array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات الكردية – الإسرائيلية.. صداقة أم استغلال؟

الإثنين، 01 كانون2/يناير 2007

يرينا تاريخ الشعوب أنه أينما بدأ شعب ما بالكفاح من أجل تحرير نفسه من سلاسل العبودية واستعادة كرامته فإنه يتعرض لأعنف وأشرس الهجمات غالباً ما تكون بالحديد والنار لكسر إرادته وزرع روح العبودية في جسده. وحالة الشعب الكردي لا تختلف كثيراً عن حالة الشعوب الأخرى في العالم كالفلسطينيين والتاميل وغيرهم من شعوب العالم أبيحت دماؤهم من قبل الغزاة والمستعمرين ولكنها ترفض أن تخضع للعبودية وتقدم دماءها ثمنا لاستعادة كرامتها.
فمن يعرف تاريخ الشعب الكردي يعلم كيف ظلمنا الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى وجعلنا عبيداً لغيرنا على أرض أجدادنا بعدما كنا جزءاً من الإمبراطورية العثمانية أسوة بإخواننا العرب في المنطقة، ولكننا حرمنا من حقنا في حق تقرير المصير لجعل المنطقة بؤرة صراعات دائمة. ولهذا فمن البديهي أن يصبح التاريخ الحديث للشعب الكردي تاريخ نضال لدفن هذا الظلم وكسر سلاسل العبودية التي لا يعرف مرارتها إلا من عاناها ويعانيها، ومن البديهي أيضاً أن نتعرض لأشرس الهجمات رداً على مطالبنا المشروعة لأن الحرية تؤخذ ولا تعطى. إن تاريخنا مليء بجرائم بشعة ارتكبت بحقنا من الإبادة الجماعية لعشرات الآلاف من أبناء شعبنا وحرق مدننا وقرانا تحت منظر ومسمع العالم وحتى استعمال أسلحة الدمار الشامل ضدنا. ولكن إذا تعذرت استمرارية هجمات من هذا النوع لأسباب دولية أو تغيرات جيوبوليتيكية فإننا نتعرض لأشكال أخرى من الهجمات الظالمة مثلاً على شكل اتهامات لا أساس لها. مثال هذه الهجمات هو ما نتعرض له نحن الأكراد من قبل بعض الأطراف على شكل اتهامات بالتعاون مع جهات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية وهم لا يعلمون أو لا يريدون أن يعلموا أننا مثل إخواننا العرب لسنا إلا ضحايا السياسة الإسرائيلية في المنطقة، ونحن لا نستطيع أن نقوم بما لا يستطيع إخواننا العرب القيام به بالرغم من إمكانياتهم المادية والبشرية الضخمة، أي التخلص من التدخل الإسرائيلي في شؤوننا واللعب بمصير شعبنا.
فهم يتهمون الشعب الكردي ككل، وينسون أن علاقات من هذا النوع لا تنشأ بين الشعوب بل بين الحكومات والأحزاب السياسية لأن الشعب يتكون من أفراد لهم ميول سياسية مختلفة أو بدون ولهذا لا يستطيعون أن يتصرفوا ككتلة واحدة كإنشاء علاقات مع شعب آخر مثلاً بل تنوب عنهم عادة الحكومات. وحتى إنشاء العلاقات بين دولة وأخرى ليس من المفروض أن يعكس موقف أكثرية الشعب، فمثلا هناك عدة دول عربية أنشأت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ولكن أكثرية شعوبها ليس من المفروض أن تشعر بصداقة تجاه إسرائيل. لهذا يجب أن ينظر إلى ملف العلاقات الكردية - الإسرائيلية من هذه الزاوية أي أنها علاقات بين الحكومة الإسرائيلية وقيادات بعض الأحزاب الكردية أو بالأحرى مع بعض العوائل الكردية المتسلطة على هذه الأحزاب.
