array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

البعد الأمني في العلاقات الخليجية - الإفريقية

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

يخطئ من يظن أن العلاقات بين دول الخليج والقارة السمراء تقتصر على النواحي الاقتصادية فحسب. صحيح أن هناك تطلعات لدى الدول الخليجية نحو توسيع فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية سواء في مجال الطاقة أو المعادن أو الموارد الطبيعية في إطار التسابق الدولي والإقليمي لتعزيز العلاقات مع تلك الدول التي تمثل بحق فرصة ضائعة يسعى الجميع إلى الاستفادة منها وتعزيز مكاسبه قدر المستطاع، لكن هناك بالإضافة إلى ذلك بعداً مهماً في العلاقات الخليجية - الإفريقية قلما يتم التطرق إليه وهو البعد الأمني.

إن الموقع الجغرافي المتميز لمنطقة الخليج يجعلها تؤثر وتتأثر بما يدور ويحدث في المناطق المجاورة لها أو المناطق التي فيها مصالح استراتيجية مهمة بالنسبة لدول الخليج العربية، بما في ذلك القارة الإفريقية، وبصفة خاصة منطقة القرن الإفريقي.

ويمكن من خلال هذا المقال إلقاء الضوء على أبرز القضايا الأمنية محل الاهتمام المشترك بين الجانبين الخليجي والإفريقي، ثم تناول بعض الآليات التي يمكن من خلالها تفعيل التعاون بين الجانبين خاصة في المجال الأمني.

 أولاً: القضايا الأمنية محل الاهتمام المشترك بين الخليج وإفريقيا:

لا شك في أن القارة الإفريقية تحوي بين جنباتها أكثر بؤر الصراع خطورة في العالم وتشهد أطول الحروب الأهلية في بلدان تعد الأكثر فقراً‏، وقد‏‏ ترتبت على هذه الحروب أوضاع سياسية مضطربة وهجرات بشرية منقطعة النظير.وبحكم الموقع الجغرافي لبؤر الصراع المختلفة التي تعج بها القارة الإفريقية، فإن احتمالات تأثيرها في مناطق الجوار والمناطق التي تعتمد عليها من حيث الممرات –مثل منطقة الخليج- تبدو قوية، بحيث يمكن القول إن ثمة انعكاسات أمنية ملحوظة – سواء مباشرة أو غير مباشرة- على دول الخليج نتيجة للأوضاع الأمنية المختلفة التي تشهدها القارة السمراء في أكثر من منطقة.

وقد أفضى هذا الوضع إلى وجود قضايا أمنية عديدة محل اهتمام مشترك بين الجانبين الخليجي والإفريقي، لعل أبرزها يتمثل في:   

 1- أمن الطاقة:

تتعدد المخاطر التي تهدد أمن الطاقة لتشمل التهديدات الإرهابية باستهداف أماكن إنتاج النفط والكوارث الطبيعية والحروب والصراعات... إلخ، إلا أن أهم وأخطر تحد يواجه أمن الطاقة هو ما يتعلق بتأمين خطوط النقل والإمداد.

وفي هذا السياق، تكتسب منطقة القرن الإفريقي بشكل خاص أهمية حيوية من الناحية الجغرافية- الأمنية بالنسبة لدول الخليج، نظراً لأن دول هذه المنطقة تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية. ومن ثم، فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة.

ويكتسب مضيق باب المندب أهميته في عالم النفط من كمية النفط المارة به والتي تقدر بحدود 3.5 مليون برميل يومياً، وكونه يقصر المسافة التي تقطعها حاملات النفط بنحو 60 في المائة، حيث إن إغلاقه سيجبر ناقلات النفط على الدوران حول إفريقيا وسيرفع تكاليف نقل النفط بشكل كبير. ويعد المضيق هدفاً للإرهابيين الذين هاجموا حاملة نفط فرنسية عام 2002. وعلى الرغم من أنه يمكن لأنبوب النفط السعودي الشرقي الغربي، الذي ينقل كميات قد تصل إلى 4.8 مليون برميل يومياً، أن يغطيه، إلا أن إغلاقه سيؤثر في النفط المتجه جنوباً والقادم من إفريقيا.

 2- أمن البحر الأحمر وعمليات القرصنة:

تشترك بعض الدول الخليجية وخاصة السعودية واليمن مع بعض الدول الإفريقية في إطلالها على البحر الأحمر، بالإضافة إلى بعض الدول العربية الأخرى مثل مصر والسودان والأردن، مما يجعل البحر الأحمر عمقاً للأمن القومي لتلك الدول العربية، حيث يعد من الناحية الجيواستراتيجية أهم ممر ملاحي لنقل النفط العربي إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وغيره من الصادرات والواردات الأخرى.

