array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 195

البحر الأحمر بين الأزمات والحلول

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

أزمة البحر الأحمر والقرن الإفريقي جزء من الأزمات الإقليمية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تلك المنطقة التي تمر بسلسلة من الأزمات المتشابكة والمرتبطة بالصراع الدولي والنزاعات الإقليمية التي تفضي إلى رغبة كثير من دول العالم في بسط السيطرة القائمة على الأطماع والأبعاد الأيدولوجية. والأزمة الحالية التي يشهدها البحر الأحمر، والتي انفجرت إثر العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، هي نتيجة تراكمات قديمة أخذت صورًا مختلفة على مدار حوالي 80 عامًا مضت، والثابت أن هناك قواسم مشتركة بين جميع أزمات المنطقة وعنوانها الرئيسي هو الصراع الدولي والإقليمي على النفوذ والثروات والتمدد ونشر الأيدولوجيات، وبدأت بوجود إسرائيل التي لم تهدأ يومًا منذ عام 1948م، وحتى الآن فهي مستمرة في الحروب ومحاولات التوسع وتطويق المنطقة بكل الوسائل ورفض كل المبادرات العربية للسلام.

ثم جاءت الثورة الإسلامية في إيران نهاية السبعينيات الماضية لتخلق أزمة جديدة في المنطقة، لها توابع كثيرة بدأت بحرب الخليج الأولى مطلع الثمانينيات وما تلاها من تصعيد ومحاولات ما يسمى بتصدير الثورة، ثم سقوط نظام صدام حسين في بغداد، إلى أن ضربت المنطقة عواصف ما يسمى بثورات الربيع العربي نهاية العقد الأول من القرن الحالي تلك الثورات التي فتحت الباب مشرعًا أمام تدخل القوى الدولية والإقليمية في شؤون العديد من الدول العربية بعد أن تحولت إلى دول رخوة تعاني من حروب داخلية واقتصادات هشة وانقسامات وتناحر مذهبي وعرقي.

ثم التهبت المنطقة بالحرب الإسرائيلية الغاشمة الأخيرة على قطاع غزة والمستمرة بلا هوادة في ظل صمت دولي، ودعم أمريكي وغربي، هذه الحرب أعطت الميليشيات المسلحة والدول التي تساندها الفرصة لمحاولة اختطاف الشارع العربي والإسلامي بزعمها الوقوف إلى جوار الفلسطينيين في غزة ومناصرتهم وساعدها على ذلك الموقف السلبي الأمريكي / الأوروبي المؤيد للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وكان البحر الأحمر هو ساحة المنازلة الخلفية لهذه الحرب بين من يزعم معاداة إسرائيل ويضرب مصالحها، وبين القوى الغربية المؤيدة لإسرائيل وكان المتضرر الرئيسي في هذه المنازلة هو الاقتصاد العالمي والدول المتشاطئة على ضفتي البحر الأحمر خاصة العربية منها، وهي دول اتخذت أصلا مواقف صارمة تجاه العدوان الاسرائيلي على غزة. وبدت الدول الكبرى صاحبة المصالح والساعية لترسيخ النفوذ متحمسة للتواجد العسكري، أو ما يسمى عسكرة البحر الأحمر بحجة الدفاع عن الملاحة الدولية وتأمين الممر الملاحي، ساعية لمواجهة جماعة الحوثي صاحبة الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر ، وعليه تم تشكيل "تحالف حارس الازدهار" وتدفقت القطع البحرية العسكرية من بعض دول العالم لمساندة الهدف المعلن وهو حماية السفن التجارية، بينما كثير من الدول يشكك في فاعلية هذا التحالف وأهدافه، وكذلك موقف واشنطن من الحوثيين وإيران قياسًا بمواقف سابقة لأمريكا سمحت لميليشيات الحوثي بالاستمرار في تعاونها العسكري مع إيران، ويؤشر لذلك رفض واشنطن ولندن تقدم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن الذي نجح في حصار الحديدة في مايو 2018م، وكان على بعد ساعات من تحرير الميناء من السيطرة الحوثية، والتمادي الغربي بالتهديد في الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لحماية السيطرة الحوثية ، وميناء الحديدة هو حلقة الربط بين الحوثيين وإيران ومنفذ دخول الأسلحة الإيرانية لجماعة الحوثي في اليمن وهو اليوم منبع الهجمات الحوثية البحرية على خطوط الملاحة الدولية ، بل رفعت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة الإرهاب، وعادت واشنطن ولندن اليوم عبر تحالف حارس الازدهار لتقصف مواقع منصات الصواريخ والطائرات المسيرة في اليمن بزعم إضعاف قدرات الحوثيين وليس استئصال الحركة. 