ونحن لا ننكر وجود هذه العلاقات والطرف الإسرائيلي يتحدث عنها ويعترف بها، ولا نريد أن ندافع عن أنفسنا كشعب لأننا، نحن الأكراد، لا نستطيع أن نكون عرباً أكثر من العرب أنفسهم، حيث العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول العربية هي أقوى من علاقات إسرائيل مع بعض الدول غير العربية وغير الإسلامية. ونقول إن إسرائيل لا تحتاج أصلا إلى كردستان للدخول إلى العراق لأن الطريق مفتوح أمامها الآن مع مجيء الأمريكيين. ولكن السؤال الذي يطرح الآن من المستفيد ومن المتضرر من العلاقات الكردية - الإسرائيلية؟ هل هي علاقات طبيعية أي لمصلحة الطرفين أم يستغل فيها طرف واحد الطرف الآخر من أجل الوصول إلى أهدافه القصيرة والطويلة الأمد؟ إن هدف هذا البحث هو إلقاء الضوء على العلاقات الكردية - الإسرائيلية من وجهة نظر مستقلة ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة. إن أي علاقات من هذا النوع لا تأتي فجاة بل تشترك فيها عدة عوامل منها الجذور التاريخية ولهذا لا بد لنا أن نعود إلى تاريخ الديانة اليهودية في كردستان.
الأكراد والديانة اليهودية:
احتكاك الأكراد بالديانة اليهودية يعود إلى ما قبل 2800 سنة، حيث قام الآشوريون في القرن الثامن قبل الميلاد. بإسكان بعض الأسرى اليهود في كردستان وسرعان ما استغل هؤلاء جو التسامح عند الشعب الكردي، وقاموا بأمر من مرجعياتهم الدينية بنشر الديانة اليهودية في كردستان، وبالفعل اعتنق عدد من الأكراد هذه الديانة ولكن في نطاق ضيق، وبقي أكثرهم على ديانتهم الأصلية أي الزرادشتية، وهناك بعض المؤرخين الإسرائيليين ممن يدعون أن مملكة (أديابان) الكردية التي كانت عاصمتها أربيل قد اعتنق ملكها (ازاد) الديانة اليهودية في القرن الأول قبل الميلاد ومعه أكثرية سكان هذه المملكة، ولكن هذه النظرية هذه لم تؤيدها مصادر غير مستقلة، لهذا لا يمكن الاعتماد عليها. وبقي الأكراد على هذه الحالة إلى القرن الرابع الميلادي حيث انتشر الدين المسيحي في عموم كردستان ودخله الكثير من الأكراد الزرادشتيين واليهود، ولكن الإسلام جاءنا في القرن السابع الميلادي حيث دخل أكثرية الأكراد في هذا الدين، ومن المعلوم أن الأكراد لم يدخلوا الدين الإسلامي عنوة، فلم يبق من المسيحيين الأكراد إلا عدد قليل، ولا يزال هناك عدد من هؤلاء في كردستان خاصة في منطقة هرموتة في كردستان العراق وهم يختلفون عن المسيحيين الكلدانيين والآشوريين لأن هذين الأخيرين هم شعبيون مختلفون عن الأكراد ومن أصول سامية بينما الأكراد هم من أصول آرية. وكذلك بقيت مجموعة أخرى من الأكراد على ديانتهم الأصلية أي اليزيدية، وهناك الآن عدد كبير من الأكراد التابعين لهذه الديانة في كافة أنحاء كردستان، ولكن أعدادهم في تقلص مستمر بسبب الاضطهاد الذي يتعرضون له على يد المسلمين، حيث هاجر بعضهم إلى خارج كردستان، وأجبر البعض الآخر على دخول الديانة الإسلامية. وفي ما يخص اليهود الأكراد فإنهم عند مجيء الإسلام انقسموا إلى ثلاث فرق: الفرقة الأولى وهي الأكثرية اعتنقت الإسلام، والفرقة الثانية اعتنقت الإسلام ظاهرياً لتفادي الاضطهاد الديني ولكنها بقيت في باطنها على الديانة اليهودية فلم يعد هناك وجود لهؤلاء في كردستان إلا عدد قليل، أعلن قسم منهم ديانته الأصلية في التسعينات من القرن الماضي وهاجر إلى إسرائيل، والفرقة