array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

قراءة في مسيرة العلاقات اليمنية - الإيرانية

الجمعة، 01 كانون1/ديسمبر 2006

لا يُمكن فصل العلاقات الإيرانية - اليمنية عن مفاعيل جيوبوليتيكية تتحكّم بشكل مباشر وغير مباشر بالسياسة الخارجية لإيران تجاه دول المنطقة، وبالخصوص تلك الوضعية الطارئة المتعلقة بالطاقة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ووقوع إيران ضمن الرقعة الذهبية للمخزون النفطي الهائل ما بين الخليج وبحر قزوين، وقدرتها على الوصول إلى الأسواق الحرة وإلى غرب أوروبا وأعالي البحار. وإذا كان جيوبوليتيك الدولة الإيرانية، ومن ثم وقوعها ضمن مُربع الثمانين في المائة من مخزوني النفط والغاز في العالم، وهواجس السيادة الوطنية، وأخيراً الهيكلية المعقّدة للهوية الثقافية الإيرانية قد تمكّنت كما يقول (السفير آسايش زارج) من فرض استحقاقاتها على السياسة الخارجية لإيران، فإن التفصيل قليلاً في ما ورائيات عقائدية تُشكّل دولاب النشاط الإيراني الخارجي يُمكن أيضاً أن يُفسر كثيراً من الحوادث والسياسات القائمة وبالتحديد في مناطق جغرافية مُحددة تكون متماهية مع النموذج الإيراني الديني أحياناً والثوري في حين آخر، كما هو الحال في العراق ولبنان وفلسطين ومنطقة الخليج.
نظرة تاريخية
تاريخياً ارتبط الفرس بالذهنية اليمنية من منظور تنافس وحِراب بعد الهجمات التي قامت بها الجيوش الفارسية لتقويض حضارة سبأ في جنوبي الجزيرة العربية (750 – 1000) قبل الميلاد والسيطرة على اليمن ضمن الحرب الكونية القائمة بينهم وبين الروم، تكلّلت بإرسال الملك الساساني جيوشا فارسية إلى أرض اليمن، استطاعت الحد من النفوذ الحبشي هناك، وبعد أن أصبح اليمن تحت السيطرة الفارسية في أواخر العصر الساماني أصبح بذلك ولاية من ولايات الإمبراطورية الفارسية (المدائن – تيزفون) فتذارر الرعايا الفرس هناك عبر السنين، وظهرت منهم عوائل مالكة (كباذان وسرديويه ومهرويه وزنجويه وبردويه وجندويه) في القرن الخامس الميلادي، إلاّ أن المفارقة تمّت عندما قامت قبائل يمنية بفتح بلاد فارس وأيضاً لبلاد الشام فنشأت علاقة جديدة بين الضفتين في ظل واقع سياسي جديد بعد الفتح، هذا في ما يتعلق بمرحلة سابقة، أما لاحقاً فإن علاقات البلدين يُمكن تحقيبها من بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر اليمنية في العام 1962 عندما اعترفت طهران بنظام الحكم الجمهوري اليمني عام 1967، وافتتحت السفارة الإيرانية في صنعاء في العام 1972، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بادرت الحكومة اليمنية لإقامة علاقة حسنة مع القادة الجدد، إلا أنها لاحقاً لم تستطع الخروج عن الموقف القومي للدول العربية تجاه الحرب العراقية - الإيرانية والوقوف إلى جانب العراق، وبالخصوص بعد الهجوم الإيراني المضاد في العام 1982، إلا أن التبدل الذي طرأ على المنطقة بعد حرب الخليج الثانية وما آلت إليه العلاقات اليمنية الخليجية من توتر، سمح بأن تتوطّد العلاقة بين البلدين، خصوصاً أن طهران وعند إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990 كانت أول دولة تعترف بحكومة الوحدة، وحتى بعد قيام حرب الانفصال في العام 1994 وقفت طهران إلى جانب حكومة الشمال برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح ضد حركة علي سالم البيض، ثم جاءت زيارة الرئيس علي عبد الله صالح لإيران في العام 2000 وتوقيعه على عدد من الاتفاقيات المختلفة لتُشكّل منعطفاً مهماً في مسيرة العلاقة بين البلدين، ثم تجذرت أكثر بزيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في شهر مايو من العام 2003 كأول رئيس إيراني يزور اليمن وتوقيعه على ثماني وثائق للتعاون في المجالات المختلفة أهمها اتفاقية التعاون الأمني، وقد بلغت مُجمل الاتفاقيات المُوقّعة بين البلدين منذ الوحدة اليمنية أكثر من أربع وخمسين اتفاقية ومذكرة تفاهم، كما بلغت الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين منذ العام 2000 أكثر من خمس وأربعين زيارة، وتضاعف التبادل التجاري عشرة أضعاف عما كان عليه في العام 1990، كما تماثل موقفا البلدين بشأن احتلال العراق، ومن المسألة النووية الإيرانية بعد تصريحات الرئيس اليمني الذي أكّد فيها حق إيران في امتلاك طاقة نووية لتوليد الطاقة.
إلاّ أن بوادر أزمة بدأت في الظهور في نهاية عهد الرئيس خاتمي بعد التمرّد الذي قاده أحد شيوخ المذهب الزيدي وهو بدر الدين حسين الحوثي في بعض مناطق اليمن الشمالية وخاصة في محافظة صعدة، في العام 2004 ومن ثم تجدده في مارس 2005، ما أسفر عنه من إعدام أحد أئمة المساجد الشيعية وهو الشيخ يحيى حسين الديلمي، وسجن آخر ثماني سنوات وهو محمد مفتاح لدعمهما حركة الحوثي، واتهامهما بالتجسس لصالح إيران التي اتُهمت أيضاً بدعم ذلك التمرد، لكن زيارة وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي لطهران في مايو من العام 2005 وتصريحات كمال خرازي حينها بأن (ما يحدث في اليمن شأن داخلي) ومن ثم تصريحات محمد رضا باقري مساعد وزير الخارجية الإيراني في فبراير الماضي بأن بلاده لا تدعم على الإطلاق أنصار الحوثي، وأن الحوادث الجارية في ولاية صعدة، قضية داخلية وستعمل الحكومة اليمنية على تسويتها بحكمة؛ قد بدد ذلك التوتر.

