array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 196

3 صراعات رئيسية تحمل مخاطر نووية وحل المعضلة الإيرانية بالتفاهمات لا العقوبات

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

كشفت وزارة الخارجية السعودية في 26 يناير الماضي عن الرؤية التي اعتمدها المجلس الوزاري الخليجي في دورته الأخيرة. واستندت هذه الرؤية على عدة أسس وأهداف كان من بينها "تكثيف الجهود للمحافظة على منظومة عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل". هذا الهدف يعد من الأهداف الهامة المنشود تطبيقها في العالم أجمع وفي منطقة الشرق الأوسط والخليج بصورة خاصة حيث تزداد فيها الصراعات الإقليمية وأحيانًا الأحداث الدامية التي تصل لحد الإبادة الجماعية كما يحدث في غزة.

وحتى نحلل الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف بإخلاء منطقه الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، من المهم أن نستعرض أولًا تقنية أسلحة الدمار الشامل بكافة أنواعها ومدي تأثيرها على البشرية، ثم دور المعاهدات والمنظمات الدولية المناهضة لأسلحة الدمار الشامل خاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تحقيق هذا الهدف وكذا حجم الصراعات والحروب الدولية والإقليمية واحتمالات التهديدات النووية في المنطقة خاصة من جانب إسرائيل وإيران وفي النهاية نقدم توصيات لتحقيق الأمن الإقليمي لدول الخليج.   

أسلحة الدمار الشامل

تشمل الأسلحة القادرة على إحداث إبادة جماعية لآلاف من البشر وتدمير وسائل الحضارة الحديثة والضرر الجسيم بالبيئة. وتأتي الأسلحة النووية على رأس أسلحة الدمار الشامل خاصة بعد استخدامها في هيروشيما وناجازاكي من قبل أمريكا عام 1945م، لتدمير المدينتين اليابانيتين وقتل ما يقرب من نصف مليون إنسان.

الأسلحة النووية

هي أشرس وأخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل والإبادة الجماعية. تمتلك حاليًا 9 دول ما يقرب من 14 ألف رأس نووي من أنواع مختلفة كافيه لتدمير الحضارة البشرية الحديثة عدة مرات. وتأتي روسيا على قمة الدول المالكة لنصف هذه الأسلحة يليها الولايات المتحدة الأمريكية و7 دول أخرى بأعداد أقل (بريطانيا – فرنسا – الصين – إسرائيل – الهند – باكستان – كوريا الشمالية). وهناك أكثر من ثلاثون دولة أخرى تملك قدرات نووية ربما تكون قادرة في المستقبل على صناعة أسلحة نووية إذا اضطرتها الظروف لذلك.

وهناك عدة أنواع من الأسلحة النووية سنذكرها بترتيب قدرتها التدميرية:

  1. القنابل الهيدروجينية (Hydrogen or Thermonuclear Bombs):

تعد هذه القنابل الأكثر تدميرًا من أي أسلحة تدميرية أخرى. وهي مصنعه من مواد خفيفة كالهيدروجين ونظائره وتعتمد في عملها على نظرية الاندماج النووي لأنوية المواد الخفيفة مثل ما يحدث في الشمس. وحتى يتوفر شرط الاندماج فلابد أن تصل درجة الحرارة لأكثر من مليون درجه مئوية ولهذا فلابد من وجود قنبلة نووية انشطارية بداخلها للوصول لهذه الدرجة الحرارية. وتصل قدرة التدمير لهذه القنبلة عدة ملايين من الأطنان من ماده ال TNT المتفجرة. وفجرت أول قنبلة هيدروجينية في التاريخ في كاسيل برافو في الولايات المتحدة في أول مارس 1954م، وكانت قوتها تعادل 15 ميجا طن من مادة TNT.

ويمثل هذا النوع حوالي 80% من القنابل النووية المدمرة.

