array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

تحويل دول الخليج بوصلة الوجهة الاستثمارية الزراعية إلى إفريقيا

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

خرجت دول الخليج بعد عشرين عاماً من المفاوضات مع الجانب الأوروبي من أجل إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بتجارب مريرة أكسبت الفريق التفاوضي رؤى بعيدة المدى أملت عليه البحث عن خيارات وبدائل أخرى متاحة في العالم بدلاً من الاستمرار في مفاوضات عقيمة نتيجة لسعي الاتحاد الأوروبي إلى وضع الحماية بكل الوسائل أمام صادرات قطاع البتروكيماويات الخليجي والتي تمثلت في فرض رسوم على الصادرات إلى جانب فرض قيود كمية.

تؤمن دول الخليج بأن الأمور السياسية عادة ما تكون مرتبطة بالتحولات الاقتصادية، وتعتبر كذلك أن الاقتصاد في العالم اليوم هو المحك الرئيسي لنمو وتطور البلدان، ومنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية كانت آسيا وجهته الأولى ومثلما كانت آسيا الأكثر جذباً للسعودية كانت المملكة جهة جذب للآسيويين.

إن توجه المملكة العربية السعودية نحو الشرق يؤكد عزمها على الانفتاح الاقتصادي على كافة الدول خاصة بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، لأن في آسيا دولاً مثل الصين والهند وماليزيا أصبحت تمثل اقتصادات عالمية عملاقة وقوى قادمة على الخرائط الاقتصادية بشكل قوي ولافت.

وهدفت السياسة السعودية إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية وزيادة عدد شركائها الاقتصاديين في العالم، ولم يكن تحويل البوصلة التجارية شرقاً على حساب الغرب، بل من أجل تنويع مصادر الدخل فيها وأيضاً تنويع القاعدة الاقتصادية، وكذلك قاعدة الاستثمار لمختلف دول العالم وهو منطق واضح في سياسة المملكة التي تؤمن بالنهج الاقتصادي الحر.

وتتوقع التقارير أن الأهمية الاقتصادية لدول الخليج كمركز تجاري عام 2020م بأن يصل حجم اقتصادها إلى تريليوني دولار بما توفره من نحو ربع احتياطيات العالم من النفط والزيادة الملحوظة في إنتاج البتروكيماويات والمعادن واللدائن.

وتدرك دول الخليج أن هناك انتقالاً تدريجياً للثقل الاقتصادي العالمي بين الغرب والشرق وستكتسب الأسواق الناشئة أهمية كبيرة لكونها شريكاً تجارياً وجهات استثمارية مهمة، وسيشهد المستقبل تركيزاً أكبر على عمليات التصنيع، إذ سيرتفع إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من الهيدروكربونات بشكل كبير بحلول عام 2020م. ومن المرجح أن تخفض تصدير النفط على شكل خام وهو سلعة ذات قيمة مضافة منخفضة لا تقدم فرص توظيف كثيرة، لذلك هي تحول نفطها إلى منتجات مكررة أو بتروكيماويات واستخدام النفط والغاز كخطوط تغذية لصناعاتها مضيفة بذلك قيمة أكبر إلى صناعاتها وتوفير فرص عمل أكثر.

لكن هناك إشكالية ستعاني منها دول الخليج وهي زيادة الإنفاق على الواردات الغذائية بنسبة تفوق الضعف، حيث سيصل إلى 49 مليار دولار بحلول عام 2020م مقارنة بـ 24 مليار دولار في عام 2008، وكان شح المياه أهم سبب لهذه الزيادة الكبيرة حيث يعد الإنتاج الزراعي المحلي مكلفاً، ودقت أزمة المواد الغذائية عام 2008 ناقوس الخطر باعتبار أن دول الخليج، وخصوصاً السعودية الدولة الأكبر مساحة والأكثر سكاناً، تعاني ندرة المياه للاستخدام الآدمي والمدني فكيف للزراعة، وتعتمد في الوقت الحاضر على 70 في المائة من احتياجاتها الغذائية على الاستيراد الذي يجعلها شديدة التأثر بتقلبات الأسعار العالمية للسلع الغذائية وبنقص معروضها في الأسواق العالمية خصوصاً بعدما اتجهت كثير من الدول إلى استثمار كثير من الأراضي الزراعية للوقود الحيوي إلى جانب اتخاذ السعودية أكبر دولة خليجية خطة وقف إنتاج بعض المحاصيل التي تستهلك المياه بصورة مكثفة وذلك بعد عقود من استنزاف مواردها المائية غير المتجددة.

