array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

هجمات الحوثيين جعلت البحر الأحمر ورقة للتأثير في الأمن الإقليمي وللمساومة الإيرانية ـ الأمريكية

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

تصاعدت التوترات بين ميليشيا الحوثي في اليمن والولايات المتحدة بعد أن استولى الحوثيون على طاقم سفينة شحن تجارية في 19 نوفمبر 2023م. وقاموا بشن هجمات – باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ وقوارب صغيرة – على السفن التجارية والسفن الحربية البحرية في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية في العالم للتجارة الدولية. ادعى الحوثيون في البداية أنهم كانوا يستهدفون السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها لإظهار التضامن مع الفلسطينيين في غزة. وردت الولايات المتحدة في 18 ديسمبر بإطلاق عملية "حارس الازدهار"، وهي تحالف يضم أكثر من 20 دولة مكلف بحماية الشحن الدولي. وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن مهمة التحالف هي "التصدي بشكل مشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بهدف ضمان حرية الملاحة لجميع البلدان وتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين".

وأطلقت القيادة المركزية الأمريكية ما أسمته الضربات المتعددة الأطراف والضربات الديناميكية داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن ومرافق التخزين، كما حذر بايدن اللاعبين الإقليميين المدعومين من إيران، بما في ذلك الحوثيين، من توسيع حرب الشرق الأوسط بين إسرائيل وحماس في غزة، لكن الهجمات استمرت، وزعم قادة الحوثيين أن الضغوط الأمريكية لن تغير هجماتهم في البحر الأحمر، الذي يمر عبره حوالي 30 % من الشحن التجاري العالمي.

وفى حين أعلنت الولايات المتحدة أن الأسلحة المستخدمة من قبل الحوثيين هي إيرانية الصنع وقد زودتهم بها طهران، إلا أن واشنطن تصرح بأنها غير متيقنة مما إذا ما كانت هجمات الحوثيين مرتبطة بأوامر من طهران أم لا.

وفى هذا الإطار تثار الأسئلة حول ما هي أهداف الحوثيين من هجمات البحر الأحمر، وما هي تداعيات تلك الهجمات بالنسبة لإيران؟ وما هي التداعيات على البحر الأحمر كممر مائى هام؟ وهل ترتبط العمليات الحوثية بالعملية الإسرائيلية في قطاع غزة؟ وهل أثرت عليها؟

 لا يمكن تحليل ما يحدث في البحر الأحمر من اضطرابات بفعل هجمات الحوثيين بمعزل عن الاستراتيجية الإقليمية لإيران في الشرق الأوسط، وطموحات التوسع والنفوذ الإقليمى وتوسع العمق الاستراتيجي لها، ولا بعيداً عن السياسة البحرية لإيران.

أولاً: الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر:

لأهمية منطقة البحر الأحمر وخليجي عدن وعمان في ضمان تدفق إمدادات النفط والغاز اللازمة لتحقيق أمن الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه المنطقة الجغرافية ركيزة مهمة في الحفاظ على الاقتصاد والتجارة الدوليين. وعلى الرغم من أهمية هذه المنطقة البحرية في الحفاظ على الأمن العالمي.

أن الاضطرابات الحالية ستؤثر في المقام الأول على طرق التجارة وسلاسل التوريد بين أوروبا وآسيا، فيمر عبر هذه المنطقة البحرية سنويًا ما يقرب من 12% من التجارة العالمية و30% من حركة الحاويات العالمية.  وقد أدت تلك الهجمات إلى تعطيل الشحن البحري العالمي بشكل كبير من خلال إجبار العديد من شركات النقل على تعليق العبور عبر البحر الأحمر وقناة السويس والسفر بدلاً من ذلك عبر طريق رأس الرجاء الصالح ومن ثم فإن استمرار عدم الاستقرار في البحر الأحمر سيؤدى إلى حدوث صدمات للتضخم، من خلال عوامل دفع التكلفة، وارتفاع تكلفة السلع التي تتطلب مدخلات من آسيا والشرق الأوسط، مما يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومن ثم حدوث صدمة ثانية في الأسعار على غرار ما حدث في أعقاب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. وسيترتب على توقف حركة الشحن العالمية في منطقة البحر الأحمر وتحول إلى منطقة رأس الرجاء الصالح أي رحلات شحن أطول، مما تعني المزيد من الطلب على الوقود، كما أن القيود المفروضة على الشحن تعني المزيد من القيود على العرض، أى محدودية العرض وارتفاع التكاليف لكل وحدة.

