array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

6 ملامح لعبقرية الملك عبد العزيز في بناء المملكة العربية السعودية

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

كنتُ أحاضر ذات مرة في ندوة بها عدد كبير من المثقفين متنوعي الأشربة، متعددي التكوينات، متناطحي الثقافات، وفي مثل هذه المحاضرات أتوجس – عادة – من الأسئلة التي تعقب المحاضرة، غير أنني فوجئت في هذه المرة بهؤلاء المثقفين يصمتون، على غير عادتهم، حين تلقيت سؤالًا من أحدهم عن الملك عبد العزيز بن سعود رحمه الله، أكان عبقريًا أم أن دعمًا خارجيًا هو الذي ساعد في نجاحه؟ ولم يطل صمتي كثيرًا، ولم يدهشني إلا سكوت أولئك المتثاقفين الذين توقفت أسئلتهم تمامًا تنتظر إجابتي على هذا السؤال.

والحقيقة أن أي مثقف متابع لمسيرة بناء ونمو المملكة العربية السعودية لا يملك إلا الانبهار بتلك القدرة الفذة التي كان يتمتع بها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود الذي قال عام 1932م، كلمة خلدها التاريخ وهو يودع والده وهو زاحف مع أربعين رجلاً من رفاق السلاح لاسترداد مدينة الرياض من مغتصبيها: " أي والدي .. إنك لن تراني بعد الآن إلا منتصرًا، أو: لن تراني أبدا "

وقد استطاع الملك عبد العزيز بهؤلاء الرجال الأشداء الانتصار بالفعل وتوحيد البلاد كلها في 23سبتمبر1932م، والقضاء على الحروب المستمرة بين قبائل متنازعة تنتصر إحداها مرة، وتنهزم مرة، ويكون لكل قبيلة نظام خاص في السيطرة والتحكم والإدارة.

وكان الاعتماد على تطبيق الأحكام الشرعية في هذا المجتمع المسلم مفتاحًا ناجحًا اهتدى إليه الملك عبد العزيز آل سعود، ورأى فيه ضمانًا لتحقيق وحدة حقيقية بين تلك القبائل المتصارعة من مئات السنين.

فتم توطين ما يزيد على (12) اثنتي عشرة قبيلة، كانت تضم آنئذ نحو (77) سبعة وسبعين ألف نسمة، فحدث نوع مهم من الاستقرار الاجتماعي لتلك التيارات المتنازعة التي تتحرك في طول البلاد وعرضها. خصوصًا أن الملك حرص على أن يكون لكل منطقة مصدر قريب من مصادر المياه ضمانًا للاستقرار. وبدأ بتوفير البذور لهؤلاء البدو لتأليف قلوبهم نحو الزراعة وانتظار ثمارها، ثم بدأ شيوخ القبائل – بتوجيهات الملك – في بناء بيوت من الطين بدلاً من الخيام المتحركة التي كانوا يصطحبونها في تنقلاتهم. وترتب على بناء البيوت ألفة حقيقية لساكنيها مع المكان: شمسه وقمره وظلاله وأشجاره ونباتاته وحيواناته، مما أنساهم فكرة قطع الطرق والتحرك السريع من مكان إلى مكان. 

وكان توجه الملك عبد العزيز آل سعود بعد ذلك إلى إنشاء المدارس نقلة اجتماعية ثانية أدت دورًا ملموسًا في تحقيق الاستقرار المجتمعي، فقد كان التعليم حتى بداية حكم الملك عبد العزيز آل سعود تعليمًا تقليديًا نادرًا، في تلك التجمعات القليلة التي لا تحب التنقل، وكان التعليم يتم في مكاتب (كتاتيب) بدائية ويقتصر على تعليم القراءة والكتابة وتحفيظ ما يتيسر للمتعلم من سور القرآن الكريم.

 وتجلت لمحة ثالثة من لمحات عبقرية الملك عبد العزيز آل سعود في إنشاء نظام للاتصالات قلل كثيرًا من حاجة الناس إلى التنقل، وما كان يترتب على هذا التنقل من حروب وصراعات قبلية متجددة يومًا بعد يوم، ودعم الاستقرار المجتمعي لهذه القبائل التي كانت تدمن التحرك الدائم، والهجرات التي لا تكاد تتوقف، فتملك الأرض وزراعتها مع سهولة التواصل الهاتفي مع الأقارب والمعارف والحلفاء والأصهار في بلاد أخرى حقق استقرارًا مجتمعيًا حقيقيًا،  ثم كانت الخطوة الأهم في هذا المضمار : توفير السيارات التي حلت محل النوق والجِمال في التنقل بين بلدان المملكة .

