array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات الخليجية-الإفريقية: الأبعاد والدلالات

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

لا شك في أن العلاقات العربية - الإفريقية، علاقات عريقة تعود جذورها إلى أيام الفتح الإسلامي ووصول العرب المسلمين من شبه الجزيرة العربية إلى القارة الإفريقية سواءً أكانوا فاتحين أم تجاراً، وقد كان التواصل الثقافي يؤشر إلى وجود علاقات اجتماعية وثقافية تأسست بين العرب والأفارقة، وقد تميزت تلك العلاقات بالوثيقة نظراً لقرب بعض الثقافات الإفريقية مع الثقافة العربية ولا سيما في شمال إفريقيا وامتداد العرب المسلمين على طول ضفاف البحر الأبيض المتوسط ليصل عبر المحيط الأطلسي إلى الضفة الأخرى حيث أسسوا دولة الأندلس.

لا شك في أن أثر العرب المسلمين لا يزال يمثل حقيقة تاريخية وثقافية لها دلالاتها المميزة في ثقافة الشعوب الحالية، وحيث تشعر الشعوب الإفريقية بأنها أقرب الشعوب إلى العرب والمسلمين الذين أعطوا لهذه القارة مكانة مميزة في التاريخ الإسلامي، كما أن الشعوب الإفريقية أسهمت بشكل كبير في بناء الحضارة الإسلامية، فضلاً عن مواقف بعض ملوكها الإيجابية من الدعوة الإسلامية في عهدها الأول، حيث احتضن ملك الحبشة طلائع الهجرة الأولى للمسلمين، كما كان لإفريقيا مواقف مشرفة في دعم قضايا العرب في العصر الحديث لا سيما قضية فلسطين، كما أن إفريقيا ما زالت تنظر إلى الجزيرة العربية باحترام وتقدير عاليين بوصفها مركز الدعوة الإسلامية ومركز إشعاعها إلى مشارق الأرض ومغاربها.

 أولاً: العلاقات الخليجية-الإفريقية تواصل مستمر

إن العلاقات الخليجية-الإفريقية تتمحور عن طريق استمرارها الديناميكي وتفاعلها المشترك مبلورة أبعاداً اجتماعية وثقافية وسياسية لم تعد تهم الشعوب في هاتين المنطقتين إنما تمتد إلى المجتمعات الإنسانية بكاملها لما لهذه العلاقات من دور في ربط قارة آسيا بإفريقيا، وقد توغل كثير من الخليجيين في القارة الإفريقية عن طريق العلاقات الدبلوماسية مع الدول، حيث تحظى هذه الدول بعلاقات وممثليات مميزة مع كل دول الخليج العربية، كما تحظى هذه العلاقات بمكانة كبيرة على مستوى التجارة والاستثمار وتوغل الجمعيات الخيرية في مختلف المجتمعات الإفريقية، إذ كان أهل الخليج وما زالوا سباقين في تقديم العون والمساعدة إلى السكان في إفريقيا كما تفعل دولة الكويت والمملكة العربية السعودية وغيرهما، فإن هذا الدعم قد ترك بصمات واضحة على توثيق العلاقات بين القارة الإفريقية ومجتمعات الدول الخليجية، لكن هذه العلاقات الوثيقة سواء بأبعادها التاريخية أو الثقافية أو السياسية أضحت تمثل أهمية بالغة في عصر انبثقت فيه تكتلات سياسية واقتصادية واسعة، فلم تعد القومية أو الوطنية أو الإثنيات تمثل حقائق مانعة لمثل هكذا علاقات أخذت تتفاعل في عصر العولمة الذي تجاوز كل تلك المسميات والثقافات الفرعية، وأن العولمة نفسها عندما تدفع إلى تعامل الإنسان مع الإنسان على أسس جديدة من الرؤى المتغيرة فإن مقولة الثقافة الواحدة باتت تعبر عن رغبة الدول الكبرى في تعميمها على الكرة الأرضية.