ثانياً: موقع البحر الأحمر في السياسة البحرية الإيرانية:

لقد كان النفوذ البحري منذ فترة طويلة نقطة اهتمام إيران، ومؤخراً عملت إيران على انتهاج سياسة بحرية توسعية وأكثر نشاطاً، وجاءت توجيهات المرشد الإيراني على خامنئي عام 2017م، لقادة البحرية الإيرانية ثم تعليماته مؤخراً في نوفمبر 2023م، الماضي لكافة مؤسسات الدولة لتعكس أهمية الممرات المائية والبحار في الاستراتيجية الإيرانية، والتي لا تنفصل عن أهداف الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط. فقد دعا خامنئي القادة العسكريين إلى توسيع القدرات البحرية، وفى أحد الاجتماعات مع قادة البحرية، قال خامنئي إن البحرية يجب أن تعزز أصولها وقدراتها من حيث المعدات العسكرية والقوة القتالية، كما شدد على ضرورة توسيع عمليات البحرية في المناطق الحرجة مثل ساحل مكران وبحر عمان، وحث البحرية على الحفاظ على وجودها في المياه الدولية. وقد أخطر خامنئي الجهات الحكومية (من سلطة تنفيذية ممثلة في إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي، والبرلمان، والسلطة القضائية) بالسياسات الجديدة التي يجب أن تنتهجها طهران والتي تهدف إلى الارتقاء بالمشاريع البحرية إلى مستوى جديد.

لذا ركزت إيران بشكل متزايد على تطوير قدراتها البحرية في السنوات الأخيرة، وربما يكون تخفيف العقوبات بعد رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي قد ساعد طهران على الاستثمار بشكل أكبر في قواتها البحرية، بما في ذلك السفن الحربية والغواصات. وأعلنت البحرية الإيرانية عن سعيها لتصنيع سفن حربية لإطلاق الصواريخ تسمى سيبار وغواصة تحمل اسم فاتح.

وفى إطار السياسة التوسعية البحرية لإيران تبرز أهمية توظيف جماعة الحوثى، حيث من خلال الأعمال العدائية لهم بالبحر الأحمر حيث تقوم إيران بالتأثير في الملاحة البحرية في منطقة خليج عدن وباب المندب ومن ثم البحر الأحمر، والتاثير على مصالح الدول المتشاطئة. لذا تسعى طهران لمد تأثيراتها على الملاحة من منطقة خليج عمان ومضيق هرمز في الخليج العربى على منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وهو ما يفسر سعى طهران لتعزيز علاقتها بالسودان ودول القرن الإفريقي.

وبتطور الهجمات حتى الأن، نستنتج تزايد الصواريخ الباليستية الإيرانية المضادة للسفن وهي في خدمة الحوثيين بإصدارات جديدة، كما صنعت إيران صواريخ كروز منخفضة التكلفة. فضلا عن طائرات شاهد بدون طيار والأنواع المشابهة ضد السفن المتحركة. كما إن إرسال طهران سفينة حربية إلى البحر الأحمر يأخذ استعراض القوة الإيرانية في المنطقة إلى مستوى آخر في تحدى القوات الأمريكية، رغم أنها لا ترغب في مواجهة مباشرة مع واشنطن. لقد عملت إيران على نقل الصراع في الشرق الأوسط للميدان البحري كذلك كجزء من استراتيجية لإظهار قوتها في المنطقة.

ويبرز ذلك من محاولات استعراض القوة البحرية للحرس الثوري في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز وتطوير سفن بحرية وفرقاطات متطورة، وتطوير أنظمة صاروخية مضادة للسفن، ومن جهة أخرى تحاول استعراض القوة البحرية عبر مرور السفن الإيرانية عبر المياه الدولية. فقد سبق أن أعلنت البحرية الإيرانية نية الإبحار في منطقة القطب الجنوبي، إلى جانب وجودهم بالقرب من الحدود البحرية للولايات المتحدة في المحيط الأطلسي. وتأتي هذه الإجراءات في إطار الجهود الرامية إلى استعراض قوتهم والرد على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربى، ولكن مؤخراً تحاول إيران استعراض تواجدها في خليج عدن ومضيق باب المندب بما يؤثر على أمن البحر الأحمر، والمناطق البحرية الأخرى.