وقد تعرض أمن البحر الأحمر خلال الأعوام الأخيرة لتهديد خطير تمثل في عمليات القرصنة البحرية التي زادت بشدة في عام  2007 ثم ارتفعت بشكل أكثر حدة منذ بداية عام 2008، وكان من أخطر تداعياتها عملية القرصنة التي تعرضت لها ناقلة النفط السعودية (سيروس ستار) العملاقة والتي كانت تحمل شحنة نفط بما قيمته 100 مليون دولار.

ولا شك في أن هذه الأعمال الإجرامية قبالة سواحل الصومال وفي المياه الدولية للبحر الأحمر وأمام خليج عدن ضد السفن التجارية المارة تشكل حالة من الإرباك والتداعيات الخطيرة على سلامة وأمن البحر الأحمر وعلى استمراره كممر مائي آمن للتجارة، وأيضاً على المصالح الاستراتيجية للدول المطلة عليه أو تلك التي تعتمد عليه بشكل رئيسي في تجارتها الدولية.

ولذلك يعتبر أمن البحر الأحمر وبصفة خاصة مكافحة عمليات القرصنة إحدى القضايا الأمنية الملحة التي تتطلب من الجانبين الخليجي والإفريقي تكثيف التعاون من أجل مواجهتها واحتواء نتائجها الكارثية.

 3- خطر الإرهاب وحركات العنف والتطرف:

تؤكد العديد من التقارير الأمنية والاستخباراتية أن قارة إفريقيا وبصفة خاصة منطقة القرن الإفريقي ستكون الملاذ المحتمل بعد أفغانستان لتنظيم القاعدة وللجماعات المرتبطة به؛ بسبب ضعف سيطرة  الحكومات في تلك المنطقة على أراضيها. وتؤكد تقارير أخرى أن عملاء (القاعدة) الخاملين بانتظار أوامر بالنشاط في هذه المنطقة، وأن ثمة صلات تربط بينهم وبين (القاعدة) في كافة أنحاء القارة. ومن السهولة بمكان أن تنشأ صلات بين تلك الخلايا وعناصر تنظيم القاعدة في اليمن مما يفاقم من التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها دول الخليج العربية، ويجعل من التهديدات التي أطلقها تنظيم القاعدة ضد هذه الدول في عام 2005 أمراً واقعاً.

وإضافة إلى تنامي خطر الإرهاب، ثمة تحد آخر لا يقل خطورة وقد تكون له انعكاساته السلبية على دول الخليج، يكمن في تنامي خطر حركات العنف والتطرف في القارة الإفريقية، خاصة بعد بروز القوى الإسلامية في بعض دول القارة، ومطالبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية، سواء أكان ذلك في السودان أو الصومال، والخوف من أن تمتد هذه التجارب إلى مناطق أخرى مجاورة، بما في ذلك منطقة الخليج.

 ثانياً: آليات تعزيز التعاون الأمني بين الخليج وإفريقيا:

يمكن في هذا السياق طرح بعض الآليات من أجل تفعيل التعاون الأمني بين دول الخليج ودول القارة الإفريقية في إطار مواجهة التحديات الأمنية المشتركة التي تواجه الجانبين، وذلك على النحو التالي:

 1- تفعيل الدبلوماسية الخليجية لحل النزاعات في القارة السمراء:

اتضح مما تقدم أن أحد التهديدات الأمنية التي يمكن أن تؤثر في دول الخليج يتمثل في الأوضاع الأمنية المضطربة والتي تعاني منها بعض دول القارة الإفريقية وانعكاساتها المحتملة على مناطق الجوار. ولذلك، فإن إحدى الآليات التي يمكن أن تقوم بها دول الخليج في هذا الشأن هي المساعدة في حل بعض الصراعات التي تعج بها القارة. وثمة سبل عديدة يمكن أن تنتهجها دول الخليج في هذا الشأن، منها تفعيل الدبلوماسية الخليجية في طرح مبادرات لحل تلك الصراعات واستضافة مؤتمرات لبحثها، على غرار ما قامت به دولة قطر بتقديم بعض الحلول لإنهاء النزاع في دارفور، صحيح أنها لم تفلح في حل الصراع، لكنها خطوة مهمة يجب تكرارها على نطاق خليجي أوسع في التعامل مع النزاعات التي تشهدها بعض دول القارة السمراء والتي يمكن أن تكون لها انعكاسات على دول الخليج.

وفي السياق ذاته، من المهم أن تكون الدول الخليجية طرفاً رئيسياً في أي استراتيجية لتحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأحمر وممراته ومنافذه، حيث إن خطورة أعمال القرصنة لها تأثيراتها المباشرة على النفط الذي يعتبر المصدر الاقتصادي الرئيسي لدول الخليج، كما أن لها تداعياتها غير المباشرة المتمثلة في إمكانية امتداد أعمال القرصنة إلى منطقة الخليج العربي.