الثالثة بقيت على الديانة اليهودية ولا يزال هناك عدد قليل من هؤلاء في كردستان، إذ هاجر أكثرهم إلى إسرائيل في الخمسينات وهناك زهاء مائتي ألف منهم في إسرائيل وقد حافظوا على العادات والتقاليد الكردية، ويسكنون في مناطق خاصة بهم، إذ إنهم يتعرضون للتمييز العنصري بسبب أصلهم الكردي غير السامي، وينظر إليهم باحتقار ولكن لا يصل إلى حد التمييز الذي نعاني منه نحن الأكراد المسلمين على يد إخواننا في الدين في إيران والعراق وسوريا وتركيا. ومن أبرز شخصيات الجالية الكردية في إسرائيل مثلاً إسحاق موردخاي وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وموشي البارزاني الذي عمل مساعدا لمناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وهو مدفون بجانبه في جبل الزيتون في القدس.ومن المعروف أن اليهود في كردستان لم يتعرضوا أبداً للاضطهاد الديني حتى لو أن الأكراد في تاريخهم اضطهدوا إخوتهم اليزيديين بسبب ديانتهم وقتلوا وهجروا عشرات الآلاف منهم. والدليل على ذلك هو أن الديانة اليهودية كانت في كردستان في نهضة مستمرة، وأن أول رابية في تاريخ اليهود السفارديم أي اليهود الشرقيين كانت كردية باسم (ئايشة ناش البارزاني) ابنة كبير رابيي اليهود في كردستان سامويل البارزاني عاشت في القرن السابع عشر، وكانت مثقفة وقامت بتأليف كتاب عن الأمثلة الكردية وفتحت عدداً من المدارس.
وهنا يتبين لنا أن يهود كردستان لم يكونوا من أصل يهودي سامي، بل من أصل هندو أوروبي اعتنقوا اليهودية ولكن رابطتهم بقيت في كردستان وهي طبيعية.
الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأكراد:
من المعلوم أن السياسة الخارجية لكل الدول واقعية، أي يتم تقييمها على أساس الربح والخسارة، لذا فإن سياسة إسرائيل الخارجية لا تختلف كثيرا عن سياسة الدول الأخرى في العالم، ولكن هناك أساليب خاصة تميز إسرائيل في هذا المجال عن باقي الدول الأخرى نظراً لظروف الحرب التي تعيشها، إذ هي تخوض حرباً علنية وسرية ضد أكثر الدول الشرق أوسطية. وبعض هذه الأساليب نعرفها من كتاب الجاسوس الإسرائيلي السابق فيكتور أوستروفسكي (عن طريق الخداع) عن كيفية عمل الموساد. وهذا المقال يحاول بقدر الإمكان الاعتماد على المصادر الإسرائيلية لكي لا يتهمنا أحد باللا سامية ما عدا المقابلات التي أجراها كاتب هذا المقال مع رجال عملوا سابقاً مع أجهزة مخابرات كردية كانت تتعامل مع إسرائيل. وأود أن أكرر أن إسرائيل لا تعني بالضرورة اليهود، لأن الشعب اليهودي ليس إلا شعبا كأي شعب آخر على وجه الأرض ولهم فضل على البشرية في كثير من مجالات العلم والمعرفة وكثير منهم ضحى بحياته من أجل أهداف نبيلة خدمة للإنسانية. وأريد أن أذكر على سبيل المثال فقط أول شهيد شيوعي وقع في العراق كان يهودياً باسم (ابراهيم العيد) وهناك مواطنون يهود يقبعون في السجون الإسرائيلية لمساندتهم القضية العادلة للشعب الفلسطيني. إن السياسة الخارجية الإسرائيلية ليست إلا الميكيافيلية الأوروبية الغريبة علينا في الشرق الأوسط، ومن وجهة النظر الميكيافيلية هذه فإن إسرائيل قسمت دول وشعوب الشرق الأوسط إلى صنفين، الصنف الأول تصفهم إسرائيل بالأعداء والصنف الثاني الذي تعتقد إسرائيل بالاستفادة منه، أي ليس لإسرائيل أصدقاء في الشرق الأوسط ولا أعتقد في العالم كباقي الدول التي ليست لها إلا مصالح.
