array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 193

علاقات دول الخليج والآسيان تنتقل من التجارة للشراكة وتقود لتنويع الاقتصاد

الخميس، 28 كانون1/ديسمبر 2023

بدأت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في عام 1990م، واكتسبت زخماً كبيراً بعد الاتفاق بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع نظرائهم من آسيان على اللقاء السنوي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ونتيجة للنمو الكبير في تجارتهما الثنائية وتزايد فرص الاستثمار والقضايا الملحة ذات الاهتمام المشترك اتفق الجانبان على إضفاء الطابع الرسمي على تعاونهما من خلال توقيعهما على مذكرة تفاهم في يونيو2009م، في البحرين التي تعد أساس التعاون والعلاقات بين الكتلتين وكان هدفها" تطوير علاقة أوثق وأكثر فائدة" وتبنى مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان الرؤية المشتركة لـ" آسيان" و"مجلس التعاون " التي تضمنت دراسة وتقديم توصيات بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين في مجال التعاون الاقتصادي والتنمية والتجارة الحرة والثقافة والتعليم والمعلومات، وفيما بعد جمع مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان عدد من الاجتماعات الثنائية كان آخرها في سبتمبر 2019م.

       وإدراكًا للأهمية المتزايدة للعلاقات بين المنطقتين قامت خمس دول أعضاء في مجلس التعاون (البحرين، الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) باعتماد سفرائها لدى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كم أنشأت الآسيان لجانها في جميع عواصم دول مجلس التعاون الخليجي.

       كان من نتائج تحول دول مجلس التعاون الخليجي نحو رابطة دول جنوب شرق آسيا على مدى العقود الثلاثة الماضية تزايد مستويات التجارة والاستثمار بين المنطقتين وعدت دول مجلس التعاون الخليجي وجهة لبعض الصادرات الرئيسية لرابطة دول جنوب شرق آسيا وعلى مدى فترة خمس سنوات ماضية(2016-2020م) كانت الإلكترونيات والآلات – وكلاهما من بين منتجات التصدير الرئيسية الثلاث لرابطة آسيان- هي أهم العناصر التي استوردتها دول مجلس التعاون الخليجي وشكلت هذه الدول 21% و 28% على التوالي من قيمة الواردات من رابطة دول جنوب شرق آسيا البالغة قيمتها 144 مليار دولار.

       أما دول رابطة آسيان فقد شكلت ما يقارب من 4% فقط من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون الخليجي خلال فترة السنوات الخمس نفسها بقيمة بلغت 126 مليار دولار أمريكي ويتكون الجزء الأكبر من هذه المنتجات من النفط الخام 43%، والبوليمرات البلاستيكية 20% وبينما انخفضت صادرات البوليمرات البلاستيكية من دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2020م، زادت صادرات النفط الخام بنسبة 180% تقريبًا بين عامي 2019-2022م، وكان أحد أسباب هذه الزيادة راجع إلى أنه بينما معظم مصانع العالم كانت تعمل ببطيء أثناء الجائحة تعافت آسيا بسرعة من الموجة الأولى من الوباء.

      أما ما يتعلق باستثمارات الدول الخليجية في آسيان فقد قدرت قيمتها بنحو 13, 4 مليار دولار أمريكي في الفترة بين يناير 2016م، وسبتمبر 2021م، وجاء 74% من هذا المبلغ من الإمارات العربية المتحدة، وما يزيد قليلاً عن20% من عمان، وتركزت معظم هذه الاستثمارات في القطاعات المصرفية والإلكترونية والرقمية. أما استثمارات دول رابطة آسيان في دول مجلس التعاون الخليجي فقد قدرت بنحو 3,6 مليار دولار أمريكي خلال نفس الفترة، وجاء ثلث هذا المبلغ من سنغافورة، وتركزت معظم استثمارات دول آسيان في قطاعات السكن والأغذية والضيافة.