وقد كانت لمثل هذه الدعوات تضمينات ثقافية في الدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمعات النامية مما أثار دعوة كثير من الإثنيات إلى المطالبة بحقوقها وإبراز خصوصيتها مما أدى إلى نشوب صراعات عرقية ودينية في القارة الإفريقية، وبالتالي دفع كثير من الدول المتنفذة في العالم إلى مد نفوذها السياسي إلى القارة وتحريك هذه الصراعات بما يضمن مصالحها ويحقق لها مكاسب اقتصادية وثقافية تسيطر من خلالها على جزء مهم من خريطة العالم القديم. وبقدر ما أسهمت به السياسات الأمريكية والغربية في نشر مبادئ الديمقراطية بقدر ما أثارت التصادم والتصارع بين الإثنيات الإفريقية وعلى نطاق واسع، فضلاً عن وجود تصورات مشابهة من هذا التوغل في المشرق العربي ومحيطه الإقليمي كما هو في العراق، إذ أخذت تمتد هذه التأثيرات في أجزاء واسعة من آسيا، شجعها على ذلك ما يعانيه قطاع واسع من الشعوب الآسيوية من مشكلات داخلية كما في الهند وأفغانستان وباكستان وغيرها، ما جعل عملية الصراع قائمة ومتفاعلة وأخذت تترك آثاراً واضحة على التوازنات الإقليمية التي باتت تشكل خطورة على منطقة الخليج، ولذلك فإن تطور العلاقات الخليجية-الإفريقية ينبغي أن يأخذ منحى جديداً في الخريطة السياسية الدولية تتعدى آفاق الثقافات القومية أو الدينية وغيرها لتأخذ نطاقاً أوسع يتطابق مع ما هو مطروح على الساحة الدولية بظروفها الجديدة (ظروف التكتلات) وبما يعطي تصوراً مميزاً لتواصل أوثق بين العرب والأفارقة، حيث إن شكل العلاقات الإفريقية-الخليجية ينبغي أن يستند إلى ركيزة ثقافية، مستمداً ذلك من تراث التاريخ الذي يربط هذه الشعوب ببعضها بعضاً وتكوين قنوات تواصل تكون بمثابة إسناد بين هذه الشعوب كجزء أساسي من التوازنات القادمة في عالم متغير.

 ثانياً: العلاقات الخليجية في عالم التكتلات

قد لا يكون التكتل العربي-الإفريقي يأخذ في الوهلة الأولى أهمية البعد السياسي بقدر ما يأخذ أهمية البعد الثقافي والاجتماعي، فعملية التواصل الثقافي بين الطرفين في عصر تعصف به الأطماع تبقى قيد الاهتمام الثقافي والاجتماعي حينما يكون تأويل ذلك يرجع إلى عمق هذا التواصل في دلالاته التاريخية لا سيما إذا نظرنا إلى الروابط العميقة في مجال الدين والجغرافيا والتاريخ، وهي مسألة ينبغي أن تأخذ أبعاداً أكثر فاعلية إذا فهمنا أن السياج الإفريقي في الضفة الأخرى للبحر الأحمر يمثل ضرورة تاريخية وثقافية وسياسية ينبغي أن تأخذ مساحتها على الصعيد العالمي كسند حقيقي لقضايا العرب في عالم بات يتشابك مع بعضه بعضاً عبر العولمة. وإذا كانت عملية فهم البعد الثقافي تأخذ عند كثير من المهتمين بالدراسات المستقبلية حيزاً فاعلاً للتأثير في رسم خريطة التكتلات الدولية القادمة فلا يمكن أن نغفل أهمية الضفة الشرقية من البحر الأحمر وانحدارها إلى المحيط الهندي وما يمكن أن تشكله من محط أنظار وأطماع كثير من القوى الدولية المتصارعة على مصادر الطاقة النفطية، فإن ذلك التواصل في مجمله يشكل مصلحة حيوية للأمن القومي للجزيرة والخليج العربي، كما أن ذلك يأتي بأهميته الاستراتيجية رداً على التوغل الإسرائيلي-الأمريكي في القارة السمراء وبوسائل مختلفة وتحت مسميات شتى، إذ إن الامتداد الصيني أيضاً بات حقيقة في الساحة الإفريقية مما ينذر بوجود صراعات دولية على أرض القارة الإفريقية وما يمكن أن يشكله ذلك من مخاطر تصل آثارها إلى المشرق العربي بكامله، فقضية السودان الساخنة وما يهدد أرضها من تجزئة وانفصال جزء حيوي منه يمثل تهديداً استراتيجياً مستقبلياً لأمن الوطن العربي ومنفذاً حيوياً للتلاعب بمقدرات الشعوب العربية في مشرقها ومغربها، فالصراعات السياسية والإثنية والدينية التي أخذت تتأجج في أجزاء أُخرى من تلك القارة تمثل أيضاً في بعدها السياسي المستقبلي استهدافاً للعلاقات العربية-الإفريقية، وتضع العالم المتغير في القارتين الإفريقية والآسيوية أمام تحديات جديدة في زمن صعب، مما ينبغي ألا تغيب عنا تصورات وأبعاد ودلالات ذلك أهمية وضرورة العلاقات الخليجية-الإفريقية لا سيما حينما تكون هذه العلاقات تأخذ مساراتها الصحيحة للتخفيف من التوترات المستقبلية في مناطقها فكلما توثقت هذه العلاقات ضعفت التحديات التي تواجه هذه العلاقات في أي لحظة.

