array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

جولات تراخيص حقول النفط العراقية: ما لها وما عليها

السبت، 01 أيار 2010

لقد صنع النفط تاريخاً مختلفاً للمنطقة العربية عن تاريخ أقاليم العالم الأخرى لا سيما النفطية منها، فتاريخ النفط في المنطقة العربية رغم ما فيه من وجوهٍ نهضوية وتقدم وعمران في ظاهرها، إلا أن باطنها لا يخلو من الصراع والهيمنة التي تتخذ شكل الحروب المباشرة تارةً وحروب بالنيابة تارةً أخرى.
صاحبت ذلك محاولات متكررة لفرض الهيمنة على شعوب المنطقة، إذ استحكمت الشركات الاحتكارية ومن ورائها القوى الدولية الاستعمارية المتنفذة لوضع اليد على هذه الثروة الحيوية بدورها والناضبة بطبيعتها بأساليب وطرق مختلفة، كان أولها عبر عقود واتفاقيات مجحفة، ويكشف تاريخ القرن الماضي كله أن النفط كان سبباً أساسياً للصراع السياسي والاجتماعي وحتى الفكري الدائر في المنطقة وعلى النطاق الدولي، وهو صراع بين الشمال والجنوب والحداثة والتخلف، وبين الهيمنة والتحرر. وإن لم يتم استغلال هذا المورد على نحو صحيح وعقلاني متوازن لصالح كل من الدول المنتجة والمصدرة والمستهلكة على حدٍ سواء، فإن المزيد من الدماء ستسيل في المنطقة وتهدر فرص أكثر وأكبر للنهوض والتقدم والازدهار، ومعها تتبدد ثروة النفط ويضيع حلم التنمية والديمقراطية.
والعراق كونه إحدى دول المنطقة العربية التي تتمتع باحتياطيات نفطية هائلة كان مسرحاً لأحداث كثيرة ومتوالية أغلبها اتسم بالعنف وعدم الاستقرار مع نصيب متواضع من التقدم وجني ثمار ثرواته المعدنية الهائلة، فقد شهد قطاع النفط العراقي ومنذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي انقطاعاً عن مواكبة التطورات التقنية والفنية، وازدادت عزلة هذا القطاع مع مطلع عقد التسعينات وتفاقمت مشكلاته وبلغت ذروتها بعد حرب 2003، إذ طفت على السطح ولأول مرة وأصبح من الممكن التحدث بعد عام 2003 عن حجم الكارثة التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي والذي يعد محركاً للاقتصاد العراقي وقاطرة نموه.
فمن الأعمال العسكرية المباشرة التي تعرضت لها منشآت هذا القطاع إلى أعمال التخريب المقصود مروراً بجرائم النهب المنظم والتهريب للمشتقات النفطية وصعوبة حماية المنشآت وخطوط النقل التي تمتد إلى مسافات طويلة، وصولاً إلى المشكلات التقنية والفنية المتوارثة من ضعف كل من الطاقة الخزنية والتصديرية والقدرات الإنتاجية والتكريرية وتداعي منظومة الطاقة الكهربائية التي تعتمد عليها هذه الصناعة إلى تسرب الكفاءات النفطية العراقية وهجرتها إلى بلدان مستقرة، وانعدام الأطر التشريعية التي تحكم عمل الشركات الأجنبية وتدفقات رأس المال، وعدم مرونة المنظومة التعليمية والتدريبية للاستجابة لمتطلبات سوق العمل لهذه الصناعة العملاقة وغيرها من المشكلات والتحديات التي تواجه واقع صناعة النفط العراقي.
في ظل ما سبق وغيره من الاتجاهات المتنامية لتحرير الاقتصاد العراقي وجعله يعمل وفقاً لآلية السوق الحر، ناهيك عن الحسابات الاستراتيجية والاقتصادية والجيوبوليتيكية لقوى كبيرة ومؤثرة على مستوى العالم والمنطقة الإقليمية، ظهرت دعوات إلى جولات التراخيص التي قامت بها الحكومة العراقية لتطوير الصناعة النفطية العراقية. وترى بعض الآراء أن هذه الجولات لم تأتِ بناءً على متطلبات اقتصادية لوضع سياسي واقتصادي مستقر، وإنما جاءت نتيجةً لضغوط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، لذلك تعددت الآراء وتباينت بشأن جولات التراخيص هذه، فهناك من اعتبرها نصراً للإرادة الوطنية، وآخرون اعتبروها مشروعاً لاحتلالٍ اقتصاديٍ جديد للبلد على الأمد البعيد.