تعتبر إيران أن إعادة تموضعها ضمن النظام العالمى الجديد الذي تسعى لتشكيله مع القوى الأخرى كالصين وروسيا، يعتمد في جزء منه على نجاحها في السيطرة على البحار والممرات المائية الهامة، فقد سبق وصرح قائد القوات البحرية في الحرس الثورى علي رضا تنكسيري إنه يجب السيطرة على البحر إذا أرادت إيران التأثير في هندسة النظام العالمي الجديد، كما أكد أن المرشد الإيراني قد أمر بالانتقال من الخليج نحو الخليج، والبحار والمحيطات الأخرى.

كما برزت محاولات إيران لاستعراض القوة من خلال محاولتها إضفاء الفارسية على الخليج العربى، فقد أعلن قائد البحرية الإيرانية أن "أي سفينة ترغب في المرور عبر مضيق هرمز يجب أن تبلغنا بجنسيتها ونوع حمولتها ووجهتها باللغة الفارسية، وإذا فشلت في ذلك فسوف نلاحقها". في غضون ذلك، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن "إيران هي الدولة الأكثر فعالية في ضمان الأمن البحري في الخليج والمياه الإقليمية والدولية. وقد ضمنت دائمًا المرور الآمن للسفن عبر مضيق هرمز".

تدرك إيران أن البيئة الدولية المضطربة هي اللحظة المناسبة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وتشير تصريحات المسؤولين الإيرانيين إلى أن تصرفات إيران في الواقع تتجاوز التعاون الإقليمي لضمان الأمن البحري، وبدلا من ذلك، فإنها تعمل على ترسيخ الهيمنة الإيرانية الأحادية الجانب على المياه الإقليمية. تسعى إيران إلى تهديد الملاحة في الممرات البحرية الحيوية في المنطقة، بما يمكن الطائرات بدون طيار والقوارب السريعة والفرقاطات وغيرها من السفن الصغيرة أن تهدد أساطيل الشحن في المياه الإقليمية، وهو ما يتماشى مع العقيدة العسكرية الإيرانية التي تتمحور حول الحرب بالوكالة، ويفسر ذلك سلوك الحوثيين في البحر الأحمر.

ثالثاً: أهداف الحوثيين من هجمات البحر الأحمر:

برر الحوثيون هجماتهم على سفن الشحن باعتبارها رد على العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، وأن المستهدف هو وقف العدوان الإسرائيلي. وفى حين لم تتوقف الآلة العسكرية الإسرائيلية حتى الآن، فإن الهدف من هجمات الحوثي ترتبط بأسباب داخلية تتعلق بالسياسة الداخلية في اليمن، وأسباب إقليمية ترتبط بإعادة تموضع الحوثيين كفاعل مؤثر في المنطقة من جهة، ولدى إيران، أي الرغبة في تقديم ذاته باعتباره جماعة مقاومة تناهض إسرائيل وتدافع من أجل قضية عربية أمام الشعب اليمنى وليس جماعة متمردة، ومن جهة أخرى للعب دور مماثل لدور حزب الله اللبناني، ورفع مكانته لدى إيران باعتباره قادر على التأثير في أمن البحر الأحمر، حيث لا توجد سيطرة إيرانية به.

كما يستهدف الحوثيون بتعريض التجارة الدولية للتهديد في واحد من أهم ممرات الشحن في العالم لتأكيد قدراتهم العسكرية على المسرح العالمي، وتعزيز وضعه كفاعل إقليمى يؤثر على الأمن الإقليمي، لزيادة يمكنهم زيادة نفوذهم على طاولة المفاوضات لتأمين أولوياتهم المحلية.

