array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مستقبل الاقتصاد العراقي في ظل الاخـتلالات الهيكلية

الأربعاء، 01 أيلول/سبتمبر 2010

إن وجود اقتصاد كفؤ يسهل الوصول بالتساوي إلى الأسواق والموارد الاقتصادية سبب مهم للنمو الاقتصادي؛ أما دور السياسة الحكومية فهو توفير بيئة تعمل فيها الأسواق جيداً، وتكفل تماشي النتائج مع أهداف التنمية، وتنحاز إلى التنمية المستدامة وتقليل الفقر والفقراء.

 يواجه الاقتصاد العراقي تحديات كثيرة منها تدني الاستثمارات، وارتفاع نسب البطالة، ومشكلة تضخم معقدة ومركبة موروثة عن سنين طويلة من الحصار وسياسات اقتصادية خاطئة، وانخفاض وتدهور في القطاعات الإنتاجية بسبب الدمار الذي أصابها نتيجة للحروب أو بسبب التقادم، وتدني مستويات العاملين من الناحيتين الفنية والمعيشية، وضعف التشابك القطاعي بين القطاعات الاقتصادية المختلفة.

 ويمكن اختصار تلك المشكلات بعبارة موجزة هي أن الاختلالات الهيكلية في مختلف القطاعات الاقتصادية باتت السمة الأساسية للتحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي.

 ونحاول في هذا المقال بإيجاز تحديد أهم الاختلالات في القطاعات الاقتصادية من ناحية، مع تحديد أهم مشكلات الاقتصاد العراقي ومدى فاعلية السياسات الاقتصادية المتبعة في إيجاد حلول لتلك المشكلات من ناحية أخرى.

 أولاً: نظرة تحليلية إلى واقع الاقتصاد العراقي

ابتداء تركز نظرية التغيرات الهيكلية (البنيوية) على الآلية التي بواسطتها تستطيع الاقتصادات المتخلفة نقل هياكلها الاقتصادية الداخلية من هياكل تعتمد بشدة على الزراعة التقليدية عند مستوى الكفاف، إلى اقتصاد أكثر تحضراً وأكثر تنوعاً في مجال الصناعات التحويلية والخدمات. إذ يتميز هيكل الإنتاج في تلك البلدان المتخلفة، بارتفاع حصة الناتج القومي المتحقق في القطاع الزراعي(40-50  في المائة) مقارنةً بـ(1-10  في المائة) في البلدان الصناعية، وارتفاع (حصة العاملين في القطاع الزراعي من مجموع اليد العاملة) ليصل 50-75  في المائة مقارنة بـ(5-10  في المائة) في البلدان الصناعية. وينسحب هذا الهيكل الاقتصادي على العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، مما يجعل مفهوم التنمية عملية لا تقتصر على تغير الهياكل الاقتصادية بل تتجاوزها إلى تغيير شامل للبناء الاجتماعي.

 وعند الحديث عن الاقتصاد العراقي نجد أن هناك جوانب قصور عديدة يمكن رصدها في محاولة لتقييمه، فعلى مستوى لاختلالات الهيكيلية مازالت هناك قطاعات مهمة وحيوية مهمشة وتعاني ضعفاً في أدائها وقلة اهتمام صناع السياسة الاقتصادية، ولعل من أبرز هذه القطاعات قطاع الصناعة التحويلية (الذي لا تتعدى نسبة مساهمته 1,5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) وضعف أداء قطاع المصارف والتأمين (إذ تقل نسبة مساهمته عن 0.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) وقطاع البناء والتشييد الذي تقترب مساهمته من 3.5  في المائة فضلاً عن مشكلات في قطاع الزراعة مثل ضعف الاستثمارات واعتماد أساليب تقليدية في الري والزراعة وتراجع حصص العراق المائية المتأتية من نهري دجلة والفرات.

  كل ذلك يأتي مقابل هيمنة لقطاع الصناعة الاستخراجية (تزيد نسبة مساهمتها على 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، ومما يزيد الطين بلةً أن هذا القطاع أيضاً يعاني من مشكلات واختلالات داخلية عميقة منها النقص الكبير في الاستثمارات والتكنولوجيا، وتهالك بنيته التحتية، وضعف الصناعات المساندة له كالكهرباء وغيرها من المشكلات. 

