array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 197

توجهات روسيا مرتبطة بشخص بوتين وتفتقد لمؤسسات تنفذ استراتيجيات طويلة المدى في إفريقيا

الإثنين، 29 نيسان/أبريل 2024

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني منذ أن اجتاحت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية في فبراير ٢٠٢٢م، وتأثر العالم بشكل عام نتيجة لهذا الصراع، حيث انعكس ذلك في زيادة حدة الاستقطاب الدولي، وتقليل فرص التعاون الدولي، وكذلك في التجارة وأسعار السلع الأساسية والأوضاع المالية. وتعتبر روسيا وأوكرانيا من الموردين العالميين الرئيسيين للنفط والقمح والأسمدة، ولذلك أثارت الحرب حالة من عدم اليقين في سلاسل التوريد العالمية، واستخدمت لتبرير حظر تصدير المواد الغذائية لبعض البلدان. ساهمت هذه الظروف في ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والأغذية والأسمدة، مما أدى إلى ضغوط تصاعدية على الأسعار المحلية في الكثير من دول العالم. تعتبر هذه الحرب الدائرة أهم حدث عالمي منذ انتهاء الحرب الباردة، وذلك من خلال تداعياتها دولياً والتأثيرات التي امتدت لكل دول العالم بدرجات مختلفة مما يجعل السياق الدولي لفترة ما بعد هذه الحرب مغايراً لما قبلها. يشير العديد من المفكرين أمثال بروفيسور جون ميرشيمر بجامعة شيكاغو بأن واحدة من أهم أسباب هذه الحرب هو التخوف الروسي من السعي الأمريكي ضم أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وجعلها حصناً غربياً على حدود روسيا، كما أن هناك مدرسة فكرية أخرى تعتقد أن الحرب كانت مدفوعة بشكل أساسي بالطموحات الإمبراطورية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لا يقتصر طموحه على المدى الطويل على غزو أوكرانيا فحسب، بل بلدان أخرى أيضًا، وكل ذلك بغرض إنشاء روسيا الكبرى.

إن أحد أهمّ ملامح الواقع الدولي الراهن؛ هو اتساع مناطق المجابهة والتنافس بين روسيا والغرب، حيث لا يقتصر ذلك على الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث يريد الغرب تطويق النفوذ الروسي سواء في نطاقها الحيوي في البلقان، والبحر الأسود، وشرق أوروبا، أو الشرق الأوسط أو حتى منطقة كالقارة الإفريقية. تحاول هذه الورقة أن تقدم لمحة عن ديناميكية هذه الحرب والصراع على التأثير والنفوذ في القارة الإفريقية ومنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص. لقد طرحت الحرب الروسية الأوكرانية جدلاً مثيراً للانقسام حول وضع إفريقيا في السياسة الدولية. لقد ركز نقاش وسائل الإعلام والخبراء على الموقف الإفريقي من الحرب ومدى انحيازها لأحد الطرفين في هذه الأزمة، خاصة مع بروز النزاع الدولي من خلال الوكالة. ليس من المستغرب التنافس بين القوى العالمية الكبرى على إفريقيا، حتى ولو كانت دولها تتطلع إلى منهج جديد في التعامل مع التعددية القطبية، ويتجاوز المنافسة بين القوى العظمى بين الغرب والشرق.

نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية تداعيات اقتصادية كان تأثيرها محسوسًا في جميع أنحاء إفريقيا من خلال الاضطرابات في التجارة، وزيادة أسعار السلع الأساسية، والظروف المالية. هناك تباين كبير في تأثير الحرب بين البلدان الإفريقية، اعتمادًا على الهياكل الاقتصادية ونقاط الضعف على المستوى المحلي. في هذا السياق، تشير مؤسسة "راند" في تقرير لها أن ما يقرب من نصف واردات إفريقيا من المعدات العسكرية ٤٩٪ تأتي من روسيا، في حين أن ٢٠٪ من إجمالي مبيعات الأسلحة الروسية تذهب إلى إفريقيا. لقد حاولت إفريقيا دخول خط محاولات ردم الهوة بين الطرفين، حيث قامت مجموعة رباعية من الزعماء الأفارقة في يونيو ٢٠٢٣م، بقيادة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا بزيارة إلى روسيا وأوكرانيا كجزء من الجهود المبذولة لحل الحرب بين الدولتين. وطرح الوفد خطة من ١٠ نقاط تتضمن إعادة أسرى الحرب والأطفال إلى بلدانهم الأصلية وتصدير الحبوب دون عوائق عبر البحر الأسود، لكن الجهود الإفريقية لم تسفر عن أي نتائج. تبع ذلك انعقاد القمة الروسية / الإفريقية في يوليو ٢٠٢٣م، لدعم سياستها الرامية إلى بسط نفوذها الإفريقي، بحضور ٥٠ دولة إفريقية من أصل ٥٤ دولة، وتواجد رؤساء ١٧ دولة من هذه الدول، وكانت هذه القمة قد انعقدت لأول مرة في عام ٢٠١٩م، لقد أصبحت روسيا تتمتع بعلاقات متطورة مع الدول الإفريقية، حيث يأتي تمتين هذا الحضور في إفريقيا على حساب نفوذ دول أخرى مثل فرنسا، عبر وسائل مختلفة تتضمن تواجد مجموعة فاغنر العسكرية في بعض المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.

