array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التوازن الإقليمي وأثره في مشاريع الطاقة النووية بمنطقة الخليج العربي

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

أصبح أمن منطقة الخليج العربي أبرز القضايا المحورية في الاستراتيجية الدولية، حتى إن هذه الأهمية غطت على مناطق أخرى من العالم مثل منطقة (بحر قزوين) التي كان يعتقد أنها ستتقدم عليها بمقاييس الاستراتيجية والأمن والمصالح العليا، وهذه الأهمية ليست وليدة اليوم، بل برزت في المدة التي تلت الانسحاب البريطاني من الخليج العربي في أواخر عام 1971م.

 يرجع هذا الاهتمام بالمنطقة إلى كونها تحتوي على أكبر خزان لأبرز مصدر من مصادر الطاقة وهو النفط، لذلك كانت إبان الحرب الباردة منطقة تتقاطع عندها التوترات بين الكتلتين الشرقية والغربية. 

ونتيجة لهذه الأهمية ظهرت مشاريع وخطط وأساليب جديدة بحيث جعلت المنطقة ساحة للمنافسة والصراع الإقليمي والدولي، فأصبحت أبرز بؤر التوتر في العالم، ما جعل دولها تتبنى استراتيجيات توازن وتوافق بين كافة المتناقضات التي تجري على ساحة منطقة الخليج العربي.

 ومن خلال هذه المنطلقات يمكن رصد ثلاثة مستويات لتوازن القوى في الشرق الأوسط وهذه المستويات هي:

 المستوى الأول: الوجود العسكري الأجنبي في الخليج العربي

تنتشر في منطقة الخليج العربي أهم وأكبر القواعد العسكرية الأجنبية، وتتواجد على مياهه أكبر الأساطيل التي تحتوي على أعداد كبيرة من الجنود وكميات هائلة من السلاح، حتى أصبحت منطقة الشرق الأوسط أكثف مناطق العالم من حيث الوجود العسكري، ويتسم هذا الوجود بعدم التوازن، حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أصبحت قوى شرق أوسطية بكل المقاييس بعد غزو العراق واحتلاله عام 2003، كما نلاحظ وجود محدود لقوات فرنسية وغربية أخرى، فيبلغ عدد القوات الأمريكية في الكويت 140 ألفاً، وفي المملكة العربية السعودية 9 آلاف معظمهم من سلاح الجو، وقوام هذه القوات (طائرات إف 16، وإف 15، وأواكس، وطائرات تموين)، وفي قطر 8000 في قاعدة القيادة في السيلية، وفي العديد، مع طائرات إف 15، وإف 16، وفي مملكة البحرين 5 آلاف من البحرية مع قيادة الأسطول الخامس. وفي دولة الإمارات 1200، وفي سلطنة عُمان 3000، مع طائرات مقاتلة وقاذفة.

 وفي مياه الخليج العربي يوجد 48 ألفاً من سلاح البحرية في ست حاملات طائرات، تحمل كل واحدة منها 80 طائرة، ويوجد 26 سفينة عائمة، و20 سفينة برمائية. أما القوات البريطانية فتبلغ حوالي 45 ألفاً، منها 4000 من البحرية الملكية، والقوات الخاصة، واللواء 16 المجوقل، و120 دبابة شالنغر، ونحو مائة طائرة مقاتلة وناقلة، وحاملة طائرات، وحاملة طوافات عابرة للمحيط، و20 سفينة وغواصة. أما فرنسا فقد أنشأت قاعدة بحرية لها في إمارة أبوظبي بالإمارات تم افتتاحها سنة 2008، سوف تكون هذه القاعدة العسكرية الجديدة واجهة لمخزن الأسلحة الفرنسية في الصحراء، وقد طلبت دولة الإمارات شراء 60 طائرة (رافال) لإحلالها محل عدد مماثل من طائرات (ميراج)، لتكون الإمارات البلد الوحيد الذي يشتري سلاحاً لم يستطع الفرنسيون بيعه لأي بلد آخر في العالم، كما كانت الدولة الوحيدة التي اشترت ببضعة مليارات دولار 380 دبابة (لوكلير)، وفي جعبة الفرنسيين أيضاً إلى جانب إطلاق أعمال بناء متحف (اللوفر أبوظبي)، صفقة من معدات إلكترونية وأسلحة ومفاعل نووي، لتسهيل توقيع الإماراتيين على شيكات بمليارات اليورو، علماً أنه يفترض أن تمنح الإمارات عقداً لإنشاء (أكثر من مفاعلين نوويين) من الجيل الجديد بقيمة تتراوح بين (25 و50) مليار يورو. وتمتد القاعدة الفرنسية على مساحة تبلغ حوالي 12 هكتاراً، وسوف يستقر في القاعدة بداية 252 جندياً، وسيصل عددهم إلى 500 عسكري فرنسي من كافة المستويات العسكرية بينما لا توجد أية قوات آسيوية أو روسية أو لاتينية.