وفي ظل هذه الأحداث وتطوراتها التي لم تفض إلى حل حاسم، فإن دول المنطقة المعنية قبل غيرها بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي ترى ضرورة التعامل مع جذور الأزمة وليس فروعها أو مجرد افرازاتها، وأن الحل يبدأ بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة بصفة عاجلة، ثم البدء بحل القضية الفلسطينية وفقًا للمبادرة العربية للسلام وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967م، ثم الانتقال إلى حل قضايا المنطقة الأخرى ومنها تفكيك الميليشيات الطائفية المسلحة والأذرع العسكرية للدول الخارجية التي اصبحت بموضع السيطرة في أربع دول عربية، وإيجاد حلًا  للمعضلة اليمنية وإنهاء أزمات الشعب اليمني، وإخراج القوات الأجنبية من سوريا، وبذل جهد دولي صادق لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، وتخفيف عسكرة القرن الإفريقي ومدخل البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب وكل ذلك يتطلب جهودًا دولية وإقليمية صادقة، وبالتعاون مع دول المنطقة وتفعيل دور الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وعلى الأخير أن يكون له دور مؤثر في حل قضايا القرن الإفريقي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بعيدًا عن الأطماع الدولية والإقليمية ومحاولات بسط النفوذ التي بدأت في إيجاد حرب باردة جديدة تشارك فيها أطراف كثيرة فبالإضافة إلى الصراع الأمريكي/ الصيني ـ الروسي، تبحث دول أخرى عن موطئ في المنطقة ضمن هذا الصراع حيث تتغلغل إسرائيل، إيران، إثيوبيا، بريطانيا، وفرنسا وغيرها في منطقة القرن الإفريقي.

ويكتمل عقد الحلول بمشاركة فعالة لمجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن لتفعيل تعاون إقليمي يسانده جهد دولي لنزع فتيل الصراع ومنع إقحام الدول الخارجية في هذا الملف وتحجيم أطماع الدول الإقليمية من التعدي على سيادة الدول المجاورة كما حدث بتوقيع الاتفاقية بين إثيوبيا ودويلة أرض الصومال الانفصالية التي تسعى إثيوبيا من خلالها أن تضع يدها على ميناء بربرة ومساحة 20 كيلو مترًا من سواحل الصومال بما يفتح الباب أمام سوابق في هيمنة الدول الأكبر على الدول الأصغر وكذلك إثارة صراع جديد عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ، وأن يكون للسعودية و مصر الدور المحوري في تكوين النواة للتعاون الجاد والمثمر بين الدول المتشاطئة لحماية أمن البحر الأحمر، وهذا ما أكدت عليه الحلقة النقاشية التي نظمها مركز الخليج للأبحاث مع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في شهر فبراير الماضي حول (أمن البحر الأحمر: التحديات والحلول) والتي ناقشت أسباب الصراعات في حوض البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وقدمت  توصيات مهمة للمساهمة في إيجاد الحلول الواقعية لهذه المنطقة بالتركيز على الجهد الإقليمي خاصة للسعودية ومصر. كما تم إطلاق منتدى من المركزين ليكون منصة لمناقشة أزمات البحر الأحمر والقرن الإفريقي بصفة مستمرة وإيجاد الحلول لها، باعتبار أن الحل الحقيقي لأزمات البحر الأحمر والقرن الإفريقي والحفاظ على أمن هذه المنطقة واستقرارها يأتي من الدول المعنية وعلى أيدي أبنائها بالتعاون مع الدول المحبة للسلام والمنظمات الإقليمية للنأي بهذه المنطقة عن العسكرة والاستقطاب والصراعات.

مقالات لنفس الكاتب