array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مستقبل الطاقة النووية في العالم العربي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

أمر الإسلام باتخاذ القوة التي تحقق العدل والأمن والردع، وتفي بمتطلبات الأمة واحتياجاتها، ومن هذه القوة، القوة النووية التي أصبحت تمثل ضرورة ماسة في واقعنا المعاصر نظراً لأهميتها العديدة في الاكتشافات العلمية، والاحتياجات البشرية.

 تشكل الطاقة النووية على المستوى العالمي 20 في المائة من الطاقة المولدة في العالم، فهي تلبي ما يقرب من 35 في المائة من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي، حتى إن فرنسا وحدها تحصل على 77 في المائة من طاقتها الكهربائية من المفاعلات النووية ومثلها ليتوانيا، بينما تصل هذه النسبة في اليابان إلى 30 في المائة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فالطاقة النووية تتسم بتنوع وتعدد الاستخدامات كتحلية مياه البحر، وتسيير السفن، وتحضير النظائر المشعة ذات الاستخدامات المتنوعة في مجالات الأبحاث والطب والصناعة والزراعة، وأبحاث الفيزياء، ودراسة الظواهر الطبيعية ونحو ذلك. وتشير الاتجاهات العالمية إلى أن زيادة الاعتماد على الطاقة النووية سوف تقلل بحلول عام 2035م من مستوى انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 8 في المائة، وهو ما يوازي إيقاف 60 في المائة من المركبات والمنشآت المتسببة في إصدار غازات الاحتباس الحراري حتى عام 2050م.

 واقع الطاقة النووية في العالم العربي

حيازة الدول العربية للطاقة النووية ليست أمراً مستحدثاً، فقد عرفت مصر المشروع النووي عام 1955 بهدف الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وفي عام 1957 اشتركت مصر كعضو مؤسس في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد ذلك ظهرت محاولات عديدة حتى عام 2002 لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 900 ألف كيلوواط بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، وفي عام 2006 أعلن الرئيس المصري محمد حسني مبارك اعتزام بلاده إقامة محطات نووية بتكلفة 11.5 مليار جنيه لتزويد مصر بالطاقة.

 كما عرفت الجزائر الطاقة النووية من خلال تعاونها مع بعض الدول مثل ألمانيا والأرجنتين وكوريا الشمالية وباكستان لإنشاء مفاعلات بحثية، وكذلك مأساة تجربة العراق التي تحطم مشروعها النووي على يد الكيان الصهيوني في عام 1981، ثم ما نتج عن الاحتلال الأمريكي للعراق من اغتيال وتهجير مئات العلماء والأساتذة الجامعيين والفنيين.

 كما شكل يوم العاشر من ديسمبر عام 2006، نقطة انطلاقة الدول الخليجية لتوظيف التقنية النووية للاستخدامات السلمية، حيث جاء الإعلان الخليجي عن البرنامج النووي المشترك بين دول المجلس الست، وهي: السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، عمان، وقطر، في القمة التي عقدها قادة تلك الدول في الرياض بالمملكة العربية السعودية.

 ووفق هذا التوجه أعلنت دولة الإمارات في ديسمبر 2009 عن فوز تحالف الشركات الذي ترأسه الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو)ببناء أربعة مفاعلات نووية بتكلفة بلغت نحو 20.4 مليار دولار، لتضمن للإمارات الصدارة ليس بين جاراتها في الخليج فقط، بل على مستوى دول الشرق الأوسط، التي تسعى إلى تلبية الطلب المتنامي على الطاقة الكهربائية.

 فبحسب التعاقد مع التحالف الكوري ستعمل أول محطة نووية في منطقة الخليج في إنتاج الكهرباء في عام 2017 لتكتمل المحطات الأربع بحلول عام 2020م. وعقدت الكويت محادثات مع أريفا الفرنسية خلال عام 2009 في حين أبرمت السعودية وفرنسا اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، وكذلك وقعت شركة الكهرباء الفرنسية العملاقة (EDF) مذكرة تفاهم مع قطر في مطلع 2008 للتعاون بشأن برنامج مدني للطاقة النووية.