المكاسب المتوقعة من تطوير العلاقة بين دول المجلس ودول آسيان

      إن النمو الاقتصادي الملحوظ الذي تشهده رابطة دول جنوب شرق آسيا(آسيان) والذي يقوده جزئيًا جيل الشباب البارع في استخدام التكنولوجية يدل على الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها المنطقة فيما يتصل بالتنمية في المستقبل إذ تتمتع هذه المنطقة بتعدد الفرص الاقتصادية وتنوعها وهي تصنف من بين المناطق الأسرع نمواً اقتصاديًا على المستوى العالمي كما أنها ذات كثافة سكانية مرتفعة إذ يبلغ عدد سكان دول آسيان مجتمعة ما يقرب من 600 مليون شخص تمتد على مساحة تقدر بـ 4,5 مليون كيلو متر مربع وقدر إجمالي الناتج المحلي لدول الرابطة بـــــ 3,62 ترليون دولار أمريكي عام 2020م، بما يمثل 9,3% من الناتج المحلي الإجمالي لقارة آسيا وعلى الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كورونا فقد كانت بمثابة حافز لظهور وتوسع الخدمات الرقمية الجديدة مثل التجارة الإلكترونية والمعاملات غير النقدية. وتتوقع التقديرات الاقتصادية زيادة تقدر بـ 4,64% بحلول عام 2025م، مما يعني الأهمية المحورية لدول الرابطة على المستوى الاقتصاد العالمي، وهو ما جعلها تستحوذ على نسبة 7% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي عالميًا، و34% في قارة آسيا. ويعد الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية وشبكات الاتصال المتقدمة من الجيل الخامس والحوسبة السحابية، من القطاعات الأكثر جذبًا للمستثمرين لما تمتلكه من فرص نمو عالية. كما تتوقع التقديرات أيضًا بأن تصبح دول آسيان خلال الخمس سنوات المقبلة أحد أبرز المراكز العالمية سريعة لنمو التخزين وإدارة البيانات متجاوزة بذلك أمريكا الشمالية ومحيط الهادئ.

     ما تقدم فرض على دول مجلس التعاون الخليجي ضرورة السعي للاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها دول رابطة آسيان وسوقًا هامًا لمواردها النفطية وقد عبر عن هذه الحقيقة الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية بقوله: " إننا نرى الكثير من الامكانات في تعاوننا المعزز بين دول آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي فبينما يصدر مجلس التعاون الخليجي موارد الطاقة إلى دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) ومن خلال جنوب شرق آسيا إلى الاقتصادات العملاقة في شرق آسيا وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية فإننا نستورد المواد الغذائية وغيرها من المنتجات الصناعية من دول رابطة جنوب شرق آسيا".

      أما دول رابطة آسيان من جانبها فإنها تتطلع إلى منطقة الخليج كبيئة واعدة للاستثمارات بفعل حالة الاستقرار السياسي التي تتمتع بها دول هذه المنطقة الأمر الذي جعل المسؤولين التنفيذيين في دول الرابطة يجدون فيها منطقة جاذبة للنشاطات التجارية كما تنظر بعض الشركات إلى دول مجلس التعاون الخليجي على أنها نقطة انطلاق للتوسع في المنطقة العربية الغنية بالموارد الأولية وفي مقدمتها النفط والغاز التي تحتاجها دول هذه الرابطة لإدامة إنتاجها الصناعي وكذلك أسواق واعدة لتصريف بضائعها ومنتجاتها الصناعية والزراعية.

     ومع ارتفاع أسعار النفط والمخاوف المتزايدة بشأن نقص الغذاء في جميع أنحاء العالم، تتفق رابطة دول آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي على أن هناك مساحة واسعة للتعاون والتنسيق الوثيق في القضايا التي تواجه المنطقتين في ظل التطورات الاقتصادية والزيادة المطردة في عدد السكان. وإن اتجاه دول الخليج إلى بناء مشاركات نفطية مع بعض دول الآسيان في إطار سعيها لتحقيق التقارب الاقتصادي مع شعوب ودول الرابطة ما يبرهن على أهمية هذه الدول لمنطقة الخليج العربي.