 ولا بد من الإشارة هنا إلى الآثار السلبية للوجود العسكري الأجنبي على الأمن القومي العربي، وليس دول الخليج العربي فحسب، فهذا الوجود ينفذ دائماً سياسة ومصالح الدول التي ينتمي إليها، مهما اختلفت أو تقاطعت مع مصالح الدول الموجود فيها، كما أثبتت الوقائع والأحداث الكثيرة في العالم، حتى الوجود العسكري التابع للأمم المتحدة ينفذ مصالح القوى المهيمنة على هذه الهيئة الدولية وليس إرادة ومصالح المجتمع الدولي.

 ضمن هذا السياق يتم تقييم دور الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام في الوقت الذي تعيش المنطقة العربية ومنذ أكثر من نصف قرن حالة حرب مستمرة مع الكيان الصهيوني المدعوم بشكل كامل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وكامل إمكاناتها المادية والعسكرية، وفي الوقت الذي كانت ولا تزال المنطقة العربية مستهدفة في مواردها النفطية التي أصبحت، ضمنالنظام العالمي الجديد، مهددة بالاحتلال العسكري المباشر لتحييد هذه القوة الاقتصادية خارج الإرادة الوطنية العربية، ضمن هذين المنظورين يمكن معرفة مدى الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة لهذا الوجود العسكري في الأمن القومي الخليجي والعربي الذيجعل الخصم والحكم في القضايا العربية في المستوى نفسه من العلاقات.

 المستوى الثاني: موازين القوى التقليدية وغير التقليدية

أ- موازين القوى التقليدية:

تشير أرقام الناتج القومي وعدد السكان وأعداد القوات، المنشور معظمها في تقرير التنمية البشرية الصادر عن (UNDP) إلى أن موازين القوى التقليدية بين دول الخليج العربية وما يجاورها مختلة لصالح القوى غير العربية المجاورة لها، فإسرائيل تستطيع (هزيمة) أي ائتلاف من جيوش الدول العربية المجاورة بفضل ترسانة الأسلحة التي تصنعها، والتي تمدها بها الدول الغربية، وبفضل تفوقها في الحروب الجوية، واستعمال الصواريخ متوسطة المدى، فضلاً عن امتلاكها قوة بشرية خفيفة الحركة تستطيع نقل المعركة إلى أرض الطرف الآخر بسهولة. ومن دون الوجود العسكري الغربي في الخليج العربي، تستطيع إيران أن تهزم أي تكتل من دول مجلس التعاون الخليجي بفضل القوة البشرية الضخمة التي تمتلكها، والمسلحة تسليحاً جيداً، والممثلة في الحرس الثوري، والقوات النظامية. كما أن تركيا تستطيع أن تهزم سوريا في أي مواجهة بينهما.

 ومن ثم، فإن التوازن الحقيقي في القوى التقليدية هو بين الدول غير العربية في الشرق الأوسط، هذا رغم ترسانات السلاح المتراكمة لدى بعض الدول العربية الخليجية. فتقدر قيمة مشتريات السلاح السعودية والمصرية من الولايات المتحدة بين عامي (2005-2008) بنحو 11 مليار دولار، و5 مليارات على التوالي، لكن تلك الترسانات مشروطة بعدم استعمالها ضد إسرائيل، وإنما ضد عدو مشترك للدولة العربية والدولة الغربية الموردة للسلاح ومن ثم فلا تأثير له في التوازن العربي - الإسرائيلي.