 أما على مستوى السياسات الاقتصادية، فهناك تخبط واضح في بعض السياسات خاصةً في ظل عدم وجود فلسفة واضحة لدى الدولة في تبني منهج السوق الحر أو الإبقاء على اقتصاد خليط بين تطبيقات اشتراكية وهيمنة واضحة لقطاع عام، ترافقه خطوات بطيئة نحو التحرر الاقتصادي، وخطاب ذي منحنى تصاعدي يبشر بالاقتصاد الحر واقتصاد السوق منذ عام 2003 والى يومنا هذا.

 أما إذا نظرنا إلى الجانب المشرق فيمكن الإشادة ببعض الإنجازات التي حققتها بعض السياسات الاقتصادية وبالذات السياسة النقدية في الحد من التضخم ولجمه، وتحقيق استقرار سعر صرف العملة العراقية ورفع سعر الصرف الحقيقي لها مقابل الدولار، وكذلك كان من الإنجازات على المستوى الاقتصادي تخفيض مديونية العراق الهائلة (التي قدرت بين 126 -140 مليار دولار)، إلى مستويات مقبولة نسبياً اعتماداً على بعض أهم المؤشرات الاقتصادية في هذا المجال – فحسب مؤشر نسبة الدين الخارجي إلى الدخل القومي انخفضت هذه النسبة من 300 في المائة إلى ما يقارب 50 في المائة.

 وكذلك حدوث قفزة مهمة في متوسط دخل الفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008، إذ عاد إلى المستوى القياسي الذي حققه في عام 1980، أي بعد ثمانٍ وعشرين سنة عاد إلى المربع الأول، وقد حقق الاقتصاد العراقي تقدماً في ترتيبه من حيث الحجم بين الاقتصادات العربية، إذ وصل إلى المرتبة السادسة (مقاساً بالناتج المحلي الإجمالي بسعر تكلفة عوامل الإنتاج) كاسراً حاجز الـ 100 مليار دولار وذلك في عام 2008 نتيجة للقفزة في أسعار النفط.

 ويوضح الجدول رقم (1) أن موقع الاقتصاد العراقي، الذي يفترض أن يكون في المراتب الثلاث الأولى بين الاقتصادات العربية، إن لم يكن ثانياً بعد الاقتصاد السعودي لأسباب سنوضحها فيما بعد، احتل موقعاً متأخراً جداً يصل إلى المرتبة 13 عام 1995، وإذا ما عللنا ذلك بالحصار الذي كان مفروضاً على تصدير النفط العراقي وما عاناه الشعب العراقي من فقر وحرمان وترد في الخدمات المقدمة وتخلف في البنى التحتية والإنتاجية طيلة عقد ونيف، وكذلك احتل الاقتصاد العراقي أسوأ مرتبة له في عام 2003 وهي المرتبة 15 بسبب الحرب. لكن الاقتصاد العراقي عاد للتعافي نسبياً وتحسن وضعه ليصل إلى المرتبة التاسعة عام 2005، وإذا ما أخذنا بالنظر سوء الظروف الأمنية طيلة عام 2006 ومنذ بداية العام تقريباً التي أعاقت التطور النسبي للاقتصاد العراقي، وإن كان حجمه بالمطلق فإنه قفز قفزة مهمة في عام 2006 وذلك نتيجة لارتفاع أسعار النفط عالمياً، وليس بسبب تحسن الأداء الاقتصادي للقطاعات في هذه السنة، لأن التحسن كان طفيفاً في معظم القطاعات باستثناء قطاع الصناعة الاستخراجية.

 جدول (1) الناتج الإجمالي المحلي العراقي  وترتيبه بين الاقتصادات العربية ( مليار دولار)

 

1995

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

2008

ن م ج بسعر السوق

7,5

20,9

17,6

17,4

10,6

24,7

33,3

51,6

69,5

110,4

*الترتيب

13

8

11

12

15

12

9

9

7

6

المصدر:- صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر 2007، ص286.

- صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2009، الإمارات:  أبوظبي، 2009، ص267.

  * تم احتساب الترتيب من قبل الباحث.