وتحتاج السعودية بمفردها إلى استيراد نحو 2,7 مليون طن من القمح سنوياً، علماً أن هذه الكمية ستزداد لأن إنتاجها المحلي من القمح سيتراجع، كما أنها ستحتاج إلى استيراد ما بين 800 ألف طن ومليون طن من الأرز و6,3 مليون طن من الشعير (نحو 45 في المائة من إجمالي صادرات الشعير العالمية) ونحو 14 مليون طن من الأعلاف.

وطبقاً للمجلس الاقتصادي الأمريكي – السعودي ظلت السعودية مصدراً صافياً للقمح حتى عام 2008 مع أنها أفقر دول العالم بالموارد المائية المتجددة، ولمواجهة نضوب الموارد المائية غير المتجددة والنقص العالمي في المواد الغذائية أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرة الملك عبدالله الزراعية لخفض إنتاج القمح بنسبة 12,5 في المائة سنوياً إلى حين إلغاء هذا الإنتاج تماماً بحلول عام 2016م ودخلت المبادرة حيز التنفيذ بداية عام 2009.

ومنذ فترة يحاول الغرب ترويج فكرة أن الاستثمار في إفريقيا خطر لأسباب كثيرة، لأنه لا يجد ترحيباً رغم أنه في مسح لمنظمة الشفافية الدولية الأخير تم وضع جمهورية بوتسوانا مثلاً أقل فساداً من إيطاليا أو اليونان.

وقد قفز عدد الديمقراطيات من أربع فقط عام 1990 إلى 17 في الوقت الحاضر، وبدأت العديد من البلدان بتحرير اقتصاداتها وتطوير أسواق رؤوس أموالها مثل أوغندا وتنزانيا التي نما ناتجها الإجمالي 7 في المائة من 1993 حتى 2002 وتجاوز 8 في المائة في الوقت الحاضر مما أثار إعجاب المجتمع الدولي.

وحسب أرقام البنك الدولي الذي يفيد بأن عروض إفريقيا حالياً تعد من أعلى العوائد على الاستثمار الأجنبي المباشر في أي منطقة في العالم. ودولة مثل غانا مهدت الطريق لنمو صادراتها واقتحمت أسواق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ودولة مثل رواندا التي جرت فيها المذابح الجماعية نتيجة للحرب الأهلية في التسعينات حققت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي هي حجر الزاوية في استراتيجية نمو جديدة وإنشاء حديقة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كيغالي عاصمة لها، ودفعت نيجيريا ديونها الخارجية بالكامل ووضعت قواعد مالية حكيمة ونظفت النظام المصرفي.

وكان متوسط العائد السنوي على رأس المال من الشركات يصل إلى 65-70 في المائة أي أعلى من المتوسط العائد على شركات مماثلة في الصين والهند وأندونيسيا وفيتنام، وكان متوسط هامش الربح 11 في المائة وهي أفضل من الأرقام القابلة للمقارنة بآسيا وأمريكا الجنوبية.

ولذلك أصبحت إفريقيا تعد أحد أكبر الأسواق الواعدة والناشئة المتطورة لاستقرارها الاقتصادي والسياسي، والسياسات المالية الحصيفة والنقل والبنية التحتية اللوجستية إلى جانب احتوائها على ثلث الموارد المعدنية في العالم إلى جانب النفط وأراض زراعية خصبة غير مستغلة أو تزرع بطرق بدائية.

