مع تزايد تعداد السكان في الوطن العربي حتى وصل إلى ما يقرب من 320 مليون نسمة في عام 2009 واستمرار تزايد هذا العدد بمعدل يصل إلى 8 في المائة سنوياً فإن الحقيقة ترسم صورة قاتمة للمشكلة الغذائية العربية وخصوصاً في ضوء شح الموارد المائية واستمرار تدهور الأراضي الزراعية.
تؤثر هذه المشكلة بشكل كبير في الاقتصادات العربية التي تعتمد بشكل رئيسي على سد الفجوة الغذائية اعتماداً على الاستيراد بما يمثله هذا الاستيراد من صعوبات تؤدي إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات العربية إذا ما تمت مقارنة حجم الصادرات العربية بحجم الواردات.
وعلى الرغم من تنوع القطاعات الاقتصادية العربية إلا أن القطاع الزراعي يمثل العمود الفقري لبعض الدول العربية عدا بعض الدول النفطية. ويمكن اعتبار معظم الدول العربية دولاً زراعية، ولا تعتبر الزراعة دخيلة بل هي جزء من الموروث التاريخي والثقافي لهذه الدول، بل إن بعض الباحثين يرون أن الزراعة نشأت من وديان الأنهار الكبرى في المنطقة مثل مصر والعراق ومنها انتشرت إلى دول العالم. ولا تزال الآثار التاريخية الخاصة بالقنوات المائية والسدود في الحضارة الفرعونية واليمن وبلاد الرافدين والأفلاج في بعض المناطق المتفرقة من شبه الجزيرة العربية شاهد عيان على ارتباط سكان هذه المناطق بالزراعة. ولا تزال الزراعة تساهم بنحو 30 في المائة من إجمالي حجم العمالة في مصر وحوالي 38 في المائة في السودان وحوالي 20 في المائة في الأردن وترتفع هذه النسب في سوريا ودول المغرب العربي لتصل في سوريا إلى نحو 50 في المائة وحوالي 40 في المائة في المغرب وتونس. وعلى الرغم من ذلك فإن العالم العربي يعيش حالة عجز غذائي حقيقية تزداد حدته يوماً بعد يوم. إن حجم الإنتاجالعربي من المواد والسلع الغذائية لا يكفي لتغطية الاستهلاك المحلي للدول العربية وهو ما يستدعياللجوء إلى الاستيراد لتغطية هذا العجز، ويبين ذلك كمية وقيمة الواردات العربية منسلع الغذاء الرئيسية التي زادت من حوالي 76.3 مليون طن ما بين حبوب وخضراوات ولحوم وغيرها وصلت قيمتها إلى حوالي 20.3 مليار دولارفي عام 2003م لتصل إلى حوالي 98 مليون طن قيمتها حوالي 31 مليار دولار عام 2009م بزيادة 28 في المائة. في حين نجد أن حجم الصادرات العربية يمثل فقط حوالي 5 في المائة من إجمالي حجم الصادرات الكلية، بينما تمثل الواردات الزراعية نحو 16 في المائة من إجمالي الواردات العربية.
وللزراعة مقومات لا بد من توافرها لنجاح العملية الزراعية مثل المناخ والظروف الجوية، حيث يعاني الوطن العربي من ندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. وكذلك يجب توافر الأراضي الخصبة أو التربة المناسبة للزراعة، لكن التربة في معظم الدول العربية تعتبر تربة فقيرة تفتقر إلى المغذيات مثل النيتروجين عدا وديان الأنهار الطمية والدلتاوات. وتعتبر مشكلة شح الموارد المائية العربية وتدهور نوعيتها نتيجة تلوثها أحد التحديات الكبرى لمشكلة الأمن الغذائي العربي. ومع تزايد الطلب على هذا المورد الشحيح مستقبلاً فإنه من المتوقع وجود فجوة بين الموارد المائية المتجددة والطلب عليها مستقبلاً(كما هو موضح في الجدول رقم (1)). إذ نجد أن هناك عجزأ مائياً كبيراً حيث يتوقع أن تصبح 13 دولة عربية بحلول سنة 2025م تحت خط الفقر المائي وهو ما سيزيد من الفجوة الغذائية بشكل كبير بحلول سنة 2050 لتصل إلى أكثر من 50 في المائة وهي نسبة ضخمة يمكن أن تشكل تحدياً حقيقياً للحكومات العربية في ظل النمو المطرد للسكان.
