array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الطاقة النووية وتحلية المياه في دول مجلس التعاون

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

 أكد قادة دول مجلس التعاون في الدورة السابعة والعشرين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الرياض عام 2006، على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها منطقة الخليج، مع الإقرار بحق دول المنطقة بامتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، وأن يكون ذلك متاحاً للجميع في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

 أوصى القادة بإجراء دراسة مشتركة لدول مجلس التعاون لإيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية طبقاً للمعايير والأنظمة الدولية. كما قرر قادة المجلس في الدورة الثلاثين التي عقدت في الكويت عام 2009 تفعيل نتائج الاجتماعات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمتعلقة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية.

 وقد اتفقت الأمانة العامة لدول المجلس مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على وضع جدول زمني لثلاثة مشاريع لدول الخليج فى المجالين التقني والفني، لاسيما الخطوات التطويرية للبرامج المتعلقة بالبنى المؤسسية والتشريعات والأجهزة التنظيمية والرقابية المرتبطة بالبرامج الوطنية والإقليمية في مجالات السلامة والأمن والبحث والتطوير المرتبطة باستخدامات الطاقة الذرية.

 ويعد هذا التوجه والمتابعة الحثيثة تأكيداً من قادة دول المجلس على أهمية البحث عن موارد جديدة للطاقة، قادرة على تلبية الطلب المحلي المتنامي، لاسيما إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، حيث إن الاعتماد الكثيف على الطاقة الأحفورية (النفط والغاز الطبيعي) غير المتجددة لا يتوافق مع تطلعات هذه الدول في تحقيق التنمية المستدامة.

 وقد بدأت بالفعل بعض دول المجلس في اتخاذ خطوات جادة نحو استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، لايما إنتاج الطاقة وتحلية المياه، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتفقت مع مجموعة من الشركات الكورية عام 2009 على بناء أربع محطات للطاقة النووية،وحسب الخطة الموضوعة ستبدأ أول محطة لتوليد الطاقة الكهربائية عام 2017م، على أن تدخل بقية المحطات الخدمة عام 2020م. كما أصدرت المملكة العربية السعودية عام 2010 قراراً  بإنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة من أجل تحديد الأولويات والسياسات الوطنية في مجال الطاقة الذرية والمتجددة، وبناء قاعدة علمية تقنية في مختلف المجالات، لاسيما توليد الطاقة وتحلية المياه.

 معضلة المياه العذبة في دول المجلس

لعل من أهم ما يدعو دول المجلس إلى استخدام الطاقة النووية هو النقص الحاد في المياه العذبة وإيجاد بدائل للطاقة الأحفورية في مجال تحلية المياه، هذا المورد الحيوي الذي لا غنى للمجتمعات الحضرية عنه، وذلك لتأثيره البالغ في النمو السكاني وتوزيعهم الجغرافي ونوع أنشطتهم الاقتصادية. لذا تتصف المناطق الجافة على مر العصور بندرة سكانها وعدم تنوع أنشطتهم الاقتصادية وصعوبة قيام حضارات ذات قيمة فيها. وتعد دول مجلس التعاون من بين أكثر المناطق في العالم التي تعاني من شح موارد المياه المتجددة، بسبب وقوعها في النطاق الصحراوي لغرب القارات الذي يتصف بجفافه الشديد طوال العام تقريباً مما يحرمها من مصادر مائية متجددة كالأنهار والبحيرات. 

 وقد استفحلت مشكلة الندرة المائية بعد استخراج النفط، حيث واجهت كافة دول المجلس ضغوطاً شديدة على مواردها المائية العذبة المتاحة، ويتوقع أن يصل العجز المائي في دول المجلس إلى 31 مليار متر مكعب بحلول عام 2025م، نظراً للظروف الطبيعية حيث يقع أغلب أراضيها في المناطق الشديدة الجفاف، تضاف إلى ذلك التنمية السريعة التي تشهدها مجتمعاتها.  ومن المتوقع أن يزداد الضغط على الموارد المائية في الأعوام المقبلة، نتيجة لتوقع زيادة في الطلب على المياه بمعدلات مرتفعة لمواكبة النمو السكاني المطرد والتوسع في التنمية الزراعية والصناعية.

 وقد عانى المصدر الطبيعي الرئيسي للمياه العذبة (المياه الجوفية) استنزافاً جائراً جعلها في معظم دول المجلس غير صالحة حتى لري بعض النباتات، ناهيك عن الاستخدام البشري، حيث تجاوزت السحب كنسبة من الاحتياطيات المتجددة 100 في المائة في كافة دول مجلس التعاون، مما جعل اللجوء إلى مصدر غير تقليدي لتوفير المياه أمراً حتمياً لكافة دول المجلس من دون استثناء.

 تحلية المياه في دول المجلس والتكلفة الاقتصادية والبيئية

أضحى توفير المياه بواسطة تقنيات التحلية المختلفة في ظل نقص الموارد الطبيعية من المياه الخيار المفضل لصناع القرار في دول مجلس التعاون، اعتماداً على ما يتوفر في المنطقة من ثروة أحفورية، وقد أنفقت دول المنطقة أكثر من 40 مليار دولار على تشييد وتشغيل وصيانة محطات تحلية المياه. وباتت مياه التحلية تغطي احتياجات القطاع المدني بنسبة قد تصل إلى 100 في المائة في بعض الدول كقطر والبحرين.