وسبقت الصين دول الخليج وهي أبعد منها باستثمارات وصلت إلى 32,3 مليار دولار بحلول أغسطس 2010 مدعومة بنموذج تفاوضي للموارد مقابل المشاريع والائتمان، وبلغ حجم تجارة الصين مع إفريقيا 100 مليار دولار في عام 2010 من 91,1 مليار دولار في عام 2009، وبدأت تنزعج الدول الغربية من توسع الاستثمارات الصينية في إفريقيا، وأصبحت تتهمها بأنها تقدم مساعدات لدول إفريقية ذات سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان أو الأنظمة السياسية غير المستقرة، بينما ترى الصين أن الأنظمة الاجتماعية والثقافية تختلف، وأن مسارات التنمية والأنظمة السياسية متنوعة وليست هناك طريقة واحدة.

وبدأت الهند تتجه إلى رفع دبلوماسيتها الاقتصادية في إفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية، وبدأت تطور نموذجها المتميز من التواصل الذي يختلف عن النهج التجاري البحت لبكين، وتشهد التجارة الثنائية حالياً نحو 45 مليار دولار، ويتوقع أن تقفز إلى 55 مليار دولار خلال عامين وإلى 70 مليار دولار خلال خمس سنوات، وتشير غرفة التجارة والصناعة الهندية إلى أن ما لا يقل عن 80 شركة هندية تقوم بنشاطات تجارية في أكثر من 20 دولة إفريقية. والغريب أن الهند دولة زراعية إلا أنها تستثمر في الزراعة في إفريقيا بنحو 1,5 مليار دولار من مجمل استثمارات 16,7 مليار دولار.

والحقيقة أن دول الخليج تأخرت كثيراً عن الاستثمار في إفريقيا وهي قريبة منها وتقيم علاقات مع العديد من الدول وخاصة إثيوبيا والسودان التي لها علاقة تاريخية مع إثيوبيا، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إليها لوجود ملك عادل وهي من الدول التي كانت لديها تجارة مع مكة. ومن غرائب الأمور أن دول الخليج لم تدرك أن إثيوبيا تتمتع بإمكانات زراعية هائلة، لكنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة في بنيتها التحتية، بالإضافة إلى إعادة تنظيم قطاعها الزراعي بصورة أفضل، وتعتبر إثيوبيا أغنى دول شرق إفريقيا بالمياه لكثرة الأنهار فيها (14 نهراً كبيراً) تنبع من أراضيها. ونظراً لفيضان النهرين الأبيض والأزرق قدمت حكومة الهند قرضاً ميسراً بقيمة 640 مليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لتشجيع إنتاج السكر وهو ما يعتبر أضخم ائتمان تمنحه نيودلهي إلى بلد أجنبي.

وخلال الآونة الأخيرة أنفقت الهند نحو 2,5 مليار دولار لشراء الأراضي في إثيوبيا لإنتاج مجموعة واسعة من المحاصيل الغذائية ومحاصيل أخرى. والغريب أنها تستخدم لإنتاج الوقود الحيوي رغم أن دول الخليج تمتلك أصولاً في صناديق سيادية تبلغ 1,3 تريليون دولار وهو ما يشكل 79 في المائة من إجمالي أصول الصناديق العربية كلها ونسبة 47 في المائة من إجمالي أصول الصناديق السيادية في العالم كله والتي بلغت 3,5 تريليون دولار نهاية الربع الأول من عام 2010 وهو نتيجة لغياب رؤية اقتصادية واضحة خلال الفترة الماضية في استثمار تلك الأصول في ما يتعلق بطبيعتها أو كيفية استثمارها للأصول التي تديرها، وكان الأولى أن توجه بمشاركة القطاع الخاص خصوصاً تجار تجزئة المواد الغذائية في شراء أراضي زراعية من أجل زراعتها وضمان جزء من الإنتاج لدولها بدلاً من أن يوجه بشكل كامل للتجارة العالمية.