مستقبل التعاون والشراكة بين دول مجلس التعاون وآسيان

      تتشابه رابطة" آسيان" ومجلس التعاون الخليجي في كونهما محط أنظار واهتمام القوى الكبرى والعالمية إذ تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي أهمية جغرافية واستراتيجية واقتصادية كبيرة من الناحية الاستراتيجية تطل هذه الدول على مضيق هرمز الذي يشكل شريانًا رئيسياً في حركة التجارة الدولية واقتصاديًا يعد مجلس التعاون الخليجي أكبر مجموعة اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط ويحتل المرتبة الثالثة عشرة في الاقتصاد العالمي وتمتلك دوله أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بــــ33% من إجمالي الاحتياطي العالمي بينما تنتج خمس دول من دول المجلس ما يقارب 18% من الطلب العالمي على النفط. أما مجموعة دول آسيان فإنها تعد من الاقتصاديات الصاعدة وتتمتع بموقع استراتيجي هام لقربها من بحر الصين الجنوبي الذي يعد مركزاً لحركة البضائع الدولية كما تصنف المنطقة باعتبارها خط الازدهار القادم للتجارة الإلكترونية.

     وفي ظل الاستقطاب الحالي من جانب القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية تتأكد حاجة دول مجلس التعاون الخليجي إلى توطيد علاقاتها مع دول آسيان بخاصة مع وجود مشتركات عدة مع هذه الدول لعل من أهمها التقارب في العادات والقيم الدينة نظراً لاعتناق سكان بعض هذه الدول للدين الإسلامي، إلى جانب التوافق في المواقف بشأن العديد من القضايا الاقليمية والدولية مثل القضية الفلسطينية علاوة على العامل الاقتصادي والمتمثل بالاختلالات الاقتصادية التي تشهدها في الفترة الأخيرة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وقدرة دول جنوب شرق آسيا على التأقلم مع انكماش الاقتصاد العالمي والتعافي السريع من جراء الأزمات الاقتصادية كما حصل أثناء أزمة كورونا مما يكسب المستثمرين ثقة في هذه المنطقة ويجعل جنوب شرقي آسيا أرضاً صالحة للاستثمارات الخليجية.

      وبالنظر إلى المستقبل نرى أن علاقات دول مجلس التعاون مع اقتصاديات رابطة آسيان تتجه نحو تعزيز العلاقات القائمة على الشراكة الاستراتيجية فإلى جانب استثمارات شركات دول جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء مصافي النفط ومرافق البتروكيماويات والموانئ التجارية يبرز القطاع الزراعي والمالي والتكنولوجي والثقافي كمجالات جديدة للتعاون إذ بالرغم من أن واردات دول مجلس التعاون من منطقة الآسيان لم تتجاوز 7% من إجمالي وارداتها من الأغذية والمشروبات طيلة الفترة السابقة إلا أن رابطة أمم جنوب شرق آسيا معروفة بإنتاجها الزراعي للكثير من المحاصيل الزراعية مثل الأرز وفول الصويا والفواكه الاستوائية من بين أمور أخرى يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استكشاف مجموعة واسعة من المنتجات الزراعية لاستيرادها من أجل تعزيز قضية الأمن الغذائي التي تحظى بأهمية بالغة بالنسبة لهذه الدول كما أن تعزيز روابط النقل والخدمات اللوجستية بالإضافة الى تنسيق قواعد المنتجات الحلال قد يؤدي الى زيادة التجارة في الزراعة والأغذية والمشروبات بين المنطقتين. وخصوصًا بعد توقيع مذكرة تعاون بين إدارة التنمية الإسلامية الماليزي(JAKIM)، وهيئة الغذاء والدواء السعودية في مايو 2023م، بشأن الاعتراف المتبادل بشهادات الحلال للمنتجات المحلية. وهو ما جعل السلع والمنتجات المصنعة في ماليزيا والمملكة العربية السعودية والحاصلة على الشهادات الصادرة عن كل من مركز الحلال السعودي التابع للهيئة العامة للغذاء والدواء وJAKIM   معترف بها بشكل متبادل.

