قارة أمريكا الجنوبية. ويستحسن قبل التحدث عن أنواع الاستعمار وأهدافه ووسائله (أساليبه) تقديم خلفية موجزة وملابسات بدء ذلك الاستعمار الأوروبي.

وسنرى أن تدخل المستعمِر (بكسر الميم الثانية) في شؤون المُسْتَعْمَر، وفي عملية إدارة سياسة الأخير سواء مباشرة، أو غير مباشرة، علانية أو خفية لضمان استغلال المنطقة المستعمرة لصالح المستعمر أولاً هو وسيلة الاستعمار بأنواعه الأولى والرئيسية التي يستخدمها لتحقيق أهدافه البشعة والجشعة في الغالب وذلك بمنتهى الإيجاز الممكن. علماً بأن مصطلح الاستعمار مستخدم في هذا المقال بمعنى الكلمة السياسي البغيض المعروف، وليس بالمعنى الحرفي واللغوي الإيجابي للفظة استعمار.

 جذور الاستعمار

يقدّر بعض التاريخيين عمر الإنسان على كوكب الأرض بأكثر من 100 ألف سنة، وبعضهم الآخر يقدره بملايين السنين. ومع ذلك، فإن التاريخ المعروف والموثق للإنسان لا يزيد على حوالي 6000 سنة تقريباً منذ الأزل حتى الآن. والذي حدد ذلك هو التدوين، القائم بالطبع على الكتابة. والإنسان لم يعرف الكتابة إلا قبل حوالي 4000 سنة قبل الميلاد. وبما أن عمر الإنسان على الأرض أطول من ذلك بكثير- كما تشير الكشوف التاريخية - فإن التاريخ البشري يعود بالطبع إلى آلاف السنين قبل ذلك.

وتسمى الفترة التاريخية السابقة على حوالي 4000 سنة قبل الميلاد بمرحلة (ما قبل التاريخ) على اعتبار أن كل ما وجد فيها من نشاط إنساني لا يعرف عنه إلا على أساس التخمين فقط. إذاً، لنقل إن التاريخ الإنساني بدأ منذ حوالي 4000 سنة ق.م. وبعض التاريخيين قسموا "التاريخ" إلى أربعة عصور حتى الآن: العصور القديمة (من 4000 ق.م. إلى 476م)، العصور الوسطى (من 476م إلى 1453م)، العصور الحديثة (من 1453م حتى 1900م)، الفترة المعاصرة (من 1901م حتى الآن).

في فترة (ما قبل التاريخ) وفي العصور القديمة والوسطى، كانت أوروبا (أو الشمال، أو الغرب) غارقة، باستثناء الإغريق والرومان في العصور القديمة، في البدائية والتخلف. وبالطبع، لم تكتشف الأمريكتان إلا في عام 1492م، بعد تبلور (عصر النهضة) في الغرب. بينما كان الجنوب و(الشرق خاصة) يضم الجزء المتحضر والمتقدم من العالم، خلال العصور القديمة والوسطى لقد كان (الشرق) مركز الحضارة الإنسانية، والأرض الأم للتفوق البشري. فأقدم الحضارات نشأت في الشرق وهو جزء مهم من الجنوب، وأهم تلك الحضارات هي حضارات مصر القديمة (الفرعونية)، وادي الرافدين، الهند، الصين وهي أقدم الحضارات الإنسانية وأهمها لأنها الأولى والرائدة.

وفي بداية العصور الوسطى، وبالذات في عام 622م، ظهرت الرسالة الإسلامية، فغيرت من تاريخ العالم، وأضاءت الطريق أمام الإنسان، نحو السعادة والفلاح في الدارين، فهي رسالة إلهية تحمل نظاماً ارتضاه خالق البشر لمخلوقاته. ومن ثم فهي رسالة تتضمن أنبل طريقة حياة ودين عرفها الإنسان كما يعتقد المسلمون. ومع ظهور هذه الرسالة والتزام المسلمون الأوائل بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف كما يجب، قامت الحضارة الإسلامية الأولى، فكانت نوراً مشرقاً على العالم.

ونتيجة لعوامل معروفة انهارت تلك الدولة بعد أن انحرفت عن كثير من مبادئ الدين الإسلامي الصحيح، بعد عهد الخلفاء الراشدين (التأسيسي) – رضوان الله عليهم – وقامت بدلاً منها ومكانها دويلات عدة ضعيفة. ويمكن القول إن تدهور الدولة الإسلامية كان من آخر مؤشرات تدهور الحضارات الجنوبية.

وفي الوقت الذي كان الجنوب يضم أثناءه أسمى وأكبر الحضارات الإنسانية، كان الشمال غارقاً في الضلالات والخرافات، وشتى مظاهر التخلف والبدائية، حيث إن أوروبا كانت في العصور الوسطى تعيش في العصور المظلمة، كما يقول بذلك المفكرون الغربيون دلالة على التخلف الساحق الذي كان الشمال يرزح فيه.

