array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الأمن العراقي والخليجي: دراسة في استراتيجيات الشراكة

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

 منذ الأزل والإنسان العراقي ولج بالبحث عن مقتربات ذاتية للشراكة في إدارة البيئة الإقليمية وخصوصاً الخليجية منها، مما دفع صناع القرار في العراق على مر العصور إلى البحث عن مقتربات الشراكة أو استراتيجيات الوصول إليها لضرورة البيئة الاستراتيجية الخليجية.

لقد كانت بيئة الأمن الخليجي تعاني ولا تزال من إشكاليات عديدة في مقدمتها اللااستقرار نتيجة لتوافر وتأثير العامل الخارجي في بناء تضاريس غير متسقة ومثقلة بالمشكلات البينية، وتعيش في ظل رؤى التهديد والاجتياح ومبنية على توازنات داخلية قلقة، وقد لعب العامل الخارجي على إدارة حامل الميزان أو تارة المهيمن القائد للمنطقة، ثم إن البيئة الداخلية عانت من اختلالات هيكلية داخلية أثرت في بيئة الأمن الخليجي الشاملة في مطلع القرن الحادي والعشرين.

وبالتالي نصل إلى فرضية مفادها (هنالك علاقة وطيدة بين التفاعل العراقي – الخليجي، فكلما كان هناك حراك استراتيجي ناضج نحو بناء استراتيجيات الشراكة كانت البيئة الأمنية الخليجية مستقرة ومنتجة للنمو والازدهار والاستقرار المثمر نحو بناء الشراكات الاستراتيجية والعكس صحيح).

 أولاً: الخليج المعاصر

اليوم وبعد سنوات التحول السياسي في العراقوطموحات إيران النووية، وحراك خليجي لبناء منظومة للأمن الإقليمي، أصبح مطروحاً بشكل مُلِحٍّ التفكير الجاد، والعمل من أجل إعادة بناءهيكل الأمن الخليجي الشامل، في ضوء المتغيرات التي تشهدها هذه المنطقة الحساسة والتي تمثل رئة العالم النفطية والاستراتيجية كما تصفها الأدبيات الأجنبية. فالمنطقة في مقدمة أهم المناطق على الكرة الأرضيةلجغرافيتها المميزة والنواحي الاقتصادية والسياسية والبشرية والسكانية والعسكرية،والتي زاد النفط من سخونة أهميتها، فدول المجلس وحدها يبلغ احتياطيها حوالى 483مليار برميل، وبإضافة إيران والعراق فإن الاحتياطي النفطي يقفز إلى حوالى 730 ملياربرميل.

ومن هنا، فإنالتهديدات التي تواجه هذه المنطقة الحساسة تأخذ طابع الخطورة، لأنها لا تقتصر علىالتهديدات الخارجية من الدول الكبرى التي لديها مصالح حيوية في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما تنبع من المنطقة نفسها، وهذا يضفي طابع الحساسية، ويؤثر تأثيراًمباشراً في الاستقرار لبيئة الأمن الخليجي الشامل.

ومن الوضع في العراق إلى البرنامج النووي الإيراني، وصولاً إلى مؤشرات الإنفاق العسكري المتنامية وسباق التسلّح في المنطقة تبدو بيئة الأمن في الخليج على درجة كبيرة من السيولة، حيث يتزايد المؤثرون الأساسيون يوماً تلو آخر، لكن من دون أن تعثر على معطى يحقق لها قدراً من التوازن، أو يُشّكل فيها نموذجاً مستقراً للردع.

وفي ظل هذا الوضع الجلي في تعقده بدا أن العرب غابوا عن ممارسة دورهم الطبيعي أو المفترض، وأنهم دفعوا تالياً ثمن هذا الغياب.

وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن النظر إلى الأمن العراقي خارج سياق الأمن الخليجي، وما يختزله من تطلعات وتحديات، حيث إن معطيات الجغرافيا والتاريخ ووحدة الإطار الثقافي والنمط الكثيف من التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية تجعل الأمن العراقي جزءاً أصيلاً من الأمن الخليجي، على أنه لا يجوز النظر إلى العلاقة بين الأمنين باعتبارها ذات مرتكزات جامدة وموروثة، ففي ذلك استغراق في التاريخ وقفز على الواقع وحركيته، بيد أن الحذر في التوصيف لا يلغي بحال من الأحوال حقيقة أن علاقة العراق بمحيطه الخليجي هي علاقة انتماء وهوية ووحدة مصير.