 وظهر اهتمام الدول العربية بالطاقة النووية واضحاً جلياً في أغسطس 2010 من خلال أعمال الدورة العادية الثانية والعشرينللمؤتمر العام للهيئة العربية للطاقة الذرية، حيث أكد المدير العامللهيئة الدكتور عبدالمجيد المحجوب تصميم الدولالعربية على الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا النووية، موضحاً أن التعاون العربي في هذاالمجال أصبح ضرورة، وأن أغلب الدول العربية لديها برامج نووية وطنية، وتسعى إلى بناءمحطات نووية لإنتاج الكهرباء وإزالة ملوحة مياه البحر. كما أشار الأمين العامالمساعد لجامعة الدول العربية الشاذلي النفاتي إلى اهتمام القادةالعرب بوضع برنامج نووي عربي مشترك وتنمية الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فيالدول العربية. وشدد المؤتمر على دعم الدول الأعضاء لعملالهيئة العربية للطاقة الذرية وبرامجها وأهمية التعاونالعربي في المجال النووي. ورغم كل هذه التوجهات فإنه لا يوجد مشروع نووي قوي ومؤثر ومتكامل في الدول العربية.

 لطاقة النووية بين المزايا والعيوب

في ظل هذا التوجه العربي نحو الطاقة النووية فإن ثمة آراء بهذا الشأن فيرى البعض أن الدول العربية اهتمت بهذا المجال بصورة غلب عليها التأخير خاصة أن العالم يستخدم الطاقة النووية منذ عشرات السنين، بل إن الكيان الصهيوني يملك ترسانة نووية ينوء بحملها العصبة أولو القوة، حيث يمتلك هذا الكيان وحده 200 رأس نووي، كما يرى البعض الآخر أن الطاقة النووية المسموح بها للدول العربية هي للاستخدام السلمي والعرب عندهم من مصادر الطاقة من نفط وغاز ما يكفيهم حالياً ومستقبلاً، ومن ثم فإن ما ينفق في المجال النووي هو تبديد للموارد خاصة أن إنشاء المحطات النووية لإنتاج الطاقة عالي التكلفة مقارنة بالمحطات التقليدية التي تعمل بالغاز أو النفط، حيث إن تكلفة بناء المحطات النووية أعلى بـ 3 إلى 4 مرات من تكلفة بناء المحطات التقليدية، وإن تكلفة بناء مفاعل نووي واحد تصل إلى 20 مليار دولار، وهناك تكلفة تشغيلية وصيانة باهظة تصل إلى 15 مليار دولار.

كما ينظر البعض إلى مخاطر الطاقة النووية متمثلة في المخاوف العامة المتعلقة بالسلامة نتيجة للاستعمال السيئ للطاقة النووية وإمكانية أن تتحول إلى دمار في حالة عدم الالتزام بمعايير الأمان والسلامة أو تم استخدامها للأغراض العسكرية، فضلاً عن صعوبة التخلص الآمن من المخلفات أو النفايات النووية عالية الإشعاع، حيث تبقى مصدراً للإشعاع لملايين السنين، بالإضافة الى عمليات التخزين ومشكلاتها وصعوباتها . فضلاً عن رغبة الولايات المتحدة في عمل اتجاه مواز للطاقة النووية الإيرانية وهو ما ينذر بسباق نووي جديد في المنطقة يعطي الذرائع للولايات المتحدة لمزيد من التدخل في شؤون المنطقة والضغط عليها، فضلاً عما يترتب على ذلك من زيادة تكاليف صيانة مفاعلات الطاقة النووية.

 وفي الواقع، فإنه رغم هذه الهواجس والمخاوف فإن هناك من المزايا ما يدفع بالدول العربية نحو استخدام الطاقة النووية، فإذا كانت الدول العربية تأخرت في الدخول في هذا المجال فإن العودة إليه خير من الاكتفاء بالنظر إليه، فما لا يدرك كله لا يترك كله، كما أن الاستخدام السلمي للطاقة النووية هو مرحلة ننمي فيها خبراتنا وقدراتنا، وما بين الطاقة النووية السلمية والعسكرية شعرة وهو ما يوفر قوة الردع -ولو مستقبلاً- لدى الجانب العربي، هذا بالإضافة إلى التوقعات التي تشير إلى نضوب النفط خلال 80-100 سنة المقبلة.