 

الصراع الروسي الغربي في إفريقيا

 

انتهجت الدول الإفريقية بشكل عام خطين سياسيين أساسيين تجاه الحرب الروسية / الأوكرانية الدائرة حيث إن هناك دولاً ضدها، وهناك موقفاً آخر محايد تجاه الحرب، بينما أخذت دولتي مالي وأرتيريا موقفًا يؤيد بشكل صريح الحرب الروسية في أوكرانيا. وأظهرت ثلاث عمليات تصويت رئيسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة النهجين اللذين اتبعتهما البلدان الإفريقية. أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارين متتاليين يدينان الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث صوت ما يقرب من ٥٠% من الدول الإفريقية لصالح القرار، بينما اختار النصف المتبقي الامتناع أو التغيب عن التصويت، وفي عام ٢٠٢٣م، صوتت إريتريا ومالي فقط ضد القرار. عكس العدد الكبير من دول الكتلة الإفريقية التي امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة النفوذ المتزايد لروسيا في إفريقيا. لقد انتهزت روسيا مشاعر دول القارة في خضم هذه الحرب والتي تمثلت في الإحساس بالتهميش في المسرح العالمي والمظالم ذات الجذور التاريخية خاصة مع فرنسا، كما أنها قامت بالمبالغة للدول الإفريقية في قدرتها على تقديم فوائد ملموسة. لقد سعى العديد من القادة الأفارقة إلى استقطاب التدخل الروسي بقدر ما سعت روسيا إلى تعميق علاقاتها ووجودها في إفريقيا. إن اهتمام روسيا المتزايد بإفريقيا مدفوع بالرغبة في توسيع نفوذها العالمي وسط انهيار العلاقات مع الغرب بسبب غزوها لأوكرانيا، وتأمين القواعد العسكرية لاستعراض القوة.

لقد كشف تقرير للبي بي سي عن أن روسيا تقدم للحكومات في إفريقيا حزم تمكنها من البقاء في السلطة مقابل الوصول إلى موارد طبيعية ذات أهمية استراتيجية، كما أنها عملت على تغيير قوانين التعدين في غرب إفريقيا، بهدف طرد الشركات الغربية من مناطق ذات أهمية استراتيجية. لقد سيطرت الحكومة الروسية على أعمال مجموعة فاغنر التي وسعت نفوذ روسيا في القارة وقامت الدولة بتفكيكها بعد الانقلاب الفاشل الذي نفذته في يونيو ٢٠٢٣ وتم إعادة تنظيمها تحت مسمى فيلق الاستطلاع الروسي. لقد توسع وجود هذه القوات في العديد من الدول الإفريقية التي تتضمن أنغولا وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا وغينيا بيساو ومدغشقر ومالي، وموزمبيق، والسودان، وزيمبابوي. لقد استغلت هذه القوات الروسية الخاصة الحكومات الإفريقية الهشة وعدم الاستقرار السياسي لترسيخ وجودها في هذه الدول، كما أن روسيا في إطار صراعها مع الغرب دعمت انقلابات في غرب إفريقيا، والتي تتضمن مالي وبوركينا فاسو والنيجر وسعت لتوسيع نفوذها في منطقة الساحل. أدى خروج حكومات الانقلاب اللاحق من الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتهديداتهم بالتخلي عن الفرنك إلى مزيد من العزلة. ومن ثم، فإن تحالف هذه الدول مع روسيا الجديد يهدف إلى توفير الأمن ضد التهديدات الممكنة بتغيير النظام من الداخل أو الخارج.