 

  1. القنابل الذرية / النووية الانشطارية Fission Atomic Bombs)):

هي أول قنابل صنعت في تاريخ البشرية وتعتمد على انشطار أنوية البلوتونيوم أو اليورانيوم العالي التخصيب (من نظير 235). وتم تفجير أول قنبلة منها في 16 يوليه 1945م، من مادة البلوتونيوم كأول اختبار لها في صحراء نيو مكسيكو بالولايات المتحدة والتي استخدمت أول قنبلة نووية ضد البشر من اليورانيوم العالي التخصيب (little boy) على مدينة هيروشيما اليابانية يوم 6 أغسطس 1945م، وبلغت قدرتها التدميرية حوالي 15 ألف طن من مادة TNT وأعقبتها بإلقاء قنبلة نووية أخرى من البلوتونيوم (Fat man) على مدينة ناجازاكي اليابانية وبلغت قدرتها التدميرية لحوالي 20 ألف طن من مادة TNT. ونتج عن استخدام القنبلتين خسائر بشرية فادحة على مدى سنوات لأكثر من نصف مليون شخص بخلاف التدمير البالغ للمدينتين.

 

  1. القنابل النيوترونية (Neutron Bombs):

هي نوع خاص من القنابل النووية تتميز بإطلاق كمية كبيرة من النيوترونات دون إطلاق طاقة كبيرة مدمرة للمنشآت. وتستخدم لإبادة البشر دون تدمير المباني أو البنية التحتية. وحتى الآن لم تستخدم هذه القنابل ولكن احتمال استخدامها وارد إذا أرادت دولة احتلال دوله أخرى بإخلاء البشر منها دون تدمير منشآتها للاستفادة منها.

 

  1. قنابل اليورانيوم المنضب (Depleted Uranium Bombs):

هي قنابل لا انشطارية ولا اندماجية ولا نيوترونية ولكنها تصنع من اليورانيوم المحتوي على نسبة من النظير 235 أقل من نسبته في الطبيعة (نسبته في الطبيعة تصل ل 0.71% أما اليورانيوم المنضب فنسبته أقل) وينتج أغلبه من عملية تخصيب اليورانيوم وكذا عملية معالجة الوقود النووي المستهلك لاستخلاص البلوتونيوم. ويستخدم هذا اليورانيوم كجزء هام من الصواريخ ذات القدرة الكبيرة على الاختراق وأيضًا الرصاص في الأسلحة الفردية لاختراق أجسام البشر. كما أن الاشعاعات الناتجة من اليورانيوم رغم محدوديتها مقارنة بالأسلحة النووية الأخرى إلا أنها تأثر على البشر والأجنة على المدى البعيد.  وحسب تصنيف أسلحة الدمار الشامل فإن أسلحة اليورانيوم المنضب تعد أحد أسلحة الدمار الشامل. وقد استخدمت في العديد من الحروب الحديثة منها استخدام الولايات المتحدة لها في حروبهـا في العراق واستخدام إسرائيل لها في لبنان وفلسطين وأيضًا حديثًا في الحرب الأوكرانية / الروسية.      

 

  1. القنابل القذرة (Dirty Bombs):

هي أسلحة تقليدية يثبت فيها مواد عالية الإشعاع ناتجة من الفضلات النووية المختلفة خاصة من الوقود النووي المستهلك من المفاعلات النووية أو النظائر المشعة المستخدمة في المستشفيات وغيرها من الفضلات المشعة. وتهدف إلى تلويث المنطقة المستهدفة بالإشعاع. ويطلق أحيانًا على هذه القنبلة أنها قنبلة الفقراء لأنها لا تحتاج لإمكانيات ضخمة. وهناك عدد من الدول فكرت في هذا النوع واستخدامه في صواريخ عادية أو إلقائها في الأنهار لإحداث الرعب والدعاية الإعلامية المؤثرة. ولكن حتى الآن لم يعرف رسميًا استخدامها ولكنها تعتبر تهديدًا نوويًا محتملًا. 