ومع كل هذه الجدلية المتصاعدة تبقى لهذه الجولات مجموعة من المزايا، ولها مجموعة من المثالب، نحاول بحثها باختصارٍ وتجرد ومن وجهة نظر أكاديمية، ويمكن تلخيص أهم المزايا لجولات التراخيص بالآتي:
1- ترى بعض وجهات النظر المساندة لهذا الأسلوب أنها انتصار للإرادة الوطنية المعترضة على مسودة قانون النفط والغاز التي تضمنت الإشارة حصراً إلى عقود المشاركة في الإنتاج، باعتبار أن هذه الجولات قامت على أساس عقود خدمة وليس مشاركة، تتقاضى بموجبها الشركات الفائزة بالعقود رسوم إنتاج محددة تتراوح بين دولار واحد ودولارين كمعدل عن كل برميل نفط يتم إنتاجه.
2- أثبتت تجارب العراق السابقة خاصة في عقد السبعينات نجاح هذه التجربة، إذ طورت شركات برازيلية الاحتياطي العراقي وقفزت بمعدلاته قفزات مهمة من خلال عقود الخدمة.
3- لا تستطيع الكوادر العراقية رغم كفاءتها النهوض بقطاع النفط والغاز بمعزل عن الشركات الأجنبية، إذ إنها تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة ورؤوس أموال طائلة، ونظراً لانقطاع العراق مدة طويلة تزيد على العقدين عن التطورات التكنولوجية في مجال النفط، لذا يصعب تعامل الكوادر العراقية مع التطورات المتسارعة في هذا المجال، ولعل ما يثبت ذلك مشكلة حرق الغاز المصاحب التي تحتكر تكنولوجيا فصله شركات معدودة عملاقة الحجم مثل رويال دويتش الهولندية.
4- إن إقحام شركات متعددة الجنسية لها ثقلها في استثمارات نفطية في العراق بشكل عام، وفي حقول مشتركة مع دول الجوار كإيران والكويت التي للعراق مشكلات حدودية معها، يعد ذا بعد استراتيجي على الصعيد السياسي والاقتصادي. وقد يكون سبباً لخفض معدلات التوتر على الحدود مع الدول المجاورة، كما قد يحصل العكس والدليل على ذلك احتلال إيران حقل الفكه الرابع.
5- جعل العراق قوة اقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك بجعل طاقاته الإنتاجية تتناسب مع احتياطياته النفطية، وأخذ حصته الحقيقية من السوق النفطية الدولية، وهذا ما قد يثير مخاوف وتدخلات دول نفطية مجاورة مثل دول الخليج وإيران.
وعلى الرغم من هذه المميزات المهمة إلا أن هناك سلبيات لا يمكن تجاوزها، لابد من الإشارة إليها ومحاولة وضع معالجات مناسبة لها، ومن أبرز هذه السلبيات ما يأتي:
6- لعل من غير المفهوم أو المبرر عدم وجود أجوبة لسؤال كبير ومحيّر لماذا شملت جولات التراخيص أهم وأكبر حقول نفطية عملاقة تنتج النفط منذ الثلاثينات؟ ورغم كل الظروف والأوضاع الأمنية فإنها لا تزال تنتج بأيدٍ وخبرات عراقية، والحقول التسعة المعروضة في جولة التراخيص الأولى يبلغ مجموع الاحتياطي النفطي المثبت لها أكثر من 50 في المائة من احتياطي العراق، وأن إنتاجها الآن يشكل أكثر من 80 في المائة من إنتاج العراق النفطي وأكثر من 85 في المائة من إيرادات الموازنة العامة للدولة، وهذه الحقول تمت دراستها بكثافة سابقاً ولاحقاً من بعض الشركات العالمية، وأن كوادر النفط العراقية على اطلاع بكل تفاصيلها وقادرة على إدارتها وتطويرها.
7- تم العقد المعياري لجولة التراخيص مع الشركات الأجنبية بمعزل عن قانون حماية الثروة الهيدروكربونية رقم 84 لسنة 1985، وقانون 97 لسنة 1967، وقانون 22 لسنة 1997، علماً أن هذه القوانين لا تزال سارية المفعول بانتظار إقرار مسودة قانون النفط والغاز.