     وقد بدأت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في استهداف بعض قطاعات النمو في رابطة جنوب شرق آسيا بما في ذلك التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية, فعلى سبيل المثال في عام 2020م، أنشأت شركة تمارا الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المملكة العربية السعودية عملياتها في فيتنام وأنشأ مزود التجارة الإلكترونية B2B) ( في الإمارات العربية المتحدة  Distichain قاعدة له في سنغافورة وسبق لبنك قطر الوطني (QNB) أن اشترى في عام 2011م، حصة مسيطرة في أحد البنوك الإندونيسية لتأسيس بنك PT Bank QNB والاستفادة من الطلب المتزايد والخدمات المالية في المنطقة. وفي نوفمبر2021م، وقع بنك إندونيسيا والبنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة مذكرة تفاهم للعمل بشكل وثيق معًا في ثلاثة مجالات رئيسية: الابتكار الرقمي في المدفوعات والخدمات المالية لتمكين معاملات أكثر كفاءة وأمانًا؛ أنظمة الدفع عبر الحدود بما في ذلك مدفوعات التجزئة؛ وأطر مكافحة غسل الأموال (AML) ومكافحة تمويل الإرهاب.

        كما يوجد تعاون رقمي بين دول مجموعة آسيان ودول مجلس التعاون فعلى سبيل المثال بدأ هذا النوع من التعاون بين إندونيسيا والمملكة العربية السعودية في اكتساب المزيد من الاهتمام ففي عام 2019م، وافق معهد باندونغ للتكنولوجيا على تطوير نظام للكشف عن الطقس في المملكة العربية السعودية يمكن لنظام الإنذار المبكر بمخاطر الأرصاد الجوية الهيدرولوجية (H-HEWS) التنبؤ بالعواصف الرملية وموجات الحرارة والأمطار الغزيرة وغيرها من الأحوال الجوية القاسية بدقة تصل إلى 85%. وفي عام 2022م، اتفق الجانبان السعودي والإندونيسي على التعاون في مجال التحول الرقمي والابتكار والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة كما طورت إندونيسيا علاقاتها مع عمان في القطاع التكنولوجي, ففي ديسمبر2020م، وافقت سلطنة عمان ممثلة بشركة عمان الدولية للتكنولوجيا الناشئة (ETCO) ومجموعة عواضة إندونيسيا على تطوير منصة لغوية باستخدام الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي تحت اسم (سلام تك) ستطلق الشراكة تطبيقًا ومحتوى فريداً مصممًا للسوق العالمية والذي سيبدأ في إندونيسيا تليها خطط للتوسع في جنوب شرق آسيا وخارجها, وستسمح المبادرة بإدخال الخط العماني العربي والأعمال الفنية الأخرى في شكل رقمي للشعب الإندونيسي. وأعقب الاتفاقية المبرمة بينETCO ومجموعة عواضة التزام جاكرتا ومسقط في عام 2023م، بدعم التحول الرقمي لبعضهما البعض.

     إن مستقبل العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ودول آسيان تنمو بشكل أكثر أهمية وخصوصاً مع توسع الطبقات المتوسطة في رابطة دول جنوب شرق آسيا وآفاق النمو الجيدة لكلتا المنطقتين على مدى السنوات العشر المقبلة. وكذلك وجود أوجه التآزر الطبيعية بين رؤى رابطة جنوب شرق آسيا والخليج للنمو الاقتصادي من حيث استثمار حكومات في كلتا المنطقتين في الرقمنة والتصنيع والبنية التحتية اللوجستية لتعزيز الصادرات ونتوقع أن تزدهر العلاقات بين دول مجلس التعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا مع دخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات العربية وإندونيسيا حيز التنفيذ ومع استمرار مفاوضات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الفلبين وكذلك مع استعادة المملكة العربية السعودية وتايلاند العلاقات الدبلوماسية بعد توقف دام ثلاثة عقود.