 

  1. القنابل النووية التكتيكية:

هي أسلحة نووية صغيره الحجم والقدرة وأغلبها قنابل انشطارية وتستخدم في ميدان الحروب الإقليمية المحدودة المساحة لتدمير أهداف استراتيجية. ولا تصل الإشعاعات الناتجة عنها للدول المجاورة.  

 

  1. القنابل الاستراتيجية:

هي قنابل نووية ضخمة أغلبها هيدروجينية محملة على صواريخ باليستية أو صواريخ عابرة للقارات أو طائرات خاصة أو سفن أو غواصات. وهي قادرة على إحداث تدمير هـائل للمدن والمنشآت والبشر مثل قنبلتي هيروشيما وناجازاكي 

 

الأسلحة الكيماوية المدمرة

هي أسلحة تستخدم مواد كيماوية سامة للقتل والحرق أو الإصابة الخطيرة للبشر والأضرار الكبيرة للبيئة. وهي تشمل الغازات السامة كالسارين والكلور والخردل والمواد السائلة كالفوسيجين والـ VX والمواد الصلبة كالريكترتيل. وتعتبر قنابل النابالم الحارقة والمكونة من البنزين والنفتالين وبالميتات الصوديوم والألمونيوم أحد أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليًا لأنها تسبب حروقًا شديدة للأشخاص وتدمر الأنسجة وتصل للعظام. وعلى مدى التاريخ فقد استخدمت هذه الأسلحة الكيماوية المدمرة في العديد من الحروب كالحرب العالمية الأولى وحرب فيتنام وإسرائيل (خاصة لإجهاض المقاومة الفلسطينية) والعراق (الحرب ضد الأكراد) وذكر أيضًا أنها استخدمت من قبل المهاجرين للولايات المتحدة ضد الهنود الحمر. وهناك حديثًا ادعاءات باستخدامها في سوريا.

 

     الأسلحة البيولوجية المدمرة

هي أسلحة تستخدم كائنات حية أو فيروسات أو سموم مشتقة منها لتسبب أمراضًا مدمرة للبشر والحيوانات والنباتات والبيئة. ومن مكونات هذه الأسلحة بكتريا الجمرة الخبيثة وفيروس الجدري والطاعون والكوليرا. وقد استخدمت هذه الأسلحة منذ قرون خاصة في تسميم الأنهار. وذكر محاولات لألمانيا لنشر وباء الطاعون في روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى وكذا محاولة إسرائيل لنشر وباء الكوليرا في مصر عام 1946م، وحديثًا ذكر أن وباء الكوفيد الذي تسبب في أضرار بالغة في العالم من 2020م، ومازال سببه أحد الدول الكبرى ولكن لم تثبت صحة هذه المعلومة حتى الآن.     

دور المعاهدات والمنظمات الدولية المناهضة لأسلحة الدمار الشامل

  1. منظومة منع الأسلحة النووية:

في 5 مارس عام 1970م، دخلت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية NPT حيز التنفيذ وأصبح عدد الدول الموقعة والمصدقة عليها 192 دولة منها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (أمريكا– روسيا – بريطانيا – فرنسا – الصين) والتي وقعت كدول تملك أسلحة نووية. كما وقعتهـا أيضًا دولة فلسطين وتايوان.  وبما أن المعاهدة كانت اختيارية لكل الدول فكان هناك 3 دول لم توقع عليها هي الهند وباكستان وإسرائيل، وكذلك دولة وقعت ثم انسحبت هي كوريا الشمالية.