تقوم فاغنر بدعم هذه الأنظمة غير المستقرة، في مقابل حصولها على امتيازات التعدين والمعادن (مثل النفط والذهب والماس والبوكسيت والليثيوم والكروم)، مما يسمح لها باستغلال ثروات القارة. على سبيل المثال، استطاعت هذه القوات الروسية المتمركزة في مالي بتأمين الوصول إلى أكبر حقل لتعدين الذهب في البلاد وبدأت عمليات الاستخراج، كما أن هناك عمليات مشابهة لتلك في بلدان أخرى، بما في ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وبوركينا فاسو. ووفقًا ٌReport Blood Gold الذي صدر في ديسمبر ٢٠٢٣م، استخرجت روسيا ما قيمته ٢.٥ مليار دولار من الذهب من إفريقيا خلال العامين الماضيين، ومن المرجح أن يكون ذلك قد ساعد في تمويل حربها في أوكرانيا. هناك بعد جيوسياسي واستراتيجي أيضاً حيث تحاول روسيا إزاحة الغرب من السيطرة على الموارد والمعادن الحيوية في إفريقيا. لقد تم إعادة كتابة قانون التعدين مؤخرًا في مالي لمنح المجلس العسكري الحاكم سيطرة أكبر على الموارد الطبيعية، حيث تم إيقاف شركة أسترالية تقوم بالتعدين في مجال الليثيوم. تحاول روسيا أيضاً الحصول في النيجر على امتيازات مماثلة في مجال التعدين عن اليورانيوم والذي يعني حرمان فرنسا من هذا المعدن الإستراتيجي لاقتصادها. تعتمد فرنسا على الطاقة النووية أكثر من أي دولة أخرى في العالم، حيث يوجد بها ٥٦ مفاعلًا نوويًا تنتج ما يقرب من ثلثي الطاقة في البلاد، ويتم استيراد نحو خمس اليورانيوم الذي يتم استخدامه من النيجر. وكان النيجر قد قام بإلغاء اتفاق عسكري في مجال مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة حسب صحيفة وول ستريت جورنال، حيث جاء هذا القرار بعد أن اتهم مسؤولون أمريكيون كبار المجلس العسكري الحاكم في البلاد بالبحث سرًا في عقد اتفاق يسمح لإيران بالوصول إلى احتياطاتها من اليورانيوم.

في هذا السياق وكنماذج تعكس النفوذ الروسي المتزايد فإن رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين آركانج تواديرا لديه حراس شخصيين روس، ويعمل عضو جهاز الأمن الفيدرالي الروسي السابق فاليري زاخاروف مستشارًا له للأمن القومي، كما وقع رئيس موزمبيق فيليب نيوسي عدة صفقات طاقة مع روسيا في عام ٢٠١٩م، كما دعا مجموعة فاغنر للمساعدة في قمع تنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد. واستخدمت روسيا أيضاً دبلوماسية الطاقة بشكل فعال في العديد من الدول الإفريقية حيث إمدادات الكهرباء غير كافية أو غير مستقرة في القارة. لقد بدأت شركة روساتوم بالفعل العمل في بناء محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر بقيمة 29 مليار دولار، حيث اقترضت الدولة ٨٥% من تكلفة البناء من روسيا لتمويل الصفقة. وقعت روساتوم أيضاً اتفاقيات تعاون نووي مع ثمانية عشر دولة (ثلث القارة)، مثل إثيوبيا وغانا ونيجيريا، ورواندا، والسودان، وزامبيا. هناك العديد من رؤساء الدول الإفريقية الذين يرغبون في خلق علاقات وثيقة مع روسيا، بما في ذلك رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نجيسو، ورئيس الجابون علي بونغو أونديمبا، ورئيس مدغشقر أندري راجولينا، ورئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا، ورئيس جنوب السودان سلفا كير، والرئيس ألفا كوندي، رئيس غينيا.