8- تتقاطع جولات التراخيص مع مشروع قانون النفط والغاز المعروض الآن على مجلس النواب للتصويت عليه وكذلك مسودة قانون شركة النفط الوطنية (المؤمل إقراره قريباً)، ولا يجيز قانون حماية الثروة الهيدروكرونية 84 في سنة 1985 وقانون 97 والقوانين الأخرى، والدستور العراقي لا يعطي الحق للوزارة أو الحكومة بتوقيع هذه العقود إلا بإصدار قانون يصدر عن البرلمان العراقي.
9- إن هذه العقود تبدأ بزيادة الإنتاج بعد ثلاث سنوات من تاريخ توقيع العقد مع الشركات الأجنبية وبنسبة 10 في المائة فقط، بينما استطاع الكادر النفطي الوطني زيادة الإنتاج لأكثر من مائة وخمسين ألف برميل يومياً من النفط الخام، وكذلك مائة مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي خلال النصف الثاني من العام 2009.
10- إن الشركة الأجنبية التي تشغل كل حقل تشكل كوادرها 75 في المائة من إجمالي العاملين والمتبقي 25 في المائة كوادر عراقية.
11- ستسهم هذه العقود في إفراغ شركة النفط الوطنية من محتواها بعد تخفيض صلاحيات شركتي نفط الشمال والجنوب، وستكون شركة النفط الوطنية أقرب إلى هيكل فارغ مجرد شركة مشرفة، في حين ستكون الشركات الأجنبية هي المتحكم الفعلي في الحقول النفطية. لذلك فإن إبقاء هذه الحقول تحت السيطرة الوطنية للعراق يمثل إحدى الركائز الأساسية للأمن الوطني والاقتصادي.
12- إن الشركات النفطية الأجنبية لن تستطيع البقاء في العراق أو تدير الإنتاج إذا ما حصل أي ظرف طارئ في المنطقة وسوف يخسر عندها العراق ما يترتب على ذلك تعاقدياً.
13- يخشى أن هذه التراخيص تعمل على عزل الكفاءات والكوادر المحلية العراقية لحساب الخبرات الأجنبية.
14- الخوف من أن تكون هذه الاستثمارات جزراً متقدمة وسط بحر من التخلف الاقتصادي والاجتماعي، كما حصل في بعض التجارب العالمية كنيجيريا مثلاً.
15- وجود فساد مالي إداري في هكذا نوع من الصفقات، وهذه حالة عامة لا تنحصر بالعراق، بل في أغلب دول العالم، وكافة الدول النامية التي تعاني سوء استغلال للسلطات الإدارية والسياسية.
إن توقعات أوبك للمديين المتوسط والطويل هي أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 91 مليون برميل يومياً في عام 2016 و93.5 مليون برميل يومياً في عام 2018 مقارنة بـ 85.5 مليون برميل في 2008. وتجعل جولات التراخيص من العراق مواكباً لتطورات الطلب العالمي على النفط، إذ إن هذه العقود سترفع سقف الإنتاج من 2.5 مليون برميل 2009 إلى 12 مليون برميل يومياً بعد 5-6 سنوات من تاريخ توقيع العقود، وتثير مثل هذه التوقعات التساؤلات فيما إذا كان العراق سيبقى عضواً في منظمة أوبك؟ وهل الأعضاء الآخرون في أوبك سيوافقون على مطالب العراق لزيادة مستويات التصدير لملء الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط؟ وإذا تعذر ذلك، فهل سيقرر العراق بعد ذلك البقاء في أوبك، أم أنه سيترك المنظمة ويقوم بزيادة صادراته النفطية بصورة مستقلةً، والتي من المرجّح أن تؤدي إلى تداعيات مهمة على استقرار سوق النفط العالمية؟
إن مثل هذه الخطط ستؤدي إلى أن يُحوّل العراق إلى مجرد دولة نفطية منتجة مهمتها الأساسية ضخّ النفط والغاز لخدمة السوق النفطية العالمية وخدمةً لتوازنه وإثراء للنخب المحلية من التكنوقراط مما يدعو إلى تساؤلاتٍ أكثر ويستدعي بالضرورة تحليلاتٍ أعمق.

مجلة آراء حول الخليج