وبالنسبة لموقع الشعب الكردي في السياسة الخارجية الإسرائيلية فإن إسرائيل قد وضعته في الصنف الثاني، أي هدف إسرائيل هو استعمالنا فقط في صراعاتها الإقليمية وحتى الدولية، ولكن الأكراد يحتلون موقعاً خاصاً في هذا الصنف حسب قول أوستروفسكي لأنهم مقسمون على دول تعتبرها إسرائيل عدوة لها، ولأن الشعب الكردي يتعرض لاضطهاد مستمر في هذه الدول مما يؤدي إلى الشعور بالإحباط لديه، ولذا فإن إسرائيل تحاول بالدرجة الأولى استغلال هذا الشعور بالإحباط لدى بعض العناصر الكردية من أجل جمع المعلومات في هذه الدول، هذا هو ما يعترف به أوستروفسكي في مقال له حول دور الموساد الإسرائيلي في اختطاف زعيم الحزب العمالي الكردستاني عبدالله أوجلان أوائل عام 1999. وحسب قول أوستروفسكي فإن إسرائيل من طرفها تعتبر الشعب الكردي حراس البوابة الشرقية لها، وتبذل قصارى جهدها لتشجيع اضطهاد الشعب الكردي في هذه الدول لكي تستغله كلما احتاجت إليه، لذا من حقنا نحن الأكراد أن نسأل لمصلحة من يتم اضطهاد الشعب الكردي؟ وما هي الدوافع الحقيقية وراءه؟ إسرائيل استعملت مرارا وتكرارا اضطهاد الشعب الكردي كمبرر لسياستها تجاه دول الشرق الأوسط، فمثلاً عندما استعمل النظام العراقي المخلوع الأسلحة الكيماوية لإبادة الشعب الكردي، وسكت أكثرية العرب عن هذه الجرائم بل أيدها قسم منهم، استغلت إسرائيل هذه الجريمة في المحافل الدولية لتبرير حيازتها وتطويرها لأسلحة الدمار الشامل وادعت بأنها يمكن أن تواجه مصير الأكراد نفسه من دون قوة ردع قوية وهي أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها. كما أن استعمال هذه الأسلحة ضد الشعب الكردي كان أيضاً أحد المبررات الرئيسية لاحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، فكل من يضطهد شعباً آخر فإنه في نهاية المطاف يضطهد نفسه.
العلاقات الكردية - الإسرائيلية في الوقت الحاضر:
يجب أن نذكر في البداية أن حركة التحرر الكردية قديمة، وكان الشعب الكردي يناضل من أجل حقوقه قبل تأسيس إسرائيل بكثير، ولعل ثورة (شيخ محمود) ضد الاستعمار الإنجليزي في عشرينات القرن الماضي وتأسيسه مملكة كردستان وثورات (بارزان) في الثلاثينات وأخرى في كردستان الشرقية والشمالية خير دليل على ذلك.