تستخدم روسيا أيضًا على نطاق واسع حملات التضليل التي يتم الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي (مثل فيسبوك وتويتر) لدعم تواجدها وإثارة المجتمعات الإفريقية ضد النفوذ والاستغلال الغربي. لقد نجحت موسكو من خلال عمليات التضليل الإعلامي في النيجر على سبيل المثال، في إقناع حكومتها بطرد القوات الأمريكية من البلاد. كما أن حكومات مالي وبوركينا فاسو الانقلابية قد طردت في وقت سابق القوات الفرنسية وسط تزايد المشاعر المناهضة للاستعمار والإحباط بسبب عدم إحراز تقدم ضد الجماعات الجهادية التي ترهب منطقة الساحل الغربي. في هذا الإطار صرح الجنرال في البحرية الأمريكية مايكل لانجلي، رئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، بأن روسيا تحقق بعض النجاح في القارة الإفريقية. وأشار في سياق أهميتها "إن المعادن الحيوية وممرات شحنها البحري في القارة تزداد أهمية كل يوم فيما يتعلق باستقلال أمريكا التكنولوجي واحتياجات الطاقة. لقد أدت الانقلابات في غرب إفريقيا إلى تشتيت انتباه قوات الأمن في تلك الدول عن قتال المنظمات المتطرفة العنيفة، مما أتاح لتنظيمات ترتبط بالقاعدة وداعش مساحة للتوسع والتحديث وإعادة تشكيل القدرات لتهديد الوطن الأمريكي. إن الشركاء الأسرع نموا مع أمريكا في مجالات التجارة واستكشاف الفضاء والتبادل العلمي يتواجدون في إفريقيا، كما أن شبابها وسكانها المتنامي هم المفتاح لحماية النظام العالمي."

وينظر الزعماء الأفارقة بشكل متزايد إلى العالم في سياق تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، حيث تتنافس العديد من القوى النفوذ وتشمل الصين وإيران وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة وهي من بين الدول التي تقدم نفسها كمستثمرين وشركاء أمنيين وحلفاء. من جهة أخرى، فقدت أمريكا الكثير من نفوذها على إفريقيا حيث أصبحت أكثر تركيزاً على صراعها مع الصين بآسيا ومنشغلة بالحروب في أوروبا والشرق الأوسط. في هذا السياق، تقود الصين حجم الاستثمار في إفريقيا حيث أقرضت الصين الدول الإفريقية في الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٢٢م، حوالي ١٧٠ مليار دولار تم تخصيص ثلثيها للبنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ. واستثمرت الإمارات ما يقرب من ٦٠ مليار دولار القارة الإفريقية خلال العقد الماضي، مما جعلها رابع أكبر مستثمر في ذلك الوقت بعد الصين وأمريكا وأوروبا، بينما أنجزت شركات البناء التركية مشاريع بقيمة ٨٥ مليار دولار في القارة الإفريقية.

تمثل المنافسة على النفوذ بين القوى الكبرى تهديداً كبيراً على الاستقرار وانتشار الحروب في إفريقيا. وحسب معهد أبحاث السلام في أوسلو فقد ارتفع عدد الصراعات في القارة بشكل حاد من أدنى مستوياته النسبية من العام ٢٠٠٠ ليصل إلى ١٠٤ في عام ٢٠٢٢، وهذا هو الأعلى منذ عقود. وكان عام ٢٠٢٢م، العام الأكثر دموية للصراعات بين الدول في إفريقيا منذ أكثر من ٣٠ عامًا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحرب في إثيوبيا بين قوات حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد وقوات حكومة التيقراي.

 

التنافس الغربي الروسي في القرن الإفريقي

 

يأتي الدور الروسي في منطقة القرن الإفريقي في سياق إعادة إنخراطها في المنطقة وسط منافسة دولية شديدة وذلك للأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة. هناك صراع دولي متزايد في هذه المنطقة حيث أصبحت من أكثر المناطق في إفريقيا فيها الأعلى احتمالية لاندلاع النزاعات والحروب. تهتم الولايات المتحدة كثيراً بهذه المنطقة حيث تربط بينها وبين أمنها القومي المرتبط بأمن الطاقة. تهدف مهام القوات الأمريكية في القرن الإفريقي إلى تحقيق هدفين، هما مكافحة الإرهاب، ومكافحة القرصنة، وأنشأت قيادة خاصة بتلك المنطقة تحمل اسم القيادة المشتركة لمنطقة القرن الإفريقي التي تتخذ من جيبوتي مقرًا لها. في هذا الإطار، توجد في جيبوتي قواعد لدول أخرى تشمل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا واليابان، كما طورت الصين منشأة عسكرية تبلغ مساحتها 36 هكتارًا لاستضافة عدة آلاف من القوات الصينية وتوفير مرافق للسفن والمروحيات والطائرات. إن أزمة العلاقات مع الغرب تحفز التنافس بين القوى الدولية في هذه المنطقة. في هذا السياق، شهدت منطقة القرن الإفريقي انهيار حدود دول مع تعقيدات السياسات المحلية والإقليمية، وأصبح التفكك هو الطابع الذي يغلب عليها بشكل متزايد.