ويمثل المعطى الجغرافي بعداً بنيوياً في علاقة العراق بمحيطه الخليجي، لأنه حيثما تمثل وحدة الخيار الجغرافي أرضاً تبنى عليها المصالح والتطلعات المشتركة أو تقارب ذلك، وحيثما يمثل الأمن شرطاً لصون هذه المصالح والتطلعات، فإن أمن الخليج يغدو من القضايا المصيرية لشعوب الخليج العربي.

لكن وحدة الربط الأيديولوجي تفوق في مداها مسألة الأمن بما هو غياب للخطر أو التهديد، لتلتصق بجوهر الخيارات الاجتماعية والسياسية للدول والأقاليم.

وكذلك، يمكن النظر إلى العامل الاقتصادي باعتباره بعداً جوهرياً على مستوى الربط بين أمن العراق والأمن الخليجي، لأن فرص التعاون الاقتصادية أو التبادل التجاري كثيرة وفاعلة، وبالتالي فإن الأمن القومي العراقي أصبح يتأثر ببيئة الأمن في الخليج العربي.

وبدوره، يمثل النفط بعداً هيكلياً آخر على مستوى علاقة أمن العراق بالأمن الخليجي، لأن الاقتصادات الخليجية ومنها العراق هي في مجملها اقتصادات نفطية إما مباشرة أو بالتأثير، وحيث إن النفط يجد ثقله في الخليج فإن أمن هذا النفط هو في التحليل المباشر أمن الخليج الشامل.

وكما هو حال بيئة الأمن الخليجي جسّد العراق اعتباراً من عام 2003 نموذجاً لغياب الدور الخليجي في معادلة أمن الخليج الشامل، لكن في المقابل نلاحظ حضور وتفاعل دول الخليج غير العربية كإيران في بناء معطيات العراق المتغير والمتحول ما بعد 2003.

فالخليجيون ومنذ عام 2004 قرروا من تلقاء أنفسهم العزوف عن العراق والبقاء بعيداً عن ساحته، وكانت النتيجة أن إيران باتت بمعيار النفوذ جارة شمالية للخليج، بالإضافة إلى جواره الشرقي، وبات الخليجيون يتحسبون للعراق الجديد المتغير والمتحول نحو أفق وحرية عمل استراتيجية جديدة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أمن العراق يبقى في الظروف كافة عضو الارتباط الدافع لإعادة هيكلة الأمن في الخليج في مطلع الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث إن أمن العراق يبدو اليوم المدخل الطبيعي لأي دور ورؤية نحو بناء معادلة أمن الخليج المعاصر، وهذا ما يؤسس لمعادلة معينة مفادها أن عزوف الخليج عن العراق وتركه وحيداً يواجه مصيره، يعني أن مستقبل المنطقة برمتها سيغدو في معضلة أمنية حقيقية لا يمكن تلافيها.

ويبدو أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في أواخر 2010 لجذب القوى السياسية ما بعد نتائج الانتخابات واستمرار هذه القوى لمدة أكثر من 7 أشهر دون نتيجة لتشكيل الحكومة وإجراء حوار شامل على أرض المملكة العربية السعودية كانت البداية المشجعة للاندماج الخليجي في الوضع العراقي، وطبعاً أخذ المسار الإيجابي والداعم للاستقرار وبناء الدولة العراقية.

 ثانياً: رؤى التغيير

تؤشر الأدبيات الاستراتيجية في الخليج العربي إلى أن الأمن في الخليج برؤية عراقية أو رؤية خليجية سوف لن يتم إلا برؤى متعددة:

1- التوجه نحو دمج طهران في منظومة الأمن الخليجي، إذ إن أهمية ومشاركة إيران في مسألة الحفاظ على أمن المنطقة بدلاً من اعتبارها قوة تبطن عداءً خفياً، وبالتالي يتصلب عرب الخليج في بعض المواقف معها، وهذا التصلب بكل تأكيد لن يفيد دول الخليج ولا حتى العراق ودولته الجديدة وبالتالي سيخلق بيئة تضاريس مضطربة، وما يدفع الرؤى المحفزة إلى ذلك هو أن تجربة العراق ما قبل 2003 تجعلنا نحاول التشخيص لحالة إيران ما بعد التحول في العراق والتغيير ما بعد 2003.

2- قيام دول المجلس ببناء مصالحها مع أكثر من قوة دولية وبالأخص تلك التي يمكن أن تتحول مستقبلاً إلى قوة دولية تنافس الولايات المتحدة كألمانيا واليابان والصين والهند والبرازيل أو ما عرف ما عدا ألمانيا بدول بريك (PRIC).