لكن الوضع بدأ في التغير، ابتداءً من نهاية العصور الوسطى، ففي هذه الفترة، بدأ عصر النهضة (Renaissance) في أوروبا وكان بداية ليقظة أوروبا وانفكاكها من إسار الأوهام والتخلف والتأخر. وفي الوقت نفسه، بدأت حضارات الجنوب بالانهيار والانحسار. وكان عصر النهضة هو إحدى نقاط التحول الكبرى في تاريخ كل البشرية. إذ شهد بدء استيقاظ الشمال / الغرب، وبدء استكانة الجنوب / الشرق. ومنذ ذلك العهد، أخذ الشمال يتقدم وفي كثير من الأحيان على حساب الجنوب، بينما أخذ الجنوب يضعف ويتراجع ويتقهقر.

لقد أدى انهيار الإقطاع في أوروبا إلى ظهور عصر النهضة، وإلى تمكن أوروبا فيما بعد من الوقوف على قدميها، بل بسط سيادتها على معظم العالم الأضعف. ولقد مهّد عصر النهضة لقيام (الثورة الصناعية)، التي شهدها الشمال والتي أسهمت فيما بعد في تأكيد السيطرة الشمالية (الغربية) على العالم.

وكما هو معروف، فإن أهم ما تعكسه الثورة الصناعية هو التقدم العلمي والتقني الحاصل في الشمال، وتصاعد ذلك التطور الذي كان نواة التقدم الصناعي الهائل، الذي وصل إليه الشمال حتى الآن مقارنة بالجنوب، الذي لم يحظ بمثل ذلك التطور، فقبع متأخراً عن الشمال، الذي انطلق بسرعة كبيرة، ليطوع ذلك التقدم لخدمة أهدافه وحماية مصالحه، عبر وسائل منها الإمعان في إضعاف واستغلال الجنوب، والسيطرة عليه.

وقد استغل الشمال هذا التقدم الحاصل في كل المجالات، وبخاصة مجال الاستخدامات العسكرية فأقام المصانع الحربية، وصنع الأسلحة الفتاكة المختلفة، وبنى الأساطيل وجهّز الجيوش بمعدات اعتبرت أحدث معدات الحرب والقتال، وهي المعدات التي جعلت جيوش الشمال أقوى الجيوش، التي شهدها تاريخ العالم حتى الآن من الناحيتين العسكرية والاستراتيجية. وكل ذلك، أعطى الشمال قوة عسكرية كبيرة وكاسحة. وقد ساعدت هذه القوة الاقتصادية والعسكرية (الشمال) على تحقيق معظم أهدافه في مزيد من القوة والمنعة والسيطرة. ومن ذلك قيامه بالكشوف الجغرافية، واكتشافه فعلاً لأراضٍ وقارات جديدة، واستعمارها واستغلالها.

كما شجع ضعف الجنوب وتدهوره الشمال على غزو واستعمار معظم بلاد الجنوب واستغلال تلك البلاد، بما يكفل تدعيم وزيادة قوة وثروة الشمال. وهكذا بدأ ما يعرف بـ (الاستعمار) ابتداءً من القرن الثامن عشر الميلادي. وكان معظم الجنوب هو الضحية الرئيسية للحركة الاستعمارية الشمالية ( الغربية ) المعروفة.

وقد تفنن الشمال المستعمر في إضعاف الجنوب وتحطيم قواه فلم يترك وسيلة إلا لجأ إلى استخدامها ضد الجنوب، طالما اعتقد أن تلك الوسيلة تحقق هدفه في الاستفادة من الجنوب واستغلاله لمصالحه إلى أقصى حد ممكن. ومن تلك الوسائل، ربط اقتصاديات البلد الضحية باقتصاديات البلد الاستعماري. وقد قام بالحركة الاستعمارية الشمالية بضع دول هي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا؟ ألمانيا. كما شاركت روسيا واليابان وغيرهما في ذلك الاستعمار في القرن التاسع عشر، ودخلت الولايات المتحدة هذا الميدان فيما بعد، ففاقت السابقين شراهة وخبثاً.

  تصفية الاستعمار القديم

جاء في أحد القواميس السياسية الأمريكية أن للاستعمار من الناحية التاريخية شكلين، هما:

1- الاستعمار الذي يتضمن إحضار مهاجرين من الدول المستعمِرة (بكسر الميم الثانية) إلى الدولة أو المنطقة، المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) لإيجاد كيان سياسي جديد. وهو ما يشار إليه بـ (الاستعمار الاستيطاني).

