array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

وقفة مع واقع مراكز الأبحاث العربية

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

سيبقى الوضع في دولنا العربية على ما هو عليه من التخبط والعشوائية والمحسوبية في اتخاذ القرارات ورسم السياسات إلى أن يأتي اليوم الذي نؤمن به بدور وأهمية مراكز الأبحاث في تصحيح ورسم مسار تلك السياسات وفق منظور علمي نزيه بعيد كل البعد عن أي اعتبارات أو خلافات أو مصالح شخصية أو فئوية. فما أحوجنا اليوم إلى وجود جهات علمية مستقلة على مستوى عالٍ من الخبرة والحرفية والمهنية تكون مؤهلة لرسم تلك السياسات وعمل دراسة جدوى (إن صح التعبير) لكل قرار أو سياسة يمكن أن تنتهجها الدولة، تقدم إلى الوزارات والحكومات والجهات العليا في الدولة لتكون دليلاً لها ومرشداً علمياً نزيهاً ومحايداً يجعل لقراراتها وسياساتها معنى وجدوى وهدفاً وفاعلية.

هكذا يفكر العالم المتحضر، وهكذا تقدمت الدول المتطورة والتي أصبحت تطال بأمجادها وإنجازاتها السحاب، في الوقت الذي ما زلنا نقبع فيه في أسفل القائمة رغم كل ما لدينا من إمكانات وطاقات مهدورة. ففي هذه الدول المتقدمة لا يوجد قرار أو سياسة تصدر إلا بعد دراسات مستفيضة من معاهد ومراكز أبحاث متخصصة يشرف عليها علماء وخبراء متخصصون في كافة المجالات، يحللون المشكلات المستعصية وفق منظور علمي موضوعي دقيق ثم يقدمون حلولهم وتصوراتهم إلى القيادة السياسية التي تقوم بدورها باتخاذ القرار السليم بكل سهولة ويسر وثقة. فالمسؤول أو متخذ القرار في تلك الدول ما هو إلا موظف يكون له حق القرار الأخير في تشكيل وإقرار تلك السياسات، وهو بمثابة حلقة في سلسلة طويلة من المراحل والخطوات المتبعة في رسم تلك السياسات والقرارات، وينتهي عمله بانتهاء الفترة المحددة والمخصصة له لتولي هذه المسؤولية القيادية ليتنحى بعدها تماماً، وينخرط بمجتمعه كفرد عادي من أفراد المجتمع يسمع ويطيع وينفذ الأوامر، وليس كما هو حاصل في دولنا العربية التي ما إن يستلم المسؤول فيها مقاليد المسؤولية إلا وجرّد سيفه لحرب الخصوم، وأطلق لرغباته وطموحاته العنان، وأصبح في ليلة وضحاها ملهماً، يعلم ما كان وما سيكون، وضليعاً كذلك في كل المجالات والاختصاصات، من الخطابة وحتى علم الذرة.

ولذلك نقول إننا اليوم بحاجة فعلية إلى أن نلتفت إلى مراكز الأبحاث، ونشجع وندعم قيامها واستقلاليتها بقوة وإصرار، ولعلنا لا نكشف سراً إذا قلنا إن بلداننا العربية اليوم ليس فيها مركز أبحاث واحد يمكن أن يسد هذا الفراغ أو يقوم بهذا الدور المحوري المهم، وكل ما لدينا الآن هو عبارة عن مراكز أبحاث سقيمة غير مستقلة وغير قادرة على أن تكون بمستوى المراكز العالمية من أمثال مؤسسة (Carnegie) أو (RAND) أو (IISS) أو (GCSP) أو غيرها من المراكز العالمية المعتبرة والمؤثرة، فهذه المراكز العالمية وعلى الرغم من عدم استقلاليتها التامة أيضاً إلا أنها استطاعت بحرفيتها ومهنيتها أن تفرض نفسها، وأن تصنع لنفسها موقعاً مؤثراً في تشكيل السياسات العالمية.

أما مراكزنا العربية القليلة، فهي في معظمها للأسف ليست ذات فاعلية تذكر، ودورها يقتصر فقط على عقد الندوات وإصدار بعض الكتب والمطبوعات الممجدة لهذه الجهة أو تلك من الجهات الممولة، ونتاجها العلمي غالباً ما يذهب إلى رفوف المكتبات من دون أن يستفيد منه أحد. وإذا رفع عن هذه المراكز الدعم المادي الحكومي الذي يستوجب التبعية التامة فإنها ستكون غير قادرة على الاستمرار ذاتياً حتى ليوم واحد، أما باحثو ومفكرو هذه المراكز البحثية فلا يعدون أنفسهم إلا موظفين حكوميين ملتزمين تماماً بسياسة ونهج الجهة الممولة وخطوطها الحمر. وفي ظل هذه الأجواء البحثية غير الصحية يمكننا بالطبع تصور مدى حرية وموضوعية الأبحاث العلمية في هذه المراكز، وبالتالي مدى فائدتها وتأثيرها في المجتمع.

ومن جهة أخرى تعاني مراكز الأبحاث العربية من مشكلة عزوف القطاع الخاص عن الانجذاب إليها أو الاستثمار فيها، وذلك لأسباب عدة ربما يأتي في مقدمتها التكلفة المادية العالية وقلة المردود المادي لهذا النوع من الأنشطة الاستثمارية، وكذلك لعدم قناعة المستثمر بدور وفاعلية هذه المراكز ومدى تقبل الجهات الحكومية لدورها أو حتى وجودها، بالإضافة إلى المعوقات والمحظورات الحكومية الكثيرة الأخرى على هذا النوع من الأنشطة الاستثمارية، وخصوصاً في مجال إصدار الكتب والمطبوعات التي تتناول القضايا والشؤون السياسية والاستراتيجية (وحتى الاقتصادية والاجتماعية) الحساسة، وكذلك في مجال عقد الندوات والمؤتمرات وما تحتاجه من موافقات وإجراءات بيروقراطية تدعو في كثير من الأحيان إلى الإحباط.

والأمر بالطبع لا يخلو من بعض الاستثناءات النسبية لبعض المراكز العربية التي حاولت وتحاول بصورة أو أخرى تحقيق تلك المعادلة الصعبة من المزاوجة بين الفاعلية والاستقلالية، إلا أنه من الصعب القول إنها نجحت بدرجة كبيرة في هذا المجال، لكن يحسب لها على أقل تقدير جهد السعي والمحاولة.

مقالات لنفس الكاتب