إيران والتوجّه الإقليمي
بعد حكومتي الإعمار الأولى والثانية برئاسة هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997)، تركزت علاقات إيران الخارجية بالمنطقة الواقعة على حدود الصين شرقاً والمحيط الهندي جنوباً ومنطقة الخليج غرباً والقوقاز والبحر الأسود والبحر المتوسط شمالاً على اعتبار أن أجزاءً مهمّة من هذه المناطق تنتظم تاريخياً واستراتيجياً مع الحضارة الفارسية، وهو ما تضمنته الخطة العشرينية الإيرانية فعلياً، حيث بدأت الرغبة في استحصال مكانة إقليمية عبر ذلك المحيط الجغرافي، فتكون إيران صاحبت التوازن الاستراتيجي ودولاباً للتعاون الأمني والاقتصادي، إلاّ أن الإيرانيين بدؤوا في الاهتمام أيضاً بالمثلث الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية الذي يُشكل اليمن قلبه، وما يُحاذيه من حدود برية وبحرية تكون سلطنة عُمان فيه بالإضافة إلى بحر العرب والمحيط الهندي. وكان لعدد من المعطيات السياسية والاقتصادية الطارئة أو المستجدة أثرها في أن يتبلور ذلك الاهتمام بتلك المنطقة، وهو ما يُمكن الإشارة إليه بالتالي :
الدوافع السياسية: بيّنت التوجهات الجديدة لسياسة الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر أنها تتجّه نحو التمدد الأفقي المكارثي على كل منطقة من قارات العالم السبع، رغبة منها في جلب أكبر نسبة تأثيرية مُمكنة للاقتصاد الأمريكي ومن ثم على اقتصادات العالم، وبالتالي فإن المكارثية الجديدة اعتمدت على تمكين سلطة المُجمّع الصناعي العسكري، ولاحقاً على بيع السلاح وإشعال الحروب والوجود العسكري المباشر في مناطق مختلفة من العالم، ومن بينها اليمن، وعليه فقد سعى الإيرانيون لنسج علاقاتهم مع اليمن بالمستوى الذي يُؤمن لهم حدودهم الواصلة إلى جنوب الخليج من أي تهديد تقوم به البوارج الأمريكية الموجودة في الموانئ اليمنية، وربما تكون الاتفاقية الأمنية المُوقّعة بين البلدين في العام 2003 على غرار الاتفاقيات الأمنية مع باكستان وتركيا قادرة على تفسير ذلك إلى حد ما، بالإضافة إلى ذلك هو محاولة الحد من نشاط عصابات تهريب المخدرات التي تُعاني منها إيران. كذلك قد يُوفّر وجود علاقة مستقرة مع اليمن فرصاً جيدة لتأمين خطوط مواصلات بحرية للناقلات الإيرانية في بحر العرب والمحيط الهندي والحدود البحرية الدولية للوصول إلى جنوب القارة السمراء التي بدأت علاقات طهران الاقتصادية بها تتوطّد بعد قيام شركة خودرو الإيرانية الضخمة للسيارات (أضخم شركة لتصنيع السيارات في الشرق الأوسط) ببناء مصنع لها في العاصمة السنغالية دكار لإنتاج سياراتها المُسماة (سامند)، وتزايد الاهتمام الإيراني بقضية دارفور بعد زيارة وزير الخارجية السابق كمال خرازي. وكذلك الرغبة في الوصول إلى وسط القارة السمراء والبحيرات العظمى (السودان - أوغندا – رواندا - بوروندي - الكونغو الديمقراطية - كينيا - تنزانيا - أثيوبيا - إريتريا) واللعب على الخلاف الدائر بين (مشروع إفريقيا) الذي عرضه الفرنسيون و(مشروع القرن الإفريقي الكبير) بضم كل من أوغندا، ورواندا، وبوروندي، والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان (بعد فصله) الذي قدّمه الأمريكيون بهدف إنشاء قاعدة تجارية وصناعية لصالح شركات التعدين والنفط الأمريكية.