فالخليج بذلك يمكنه التخلص تدريجياً من مشكلة عدم الاستقرار الناتجة عن تضاريس الجغرافيا الدولية المضطربة في الخليج، والتحول إلى منطقة حيوية حتى إذا ما وقع طارئ فيها، تدافع الجميع لحمايتها والذود عنها انطلاقاً من حماية مصالحهم أولاً وأخيراً.

وإذا كان لكل نظام أمني غاياتٌ وأهداف ووسائل وخطط يرتكز عليها، وحتى يصبحمفهوم الأمن في الخليج واضحاً ويمكن تحقيقه لا بد من أن يشتمل على عناصر أساسيةضمن برنامج قابل للتطبيق يسعى إلى تحقيقه.

 فالأهداف لا بد من أن تحدَّد، فالسياسة والاقتصاد والدفاع والأمن أمورمترابطة ومتشابكة لا تنفصل عن بعضها، وكما أنه من المهم تحديد الأهداف فإن تلكالأهداف يجب أن تساير الإمكانات المتاحة لتقرير الأمن المشترك لدول المجلس مع العراق المتحول والمتغير ما بعد 2003، ولاتتجاوزها، لأن الإفراط في الطموح قد ينقلب إلى ضده.

وإذا انتهينا إلى أن الخليج والعراق يملكان النفط، وهو أغلىسلعة في التاريخ، وبسبب هذه الثروة ترتبط مصالح الدول الصناعية الكبرى الحيوية، وأننظرية الأمن الخليجي ثبت بالفعل فشلها، وأن دول المجلسنفسها لم تحقق سوى الحد الأدنى من التعاون الأمني والدفاعي والسياسي والاقتصادي، بلالتجاري، نرى أنه أضحى على الدول الخليجية الست والعراق التي يصل التشابه بينها في كلالميادين إلى حد التطابق أن تضع في اعتبارها كافة الاحتمالات، خصوصاً الأسوأ منها،واستيعاب الدروس والعمل على التصدي لأي تهديد للذات الخليجية.

وهذا لا يكون إلا من خلال بناء (القوة الاستراتيجية المتفاعلة بين الخليج ودوله والعراق وشعبه) من منطلقأن العالم المتغير الذي نعيشه لا يصغي إلا للمعادلات الصحيحة القائمة على قاعدةاستراتيجية دقيقة لبناء مظلة (الأمن) الذاتي، لتضمن لها ولمواطنيها معاني البقاء والتكاملالإقليمي والتماسك الاجتماعي وحماية المصالح والقيم ضد التهديدات الخارجية، ويستتبع ذلك تفعيل كلنظريات الأمن الوقائي أو الاستباقي وصياغةاستراتيجيات أمنية جديدة قائمة على تدويل الإحساس بالخطر، الذي يتطلب العمل على تشكيل قوة استراتيجية لمعادلة الأمن في الخليج قوامها (6 + 1) أي دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة للعراق، والعمل على الحد من تدويل التدخلالسريع وإعطاء هذا التدخل مشروعية إنسانية، والأخطر من ذلك إعطاؤه مشروعية وطنية،بل دينية في كثير من الأحيان، وهذا ما يفرض على دول المنطقة العمل بصورة جمعية لبناء الأمن الشامل للخليج.

لكن بالمقابل نجد بعض الرؤى ترى أن أمن الخليج كان يوصف دائماً بكونه في مرحلة تحول، أما من منظور مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهناك مجموعة قضايا متشابكة منها تأثير وضع العراق الأمني غير المستقر، ونوايا إيران لبسط سيطرتها الإقليمية.

ولذلك نجد أن صناع القرار في دول الخليج أدركوا حقيقة أن الوقت قد حان لمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي الست في تحقيق أمن العراق واستقراره عبر الإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية العراقية لإنجاح العملية السياسية الشاملة التي يجب أن تستوعب جميع أبناء الشعب العراقي من دون استثناء أو تمييز، وهذا ما أشارت إليه مبادرة المملكة العربية السعودية في أواخر 2010.

 ثالثاً: استراتيجيات الشراكة

تؤشر الدراسات المستقبلية إلى أن العراق اليوم لديه حوافز دافعة للتفاعل نحو صورة الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج العربية وبناء معادلة الأمن الخليجي الشامل.