 وجنوب السودان لم توقع، لكنها أقرت بالتزامها بـكافة المعاهدات الدولية التي وقعتها السودان قبل الانفصال ومنها هذه المعاهدة. وتشترط المعاهدة على الدول الخمس الكبرى أن تتخلص من أسلحتها النووية ولكن ومع الأسف لم تحدد المعاهدة الفترة الزمنية القصوى للتخلص من هذه الأسلحة. وقد جددت هذه المعاهدة في 11 مايو 1995م، لتصبح سارية إلى ما لانهاية. وعند هذا التجديد وبسبب قلق دول الشرق الأوسط بسبب عدم توقيع إسرائيل على هذه المعاهدة وتملكها لأسلحة نووية غير معلنة فإن شرطًا إضافيًا وضع عند تجديد المعاهدة بخلاف التخلص من كافة الأسلحة النووية في العالم وهو ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة الأسلحة النووية (وأضيف لها وكافة أسلحة الدمار الشامل). وحتى الآن لم ينفذ هذا القرار ومازالت إسرائيل تملك عشرات إن لم يكن مئات من الأسلحة النووية ولا تخضع كافة منشآتها النووية لنظام الضمانات وتفتيش مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وأسندت مهمة التأكد من التزام الدول المصدقة على معاهده منع انتشار الأسلحة النووية للوكالة الدولية للطافة الذرية وهي منظمة دولية مستقلة ضمن منظومة الأمم المتحدة ويبلغ عدد الدول المشاركة فيها 178 دولة ومنها جميع دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل. وتوجد هذه الوكالة في العاصمة النمساوية فيينا وبـهـا قسم كبير هو قسم الضمانات النووية وبه أكثر من 200 موظف للتفتيش على المنشآت النووية في كافة الدول الموقعة على المعاهدات النووية المختلفة خاصة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وبالإضافة لهذه المعاهدة الشاملة فتقوم الوكالة أيضًا بالتفتيش على بعض المنشآت النووية لعدد محدود من الدول منها الدول الخمسة الكبرى والهند وباكستان وإسرائيل طبقًا لاتفاقيات خاصة. ولعبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأدوار هامة لكشف مخالفات لبعض الدول في تطبيق اتفاقياتها النووية منها دول أوروبية غربية ودول في الشرق الأقصى والشرق الأوسط. ورغم الضغوط السياسية على الوكالة فإنها مازالت تحاول تنفيذ دورها بحيادية فنية.

 

  1. منظومة حظر الأسلحة الكيماوية:

في 29 أبريل من عام 1997م، دخلت معاهده حظر الأسلحة الكيماوية المدمرة CWC حيز التنفيذ وأصبح عدد الدول الموقعة والمصدقة عليها 193 دولة (بالإضافة لتايوان) ووقعت إسرائيل على المعاهدة ولكنها لم تصدق عليها في حين امتنعت ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة هي مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان عن التوقيع حتى الآن. وخلافًا لمعاهدة منع الانتشار النووي فإن المعاهدة الخاصة بالحظر الشامل لكافة أسلحة الدمار الشامل الكيماوية تطبق بكافة بنودها على جميع دول العالم المصدقة على المعاهدة دون استثناء للدول الكبرى.

وأسندت مهمة التأكد من التزام الدول المصدقة على المعاهدة إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومقرها في مدينه لاهاي في هولندا وعدد الدول المشاركة فيها 193 دولة ومنها جميع دول الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل. وعلى عكس الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمنوط بها نظام الضمانات النووية كجزء من عملها بالإضافة لأنشطة أخرى هامة في التطبيقات النووية السلمية والأمان النووي وغيرها فإن دور منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ينصب فقط على التأكد من تنفيذ الدول المصدقة لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية المدمرة. وتضم هذه المنظمة أيضًا حوالي 200 موظف للتفتيش على المنشآت المرتبطة بأنشطة كيماوية مشاركة أو يمكن مشاركتها في الأسلحة الكيماوية المحظورة. ولعبت أيضًا هذه المنظمة أدوار هامة في التأكد من تخلص عديد من دول العالم من مخزوناتها من المواد المشاركة في الأسلحة الكيماوية المدمرة. وقد شاركت هذه المنظمة في التأكد من استخدام عدد من الدول لأسلحة كيماوية محظورة خاصة في الشرق الأوسط وإن كان هناك من يتهم المنظمة بتأثر بعض استنتاجاتها الفنية لضغوط سياسية.        