2- الغزو الذي يفرض حكمه على شعب من شعوب آسيا وإفريقيا أقل تقدماً تقنيّاً من شعب الدولة الغازية، وفي كلتا الحالتين فإن الدولة أو المنطقة المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) تجبر على وقف إمكاناتها المختلفة الاقتصادية والبشرية وغيرها لخدمة القوى الإمبريالية (المستعمرة)، وتسخير هذه الإمكانات لمصلحة هذه القوى، ودعم مكانتها على الساحة الدولية.

 ومع ذلك، فبالإمكان بالطبع تقسيم وتصنيف الاستعمار إلى أنواع أخرى عدة منها: الاستعمار القديم، والاستعمار الجديد. وغني عن القول، أن كراهية الظلم والاستغلال، ومعارضة قيام علاقة (سيد – مسود) بين الدول، ورفض (العنصرية) التي يتضمنها الاستعمار بشتى أنواعه أدت إلى نشوء حركات المقاومة والكفاح ضد الاستعمار بأشكاله. وأدت بالتبعية إلى بعث الشعور القومي بين الشعوب المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) وبالتالي انتعاش ظاهرتي (الوطنية) و(القومية). وقد وضح أن هذا النضال ضد الاستعمار قوة يصعب وقفها، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945م، وبعد صدور ميثاق الأمم المتحدة الذي دعا ضمن ما دعا إليه إلى تصفية الاستعمار، وضمان حق (تقرير المصير) للشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار. ونتج عن ذلك رسوخ مبدأ عدم أحقية أية دولة في استعمار دولة أخرى، وعدم شرعية إخضاع شعبها لحكمها سواء مباشرة أو غير مباشرة.

ونتيجة لإنهاك وهزيمة اليابان، وهي القوة الاستعمارية الآسيوية الرئيسية في التاريخ المعاصر اضطرت للانسحاب من ما استعمرته من بلاد آسيوية مجاورة لها. وكذلك الأمر بالنسبة للقوى الاستعمارية الأوروبية التقليدية (بريطانيا، فرنسا وغيرهما). وبحلول عام 1960م، ظهرت عدة دول جديدة مستقلة، وانضمت إلى هيئة الأمم المتحدة، الأمر الذي زاد من عضوية هذه المنظمة من الدول إلى أكثر من ضعف العدد الذي بدأت به نشاطها (51 دولة). وكل هذا أدى إلى تضييق الخناق على الاستعمار، وتصاعد رفضه واعتباره من قبل غالبية شعوب العالم شراً مستطيراً يجب التخلص منه مهما ارتفعت التضحيات، وعلا الثمن.

وفي عام 1960 أيضاً، أقرت الأمم المتحدة الإعلان التاريخي المعروف بـ (التعهد بمنح الاستقلال لكل المستعمرات). وفي السنة التي تلته، أنشأت الجمعية العامة (اللجنة الخاصة لتصفية الاستعمار) كي تنفذ ذلك المبدأ في الواقع الفعلي. وقد عمت موجة التحرر، التي تفجرت في آسيا أولاً، قارة إفريقيا في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، الأمر الذي أسفر عن استقلال أكثر من 40 دولة إفريقية جديدة، وانضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة.

وكما هو معروف، تتكون هيئة الأمم المتحدة من ستة فروع رئيسية مترابطة، هي الجمعية العامة، مجلس الأمن، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجلس الوصاية، الأمانة العامة، محكمة العدل الدولية. ويبدو أن أحد هذه الفروع وهو مجلس الوصاية قد استنفد أهدافه ولم يعد لبقائه مبرر يذكر بعد تجاهله المغرض لفلسطين. ففي فترة نشوء الأمم المتحدة كانت هناك أقاليم تحت انتداب بعض الدول، بموجب عهد عصبة الأمم، وأقاليم موضوعة تحت وصاية بعض الدول. لهذا، خصص أحد فروع الأمم المتحدة لتولي مهمة الإشراف على تلك الأقاليم حتى يتحدد وضعها النهائي، ويلغى وضعاً الانتداب والوصاية. ويقوم هذا المجلس بالتنسيق بين سكان هذه الأقاليم والقوى المنتدبة والعصبة.

وقد حصلت الغالبية من الأقاليم التي كانت تحت نظامي الانتداب والوصاية، على الاستقلال السياسي، حيث ساهم مجلس الوصاية في تحقيق ذلك الاستقلال، ولم تعد لهذا المجلس أهمية تذكر، نظراً لمحدودية نطاق اختصاصه في الوقت الحالي، وقد يلغى قريباً بانتهاء نظامي الوصاية والانتداب من العالم كليّاً.