إن القارة الإفريقية تمثل سوقاً غير مستغلة تماماً، وتتمتع بإمكانات كبيرة تؤهلها لكي تصبح مركزاً لكبار المستثمرين العالميين، وبدأت تنهال الاستثمارات التي يقدر حجمها بمليارات الدولارات في القطاعات الحكومية والأسهم الخاصة كل عام خلال العقد الماضي والتي تضمن لأصحابها عوائد كبيرة، ونجد أن دولاً عدة مثل روسيا وجنوب إفريقيا وبريطانيا وكندا والهند والبرازيل والصين تستفيد بالفعل من هذه الوجهة الاستثمارية، وبات من المؤكد أن دولاً أخرى مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا واليابان وغيرها ستحذو هذا النهج أيضاً.

وقد استضافت دلهي عاصمة الهند التجارية في مارس 2010 اجتماعاً حول الشراكة بين الهند وإفريقيا حضره 483 مندوباً يمثلون 33 بلداً إفريقياً من أصل 53 بلداً مع 29 وزيراً من إفريقيا، واجتذبت مصالح تجارية بقيمة 9 مليارات دولار، كما شهد الاجتماع تعهد الحكومة الهندية بتقديم 5,4 مليار دولار في صورة قروض.

كما سيعقد مؤتمر موسع لترويج فرص الاستثمار في إفريقيا تحت شعار (إفريقيا قارة النمو للاستثمار المباشر وفرص الاستثمار لعام 2010 وما بعده) تعقده جمعية رأس المال المخاطر الإفريقية (AVCA) بالتعاون مع شركة القلعة في القاهرة خلال الفترة من 15- 17 نوفمبر 2010.

وتعقد المملكة العربية السعودية منتدى الاستثمار الخليجي-الإفريقي 2010 في الرياض تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز خلال ديسمبر 2010 بمشاركة رؤساء الدول والوزراء، ويهدف المنتدى إلى تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية القائمة بما في ذلك الاستراتيجيات المطلوبة لترجمة الخطط إلى إنجازات عملية ملموسة على أرض الواقع وذلك في مجالات الزراعة والمعادن والموارد الطبيعية والطاقة والاتصالات والبنية التحتية والسياحة والتجارة.

ويتولى ترتيبات المنتدى مجلس الغرف السعودية بالتعاون والتنسيق مع مركز الخليج للأبحاث، ويبحث المنتدى عن إجابة بأن تكون إفريقيا مصدراً ذا مصداقية على المدى الطويل لواردات دول الخليج الغذائية المرتفعة باعتبارها مستورداً كبيراً للغذاء.

وتستطيع أن تدرس السعودية إمكانية عقد تحالفات استراتيجية أيضاً لا تقوم بالضرورة على أساس المكتسبات المتساوية مع شركات الأغذية العالمية العملاقة والتي تتمتع بخبرات متراكمة على مدى عقود بمشاركة شركات القطاع الخاص الخليجية التي تملك أسواق تجزئة المواد الغذائية والشراكة مع الشركات متعددة الجنسيات والتي لديها معرفة بالقضايا الزراعية المحلية على نطاق العالم، وتقدم هذه الشركات متعددة الجنسيات خبرات هائلة في مجالات التكامل الرأسي والتمويل وبناء القدرات البحثية والتحالفات الاستراتيجية العالمية، وقد يؤدي إبرام مثل هذه الاتفاقيات إلى تسهيل الحصول على أراض زراعية وتيسير الحصول على منتجات نهائية بأسعار تنافسية تساهم في انخفاض نسب التضخم في دول الخليج، فشركة مثل مارك اسبنسر في بريطانيا تتحكم في 70 في المائة من تجارة تجزئة المواد الغذائية في بريطانيا، ولا تكتفي بتجارة المواد الغذائية، بل تمتلك مصانع موزعة في أنحاء العالم تنتج وتصنع لصالح شركاتها لتصل منتجاتها إلى المستهلك بأسعار منافسة خصوصاً لفئات محدودي الدخل.

مجلة آراء حول الخليج