وفي ما يتعلق بموضوعنا فإن العلاقات بين الحكومات تتم بصورة عامة على طريقتين، إما علنية مثل العلاقات الدبلوماسية أو سرية وهذا غالبا ما يتم عن طريق أجهزة الاستخبارات. وإسرائيل بسبب القضية الفلسطينية تعتمد كثيرا على الطريقة الثانية في علاقاتها مع كثير من الدول في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وحسب قول المحلل السياسي الإسرائيلي دانيال بيرت فإن لإسرائيل وزارتين للخارجية، وزارة رسمية وأخرى غير رسمية تسمى شعبة الفعاليات السياسية والعلاقات أو الشعبة الثامنة في جهاز الموساد الإسرائيلي، وهذه الشعبة هى أيضاً مسؤولة عن العلاقات مع الكثير من الدول العربية والشرق أوسطية. وكذلك العلاقات الإسرائيلية مع أطراف كردية تتم عبر هذه الشعبة وبدأت في منتصف الستينات كعلاقات عسكرية ومخابراتية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الزعيم الكردي المرحوم ملا مصطفى البارزاني آنذاك وهي مستمرة إلى الآن، حيث تم إبرام اتفاقية سرية بين قيادة الحزب والموساد الإسرائيلي تم بموجبها فتح مركز للموساد للإشراف على هذه العلاقات، وكان يعمل في المقر باستمرار زهاء عشرين خبيراً عسكرياً ومخابراتياً من بينهم موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، ومن هنا تتبين أهمية هذا التعاون بالنسبة لإسرائيل. ومن جانبه قام الحزبالديمقراطي الكردستاني بإرسال عدد من كوادره إلى إسرائيل للتدريب العسكري والمخابراتي من بينهم نجلا المرحوم ملا مصطفى البارزاني مسعود البارزاني الرئيس الحالي للحزب الديمقراطي الكردستاني والمرحوم إدريس البارزاني. وقام المرحوم ملا مصطفى بدوره بزيارتين لإسرائيل الأولى في 1967 والثانية في 1973. وفي المجال العسكري فإن إسرائيل كانت تزود الحركة الكردية بأسلحة سوفييتية اغتنمتها في حروبها مع الدول العربية، ولكنها لم تزودها بأسلحة متطورة من ترساناتها كالصواريخ المضادة للطائرات، التي كانت المشكلة الرئيسية بالنسبة للثوار الأكراد نظراً لوعورة منطقة الصراع، حيث لا تستطيع قوات المشاة والآليات لعب دور كبير في المعارك، ولكن الإسرائيليين بالعكس كانوا يركزون على هذه القوات من القوات العراقية لأنها كانت تشكل خطراً عليهم بسبب طبيعة الجغرافية شبه الصحراوية. وبالرغم من هذا التعاون فإن إسرائيل كانت تبذل قصارى جهدها للحفاظ على التوازن بين القوات الكردية والعراقية وذلك من أجل تمديد الصراع وإبقائه على نار هادئة لكي لا تفقد هذه الورقة المهمة بيدها. وفي ما يخص المساعدات المالية يقول المحلل دانيال بيرت إن الحكومة الإسرائيلية كانت تمنح الحزب الديمقراطي الكردستاني منحة شهرية قدرها (500 ألف دولار)، ولكن ضابطا سابقا في جهاز (الباراستن) وهو جهاز مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني كان يعمل مع الخبراء الإسرائيليين في كردستان قال لي إن هذه الأموال لم تكن منحة بل ثمن لترجمة وثائق جمعتها مخابرات الحزب الديمقراطي الكردستاني (الباراستن) عن العراق إلى اللغة الإنجليزية وتسليمها إلى الإسرائيليين. وانتهت هذه المرحلة من العلاقات في سنة 1975، حيث اشتركت إسرائيل في مؤامرة دولية مع الولايات المتحدة ونظام الشاه في إيران السابق لإجبار الثورة الكردية على إنهاء عملياتها، والتجأ حينذاك الكثير من قيادات الحزب والثورة إلى إيران وأوروبا وأمريكا وبعضهم استسلم إلى النظام العراقي ومن بينهم ثلاثة من أبناء زعيم الحركة الكردية آنذاك مصطفى البارزاني حيث أعدمهم صدام حسين في الثمانينات مع ثمانية آلاف آخرين من البارزانيين.