وعلى الرغم من النجاح الذي حققته هذه التقنية في توفير مياه آمنة، إلا أن لعمليات تحلية المياه نتائج سلبية، من أهمها: التكلفة الاقتصادية المرتفعة، والتلوث البيئي الناتج عن تشييد وتشغيل ومخلفات المحطات، ويمكن اعتبار تعرض محطات التحلية لعمليات عسكرية مدمرة أثناء الحروب وحساسيتها الشديدة للتلوث البحري، ولاسيما التسرب النفطي، من السلبيات، لكنهما لا يتصفان بالديمومة، فحدوثهما مرتبط بظروف خاصة من حيث المكان والزمان.

 وتستخدم العديد من التقنيات لتحلية المياه في دول المجلس إلا أن تقنيتي التناضح العكسي والتقطير الومضي متعدد المراحل يهيمنان على بقية التقنيات المستخدمة.  ويقدر البعض تكلفة المتر المكعب الواحد المنتج بواسطة تقنية التناضح العكسي بين 1.21 و 2.82 دولار أمريكي، بينما ترتفع التكلفة باستخدام تقنية التقطير الومضي متعدد المراحل فتصل إلى ما بين 1.25 و 4.15 دولار أمريكي، وقد يعود سبب انخفاض التكلفة المعلنة في بعض دول المجلس إلى حوالي الدولار الواحد إلى عدم احتساب تكلفة الطاقة المستخدمة، وبذلك لا تعبر هذه التكلفة المعلنة إلا عن نصف التكلفة الحقيقية.

 وقد تكون هذه التكلفة محتملة في دول المجلس، وذلك لتوفير المياه للقطاع المدني، لكن من المتعذر استخدام مياه التحلية في قطاع الزراعة، حيث لا جدوى اقتصادية في الوقت الراهن من توفير الغذاء محلياً عن طريق ريه بمياه التحلية.

 ومن جهة أخرى، تعتبر صناعة تخليص المياه من الأملاح باستخدام تقنيات التحلية المختلفة كأي صناعة تنتج عنها مخلفات غير مستحبة. ومع التوسع الهائل لهذه الصناعة في كافة دول المجلس، فقد تلحق نواتج عمليات التحلية الضرر بصحة الإنسان، وتلوث مكونات البيئة المحيطة.  نواتج هذه التقنية متعددة حيث تبدأ منذ التخطيط على الأرض لتشييد محطة التحلية، ثم عملية احتراق الوقود الأحفوري اللازم لتبخير المياه المالحة، وانبعاثه للجو الخارجي، لاسيما غاز ثاني أوكسيد الكربون المسبب الرئيسي في ارتفاع درجات حرارة الأرض.  وأخيراً المياه المالحة المتبقية والتي يتم إرجاعها إلى البحر مرة أخرى، وبذلك تمتد التأثيرات السلبية للأرض والجو والبحر. 

 الطاقة النووية .. هل هي الحل؟

لعل استخدام طاقة بديلة للطاقة الأحفورية يظل هاجساً لدى صناع القرار في دول المجلس، ليس لكون الطاقة الأحفورية مكلفة اقتصادياً وبيئياً فحسب، بل من أجل استمرار عمليات تحلية المياه في عصر ما بعد النفط والغاز والاستفادة من عوائد تصدير هاتين الثروتين، لهذا لجأت بعض الدول على استحياء إلى استخدام الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية، إلا أن للطاقة الشمسية سلبيات تعوق التوسع في استثمارها، وعلى وجه الخصوص احتياجها لرأسمال كبير لتشييد خلايا جمع الطاقة وتخزينها، وكذلك إنتاجياتها المتواضعة.

 وتبقى الطاقة النووية خياراً يمكن اللجوء إليه من أجل استمرارية توفير الطاقة اللازمة لمحطات تحلية المياه. وبناء على ما تم تنفيذه من مشاريع بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مناطق مختلفة من العالم، أثبتت هذه الطاقة قدرتها على إنتاج مياه التحلية وبتكلفة أقل مقارنة بالطاقة الأحفورية.

ومنذ نجاح الاتحاد السوفييتي السابق في بناء محطة نووية لتحلية المياه في كازاخستان عام 1972 تطورت تقنية استخدام المحطات النووية في توليد الطاقة وتحلية المياه، وانتشرت في العديد من دول العالم وفي مقدمتها اليابان والصين والهند، ففي كازاخستان توجد محطة نووية تنتج The BN-350 fast reactor at Aktau, in Kazakhstan, successfully supplied up to 135 MWe of electric power while producing 80,000 m³/day of potable water over some 27 years, about 60% of its power being used for heat and desalination. 80,000 متر مكعب يومياً من المياه النقية، وفي اليابان هناك 10 محطات نووية تنتج الواحدة منها ما بين 1,000-3,000 متر مكعب يومياً من المياه النقية. 