وهناك أيضاً الدبلوماسية الخليجية الاقتصادية، من خلال تقديم المعونات والمساعدات للدول الإفريقية، وبالفعل تقوم دول الخليج العربية بدور ملموس في هذا الصدد ممثلة في صناديقها الإنمائية في التنمية الإفريقية. وإضافة إلى ذلك، من المهم حضور دول مجلس التعاون الخليجي، أو تمثيل نفسها في منظمة (الإيقاد) على شاكلة شركاء (الإيقاد) الغربيين، لأن الحضور والتفاعل الخليجي بخصوص قضايا القارة وبصفة خاصة القرن الإفريقي، سوف يساعدان على إيجاد أرضية مشتركة للتعاون والتفاعل والتنسيق بين الجانبين في المستقبل.

 2- إنشاء منتدى أمني خليجي-إفريقي:

إحدى الآليات المقترحة لتطوير التعاون الأمني بين الخليج وإفريقيا، هي إنشاء منتدى أمني بين الجانبين، بحيث يكون هذا المنتدى منبراً للتلاقي وتبادل الآراء الأمنية حول القضايا محل الاهتمام المشترك والتي تحمل تهديدات أمنية مشتركة، وأن يمثل فيه المسؤولون المختصون من كل جانب، ويعقد بالتناوب بين دول الخليج ودول القارة الإفريقية.

إن مثل هذه المنتديات أثبتت جدارتها في كثير من التجمعات الإقليمية، وبخاصة في جنوبي شرق آسيا، ويمكن لهذا الملتقى أن يضع تصوراً لمجمل القضايا الأمنية المشتركة بين الجانبين الخليجي والإفريقي، لاسيما التي تواجه البحر الأحمر وكيفية حلها، ثم بعد ذلك يمكن وضع هذه المقترحات موضع التنفيذ.

وتكمن أهمية إنشاء هذا المنتدى في التغير واسع النطاق الذي شهدته البيئة الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة بحيث أصبحت الدول تواجه قائمة طويلة من مصادر التهديد والقضايا غير التقليدية من عولمة وإرهاب ومشكلات بيئية والتي لا يمكن لدولة واحدة مهما بلغت درجة تقدمها مواجهتها بمفردها وإنما لا بد من وجود قدر أكبر من التعاون بين الدول والتجمعات الإقليمية المختلفة للتعامل معها. والأهم من ذلك هو أن أفضل سبل مواجهة تلك الأنماط من مصادر التهديد لن يكون من خلال الأداة العسكرية أو الأدوات الدبلوماسية التقليدية وإنما إيجاد حوار بشأنها أولاً لإدراك مخاطرها، وثانياً للتعاون في مواجهتها، وهذا هو الهدف الرئيسي وراء إنشاء مثل هذا المنتدى.

 3- تكثيف الاهتمام البحثي والأكاديمي بالعلاقات الخليجية - الإفريقية:

إحدى الآليات المهمة التي تمهد لتفعيل العلاقات الخليجية - الإفريقية خاصة على المستوى الأمني لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، هي أن يكون هناك اهتمام مكثف على المستوى الأكاديمي بقضايا القارة الإفريقية خاصة ذات التأثير –سواء المباشر أو غير المباشر- على المصالح الخليجية، حيث من شأن هذا المجهود أن يمد صانع القرار في دول الخليج بالمعلومات والدراسات والآراء اللازمة لاتخاذ القرار المناسب في التعامل مع تلك القضايا.

ومما يساعد على ذلك أن بعض دول الخليج توجد فيها الآن مراكز بحثية ذات مستوى راق ومعترف بها على المستوى العالمي يمكنها أن تقوم بهذه المهمة على أكمل وجه. لكن الأمر الملاحظ أن الجانب الأعظم من برامج وأولويات تلك المراكز غالباً ما يكون موجهاً لعلاقات الخليج بالدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى كل ما يخص أمن الخليج وشؤون العراق وإيران على وجه التحديد، وهذا أمر في حد ذاته طبيعي بالنظر إلى أن تلك القضايا تمس مباشرة أمن الخليج، لكن يجب أن يمتد هذا الجهد إلى نظرة أبعد تأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يؤثر في أمن الخليج، بما في ذلك قضايا القارة السمراء.

ونخلص مما سبق إلى أن هناك ترابطاً أمنياً وثيقاً بين الخليج وإفريقيا يتجلى بشكل واضح في القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين الخليجي والإفريقي وما يواجهانه من تحديات أمنية تتطلب التنسيق التام والتعاون الفعال بينهما سواء من خلال المؤسسات الإقليمية والدولية التي تجمع بين الطرفين أو من خلال استحداث أطر وآليات جديدة يمكن للجانبين من خلالها مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.

مجلة آراء حول الخليج