جدول رقم (1): مقارنة بين الموارد المائية المتجددة والطلب على المياه بالأقطار العربية
الإقليم |
الدولة |
الموارد المائية المتجددة(مليون م3/سنة) |
الطلب المتوقع على المياه (مليون م3/سنة) |
||
2015 |
2020 |
2025 |
|||
الغربي |
موريتانيا |
7300 |
1700 |
2350 |
3800 |
المغرب |
30000 |
11500 |
16200 |
23000 |
|
الجزائر |
14200 |
6400 |
9200 |
13200 |
|
تونس |
4660 |
7500 |
11000 |
14400 |
|
ليبيا |
1047 |
5600 |
9200 |
15400 |
|
إجمالي الإقليم الغربي |
57207 |
32700 |
47950 |
69800 |
|
الأوسط |
مصر |
57800 |
66000 |
76000 |
90000 |
السودان |
27000 |
22000 |
33000 |
45000 |
|
الصومال |
11460 |
1400 |
2400 |
4100 |
|
جيبوتي |
250 |
120 |
240 |
360 |
|
إجمالي الإقليم الأوسط |
96510 |
89520 |
111640 |
139460 |
|
الشرقي |
سوريا |
21450 |
11000 |
18000 |
27000 |
لبنان |
9050 |
1700 |
2750 |
4300 |
|
الأردن |
968 |
1400 |
2600 |
5200 |
|
فلسطين |
491 |
750 |
1750 |
4000 |
|
العراق |
64042 |
52000 |
70000 |
92000 |
|
إجمالي الإقليم الشرقي |
96001 |
66850 |
95100 |
132500 |
|
شبه الجزيرة العربية |
الكويت |
182 |
1000 |
2400 |
4800 |
السعودية |
5550 |
15000 |
25000 |
42000 |
|
البحرين |
120 |
280 |
620 |
1400 |
|
قطر |
40 |
300 |
520 |
850 |
|
الإمارات |
305 |
1600 |
2600 |
4600 |
|
عمان |
1925 |
1400 |
3100 |
7200 |
|
اليمن |
5050 |
4400 |
6800 |
10500 |
|
إجمالي شبه الجزيرة العربية |
13172 |
22540 |
41040 |
71350 |
وباستقراء الملامح الاجتماعية والديموغرافية في العالم العربي نجد أن الوطن العربي يحتل موقعاً فريداً، كما يضم دولاً صغيرة ودولاً كبيرة وتزداد القاعدة السكانية في الوطن العربي وفئة الشباب، كما ارتفعت معدلات التعليم والرعاية الصحية والتحضر في الأقطار العربية المختلفة خلال السنوات الأخيرة. غير أن هناك العديد من التحديات الحقيقية التي تواجه التنمية بشكل عام في الوطن العربي ويجب دراستها والاهتمام بها. ومن هذه التحديات اختلال التوازن بين القطاعات الاقتصادية فقد انخفضت مساهمة القطاع الزراعي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية، ولا تزيد مساحة الأرض الصالحة للزراعة في هذه البلدان على 5 في المائة من مساحة الوطن العربي الهيكلية.
كما أن اليد العاملة توزعت بشكل غير متزن فقد تراوحت نسبة من يعملون بالزراعة بين 30 في المائة إلى 60 في المائة في معظم البلدان العربية، بينما تراوحت نسبة من يعملون في الصناعة بين 10 في المائة وأقل من 20 في المائة، بينما أصاب الترهل قطاع التجارة والخدمات وهو القطاع الذي تزيد نسبة من يعملون فيه عن ثلث مجموع القوة العاملة. كما أن المقارنة بين متوسط دخل الفرد العربي في الريف والحضر يفصح عن ارتفاع الدخل وتعدد أوجه النشاط الاقتصادي في الحضر بالمقارنة بين الريف والبادية مما أدى من جانب إلى زيادة معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر، ومن جانب آخر إلى ارتفاع معدلات البطالة السافرة والبطالة المقنعة فضلاً عن التضخم الملحوظ في القطاع غير الحكومي.