ومع توافر العزيمة السياسية يعد الشروع باستخدام الطاقة النووية فرصة لدول مجلس التعاون، حيث تجلت هذه العزيمة في العديد من البيانات الختامية لقمة قادة دول المجلس والتي دعت إلى ضرورة الاستخدام السلمي للطاقة النووية، فضلاً عن القدرة المالية التي تتمتع بها دول المجلس مع ارتفاع أسعار النفط، والتي تمنحها القدرة على استثمار الأموال في إجراء دراسات وتجارب وتشييد المحطات العاملة بالطاقة النووية.

 إن هذا الأمر لن يقتصر على تحلية المياه فحسب، بل إنما توليد الطاقة الكهربائية كذلك، كما هو عليه الحال في كثير من المحطات القائمة حالياً والتي تستخدم الوقود الأحفوري، الأمر الذي سيقلل من تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وعلى الرغم من أن تكلفة تشييد المحطات النووية تفوق نظيراتها التي تستخدم الوقود الأحفوري إلا أنه وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن التكلفة الكلية للمحطة النووية والتي تشمل التشييد والتشغيل والوقود، أقل من التكلفة الكلية للمحطات التقليدية، حيث تتميز المحطات النووية بطول العمر الافتراضي الذي يقدر بنحو 60 سنة، بينما لا يزيد العمر الافتراضي للمحطات التقليدية على 30 سنة.  وتشير التقديرات إلى أن استخدام الطاقة النووية يساعد على خفض تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه بنحو 30 إلى 40 في المائة مقارنة بالطاقة الأحفورية، بل تذهب تقديرات أخرى إلى أبعد من ذلك، حيث تنخفض تكلفة تحلية المياه باستخدام الطاقة النووية إلى نحو 60 إلى 70 في المائة تبعاً لنوعية المياه المرغوب في إنتاجها وكمياتها والأسعار العالمية للطاقة الأحفورية. كما أن هذا الاستخدام سوف يحد من التلوث البيئي، ولاسيما تلوث الهواء الناتج عن المحطات التي تستخدم الوقود الأحفوري، حيث تعد صناعة تحلية المياه من المصادر الرئيسة لانبعاثات أهم غازات الدفيئة غاز ثاني أوكسيد الكربون، مما سيسهم في تعزيز الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع معدلات درجة حرارة الأرض.

 ولن تقتصر فوائد استخدام الطاقة النووية على خفض التكلفة والحد من التلوث البيئي، بل من المنتظر أن تترافق مع الشروع بتنفيذ مشاريع المحطات النووية العملاقة لإنتاج الطاقة وتحلية المياه تنمية اجتماعية واقتصادية، لاسيما التعليم والتدريب وإيجاد خبرات محلية مؤهلة قادرة على التعامل مع هذه التقنيات الحديثة. ولقد ظهرت بوادر هذا الاهتمام، ففي دولة الإمارات أعلن في مارس 2010 عن تأسيس معهد الخليج للبنية التحتية للطاقة النووية، حيث سيسهم المعهد في المساعدة على تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية وترسيخ قواعد الأمن والسلامة والوقاية وحظر الانتشار النووي لدى صناع القرار المستقبليين في دول المجلس المسؤولين عن متابعة برامج الطاقة النووية المخصصة للاستخدامات المدنية.

 لكن ماذا عن المخاوف التي يبديها بعض الكتّاب والباحثين في دول المجلس والتي تتمحور حول التحذير من خطورة استخدام الطاقة النووية التي قد تجلب كوارث لا تحمد عقباها عند حدوث أي تسرب، كما حدث في ثري مايل أيلاند وتشيرنوبل مثلاً؟  قد تكون هذه المخاوف مبررة بشكل عام، كن عالمنا اليوم يشهد طفرات حقيقية في مجال تطوير المحطات النووية جعلتها أكثر أمناً مما سبق، حيث نتج عن تلك الحوادث المأساوية، ولاسيما ما حدث في تشيرنوبل، زيادة الوعي والتزام الدول التي تستخدم الطاقة النووية بأهمية اتخاذ أقصى إجراءات السلامة والاستعداد للحالات الطارئة، وباتت من أولويات القائمين على تطوير هذه المحطات اعتبارات الأمن والسلامة قبل التشييد وأثناء التشغيل وتفكيك المحطة بعد انتهاء عمرها الافتراضي.

 إن العجز الحاد في المياه العذبة والاستهلاك المتنامي في دول مجلس التعاون والتكلفة المرتفعة لإنتاج مياه التحلية باستخدام الطاقة الأحفورية الناضبة وما ينتج عن استخدامها من تلوث بيئي، تجعل خيار استخدام الطاقة النووية لتحلية المياه الخيار الملائم في العقود المقبلة. وأن اللجوء إلى هذا المصدر في وقت مبكر سيحقق لكافة دول المجلس ما تنشده من تنويع مصادر الطاقة والمحافظة على ما تبقى لها من ثروة أحفورية، وسيوفر المياه العذبة بتكلفة مقبولة للأجيال القادمة، وستحقق ما تسعى إليه من تنمية مستدامة في هذا المجال.

مجلة آراء حول الخليج