 ب- موازين القوى غير التقليدية:

كما الحال بالنسبة لموازين القوى التقليدية فإن القوى غير التقليدية مختلة أيضاً لصالح إسرائيل. فهذا الكيان يمتلك ترسانة نووية كبيرة، أكد قادته امتلاكها، خلافاً لما يعتقده البعض من أن إسرائيل تتبع سياسة الغموض النووي. فقد أشهرت إسرائيل امتلاكها السلاح النووي، وإن كان بشكل أقل درامية مما فعلته الهند وباكستان. ففي سنة 1996، صرح جدعون فرانك، رئيس هيئة الطاقة النووية الإسرائيلية (بأن إسرائيل ستطلق صواريخها الحاملة للرؤوس النووية، إذا ما تأكدت أن هناك صواريخ قادمة إليها). وأضاف أن (الكيان يمكنه أن يتخلى عن قدراته النووية فقط إذا وصل إلى (يوتوبيا) مع جيرانه تشبه العلاقة بين البرازيل والأرجنتين). وقد صرح فرانك بذلك لصحيفة (هآرتس) التي قالت، عند نشر تلك التصريحات، إنها حصلت على الموافقات الأمنية قبل نشرها. وفي سنة 1996 أيضاً، صرح إسحاق موردخاي، وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، بأن (إسرائيل لديها أسلحة نووية تكتيكية، وأنها مستعدة لاستعمالها)، وتمتلك إسرائيل أدوات نقل الأسلحة النووية التي تمكنها من أن تطال أية دولة في الشرق الأوسط، فلديها الصاروخ (أريحا-2) الذي يصل مداه إلى حوالي 4000 كم، كما أن لديها غواصات من طراز دولفين أمدتها بها ألمانيا، وهي غواصات قادرة على حمل وإطلاق أسلحة نووية.

 أما إيران، فإنها تمتلك التكنولوجيا النووية، حيث إنها حققت تقدماً في مجال تخصيب اليورانيوم وتوفير الوقود النووي اللازم لمحطاتها النووية، وهي بذلك قادرة على التحول إلى قوة نووية في المستقبل، إذا قررت ذلك، كما فعلت الهند وباكستان. كما أن لدى إيران صواريخ (شهاب-4) ذات المدى الذي يبلغ 4000 كم.

 وبالنسبة لتركيا، فقد كانت تخطط لكي تتحول إلى قوة نووية، وشرعت بشراء مفاعلين من طراز (كاندو) بقوة 700 ميغاوات لكل مفاعل، لكنها في عهد حزب العدالة والتنمية، أعلنت رسمياً تخليها عن تلك الفكرة بإعلان لـرجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، في 16 ديسمبر 2009، حيث قال (نحن لا نريد سلاحاً نووياً، لا في منطقتنا ولا في أي مكان آخر. نحن ضد امتلاك إيران أسلحة نووية، لكننا ضد امتلاكها من دول أخرى أيضاً). وتعوض تركيا امتلاك السلاح النووي بامتلاكها المظلة النووية الأطلنطية، واتباعها دبلوماسية توافقية إقليمية.

أما الدول العربية، فليس لديها إلا برامج نووية بدائية. فمصر لديها مفاعلان نوويان للأبحاث بقدرة 2 و23 ميغاوات على التوالي، ولا تستطيع تخصيب اليورانيوم. كما أنها قامت بإلغاء برنامجها النووي سنة 1986، بعد أن كانت قد صادقت على اتفاقية منع الانتشار النووي في فبراير سنة 1981، من دون أن تحصل على ما كانت تخطط للحصول عليه مقابل التصديق، وهو المفاعلات النووية الستة بقدرة 600 ميغاوات لكل مفاعل. وقد أدى ذلك إلى بعثرة الكوادر العلمية النووية المصرية، ولدى مصر قدرات صاروخية، أهمها صاروخ (سكود-س) ومداه حوالي 1000 كم.

 ويمكن القول إن البرامج النووية، التي شرعت الدول العربية بطرحها خلال العامين الأخيرين، هي مشروعات الهدف الحقيقي من الإعلان عنها هو أن تكون ستاراً ومبرراً للتوقيع، والتصديق على (البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي). فالدول الكبرى تريد أن تستثمر لحظة الخلل الراهن في موازين القوى لإدخال الدول العربية في إطار البروتوكول الإضافي، بعد أن نجحت في إدخالها في إطار معاهدة منع الانتشار النووي، في الوقت الذي ظلت فيه إسرائيل خارج هذين الإطارين. ذلك بأنه تبين للدول النووية أن إجراءات التفتيش الدولي على الدول النامية غير النووية، طبقاً لاتفاقية منع الانتشار النووي سنة 1968، ليست كافية، وأنه في ظل إجراءات التفتيش التي أقرتها الاتفاقية، كانت دول، مثل العراق، على وشك امتلاك التكنولوجيا النووية.

 وبالتالي، توصلت الوكالة الدولية إلى ما سمي (البروتوكول الإضافي)، أي أنه بروتوكول ملحق بالمعاهدة، لكن يلزم الموافقة عليه من الدول الأعضاء في المعاهدة، لكي يصبح سارياً، وينص البروتوكول على حصول الوكالة الدولية على معلومات كاملة عن أي أنشطة نووية في الدولة، بما في ذلك الصادرات والواردات من المواد النووية.