 

  1. منظومة حظر الأسلحة البيولوجية:

في 26 مارس 1975م، دخلت معاهده حظر الأسلحة البيولوجية BWC حيز التنفيذ وأصبح عدد الدول الموقعة والمصدقة عليها 185 دولة كانت أحدثها جمهورية جنوب السودان. وهناك 10 دول لم توقع أو تصدق على هذه المعاهدة منها إسرائيل.  والمنظمة المسؤولة عن هذه المعاهدة هي منظمة حظر الأسلحة البيولوجية المدمرة ومقرها في جنيف وعدد أعضائها حاليًا 185 دولة ولكن بسبب افتقار المعاهدة لبنود تتيح لموظفي المنظمة بالتفتيش المباشر على الدول الأعضاء أسوة بمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية فإن دور هذه المنظمة يقتصر على تشجيع الدول الأعضاء على الامتثال بالمعاهدة وتقديم تقارير دورية وفي حالة الاشتباه لأي مخالفة فتقوم المنظمة بالتحقيق فيها وتقييم النتائج. وبسبب افتقار المنظمة لأدوات التفتيش فهي لم يكن لها دور واضح حتى الآن في اكتشاف مخالفات للمعاهدة رغم الانتشار الإعلامي لعديد من الادعاءات الغير مؤكدة مثل انتشار فيروس الكوفيد حديثًا.

أهم الصراعات العالمية والإقليمية وتأثيرها على الأمن في منطقة الخليج العربي  

  1. الحرب الروسية / الأوكرانية:

تعتبر هذه الحرب هي من أخطر الصراعات الحالية لأنها تشمل روسيا وهي أكبر دولة تملك أسلحة نووية في العالم، وأوكرانيا المدعمة من الغرب ودول حلف الناتو ذات القدرات النووية الفائقة. وقد بدأت أحداث هذه الحرب في فبراير 2014م، عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم ثم دعمت روسيا انفصال جمهوريتي دنيستك ولوهانسك عن أوكرانيا ثم بدأت الحرب العسكرية المباشرة بين البلدين من يوم 24 فبراير 2022م، واستطاعت القوات الروسية تحقيق العديد من الانتصارات وضم 4 ولايات لجمهورية روسيا الاتحادية. كما استولت روسيا على موقع تشرنوبيل شمال أوكرانيا بما فيه من كميات ضخمة من الوقود النووي المستهلك والحاوي على كميات كبيرة من البلوتونيوم. وفي الجنوب استولت القوات الروسية على أكبر موقع للطاقة النووية في أوروبا وهو موقع محطة زابوروجيا وبه 6 مفاعلات روسية الصنع وهي تمثل أكثر من 50% من قدرات المحطات النووية في أوكرانيا أو حوالي 20% من كهرباء أوكرانيا الكلية. والموقف هناك غاية في الخطورة حتى الآن خاصة مع الدعم الكبير من الغرب لأوكرانيا مع وجود احتمال ضم أوكرانيا لحلف الناتو أو إنشاء قواعد عسكرية نووية في أوكرانيا وهو ما دعا روسيا للتهديد باستخدام أسلحتها النووية التكتيكية في هذه الحالة. وأثناء هذه الحرب توافرت معلومات بـمد الدول الغربية لأوكرانيا بأسلحة اليورانيوم المنضب مما دعا روسيا أيضًا للتهديد باستخدام هذا السلاح. وقد صرح حديثا الرئيس الروسي بوتين بانه قد تم تحديث 95% من القوات النووية الاستراتيجية الروسية.  الحرب الروسية الأوكرانية لها تداعيات كبيرة على الأمن العالمي وكذا الأمن الإقليمي الخليجي والذي يرتبط بالعديد من الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية والاقتصادية مع الطرفين.     

 

  1. الصراع الهندي/ الباكستاني:

بسبب النزاع على إقليم كشمير دارت عدة حروب بين البلدين والمالكتين لأسلحة نووية مدمرة. ومازالت أسباب هذا الصراع قائمة حتى الآن مما يشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا خاصة للأمن الإقليمي لدول الخليج المجاورة. وينضم للصراعات في هذه المنطقة في بعض الفترات مشاكل على الحدود الأفغانية / الإيرانية وكذا توترات عسكرية بين إيران وباكستان.   