ويتكون هذا المجلس من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تتولى الوصاية على بعض الأقاليم، والدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن غير القائمة بالوصاية على أية منطقة، والعدد من أعضاء الأمم المتحدة الذي يكفل المساواة العددية بين مجموع الدول القائمة بالوصاية والدول التي لا تمارس الوصاية تقوم الجمعية العامة بانتخابه لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وبهذا يجمع مجلس الوصاية في عضويته الدول التي تقوم بالإشراف (الوصاية) على الأقاليم، وعدد آخر مساوٍ لعددها من الدول التي لا تمارس مثل هذا الإشراف على أن يكون ضمن العدد الأخير الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي لا تشرف على أي إقليم، ويجتمع مرتين في السنة على الأقل، وتصدر قراراته بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشاركين في التصويت، وفي حالة تساوي الأصوات تتم إعادة التصويت للمرة الثانية في جلسة تالية، وإن تكرر التساوي يعتبر مشروع القرار لاغياً.

والآن، أصبحت الغالبية العظمى من مناطق العالم وبلدانه مستقلة رسميّاً على الأقل، وأصبح معظمها أعضاء في الأمم المتحدة مما أوصل عدد أعضاء هذه المنظمة إلى 182 دولة في الوقت الحالي. وقد تم استقلال هذه الدول عدا الجزائر ودول أخرى قليلة بقدر قليل نسبياً من العنف والكفاح المسلح، وانتقل أكثر من مليار نسمة – يشكلون سكان هذه البلاد – إلى مرحلة الاستقلال، ومن دون سفك كثير من الدماء. ويعتبر هذا التطور إحدى أبرز الظواهر السياسية التي شهدها القرن العشرون – وخاصة في نصفه الثاني- الذي أعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكما استقلت كل البلاد العربية – عدا فلسطين – بعد كفاح مرير ضد المستعمر الغربي كما هو معلوم، وظلت فلسطين وحدها ترزح تحت استعمار استيطاني لم يشهد له التاريخ البشري مثيلاً في قسوته ووقاحته وظلمه، حيث يؤتى بيهود من شتى بقاع الأرض ليحلوا محل سكان فلسطين الأساسيين بالقوة والإرهاب وبحجج أوهى من خيوط العنكبوت.

ولم تبق، إذن، سوى مناطق قليلة جداً تخضع للاستعمار المباشر (القديم)، الذي ما زالت تمارسه بعض دول العالم وفي مقدمتها بريطانيا، فرنسا، أمريكا، البرتغال، إسبانيا، وروسيا أيضاً (خاصة إذا اعتبرنا أن بعض جمهوريات روسيا (الإسلامية)، وعلى رأسها الشيشان،تريد الاستقلال عن روسيا بينما ترفض الأخيرة بشدة وإصرار ذلك التطلع المشروع).

ونظراً لأن غالبية أعضاء الأمم المتحدة، وخاصة في الجمعية العامة، أصبحت تتكون من الدول النامية حديثة الاستقلال، فإن هذه الدول ضغطت كثيراً في سبيل تصفية ما تبقى من استعمار، وأخذت تنادي بمساعدتها في عملية التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية (الإيجابية) التي تتطلع شعوبها إليها، كما بدأت هذه الدول تندد بـ (الاستعمار الجديد) وترفضه، مؤكدة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.

وكما هو معروف، خرجت كثير من هذه الدول (النامية) من طاحونة الاستعمار القديم، لتقع في براثن الاستعمار الجديد، عبر استحكام أو غيره، أو يرزح بعضها تحت نير ديكتاتوريات عسكرية تحترف الإجحاف ببلادها وشعبها، بينما سقط البعض الآخر منها في هاوية الحروب والصراعات الأهلية، المدمرة.

ورغم أن اللوم الأكبر على هذه الانتكاسة يجب أن يقع على شعوب وقادة هذه الدول، إلا أن الاستعمار أسهم بنصيب كبير جداً، في ما آل إليه وضع هذه الدول. فالدول الكبرى أو معظمها لم تقلع بعد (وربما لن تقلع أبداً) عن عادة التدخل في شؤون البلاد الأضعف نسبيّاً. بل كانت وما زالت تتفنن في ابتداع وسائل وطرق مختلفة لهذا التدخل الذي يهدف في النهاية إلى استغلال إمكانات هذه البلاد المختلفة وخاصة تلك الغنية بمواردها الطبيعية لصالح المستعمر، وإلى أقصى مدى ممكن، وبصرف النظر عن مصالح الشعوب الضحية.

وهكذا، انتهى (الاستعمار القديم) البغيض، ولكن بدأ استعمار من نوع آخر أشد شراسة وضراوة وضرراً من سابقه، هو ما يعرف بـ (الاستعمار الجديد) أو الإمبريالية. وعن هذا الاستعمار الجديد سنتحدث في المقال المقبل. 

مجلة آراء حول الخليج