قمة دول مجلس التعاون الخليجي ودول الآسيان " قمة الرياض"

      أما عن القمة التي تم عقدها بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة آسيان في الرياض بتاريخ 20 أكتوبر 2023م، وحضرها زعماء 16 دولة خليجية وآسيوية، كانت قمة في غاية الأهمية من حيث التوقيت والأهداف التي سعت إلى تحقيقها إذ تم عقدها في وقت يمر فيه العالم بتغيرات جيوسياسية مهمة وعلى المستويات كافة وهو ما استدعى تكثيف الخيارات ونسج العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والكتل السياسية والاقتصادية الأخرى ومن ضمنها تكتل آسيان.

      وقد شهدت قمة الرياض تدشين خطة عمل مشترك بين الكتلتين للفترة من 2024-2028م، وتم فيها التركيز على التمسك بمبادئ المشاركة والتعاون ومفهوم التعايش السلمي ومناقشة قضايا في غاية الأهمية مثل تغير المناخ، والاقتصاد الرقمي، والدبلوماسية الصحية، والأمن السيبراني، والتنمية المستدامة، لذا فإن هذه القمة سوف تسهم بشكل كبير في رفع وإعادة تشكيل ديناميكيات العلاقات بين مجلس التعاون ودول الآسيان كما  تسهم في تسريع التعاون المشترك بين الجانبين اقتصاديًا وتنمويًا وتسهم سياسات الدول فيها بالتركيز على التنمية والاقتصاد واتخاذ المواقف السياسية المشتركة وتعمل بالتالي على تعزيز الشراكة لتمتد إلى الجوانب الثقافية والصحية والجوانب العسكرية، بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والتجارية والتكنولوجيا التي تشهد نموًا متصاعدًا لاسيما في ظل ما يشهده العالم من انقسامات وتحديات نتيجة للحرب في أوكرانيا وفي غزة وما يحدث في بقية دول العالم من كوارث طبيعية وحروب داخلية وهو ما أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بقوله إن القمة  " سوف تسهم في ترسيم خريطة طريق واضحة لما تسعى إليه من تعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة".

    ويتوقع أن تسهم قمة الرياض في تحقيق الكتلتان مزيدًا من التعاون الاقتصادي والاستثماري خلال الفترة المقبلة كما أن هذا التعاون من شأنه أن يدفع إلى التزام الدول الأعضاء بالحياد في الصراعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى واهتمامهم بمصالح شعوبهم وتحقيق النمو الاقتصادي لتعزيز نظام متعدد الأطراف.

 ما تضيفه الشراكة مع آسيان إلى الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية

       تمتلك " آسيان" تجربة فريدة تتمثل بالاتحاد الذي جاء على الرغم من كل الخلافات والصراعات التي كانت قائمة بين دول المجموعة فهذه الدول وضعت في أولويات أهدافها بناء علاقات صداقة وتعاون عن طريق الاستفادة من الموارد الطبيعية والقوة البشرية والحفاظ على استقلالية الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من أجل تأمين السلام والازدهار لشعوب المنطقة وأجيالها القادمة وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالتحرر من العقبات المادية والفكرية والمتمثلة بالجهل والمرض والجوع وهذه الأهداف لا يمكن أن تنجز بالعمل الفردي وإنما تتطلب التعاون بين جميع دول المنطقة. من هنا أصبحت آسيان من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم تهدف إلى تحقيق تكامل متين بين الدول المنتمية لها بما يتماشى مع متطلبات وتحديات القرن الواحد والعشرين وهو ما يقدم نموذجًا جديرًا بالدراسة يمكن للدول العربية الاستفادة منه لتجاوز حالات الخلاف فيما بينها والعمل على إيجاد رابطة أو اتحاد اقتصادي حقيقي يجمع مصالح شعوبها ويحقق تطلعاتها في التنمية والتطور وتجاوز حالة التخلف.  