 1- مكافحة الإرهاب

تتم من خلال التنسيق وتبادل المعلومات والخبرات بين الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب، والتعاون مع الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب من ناحية ثانية، وذلك انطلاقاً من قناعة مفادها (أن ظاهرة الإرهاب باتت ظاهرة عالمية لا يمكن التصدي لها واجتثاثها إلا من خلال جهد دولي صادق يتناسب مع خطورة الإرهاب وتدميره للأنفس البريئة والممتلكات وتهديده للأمن والسلام الدوليين وتعطيله للخطط التنموية لدول المنطقة).

 2- تعزيز أمن الطاقة

إن العراق ودول الخليج النفطية من الدول الفاعلة في إدارة وتعزيز أمن الطاقة العالمي، وهذا ما يدفعنا للحديث عن الشراكة المستقبلية والتقارب في الاستراتيجيات التصديرية لتفعيل رؤية مفادها (خليج الطاقة).

 3- تعزيز التبادل الاقتصادي

إن الطرفين مهيئان لعقد أضخم شراكة اقتصادية بين العراق ودول الخليج وخصوصاً في قطاعات السياحة والتشييد والبناء والزراعة والتجارة والنقل.

 4- تطوير حجم الاستثمارات

إذ يمكن للتكاملية الاستراتيجية بين دول المنطقة واستقرار العراق التام أن يساعدا على جذب العديد من الأموال المهاجرة خارج الخليج والتي تعمل في أوروبا أو الولايات المتحدة، بالتالي استقرار الأمن الهش في الخليج، والتحول من درجة السيولة الأمنية في العراق إلى استقرار الأنموذج السياسي سيدفع إلى جذب كتلة مالية كبيرة تسهم بدفع قطاعات الاقتصاد الحقيقي وتحرك قطاعات الاقتصاد الرقمي وخصوصاً أسواق وبيوت المال في الخليج والعراق.

 5- تطوير بيئة المجتمع السياسي

إن التفاعل الاستراتيجي الهادئ من قبل دول الخليج سيسهم بدفع عجلة بيئة المجتمع السياسي في العراق مما سينعكس على بناء مؤسسات ديمقراطية لإدارة السلطة يمكن أن تعزز الأمن السياسي وبيئة العمل السياسي للمجتمع الخليجي والعراقي.

 6- بناء سياسات الأمن والدفاع

إن الشراكة ستدفع دول الخليج بالإضافة إلى العراق لبناء معادلة الأمن في الخليج ما بعد 2010 والتي قوامها أن الأمن في الخليج لا يقوم إلا وفق معادلة (6 + 1) لأن هذه الدول السبع قادرة اليوم أكثر من أي وقت مضى على بناء استراتيجيات الأمن والدفاع الشامل للخليج العربي.

 7- منطقة الجذب الاستراتيجي العالمي

إن الفرصة اليوم مؤاتية لبناء تجربة مماثلة لدول آسيا – الباسيفيك ببناء تجمع لدول الخليج – العراق والتي ستسهم في دفع معدلات التنمية والنمو والازدهار إلى المنطقة.

 إذاً نصل من خلال ما تقدم إلى أن تركيز صناع القرار في دول الخليج الست أو العراق على إدارة استراتيجيات الشراكة وطرحها عبر مؤتمر يجمع دول الخليج والعراق بالإضافة إلى إيران واليمن وتركيا كدولة داعمة للأمن في الخليج سيضفي على الحراك الاستراتيجي في الخليج العربي بناء توافقات على الدور العراقي المندمج والتغلب على التحديات الماثلة في البيئة الأمنية الخليجية في مطلع القرن الحادي والعشرين، وستكون هذه الرؤى والأفكار هي المدخل الأساسي للتحول نحو الاندماج العراقي ببناء شراكة قوية في المنطقة الإقليمية ذات المركزية في تحريك الاقتصاد العالمي نتيجة للنفط والغاز الموجود فيها وعوامل الجذب الأخرى في الخليج.

ولذلك لا بد أن يتم العمل منذ الآن على إعادة اندماج العراق في الخليج وخصوصاً من خلال تطوير وبناء الأطر القانونية عبر حث قادة مجلس التعاون الخليجي على تعديل المادة رقم 5 من ميثاق مجلس التعاون الخليجي حول المشاركة في عضوية مجلس التعاون الخليجي وهو ما سيحقق شراكة ناضجة وفاعلة في بناء بيئة أمنية تكاملية لخليج ما بعد التغيير والتحول في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبناء فلسفة الأمن وفق معادلة (6 + 1).

مقالات لنفس الكاتب