 

  1. الصراعات الإسرائيلية / الفلسطينية:

وهي القضية الأولى للعرب وأكبر مصدر مقلق للأمن العربي الخليجي من عشرات السنين. وجاءت الحرب الأخيرة في غزة والتي تجاوزت فيها إسرائيل كل مبادئ الإنسانية وارتكبت جرائم إبادة جماعية للفلسطينيين بما فيهم من أطفال ونساء وشيوخ لتظهر أهمية الوصول لحل عادل لهذه القضية. قد يكون هذا الصراع هو الأخطر لأمن الخليج للدعم التاريخي لشعوب ودول الخليج والدول العربية الأخرى للقضية الفلسطينية منذ بدايتها عام 1948م. وعلى مدى سنوات عديدة وعلى لسان عدد من المسؤولين في إسرائيل عن تملك إسرائيل لأسلحة نووية مدمرة ومنها تصريح أحد وزرائها حديثًا عن إمكانية استخدام إسرائيل لأسلحتها النووية في الحرب في غزة ولعدم وجود توازن في قوى السلاح النووي في المنطقة ورفض إسرائيل المستمر بالتوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط غير الموقعة مما قد يؤدي إلى تطوير دول أخرى برامجها النووية للوصول لأسلحة نووية مثل إيران وغيرها لتحقيق هذا التوازن النووي المفقود من عشرات السنين.

 

  1. الدور الإيراني في المنطقة:

بالقطع إيران بتاريخها العسكري القديم والحديث لها دور هام في الأمن الإقليمي لمنطقه الشرق الأوسط خاصة الأمن الإقليمي لدول الخليج.  إيران مشاركة في العديد من الصراعات الإقليمية الحديثة منها الحرب مع العراق 1980 – 1988م، ثم دعمها لبعض الفصائل في الصراعات في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وغيرهم. وقد آثار برنامج إيران النووي القلق والشكوك القوية لدى العديد من دول العالم في سلمية هذا البرنامج. والحق إنه لم يكتشف حتى الآن أدلة فنية قوية على وجود برنامج نووي عسكري في إيران رغم أنها استطاعت الوصول لتكنولوجيا نووية عالية في مجالات متعددة خاصة في التخصيب مما يؤهلها وبسهولة من تغيير برامجها النووية السلمية إلى إنتاج الأسلحة النووية في حالة اتخاذها القرار بذلك. في آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير 2024م، ذكرت الوكالة أن إيران تمتلك أكثر من 120 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب بدرجة 60% وأكثر من 5 طن من اليورانيوم المخصب بدرجات تخصيب متفاوتة هو يعني أن إيران يمكنها في حالة اتخاذها للقرار أن تحول هذه المادة لأكثر من 3 قنابل نووية خلال أسابيع وقد تصل لست قنابل خلال شهرين. ومن هنا يجب عدم تجاهل قدرات إيران النووية والحذر في التعامل معها. وقد كانت اتفاقية 2015م، بين دول الخمسة زائد واحد مع إيران هي الاتفاقية الأفضل لكل الأطراف قبل تعاظم القدرات والمواد النووية الهامة في إيران الآن ولكن ومع الأسف تم الانسحاب منها عام 2018م، من قبل الرئيس الأمريكي ترامب ومن هنا أصبحت إيران غير مقيدة في برنامجها النووي رغم استمرار الوكالة الذرية في مهامها التقليدية والمحدودة للتأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني. وفي تقديري أن إنهاء القلق من البرنامج النووي الإيراني لن يكون عن طريق العقوبات أو التهديد بالتدخل العسكري –خاصة من قبل إسرائيل-بل يكون بالوصول لاتفاقيات معها تدعم دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التأكد من سلمية برنامج إيران النووي وكذا التفاهم السياسي حول إنهاء الدعم الإيراني لعدد من الفصائل المشاركة في الصراعات الداخلية لبعض دول المنطقة.