إن مجموع ما فعله الملك عبد العزيز آل سعود، قد يعسر حصره لكثرته وتنوعه، ولكن لا يعسر هضمه واستيعابه وتحليله، خصوصًا مع توفر المصادر التاريخية في عصرنا الحاضر من صحف ومجلات وكتب ومادة إعلامية صوتية ومصورة.

ومما سبق يمكننا استنتاج أهم:

  • تأليف قلوب الناس حول أهداف عليا يشعر كل شخص أن له فيها نصيبًا لن يضيع
  • نبذ الصراعات القديمة، وعدم نقلها من جيل إلى جيل، والتطلع للمستقبل بنفوس متفائلة تحلم بالغد الأفضل.
  • المصاهرات وسيلة ناجحة لتقريب القلوب، وتصفية النفوس.
  • التعليم وتجديده المستمر هو الوسيلة الرائعة التي حققت بها أوروبا حداثتها ثم وحدتها، ولعلها اقتبستها من التجربة السعودية.
  • توفير فرص الاستقرار بتعليم الناس الزراعة وانتظار المحاصيل.
  • تحديث حياة المجتمع باستيراد السيارات وتيسير ملكيتها والتحرك بها مما يستدعيه من تعبيد الطرق وتأمينها وتوسعتها.

وفي رأينا أن الدفعة القوية التي أعطاها الملك المؤسس عبد العزيز للتعليم، كان لها أبرز الأثر في التطور الذي سار فيه نظام التعليم بعد وفاته ـ رحمه الله ـ وفي عهد خلفائه، ولعل ذلك كان أبرز وضوحًا في تطور أهداف المرحلة الثانوية بالمملكة العربية السعودية، وهذه المرحلة تشارك غيرها من المراحل التعليمية في تحقيق الأهداف العامة للتربية والتعليم في المملكة، بالإضافة إلى ما تحققه من أهدافها الخاصة على النحو التالي:

 - متابعة تحقيق الولاء لله وحده، وجعل الأعمال خالصة لوجهه، ومستقيمة في كافة جوانبها على شرعه.

- دعم العقيدة الإسلامية التي تستقيم بها نظرة الطالب إلى الكون والإنسان والحياة في الدنيا والآخرة، وتزويده بالمفاهيم الأساسية والثقافية الإسلامية التي تجعله معتزاً بالإسلام، قادراً على الدعوة إليه والدفاع عنه.

- تمكين الانتماء الحي لأمة الإسلام الحاملة لراية التوحيد.

- تحقيق الوفاء للوطن الإسلامي العام، وللوطن الخاص السعودية، بما يوافق هذه السنن من تسام في الأفق، وتطلع إلى العلياء، وقوة في الجسم.

- تعهد قدرات الطالب، واستعداداته المختلفة التي تظهر في هذه الفترة، وتوجيهها وفق ما يناسبه، وما يحقق أهداف التربية الإسلامية في مفهومها العام.

- تنمية التفكير العلمي لدى الطالب، وتعميق روح البحث والتجريب والتتبع المنهجي، واستخدام المراجع، والتعوُّد على طرق الدراسة السليمة.

- إتاحة الفرصة أمام الطلاب القادرين، وإعدادهم لمواصلة الدراسة بمستوياتها المختلفة، في المعاهد العليا والكليات الجامعية، في مختلف التخصصات.

- تهيئة سائر الطلاب للعمل في ميادين الحياة بمستوى لائق.

- تخريج عدد من المؤهلين مسلكيًا وفنيًا لسد حاجة البلاد في المرحلة الأولى من التعليم، والقيام بالمهام الدينية والأعمال الفنية من زراعية وتجارية وصناعية وغيرها.

- تحقيق الوعي الأسري لبناء أُسرة إسلامية سليمة.

- رعاية الشباب على أساس من تعاليم الإسلام، وعلاج مشكلاتهم الفكرية والانفعالية، ومساعدتهم على اجتياز هذه الفترة الحرجة من حياتهم بنجاح وسلام.