من شأن هذه الهجمات أن تؤدي إلى تفاقم الوضع في اليمن فهجمات الحوثيين على الشحن البحري، والرد العسكري الأمريكي والبريطاني، قد يؤدي إلى قلب محادثات السلام اليمنية، والتأثير على العملية السلمية برمتها. ومن جهة أخرى فإن تأثير أزمة البحر الأحمر على تكاليف التأمين والنقل للسفن التجارية المسافرة إلى اليمن قد يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع التي يستوردها اليمن، مثل المواد الغذائية، مما يفاقم الوضع الإنساني، فضلا عن أن إعادة واشنطن تصنيف الحوثيين بأنها جماعة إرهابية من شأنه يؤثر على المعونات والمساعدات الإنسانية لليمن.

كما قد تؤدى إلى زيادة التوترات الإقليمية في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة إضرابات بفعل الحرب في غزة من جهة ومهاجمة الميليشيات العراقية للقوات الأمريكية في العراق وسوريا. أن التقلبات الأخيرة في البحر الأحمر قد تحيي شبح القرصنة البحرية، فمع تزايد الحوادث ومع اضطرار السفن إلى تغيير مسارها وتوجيه الموارد العسكرية نحو مكافحة الحوثيين، فقد يظهر فراغ يمكن للقراصنة استغلاله.

 يتصاعد الوضع مع استمرار الحوثيين في هجماتهم وإعلان الولايات المتحدة عن التصدي للهجمات ثم الانتقال لمرحلة مهاجمة الأصول العسكرية للحوثيين. فقد أطلق الحوثيون صواريخ كروز مضاد ة للسفن باتجاه سفينة بحرية أمريكية في جنوب البحر الأحمر فضلًا عن السفن التجارية كما استخدم الحوثيون الطائرات بدون طيار ت في خليج عدن، أعلنت الولايات المتحدة عن ضربات ضد 14 صاروخاً للحوثيين "كانت محملة للإطلاق". كما استهدفت صواريخ مضادة للسفن، كما نفذت بريطانيا والولايات المتحدة، بدعم مرة من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، جولة جديدة من الضرباات. استهدفت العمليات إلى إضعاف قدرات الحوثيين على مواصلة هجماتهم على الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.

وفي 10 يناير اعتمد المجلس القرار رقم 2722، الذي صاغته الولايات المتحدة واليابان، وأدان القرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية، والتي بلغ عددها 24 سفينة على الأقل منذ 19 نوفمبر 2023م، وطالب القرار الحوثيين بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات، وأكد ضرورة احترام الحقوق والحريات الملاحية للسفن التجارية، وفقًا للقانون الدولي.

مما سبق نستنتج أنه في السنوات الماضية كان تركيز الاهتمام الدولي على احتمالات قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، والتأثير الذي قد يخلفه على إمدادات الطاقة العالمية، فحتى الإغلاق المؤقت أو التعطيل العسكري للممر المائي من شأنه أن يتسبب في ارتفاع أسعار الطاقة ويمكن أن يزعزع الاستقرار السياسي في منطقة الخليج العربي، ومع ذلك، لم يكن هناك اهتمام كبير بالنشاط الإيراني في البحر الأحمر، على الرغم من أهمية مضيق باب المندب لشحنات النفط العالمية.

وفى ظل تحول البحر الأحمر إلى نقطة محورية للمنافسة الدولية -خاصة في ظل وجود إحدى عشرة قاعدة عسكرية في القرن الإفريقي، والتي تنتمي إلى العديد من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة، يمكن أن تتصاعد الأعمال العدائية إلى حرب دولية، وتؤدي إلى فرض شروط جديدة على الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر.

إن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وارتباطاً بسياسة إيران التوسعية ومد العمق الاستراتيجي، جعل أمن البحر الأحمر ورقة جديدة للتاثير في الأمن الإقليمى للمنطقة، ومن ثم لن تتخلى إيران عن توظيفها كورقة مساومة مع واشنطن. وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى أهمية بحث آليات جديدة لحل المعضلة الأمنية للبحر الأحمر بالتشارك بين الدول المتشاطئة له ولكن ليس بمعزل وضع الحوثيين ودورهم في العملية السياسية في اليمن من جهة وعلاقتهم بإيران من جهة وعلاقة إيران بالدول العربية من جهة ثالثة.

مقالات لنفس الكاتب