 وإذا ما ناقشنا أسباب كون الاقتصاد العراقي يجب أن يكون في المراتب المتقدمة، نجد أن الاقتصاد السعودي يصل إلى ما يقارب 377 مليار دولار، والاقتصاد الإماراتي ثانياً يقدربـ 192 مليار دولار، والاقتصاد الجزائري ثالثاً ويصل إلى 135 مليار دولار والاقتصاد المصري رابعاً ويصل إلى 127 مليار دولار والاقتصاد الكويتي يصل إلى ما يقارب112 مليار دولار وذلك في عام 2007. هذه الاقتصادات العربية الخمسة الأكبر بين البلدان العربية، لكن هناك تفاوتاً في وضع هذه الاقتصادات؛ فالاقتصاد المصري يعتمد على ثروته البشرية وتدفق رؤوس الأموال من الخارج مع قاعدة صناعية - زراعية ضخمة نسبياً قياساً إلى بقية الدول العربية، أما الاقتصادان الإماراتي والكويتي فيتشابهان في خصائصهما من حيث عدد السكان القليل، وارتفاع حجم العمالة الوافدة والاستعانة الكبيرة بالخبرات والكفاءات الأجنبية، وقبل كل هذا فهما اقتصادان ريعيان يعتمدان على استخراج وتصدير النفط  كسلعة أساسية، لكن الاقتصاد الإماراتي نجح أكثر في تنويع هيكله والاعتماد على التجارة وقطاع البناء والتشييد وقطاع الخدمات المالية والمصرفية قبل ذلك بحيث إن الصناعة الاستخراجية تشكل أقل من 40 في المائة عام 2006 و35 في المائة عام 2007.

 أما الاقتصاد الذي يكاد يكون الأقرب في خصائصه وظروفه من الاقتصاد العراقي فهو الاقتصاد الجزائري الذي يحتل المرتبة الثالثة كما أسلفنا، وذلك لعدة أسباب منها، التقارب في حجم السكان، توفر الكفاءات المحلية، وجود قطاع زراعي وقاعدة لقطاع صناعي موروث من أيام الاحتلال الأجنبي، السياسات الاقتصادية المتبعة والتي كانت تميل إلى التخطيط المركزي في عقدي السبعينات والثمانينات، اضطراب الوضع الأمني بشكل كبير وظهور بوادر حرب أهلية لعدة سنوات انتهت بعقد مصالحة وطنية بين الأطراف المتنازعة، صاحبت ذلك هجرة خارجية للكفاءات الجزائرية إلى بلدان أوروبا عموماً وفرنسا بشكل خاص، وأخيراً فإن الاقتصاد الجزائري يعتمد بدوره على تصدير الغاز والنفط ويشكل عائداً مهماً من الدخل القومي وصل إلى ما يقارب النصف في عام 2006.

 ثانياً: واقع الاختلالات الهيكلية في بعض الاقتصادات العربية

لقد استمر الاقتصاد العراقي-على سبيل المثال- في مواجهة مصاعب كبيرة بعد عام 2003، رغم ذلك توقع الخبراء تحقيق معدل نمو حقيقي يتعدى 8 في المائة متأتياً من القطاع النفطي في بعض السنوات التي شهدت ارتفاعاً في أسعار النفط عالمياً، لكن النقص والقصور في البنى التحتية ظلا يمثلان أكبر عائق في وجه إعادة الإعمار فضلاً عن الظروف الأمنية، بالمقابل هناك تنام واضح في الطلب المحلي تمثل باتجاه تصاعدي في الواردات العراقية بعد عام 2003، مما يؤكد أن السوق العراقية سوق واعدة وسوق متعطشة لكثير من السلع والخدمات التي حرمت منها خلال عقد ونيف.

ويمكن أن نعطي صورة مقارنة من خلال الجدول رقم (2) بين بعض أهم القطاعات الاقتصادية في العراق، وبعض الدول العربية النفطية وغير النفطية لتحديد درجة الاختلال في هيكل كل اقتصاد من هذه الاقتصادات.

 جدول رقم (2) نسب مساهمة القطاعات السلعية والخدمية في بعض الدول العربية المختارة لعام 2007 ( في المائة)