إن تجربة هذه الفترة مما يسمى التعاون الكردي - الإسرائيلي تبين لنا أن الهدف الإسرائيلي لم يكن في يوم من الأيام مساعدة الشعب الكردي بل استعماله من أجل انشغال الجيش العراقي، ونحن نعلم الآن ما هو الدعم الذي قدمته إسرائيل إلى الحركة الكردية ولكن لا نعرف شيئا عن الدعم الذي قدمته إسرائيل في الوقت نفسه إلى النظام العراقي لأن جهاز الموساد فيها كان على علم بكل ما يجري في كردستان، وبما أن هدفهم كان إطالة أمد الصراع بين الحركة الكردية والنظام العراقي فمن المعقول أن نفترض أن إسرائيل تعاملت مع النظام العراقي في الوقت نفسه، ولعل هذا الأسلوب ليس بغريب على إسرائيل، كما يصفه أوستروفسكي في مقاله المذكور، حيث يقول إن الموساد كان يتعامل مع حركه التاميل في سريلانكا ومع الحكومة السريلانكية في الوقت نفسه لاستعمال أحدهما ضد الآخر. لقد دفعنا نحن الأكراد ثمناً باهضاً للخيانة التي تعرضنا لها من قبل إسرائيل وإيران والولايات المتحدة سنة 1975، حيث قام النظام العراقي بتهجير مئات الألوف من أبناء الشعب الكردي إلى جنوب العراق وتعريب مناطق واسعة في كردستان بعض آثاره لا تزال باقية إلى الآن.
ولكن بعض الأحزاب الكردية لم تتعلم شيئا من هذا الدرس، حيث قام، حسب قول دانيال بيرت، باستئناف هذه العلاقات بعد اندلاع الثورة الكردية من جديد في كردستان العراق ابتداء من 1976، وكان هذا خطأ كبيراً ونكرانا للجميل لأن الثورة الكردية لم يكن باستطاعتها استئناف عملياتها لولا المساعدات العسكرية والمالية واللوجيستية لبعض الدول العربية المعروفة باتجاهاتها التقدمية وحتى بعض المنظمات الفلسطينية، ولا ننكر شحنات الأسلحة التي كانت تأتي من الاتحاد السوفييتي السابق وإعانات مالية تقدم عبر الحزب الشيوعي العراقي إلى الأحزاب الكردية. وانتهى بنا المطاف هذه المرة بحملات الإبادة الجماعية المعروفة بجرائم الأنفال في ثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى استعمال الأسلحة الكيماوية ضدنا وحرق أكثر من 4000 قرية وقصبات كردية وليست لدي معلومات بأن إسرائيل حاولت بأي طريقة إنقاذ الأكراد من خطر الإبادة الجماعية بل بالعكس قامت باستغلال هذه الحملات لشن حملة دعائية لتقوية مواقفها حول امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل.