إن جهود الانخراط الروسي في المنطقة يشمل قضايا مكافحة القرصنة، والتعاون العسكري، وتجارة الأسلحة، والتعاون في مجال الطاقة النووية، والقوات الأمنية الخاصة. من جهة أخرى، يعد البحر الأحمر منطقة استراتيجية بالنسبة لروسيا، إذ يمر عبر هذه المنطقة ٢٤% من صادراتها النفطية إلى مختلف دول العالم، ولذلك تعتبر أن إنشاء قواعد بحرية على سواحل البحر الأحمر يمكن أن يوفر لها موطئ قدم في هذه المنطقة الحيوية. ومن المتوقع أن تنشئ روسيا قاعدة لوجستية بحرية في إريتريا خلال السنوات المقبلة، حيث تمتد العلاقات بين موسكو وأسمرة عبر مجموعة واسعة من المجالات، تشمل الأسلحة، والطاقة، والمناطق الصناعية، والسياسة الدولية، والرؤية المشتركة لعالم جديد متعدد الأقطاب، والإيمان المشترك بالمؤامرة الغربية ضد البلدين. في هذا الإطار يحتل ميناءا مصوع وعصب الإريتريان نقاطا استراتيجية على البحر الأحمر. لقد تطورت العلاقات بين روسيا وإريتريا بسرعة بعد ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، حيث كان الدبلوماسيون الإريتريون أول من زار القرم في عام ٢٠١٤م، بعد أربع سنوات، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن مفاوضات بشأن إنشاء مركز لوجستي روسي في أحد الموانئ الإريترية ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي كانت الصين مهتمة بها أيضًا. في عام ٢٠٢٣م، زار الرئيس الإريتري روسيا مرتين: الأولى للمشاركة في المنتدى الاقتصادي والإنساني الروسي الإفريقي والثانية للمشاركة مع مجموعة من القادة الأفارقة في يوم الأسطول البحري الروسي في سانت بطرسبورغ. ويعكس تصويت إريتريا لصالح روسيا في الأمم المتحدة عمق العلاقات بين البلدين حيث تصوت لروسيا باستمرار أكثر من سوريا وفنزويلا.

لقد وطدت روسيا علاقاتها مع السودان خلال فترات سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم حيث قامت روسيا في عام ٢٠١٧م، كمثال بالتوقيع على اتفاقية مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر تمثل نقطة إمداد لوجيستي للقوات الروسية. توقف هذا المشروع نتيجة لسقوط نظام الإنقاذ في عام ٢٠١٩م، وما تلى ذلك من بلبلة واضطراب سياسي وأمني وتوجه الحكومة المدنية نحو إعادة ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة. تعكس الحرب الأهلية الراهنة في السودان انخراط أطراف دولية مختلفة في هذا الصراع حيث كشفت وول ستريت جورنال أن قوات خاصة من أوكرانيا تقوم بتدريب عناصر في الجيش السوداني، بينما تتلقى قوات الدعم السريع الطرف الآخر في هذه الحرب والتي تحارب الجيش دعماً من قوات فاغنر. وكانت قوات الدعم السريع قد وفرت الأمن والفرص الاستثمارية للشركات الروسية في مناجم الذهب في السودان، وقبل بدء الحرب الراهنة لم تسجل إلا نسبة ٣٠٪ فقط من الذهب المستخرج في البلاد رسمياً لدى البنك المركزي، بينما لم يكن مسجل ما قيمته حوالي ٤ مليارات دولار سنويا من عائدات الذهب، حيث يشير الكثير من الناشطين إلى أن معظم الذهب المهرب يذهب إلى روسيا. وبحسب ما ورد، جاءت قوات كوماندوس أوكرانية لمساعدة السودان ضد المتمردين المدعومين من فاغنر، حيث تنظر أوكرانيا إلى الوضع في السودان باعتباره وسيلة لتعطيل مصادر الإيرادات الروسية. وأشارت الصحيفة إلى أن سبب الدعم الأوكراني إلى أن السودان كان يزودها بشكل سري بالأسلحة بعد غزو روسيا أوكرانيا في بدايات عام ٢٠٢٢م.