 

بخلاف هذه الصراعات فهناك صراعات في مناطق أخرى مثل الشرق الأقصى (خاصة بسبب التهديدات النووية لكوريا الشمالية) وإفريقيا وغيرها.  وقد يكون لهذه الصراعات تداعيات على الأمن الإقليمي لدول الخليج وباقي الدول العربية خاصة الصراعات في العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا وغيرهم مما يدعو للاهتمام والمشاركة في حل هذه القضايا. 

 

توصيات اجتهادية لتحقيق الأمن الإقليمي لدول الخليج:

التوصيات المقترحة هنا تعبر عن وجهة نظر شخصية من واقع خبرتي في مجال العمل الدولي في منظومة الأمن النووي العالمي لعشرات السنين:

  1. التقدم في البرامج النووية السلمية خاصة في مجال توليد الطاقة الكهربية وتحلية المياه وكذا إنتاج النظائر المشعة المستخدمة في الطب والصناعة والزراعة وغيرها من التطبيقات والاهتمام بالتصنيع النووي خاصة صناعة وقود اليورانيوم وتخصيبه ومعالجته وهذه الأمور تؤدي لتحقيق العديد من الأهداف خاصة في مجال البيئة والاقتصاد وتطوير المجتمع بخلاف الأمن.
  2. تأهيل كوادر شابة متخصصة في المجال النووي وكذا في مجالات مناهضة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل المختلفة.
  3. الإعداد لتجهيزات فنية في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل – خاصة الأسلحة النووية – مثل إنشاء المخابئ والمباني المحصنة والمستشفيات المتخصصة وأدوات إذالة الإشعاع والتلوث الإشعاعي والكيماوي والبيولوجي.
  4. بالتعاون مع بقية الدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط ودول العالم الثالث التهديد بالانسحاب من معاهده منع انتشار الأسلحة النووية ووقف التفتيش على كافة منشآتها النووية إذا استمرت إسرائيل في رفضهـا الالتحاق بهذه المعاهدة وهو الشرط الذي بناء عليه وافقت هذه الدول على مد توقيعها للمعاهدة إلى ما لانهاية.
  5. ربط تحسين العلاقات مع إسرائيل بإيقاف برنامجها النووي العسكري والتخلص من كافة أسلحتها النووية.
  6. التوازن في العلاقات السياسية الدولية بين الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والكتلة الشرقية بزعامة روسيا والصين لتفادي الانحياز لأي طرف لو حدث نزاع نووي عسكري بين الكتلتين خاصة بسبب أزمتي أوكرانيا وتايوان.
  7. إعادة النظر في تراخيص القواعد العسكرية على أراضي دول الخليج وتحديد دور أقوى لسلطة استخدام هذه القواعد لمنع استخدامها في الصراعات الإقليمية الدائرة في المنطقة.
  8. التعامل مع دول الجوار خاصة إيران من منظور تحقيق الأمن للجميع والوصول لتفاهمات لإيقاف الصراعات الإقليمية المخلقة من بعض الكيانات الكبرى.
  9. المساهمة في الوصول لحل لأهم قضية في الشرق الأوسط وهي قضية الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة في سلام على أراضيه سواء عن طريق تحقيق دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة أو الدمج العادل مع الشعب الإسرائيلي في كيان واحد على كافة الأراضي التاريخية لفلسطين في دولة ديمقراطية ومتاح فيها كل الديانات ولكل مواطنيها نفس الحقوق والواجبات وفي هذه الحالة وأسوة بتجربة جنوب إفريقيا عندما وافق النظام العنصري فيها على مشاركة الأفارقة ذو البشرة السوداء في حكم البلاد مما أدى لتفكيك أسلحتها النووية وإلغاء برنامجها النووي العسكري.
مقالات لنفس الكاتب