الدوافع الاقتصادية: أدركت إيران أن ازدياد قيمة الوديعة الأوروبية من حركة التجارة المُرقّمة (الإلكترونية) خلال السنوات المقبلة، وتحوّل أجزاء كبيرة منها نحو قطاع الأعمال بدلاً من التركيز على المستهلكين خلقا فرصاً جديدة ومتاحة يُمكن الإمساك بها عبر تجسير علاقات متوازنة مع محيطها الجغرافي ووعائها الاقتصادي، بالإضافة إلى ذلك فإن الخسائر التي مُني بها الاستثمار العربي بعد أحداث سبتمبر والتي كانت أصولها تُقدر بـ 1.4 تريليون دولار أعادت أجزاء كبيرة منها إلى موطنها الأصلي، وبالتالي تحولها إلى مشاريع بناء وإعمار وتداول نشط في العقار. وإذا ما عُلِم بأن شبكة الطرق الحالية في اليمن تعد من أقدم الشبكات في العالم العربي، ويعود بعضها إلى فترة الخمسينات من القرن الماضي وبعضها الآخر إلى فترة الاستعمار البريطاني لجنوب البلاد، وتفتقد الصيانة الدورية، وأن الحكومة اليمنية تعتزم استثمار خمسة مليارات دولار لتوسيع تلك الشبكة حتى عام 2015 تستهدف التوسع في شبكة الطرق الرئيسية والريفية الثانوية لتصل إلى حوالي ۳۸ ألف كيلومتر؛ فإن ذلك يعني أن الإيرانيين لديهم فرص ذهبية للإطلاع بدور ما في ذلك. وأشارت التقارير إلى أن السفير الإيراني في صنعاء حسين كماليان ناقش ذلك الموضوع مع وزير الخدمات العامة والطرق اليمني عمر عبد الله الكرشمي، عن مدى إمكانية مساهمة الشركات الإيرانية في تقديم الخدمات الفنية والهندسية خاصة في إنشاء الطرق والجسور، خصوصاً أن هناك اتفاقية بين البلدين تعود إلى شهر إبريل من العام 1996 بين وزارة النقل والطرق الإيرانية ووزارة النقل اليمنية، وتقوم حالياً شركات إيرانية بتنفيذ عدد من المشاريع المهمة في اليمن منها مشروع مطار سقطرة ومشروع مصنع إنتاج اسطوانات الغاز، ولديهم مشاريع مماثلة في أفغانستان. أمر آخر يُمكن أن تتطلع إليه طهران وهو الرغبة في تسويق منتجاتها العسكرية التي أصبحت تُوَرّد إلى أكثر من أربعين دولة في العالم معظمها في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع العلم بأن إيران قامت بتزويد السودان قبل أكثر من ثلاث سنوات بسيارات نقل الجنود والعربات العسكرية، كذلك يُمكن أن يُساعد النشاط الإيراني الواسع في مجال الطاقة وبالتحديد في النفط الخام والغاز الطبيعي والبتروكياويات وموضوعات التسويق على إيجاد قابليات براغماتية لتوطيد العلاقات بين البلدين، فمن جهة يستفيد اليمن الذي لا يزيد إنتاجه اليومي من النفط على 400 ألف برميل ويتقاسم حصته من الصادرات النفطية من تقاسم الإنتاج بموجب عقود مُوقّعة مع شركات نفطية أجنبية المنتجة نحو 63 في المائة من إجمالي صادرات البلاد، ومن جهة ثانية يستفيد الإيرانيون الذي يُديرون تسويق منتجاتهم من خلال ملتقى الطرق البحرية لليمن بين باب المندب والبحر الأحمر غرباً، والفضاء المفتوح له على المحيط الهندي، الذي يرفده أصلاً المحيط الهادي من الخلف.
إن الحديث عن علاقات هادئة ومتوازنة وإنهاء بؤر التوتر والخلافات يُمكن إسقاطه على طبيعة العلاقة القائمة ما بين الجمهورية اليمنية وجمهورية إيران الإسلامية، فالبلدان استطاعا التغلّب على كثير من المشكلات بطريقة هادئة وبعيدة عن الأضواء والتجييش، وهو كفيل باستمرارها وتطورها أكثر.

مجلة آراء حول الخليج