وعلى الرغم مما ذكره برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن تحسن الاستهلاك الغذائي في أغلب البلدان العربية منذ مطلع السبعينات بازدياد حجم المعروض من الغذاء في هذه البلدان عن المتطلبات الضرورية للإنسان، إلا أنه يلاحظ انخفاض نوعية الطعام في أغلب بلدان الوطن العربي نتيجة للنقص الملحوظ في البروتين الحيواني، كما ابتلعت الزيادة السكانية الزيادة الملحوظة في المساحة المحصولية والتوسع الأفقي في المساحة المنزرعة نتيجة للكثافة السكانية المرتفعة والتوسع الزراعي من زيادة معدلات الإنتاج من المحاصيل الزراعية. لذا فإنه يلزم تغيير العادات الاستهلاكية الغذائية في الوطن العربي وذلك لا يتأتى إلا بالاعتماد على الذات من خلال مفاهيم التنمية البشرية التي تتجاوز مفهوم التنمية الاقتصادية الضيق لتشمل كافة الجوانب الصحية والتعليمية والثقافية والسياسية والدينية، ودعم التعاون الاقتصادي بين الدول العربية وتبادل التكنولوجيا مع إيجاد المناخ المناسب للقضاء على التخلف والفقر وتهميش دور النساء.
كذلك فإنه يجب تغير السلوك الزراعي من استخدام الطرق التقليدية في الري والزراعة نحو تبني المفاهيم الحديثة من طرق الري الحديثة والزراعة من دون تربة أو الزراعة المحمية في أنفاق وبيوت بلاستيكية. وهذه الطرق الحديثة تعظم الفائدة من استخدام المياه بكفاءة كبيرة، حيث يصل الإنتاج من استخدام متر مكعب من المياه بالطرق العادية لمحصول الطماطم نحو 8 كيلوغرامات بينما لنفس الكمية من المياه مع استخدام البيوت البلاستيكية والزراعة من دون تربة إلى 80 كيلوغراماً. وتعود فكرة الزراعة من دون تربة ضمن محاليل غذائية تعود إلى القرن السابع عشر، حيث كانت هذه الفترة هي نواة التطور العلمي للزراعة الرملية والمائية، ومن ثم بدأت محاولات لتطوير هذه الأنظمة للأغراض التجارية البحتة انبثقت منها أول محاولة جادة للزراعة من دون تربة بشكل تجاري عام 1930 للعالم (جيرايك)، حيث استطاع استزراع النباتات في وسط مائي مخلوط مع محاليل مغذية دون توفر بيئة صلبة للزراعة.
إن مشكلة الأمن الغذائي لا تعتبر مشكلة اقتصادية فقط لكن أيضاً مشكلة سياسية تؤثر في الأمن القومي للدول العربية. ولذلك فإنه ليس هناك من خيار أمام الأمة العربية إلا العمل بأقصى قدر من أجل رفع معدلات الإنتاج الغذائي وتنويعه لسد الفجوة الغذائية وزيادته كخطوة أولى ثم بذل الجهد حتى تستعيد الدول العربية مكانتها السابقة بل تصدر السلع والمنتجات الزراعية إلى الخارج.
ومن دون ذلك فإن البديل سيكون شبح اﻟﻤﺠاعة أو في أفضل الظروف الوقوع تحت سيطرة الدول المصدرة للمواد الغذائية. والمشكلة في مجملها ليست صعبة أو مستعصية الحل، فالإمكانات والطاقات في الدول العربية كثيرة، لكنها بحاجة إلى استغلال واستثمار. لكن كثيراً من هذه الإمكانات والطاقات تحتاج في استثمارها الأول إلى تكاتف جهود الدول العربية مجتمعة ،فالإمكانات فوق مستوى وقدرة البلد الواحد. وهذا يتطلب من الوطن العربي تعبئة كافة جهوده وقدراته لاستغلال موارده المتمثلة في موارده الأرضية والمائية ورؤوس أمواله وثروته البشرية.