 كما ينص على حق مفتشي الوكالة في الوصول إلى أي مكان لتفتيشه (حتى لو قالت الدولة إنه لا صلة له بالأنشطة النووية)، وذلك في مدة زمنية قصيرة قد تصل إلى ساعتين، على أن يشمل ذلك حق مفتشي الوكالة في الدخول الفوري إلى الدولة، والتوجه مباشرة إلى المكان المطلوب تفتيشه. ومن ثم، فإن البروتوكول الإضافي يضع الدول غير النووية الموقعة عليه تحت الوصاية الفعلية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوقيعه يلغي آخر ورقة سياسية تساوم بها الدول العربية إسرائيل. لقد ظل موقف معظم الدول العربية حتى الآن يربط توقيع البروتوكول الإضافي بتوقيع إسرائيل معاهدة عدم الانتشار النووي.

 وسيكون السيناريو القادم على النحو التالي: ستتوالى الدول العربية بالإعلان عن أنها قد وقعت اتفاقات مع القوى الكبرى لتزويدها بالتكنولوجيا النووية، وأن تنفيذ تلك الاتفاقات يتطلب توقيع البروتوكول الإضافي والتصديق عليه، وإلا فإننا سنحرم الأجيال القادمة من التكنولوجيا النووية. وستحشد هذه الدول أدواتها الإعلامية للترويج لتوقيع البروتوكول الإضافي باعتباره عملاً قومياً، وستقوم تحت هذا الغطاء بالتوقيع والتصديق على البروتوكول الإضافي. وبعد ذلك، يتم افتعال مواقف جديدة تبرر عدم السير في طريق التكنولوجيا النووية، لأن متغيرات جديدة قد طرأت، ولا يبقى للعرب بعد ذلك سوى دخول مصيدة البروتوكول الإضافي.

 المستوى الثالث: التحولات في موازين القوى في الشرق الأوسط

فضلاً عن الخلل في ميزان القوى الشامل ضد الدول العربية، فإن هناك تحولاً متزيداً في اتجاهين:

الأول: انتقال ميزان القوى بشكل متزايد لصالح تركيا وإيران، فقد حدث صعود تركي واضح في الشرق الأوسط منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا. وقد أبرمت تركيا عدداً من الاتفاقات مع سوريا والعراق وإيران، كما أنها تعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، كما بدأت علاقاتها بإسرائيل في التدهور، وفي المقابل فإن قوة الدول العربية في أفول بالمقارنة بقوة تركيا وإيران. وبالتالي من المتوقع أن العقوبات الغربية على إيران لن تنجح، وعلى الغرب التكيف مع الواقع الجديد، إذا كان يريد حماية أمن الكيان الصهيوني أو ضمان إمدادات الطاقة. ولعل الخطر الأكبر الذي يواجه الغرب والدول العربية الخليجية هو تحول موازين القوى في الخليج العربي لصالح إيران، وهو ما يفسر سعي الغرب بقوة إلى منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ويعد من أهم التطبيقات لنظرية تحول القوة.

 الثاني: ظهور جماعات مسلحة جديدة مؤثرة في موازين القوى. لقد تصاعد تأثير الجماعات المسلحة في موازين القوى في الخليج العربي وما يجاوره، ففي لبنان ظهر حزب الله سنة 1982 في سياق الغزو الإسرائيلي للبنان، وتحول بسرعة ليصبح قوة عسكرية يعتد بها ليس في لبنان فقط، ولكن في المنطقة العربية وما يجاورها، كذلك الفصائل الفلسطينية (فتح) و(حماس) اللتان تقودان العمل الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني.

 من خلال ما تقدم يمكن قراءة ثلاث حقائق في هذه الموازين:

الحقيقة الأولى: هناك خلل كبير في موازين القوى تميل كفته لصالح الأطراف غير العربية المجاورة للوطن العربي، أي لصالح الكيان الصهيوني وتركيا وإيران.

الحقيقة الثانية: إن هذا الخلل كان ولايزال قائماً وسيستمر بفضل الدعم الغربي للدول غير العربية المجاورة للوطن العربي.

الحقيقة الثالثة: لقد زاد الخلل وبشكل واضح منذ انهيار النظام ثنائي القطبية، وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على المنظومة العالمية. 

مقالات لنفس الكاتب