- إكسابهم فضيلة المطالعة النافعة والرغبة في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح، واستغلال أوقات الفراغ على وجه مفيد تزدهر به شخصية الفرد وأحوال المجتمع.

- تكوين الوعي الإيجابي الذي يواجه به الطالب الأفكار الهدامة والاتجاهات المضللة.

وبعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله في 16 ربيع الأول 1373هـ، واصل أبناؤه رحلته في التعمير والبناء، وساعد الارتفاع المتواصل في أسعار النفط، وزيادة إنتاج المملكة السعودية منه على تحقيق مزيد من الإنجازات الجبارة.

فمع تزايد أعداد الحجاج، تم شق عشرين نفقًا في بطون الجبال، في عهد الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ كما تم إقامة (19) تسعة عشر جسرًا للمشاة، تم زيادتها وتوسعتها بعد ذلك .. كما تم بناء شبكة طرق متعددة المسارات بطول مائة كيلو متر لتسهيل حركة الحجاج والمعتمرين أثناء المشاعر.

كما تم إقامة خزانات كبيرة بدأت بسعة 106 مليون متر مكعب لتوفير المياه للحجاج. كما تم إزالة نحو خمسة ملايين متر مكعب من الصخور لتهذيب سفوح الجبال وتسهيل التحرك عليها.

ولو لم تخني الذاكرة فقد بلغت تكاليف مشاريع تطوير منطقة (منى) أكثر من ستة آلاف مليون ريال، وأنفق مبلغ مماثل أو يزيد قليلًا على توسعة الحرمين الشريفين

 وبعد وفاة الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ  وفي اليوم الأول من أغسطس 2005م، نصب أخوه الملك عبد الله ملكًا للمملكة العربية السعودية خلفًا للملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وقد اهتم الملك عبد الله بالتعليم بنحو خاص اهتمامًا كبيرًا فقد افتتحت في عهده سبع عشرة جامعة هي :

- جامعة حائل 1426هـ

- جامعة الجوف 1426هـ

 -جامعة جازان 1426هـ

- جامعة نجران 1427هـ

- جامعة تبوك 1427هـ

- جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن آل سعود 1427هـ

- جامعة الحدود الشمالية 1429هـ

- جامعة الدمام 1430هـ

- جامعة الخرج 1430هـ

- جامعة شقراء 1430هـ

- جامعة المجمعة 1430هـ

- الجامعة السعودية الإلكترونية 1432هـ

كما افتتح الملك عددًا من الجامعات الأهلية للمرة الأولى في تاريخ المملكة وهي:

- جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا 1428هـ

- جامعة الفيصل 1428هـ

- جامعة الأمير محمد بن فهد 1429هـ

- جامعة الأمير فهد بن سلطان 1429هـ

- جامعة دار العلوم 1429هـ

 

غير أن أعظم ما قدمه الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وما تزال الأمة العربية تتمسك به حتى الآن، يتمثل في مبادرته الشهيرة بإحلال سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط شريطة قيام إسرائيل بإعادة الفلسطينيين المشردين من 1948م، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وتضم غزة والضفة الغربية وهو الطلب الذي لم تستجب له إسرائيل حتى اليوم.

 

وبوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله وتولي الملك سلمان بن عبد العزيزـ يحفظه الله ـ  ظهرت في المملكة تطورات تحديثية رائعة من أهمها مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات، حيث أصبح للمرأة السعودية الحق في المشاركة بالانتخابات و ذلك طبقاً لأمر الملك سلمان بن عبد العزيز وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصبح فيها للمرأة السعودية حق التصويت وحق ترشيح نفسها لو أرادت، فالمرأة السعودية تمكنت من الوصول – في عهد الملك سلمان - إلى مستويات تعليمية، ومراكز هيأتها للمشاركة الفاعلة في صناعة القرار: السياسي و التعليمي، أو الخاص بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى قيادة السيارة والمشاركة في جميع الوظائف الحكومية في القطاعين العام والخاص.

كما قام الملك سلمان بافتتاح مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي الجديد بالمدينة المنورة، والذي يتسع لأكثر من ثمانية ملايين فرد

كما تم في عهد الملك سلمان توسعة الحرمين الشريفين، وتطوير الساحات والأنفاق والطريق الدائري الأول وإنشاء محطات الكهرباء والتقوية.

مقالات لنفس الكاتب