لقد شهدت العلاقات الإسرائيلية مع بعض الأحزاب الكردية قفزة نوعية بعد عام 1991، حيث حاول رجال المخابرات الإسرائيليون استعمال أراضي كردستان العراق للتجسس على بعض دول الجوار، وأن الأحزاب الكردية لم تستطع مقاومة هذه المحاولات خوفا من فقدان الحماية الغربية للمنطقة الآمنة، كما أن العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية انطلاقا من الأراضي الكردية كلفت الشعب الكردي كثيرا من الأرواح والمتاعب خاصة في ما يتعلق بالعمليات الموجهة ضد الجارة إيران، حيث قامت السلطات الإيرانية في 1998 بالقبض على 25 شخصا من بينهم مسؤولون رفيعو المستوى من الحزب الديمقراطي الكردستاني بتهمة التجسس لصالح إسرائيل ومات اثنان منهم مباشرة بعد الاعتقال ولا يزال عدد آخر منهم يقبع في السجون الإيرانية إلى الآن. وصحيح أن إيران تضطهد الأكراد الموجودين على أراضيها ولكن النضال من أجل حق التقرير المصير لشعب ما لا يعني التجسس لصالح دول أخرى، وإيران قامت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بإيواء مئات الألوف من الأكراد العراقيين الهاربين من جحيم النظام العراقي السابق، حيث كان الغرب بما فيه أمريكا بتزويد النظام العراقي بالأسلحة والأموال من ضمنها الأسلحة الكيماوية التي استعملت ضد الشعب الكردي في حلبجة وغيرها من المناطق. إن المسؤولية لا تقع هنا على عاتق الشعب الكردي بل على عاتق المسؤولين السياسيين الأكراد الذين يقومون بهذه النشاطات لصالح دول أجنبية والتي وهي دائما من أجل الكسب المادي، ولا تأتي بأي خير على الشعب الكردي سوى تدمير العلاقات الأخوية بين الشعب الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة. وهناك بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين يدعون بأن الأكراد هم المستفيدون من هذه العلاقات، ويذكر مثلا دانيال بيرت أن وسائل إعلام الحزب
الديمقراطي الكردستاني سمح لها بالبث على موجات شركة تلكوم الإسرائيلية العمومية (BEZEQ). ولا نستطيع أن نعتبر هذا مكسباً لأن هذا الحزب باستطاعته البث بالتعاون مع شركات أخرى في هذا المجال وربما بسعر أقل بكثير وبعيداً عن العواقب السياسية. كما أن إسرائيل لا تستطيع أصلا التعامل مع الأكراد على أساس المساواة لأنها - حسب قول أوستروفسكي - تمارس تمييزاً عنصرياً ضد اليهود من أصل كردي في إسرائيل نفسها فإذن كيف تنظر إلينا إسرائيل نحن الأكراد المسلمين؟ وأنا لا أستغرب محاولات إسرائيل استعمالنا مرارا وتكرارا من أجل مصالحها لأنها لا تعتقد أصلا بأننا نصلح لأكثر من ذلك. ولا بد أن نذكر أن هدف العمليات الإسرائيلية في كردستان ليس دول الجوار فقط، بل أيضاً أبناء الشعب الكردي أنفسهم، فمثلا إذا أرادت إسرائيل الانتقام من أحد الأكراد بسبب مواقفه الرافضة للسياسة الإسرائيلية ضد شعوب المنطقة أو لسبب آخر فهي لا تقوم بهذه العملية بنفسها، بل تستعمل أجهزة مخابراتية معينة تابعة لبعض الأحزاب الكردية في كردستان العراق. وهذه العمليات الانتقامية تأخذ بعض الأحيان أشكالاً بشعة كما حدث لأحد أساتذة جامعة صلاح الدين في أربيل عام 2000.