 كما أن كمية الوقود المطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية هي أقل بكثير من كمية الفحم أو النفط اللازمة لتوليد الكمية نفسها، وتُنتج محطات الطاقة النووية الجيدة التشغيل أقل كمية من النفايات المعروفة بالنفايات المشعة جراء التكنولوجيا النووية، فلديها الاستعدادات لحل مسائل السلامة والتخلص السليم من النفايات المشعة، كما أنها لا تُطلق غازات ضارة في الهواء مثل ثاني أوكسيد الكربون أو أوكسيد النتروجين أو ثاني أوكسيد الكبريت، التي تُسبب الاحتباس الحراري والمطر الحمضي والضباب الدخاني. وكذلك مصدر الوقود النووي (اليورانيوم) مُتوفر بكثرة وبكثافة عالية في المنطقة العربية وهو سهل الاستخراج والنقل.

 الطاقة النووية ضرورة عربية

في ظل هذه المعطيات وما تظهره دراسات الجدوى الاقتصادية من جدوى استخدامات الطاقة النووية حالياً ومستقبلاً في الدول العربية، حيث تعد محطات الطاقة النووية التي تدار بشكل جيد من أفضل مصادر إنتاج الكهرباء فاعلية، فضلاً عن قدرتها على توليد طاقة نظيفة أقل ضرراً على البيئة ومن ثم مقاومة التغير المناخي، بالإضافة إلى التنوع الاستخدامي في المجالات المتعددة، وتوفير متطلبات أنشطة البحث العلمي في الجامعات، ومراكز البحث العلمي من أبحاث النظائر المشعة في المجالات الطبية، وأبحاث الفضاء، والأبحاث الجيولوجية، بالإضافة إلى استخدامها في مجالات الأمن الغذائي، وقدرتها على التطوير الصناعي وتزويد المصانع بالطاقة بأسعار اقتصادية مقبولة، وفتح آفاق جديدة للعمل، ومن ثم توفير فرص عمل ذات قيمة عالية، إلى جانب تعزيز نواحي التنمية المستدامة.

 كل هذا يبرز أهمية الطاقة النووية للدول العربية خاصة في ظل الحاجة إليها في تحلية المياه وتوليد الكهرباء المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي العربي - في ظل التوقعات بأن الحروب المقبلة هي حروب السيطرة على مصادر الطاقة والمياه- فضلاً عن تناقص الاحتياطيات المحدودة من النفط والغاز الطبيعي والفحم، وما يتطلبه ذلك من أهمية تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على الثروة النفطية والغاز الطبيعي فقط، وهو ما يسهم في حماية ثروة النفط والغاز الطبيعي وإطالة عمرها، وكل ذلك يُؤمن مصادر بديلة عن الطاقة للأجيال القادمة.

 بل إن الأمن القومي العربي في أمسّ الحاجة إلى توفير قوة الردع، خاصة في ظل تحذيرات وزير خارجية الكيان الصهيوني من خطورة سعي المملكة العربية السعودية ومصر إلى إقامة برامج نووية، واعتباره إقامة هذه البرامج كارثة على (إسرائيل) يمكن أن تؤدي إلى ما أسماه (يوم القيامة).

 إن الواقع النووي العربي يكشف أن الدول العربية لا ينقصها التمويل أو الكفاءات البشرية، لكنها في حاجة إلى تخطيط استراتيجي نووي موحد ومتكامل لتكوين مظلة نووية عربية موحدة يقوم بنيانها على تشجيع التنسيق العلمي والفني والتكنولوجي بين الدول العربية، والاستفادة من التفاوض الجماعي مع غيرها وتوحيد التقنيات المستخدمة بحيث تسهل تنميتها وتبادلها بين الخبراء العرب. فحيازة العرب للطاقة النووية باتت أمراً لا مفر منه من أجل مواجهة تحديات المستقبل والتصدي بعقلانية لمشاريع الهيمنة.

مقالات لنفس الكاتب