    كما ان مع استمرار تحول مركز الثقل الاقتصادي نحو الشرق يمكن للدول العربية ورابطة دول آسيان تشكيل ممر جديد قوي للفرص ، ممر يمكنه توجيه رأس المال إلى القطاعات ذات النمو المرتفع وتطوير حلول جديدة في مجال الأمن الغذائي وانتقال الطاقة وإنشاء مجموعات من التميز في صناعات المستقبل. علاوة على ما يمكن أن يضيفه التعاون مع مجموعة دول آسيان من إمكانية وقدرة هذه الدول على توفر السلع والمنتجات الغذائية والزراعية للدول العربية مما قد يجنبها ارتفاع الأسعار المفاجئ في الأزمات ويضمن لها مصادر متعددة من هذا النوع من السلع. كما أن التقارب بين الكتلتين والابتعاد عن الصراعات بين القوى الكبرى والتزام الحياد من شأنه أن يؤدي إلى الاهتمام بمصالح شعوبها وتحقيق النمو والاستقرار الأمني والاقتصادي.

ما الذي يمكن أن تقدمه دول الآسيان للمنطقة العربية

        تهدف دول الآسيان من خلال الشراكة مع البلدان العربية إلى إقامة قنوات اتصال رئيسية مع هذه البلدان للشراكة والتعاون والتعلم من ممارساتها في مجالات عدة تشمل على سبيل المثال السياسات البيئية والتجارية والبحثية والابتكار والتقنية العلمية وغيرها. كما يمكن أن تتضمن هذه الشراكة أيضًا توفير المساعدات الاقتصادية والتقنية لهذه الدول ودعم التجارة في اتجاهين والاستثمار في القطاعات المختلفة ولاسيما القطاع النفطي والمالي وتقوية الروابط الثقافية وتبادل وجهات النظر في القضايا السياسية الإقليمية والدولية.

      وبالنسبة للعراق من بين الدول العربية وفي ظل ما يمر به من أوضاع داخلية صعبة لاستشراء الفساد المالي والإداري الذي يضرب جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها وحاجته الملحة إلى البناء والإعمار والخدمات لاسيما في مجالات الطاقة والكهرباء والبنى التحتية يمكنه الاستفادة من تجارب وإمكانيات مجموعة دول آسيان سواء على صعيد التجارب السياسية التي شهدتها دول هذه المجموعة من حيث قدرتها على تجاوز كل الاختلافات العرقية والطائفية والعيش في أمان ووئام أم على صعيد التجارب الاقتصادية وما حققته من تقدم وازدهار ونهضة لشعوبها لاسيما وأن العراق لديه روابط تاريخية وعلاقات اقتصادية مع معظم دول رابطة آسيان.

      وختامًا نقول إن العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي ومجموعة دول الآسيان تشهد تطورًا مستمراً  وتنتقل من كونها تقوم في المقام الأول على التجارة الثنائية إلى علاقات أوسع تشمل قطاعات متعددة وتحقق الأهداف الاستراتيجية لكلتا المنطقتين ونتوقع أن يزداد التعاون بين الرابطتين بشأن الاستدامة والطاقة المتجددة وتطوير مصادر الطاقة البديلة بوتيرة سريعة في المستقبل مما يؤدي إلى تشجيع التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج لاسيما في ظل برامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي تجرى في دول مجلس التعاون وهو ما سوف يسهم في جذب الاستثمار الأجنبي إليها ويوسع القطاعات غير النفطية التي تستفيد من الخبرات والاستثمارات لدول الآسيان ويشجع شركاتها على الانتقال أو التوسع في الخليج.

      ومن جانب دول مجلس التعاون فإن استثمارات صناديق الثروة السيادية الخليجية في دول آسيان أخذت في الآونة الأخيرة بالنمو بحيث أصبحت دول هذه المنطقة المستفيد الرئيسي من هذه الاستثمارات إلى جانب الهند، كما تقوم صناديق الثروة السيادية بفتح مكاتب جديدة في آسيا لمراقبة الاستثمارات والبحث عن فرص جديدة لاسيما في سنغافورة وإندونيسيا، وأن زيادة استثمارات صناديق الثروة السيادية الخليجية هذه سوف يؤدي إلى تشجيع التبادلات السياسية لحماية هذه الاستثمارات.   

مجلة آراء حول الخليج