إن السياسة السلبية لإسرائيل تجاه الأكراد لا تتوقف عند حد كردستان العراق، بل تتعدى إلى الأجزاء الأخرى لها أيضاً، ولعل أبرز مثال على ذلك هو دور الموساد الإسرائيلي في اختطاف زعيم الحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان بداية عام 1999 من كينيا إلى تركيا . إذ يقول عميل الموساد السابق أوستروفسكي في مقال له حول هذا الموضوع: (إن الموساد كان يراقب أوجلان خلال وحدة الإنصات المعروفة بوحدة (8200) وذلك لغرض استعماله يوما ما للتقارب مع تركيا إلى أن نجحت في خطتها هذه واستطاعت إبرام عدة اتفاقيات عسكرية مع تركيا سنة 1996 ومن ثم بدأت بالتعاون مع الحكومة التركية للتآمر على أوجلان، حيث أجبر أوجلان على ترك سوريا عام 1998 وكان ينوي التوجه إلى إيطاليا فقام الموساد بإخبار السلطات الأمنية الإيطالية سلفا بخطة أوجلان وبالفعل تم القبض عليه عند وصوله إلى مطار روما في 31/11/1998 ورفض طلبه للحصول على حق اللجوء السياسي إلى أن أجبر في نهاية المطاف على التوجه إلى كينيا المعروفة بكونها مركزاً رئيسياً للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية في افريقيا بجواز سفر قبرصي مزور تحت اسم (مافروس لازاروس) ومن هنا تم اختطافه إلى تركيا). وكان أوجلان شخصيا على علم بأن الموساد يلاحقه وقال في آخر مقابلة صحفية له مع الصحفي الفرنسي المشهور كريس كوجيرا حين وجوده في روما إن تركيا مصممة على معاقبتي وهي تستطيع القيام بذلك بدعم إسرائيلي. وبعد اختطافه قال أيضاً لأحد محاميه في سجنه بجزيرة (امرالي) إن الطائرة التي كانت تقلهم من كينيا إلى تركيا قد هبطت في طريقها إلى تركيا في دولة شرق أوسطية قد تكون إسرائيل أو قبرص، وليس من المعقول الاعتقاد بأن هذه الدولة كانت قبرص بل إسرائيل لأن قبرص قريبة جدا من سواحل تركيا، لذا ليس من الضروري التوقف فيها. وربما قامت إسرائيل بهذا العمل انتقاماً من أوجلان بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل ودعمه للقضية الفلسطينية. ولا يتسع المجال هنا للحديث بشكل مفصل عن موقف إسرائيل بعد اغتيال الدكتور عبد الرحمن القاسملو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني آنذاك مع اثنين من رفاقه في فيينا في 13/7/1989، حيث قامت إسرائيل مباشرة بعد العملية بالضغط على إيران للإفراج عن الطيار الإسرائيلي (رون آراد) الذي أسقطت طائرته فوق لبنان في أكتوبر 1986 وتعتقد إسرائيل بأنه موجود الآن في إيران.
وبعد هذه النبذة القصيرة عن طبيعة العلاقات بين إسرائيل وبعض الأحزاب الكردية ووصولنا إلى الاستنتاج بأن الشعب الكردي هو المتضرر الرئيسي بهذه العلاقات أليس من حقنا نحن الأكراد أن ننتظر من إخواننا العرب والآخرين بأن يعيدوا النظر في آرائهم بهذه المسألة، إذ إننا لا حول لنا ولا قوة، ولا نستطيع منع الأحزاب الكردية التي تقوم بهذه العلاقات من أجل البقاء على الحكم ونهب الموارد المالية للشعب الكردي من عائدات الجمارك والضرائب، والتقارير السنوية لمنظمات حقوق الإنسان مليئة بخروقات كبيرة لحقوق الإنسان الكردي من قبل هذه الأحزاب من قتل وتعذيب واختطاف.
وأخيراً هل نختلف نحن الأكراد كثيراً عن شعوب أخرى في دول العالم الثالث تسلط على رقابها مجموعات نخبوية لها ارتباطاتها الخارجية تضمن لها البقاء في الحكم مقابل خدمات تقدمها إلى هذه الجهات؟ ومن حقنا أن نقول للذين يهاجمون الشعب الكردي ويتهمونه بالعمالة إنهم يخدمون الأهداف الإسرائيلية لأن اتهاماتهم هذه تشكل تحريضاً على إبادتنا، كما حاول ذلك النظام العراقي السابق، وتفسح المجال لإسرائيل بالتدخل في شؤوننا تحت ذريعة حمايتنا من الإبادة. إن من يضطهد الشعب الكردي يخدم في الواقع الأهداف الإسرائيلية مباشرة.

مجلة آراء حول الخليج