 ثالثاً: العلاقات الخليجية-الإفريقية وآفاق مستقبلية

لا أحد يستطيع أن ينكر أن التواصل الثقافي بين المنطقتين العربية والإفريقية له حضور متفاعل على صعيد الحاضر لما يحمل من اعتبارات جوهرية تمس قضية بناء علاقات متكاملة مع الأفارقة في ظرف دولي يسعى كل طرف فيه إلى التحرك نحو هذه القارة مما يجعل فضاء العلاقات العربية-الإفريقية يأخذ بعداً شاسعاً تمتد جذوره التاريخية إلى عمق الوجود العربي الإسلامي ضمن خريطة العالم القديم، كما يأخذ أبعاده الحيوية في التاريخ الحديث عندما كانت المنطقة العربية وعبر مصر نقطة تواصل بين الغرب والشرق، ولا شك في أن الغزوات الاستعمارية التي شهدها الخليج من البرتغاليين وغيرهم كانت تريد الاستيلاء على هذه المنطقة أو لتأمين الطريق إلى الهند، وقد أثر ذلك في توسع المد الاستعماري في إفريقيا على نحو ما، لذا كانت تلك العلاقات القائمة بين العرب والأفارقة تلتقي في هدف محوري هو مكافحة الاستعمار والسعي لنيل الحرية، فكانت منظمة عدم الانحياز ومن ثم منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الكثير من الدول الإفريقية، وكذلك الوحدة الإفريقية مؤشر إلى وجود تلاحم شعبي واسع النطاق بات ضرورة كبيرة في المرحلة المعاصرة، حينما أخذ هذا الاستعمار يمد أذرعه بأساليب جديدة إلى المنطقتين الإفريقية والعربية على حد سواء، لذا أصبح من الضروري أن يأخذ التواصل الإفريقي – العربي ولا سيما الخليجي مساحة أوسع في خريطة التكتلات الاقتصادية والسياسية بآفاقها المستقبلية، فمن ينظر إلى خريطة العالم اليوم يجد أن وسائل الاتصال المتطورة أخذت تصل إلى كل زاوية يتواجد فيها الإنسان على الكرة الأرضية، راسمة صورة جديدة من العلاقات القائمة على أساس تصورات عابرة للقارات وفق أيديولوجية تروج للنظام العالمي الجديد وأنظمة العولمة المختلفة. وفي هذا الظرف لا يمكن إغفال أهمية التواصل بين العرب والأفارقة ولاسيما أن جهود أهل الخليج الرسمية وغير الرسمية تركت آثاراً إيجابية في ذاكرة الشعوب العربية والإفريقية، لذا لا بد من النظر إلى ما يجري على الأرض اليوم سواءً في الشرق الأوسط أو على الساحة الآسيوية والإفريقية وبروز قوى جديدة فيها أخذت تتململ بدعم غربي لصد المد الصيني وقوته المتنامية في كثير من بقاع الأرض ولا سيما في إفريقيا، لذا ينبغي أن تكون حصة الوجود العربي-الإفريقي المشترك المدعوم بأبعاده الثقافية مسألة حيوية يحسب لها حساب جدي في خريطة المستقبل. 

مقالات لنفس الكاتب