ومن ثم أصبح السودان موقعاً للمواجهة بين القوات الأوكرانية والروسية خارج أوكرانيا. وقال قائد الاستخبارات العسكرية الأوكرانية "أخرجنا كثيراً من الأسلحة من السودان في وقت واحد، وقامت دول مختلفة بتسديد ثمنها. وكانت لديهم مجموعة كبيرة من الأسلحة، وكان يمكنك العثور على كل شيء هناك، من الأسلحة الصينية إلى الأسلحة الأمريكية." لقد أصبح في السودان نتيجة لهذه الحرب أكبر عدد من النازحين في العالم من بينهم ٣.٥ مليون طفل.

 

إن التحركات الروسية تتأثر بالصراع مع الغرب في سياق الحرب الأوكرانية الجارية، ومن ثم تسعى روسيا تعزيز نفوذها وإضعاف التأثير الغربي في المنطقة. لقد بعُدت الشُّقّة بين القوى الدولية إزاء الحرب الأوكرانية التي تجري وتأثرت مناطق كالقرن الإفريقي في سياق هذا التنافس الجيوستراتيجي. يجمع المراقبون على أن الحرب الروسية الأوكرانية أحدثت اهتزازًا سياسيًّا تجاوز تأثيره حدوده الجغرافية منطقة أوروبا، بحيث أدى إلى إعادة توجيه معالم توجهات السياسة الخارجية من أجل الهيمنة والنفوذ للقوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين. من ثم، تعود منطقة القرن الإفريقي إلى البروز مرة أخرى لتشكل مركزا للنفوذ والهيمنة بين القوى الصاعدة والإقليمية وتوازنات القوى الكبرى كما كان يحدث خلال فترة الحرب الباردة، إلا أن هذه المرة تسارع عدم الاستقرار ونمط الصراع من خلال إنشاء القواعد ودعم أطراف الصراع عسكرياً وشراء السلاح...إلخ.

خاتمة:

لقد حصل الرئيس بوتين الذي يتولى السلطة في روسيا منذ العام ٢٠٠٠ م، على فترة رئاسية جديدة مدتها ستة سنوات في الانتخابات الرئاسية منتصف مارس ٢٠٢٤م، ومن ثم تمثل هذه الحرب أكبر خطر على الأمن والسلم الدولي في الوقت الراهن. تزداد هذه الحرب تعقيداً وخطورة يوماً بعد يوم مع انضمام السويد وفنلندا لحلف شمال الأطلسي، وتحذير الرئيس بوتين في مقابلة تلفزيونية من أن روسيا مستعدة لحرب نووية بسبب أوكرانيا، ووصف القادة الغربيين بأنهم "مصاصو دماء" يتذوقون "اللحم البشري". في هذا السياق، تملك روسيا حسب اتحاد العلماء الأمريكيين أكبر ترسانة نووية في العالم إذ تضم ٥٥٨٠ رأسا حربيا، بينما تمتلك الولايات المتحدة ثاني أكبر مخزون في العالم، يضم ٥٠٤٤. كما أن السويد أصبحت الدولة العضو رقم 32 في حلف شمال الأطلسي، بينما انضمت فنلندا في أبريل ٢٠٢٣م، حيث تقدم كلاهما بطلب العضوية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. يعكس ذلك تعقيدات الحرب الراهنة وتأثيرها المباشر على العلاقات الدولية وخطورتها على المستوى الطويل على استقرار النظام الدولي.

على الرغم من الاختراق الروسي لمد النفوذ والتأثير في إفريقيا، لكنها تظل نجاحات قصيرة المدى وليست مضمونة على المستوى الاستراتيجي الطويل الأمد. إن السياسة الخارجية لروسيا تعتمد بشكل كبير على بشخص رئيسها وطموحه والسياق الدولي آنذاك، ولذلك تفتقد روسيا للمؤسسات التي تنفذ سياسات طويلة المدى خاصة في منطقة كإفريقيا. وهناك أسئلة مشروعة تطرح نفسها حول استمرارية النهج الروسي الحالي تجاه إفريقيا ما بعد فترة الرئيس بوتين، وكذلك استقرار وتماسك الدولة الروسية نفسها. سيستمر الصراع الروسي الغربي في إفريقيا وخاصة منطقة القرن الإفريقي مع التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية التي تشوب العلاقات الدولية. في هذا السياق، لا تزال روسيا لاعباً اقتصادياً صغيراً في إفريقيا، حيث إن حجم تجارتها مع القارة وصل إلى حوالي 17 مليار دولار في عام 2021، هو تقريبًا نفس حجم تجارة إفريقيا مع تركيا، ونصف حجم التجارة مع الولايات المتحدة، وأصغر بعدة مرات من حجم التجارة مع الصين والاتحاد الأوروبي.

مقالات لنفس الكاتب