الدول

الزراعة والصيد والغابات

الصناعة الاستخراجية

الصناعة التحويلية

التشييد

الكهرباء والغاز والماء

مج في المائة القطاعات السلعية – بدون صناعة استخراجية

التجارة والمطاعم والفنادق

النقل والمواصلات والتخزين

التمويل والتأمين والمصارف

مج في المائة القطاعات الخدمية

العراق

5.0

54.1

1.6

3.5

0.9

11.0

6.5

6.9

0.2

13.6

السعودية

2.8

51.5

9.6

4.6

0.8

17.8

5.2

3.2

2.6

11.0

الإمارات

1.8

35.0

13.1

8.4

1.5

24.8

12.2

6.2

4.3

22.7

الكويت

0.2

54.9

5.0

1.8

1.1

8.1

4.1

6.9

7.6

18.6

قطر

0.1

56.3

7.8

6.3

1.9

16.1

4.7

3.7

2.4

10.8

الجزائر

8.0

49.9

4.2

8.0

1.1

21.3

9.5

8.1

0.3

17.9

ليبيا

2.0

68.4

4.4

3.8

1.2

11.4

3.6

3.4

1.0

8.0

مصر

13.8

15.1

16.7

4.4

1.7

36.6

14.9

10.5

7.0

32.4

سوريا

17.7

20.7

6.2

2.1

0.5

45.4

26.2

9.8

5.0

41.0

الأردن

3.1

3.1

19.2

4.8

2.1

29.2

10.3

15.3

10.3

35.9

لبنان

7.8

0

9.0

4.8

5.3

26.9

28.7

3.0

6.2

37.9

المصدر: صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أبوظبي: الإمارات، 2008، ص277.

 يبين هذا الجدول أن الاقتصاد الإماراتي هو الأفضل بين مجموعة الدول العربية المصدرة للنفط، لأنه نجح في تنويع مصادر دخله وهو الأقل اعتماداً على قطاع الصناعة الاستخراجية، إذ تنخفض نسبة مساهمتها إلى أكثر من الثلث بقليل (35 في المائة)، وترتفع نسبة مساهمة كل من قطاع الصناعة التحويلية وقطاع البناء والتشييد وقطاع التجارة والمطاعم والفنادق، لذلك يمكن القول إنه الأقل اختلالاً بين اقتصادات هذه المجموعة. ويمكن القول أيضاً إن الاقتصاد الأردني هو الأقل اختلالاً بين مجموعة الدول العربية غير النفطية وشبه النفطية، إذ تقل نسبة مساهمة القطاع الزراعي دون الـ 5 في المائة وترتفع نسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية إلى ما يقارب الخمس من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن ارتفاع نسب مساهمة القطاعات الخدمية ومنها قطاع التمويل والمصارف والتأمين.

 ويمكن القول إن الاقتصادين الليبي والعراقي هما الأكثر اختلالاً بين كافة الاقتصادات الواردة في الجدول، إذ يعتمدان بشكل كبير على قطاع الصناعة الاستخراجية – وبخاصةٍ الاقتصاد الليبي-، وتنخفض مساهمة قطاع التمويل والمصارف والتأمين في الناتج المحلي، فضلاً عن انخفاض ملحوظ في نسب مساهمة قطاعي الصناعة التحويلية والبناء والتشييد. ويقترب الاقتصاد الجزائري في ملامحه العامة من الاقتصادين الليبي والعراقي باستثناء أنه يتفوق عليهما في ارتفاع نسبة مساهمة قطاع البناء والتشييد.

 وأخيراً، تحتاج عملية التحول الاقتصادي التي يشهدها الاقتصاد العراقي إلى تكامل في أطرها المختلفة من جهة السياسات الاقتصادية، ومن جهة أخرى الاعتماد على الإصلاح القانوني كحاضن وضامن لهذا التحول والتغير. ولاستكمال الإطار القانوني لا بد من الإسراع بتشريع حزمة من القوانين، مثل: قانون مكافحة الفساد المالي والإداري، وقانون النفط والغاز، وقانون سوق الأوراق المالية.

 كذلك فإن الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي تحتاج إلى حزمة مترابطة ومتناغمة في أدائها من السياسات الاقتصادية الكلية، والتي تركز على قطاعات مهمة مثل إصلاح القطاع المصرفي وتحسين أدائه وتطوير قدرته التنافسية من خلال زيادة رساميل المصارف الخاصة وإمكانية تحقيق اندماجها أو تكاملها.

 ولذلك يبقى السؤال قائماً، هل يمكن أن نشهد خلال عقد قادم من الزمن وصول الاقتصاد العراقي إلى مرتبة متقدمة بين الاقتصادات العربية؟ وهل سيكون ذلك على حساب إبقاء وتعميق الاختلالات الهيكلية القائمة فعلاً أو على حساب معالجتها أولاً ومن ثم تأتي الدفعة القوية للاقتصاد العراقي بعد ذلك؟

 بغض النظر عن إمكانية الإجابة الدقيقة عن هذه الأسئلة وغيرها، يبقى هناك الكثير من العمل في مختلف المجالات وعلى كافة الصعد للنهوض بواقع الاقتصاد العراقي وتحسين آفاقه المستقبلية حتى يحتل مكانته الطبيعية والمستحقة بين دول العالم أجمع.

مجلة آراء حول الخليج