array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

هموم الثروة المائية في العراق.. بين التلوث والندرة

السبت، 01 تموز/يوليو 2006

يمتلك العراق أهم رافدين في منطقة الشرق الأوسط، لكنه لم يستثمر منابعه المائية بشكل إيجابي نظراً لانصراف الدولة العراقية طوال العقود الماضية إلى التركيز على الجهد العسكري وإهمالها حل المشكلات المتفاقمة في موضوع الثروة المائية. ولتسليط الضوء على وضع الثروة المائية في العراق لابد من الاستهلال بموجز عن مصادر المياه الرئيسية في العراق وهما نهرا دجلة والفرات.
مصادر المياه ودول الجوار
تقع منابع نهري دجلة والفرات في جبال تركيا، وبينما يجري نهر دجلة إلى داخل العراق مباشرة من تركيا، فإن نهر الفرات يمر في سوريا أولاً ثم يدخل من شمال غربي البلاد. ولكون العراق ليس بلد المنبع فقد سعى ومنذ أكثر من 4 عقود إلى عقد معاهدة دائمة مع الدولتين الجارتين لتقسيم المياه، إلا أن نسبته للعراق بدأت تقل مع استمرار بناء كل من تركيا وسوريا عشرات السدود على النهرين.
مسيرة طويلة للنهرين
تبدأ مسيرة النهرين من المرتفعات التركية حيث يكثر تساقط الثلوج، ولأن هذا التساقط على هذه المرتفعات لا يستمر بوتيرةٍ واحدة طوال العام، فإن ما يجري في الرافدين يتعرض لتذبذب فصلي كبير. ويجري الرافدان في أودية محددة واضحة المعالم عندما يقطعان المنطقة المتموجة ولذلك تقتصر الزراعة على ما يمكن زراعته في سهولهما الفيضية الضيقة، ولكن سرعان ما تكثر ثناياهما عندما يجريان في السهل الرسوبي، ويدخل الفرات هذا السهل قرب مدينة (هيت) ويفقد النهر انتظامه جنوبي الهندية، في حين تُعد مدينة بلد نقطة دخول نهر دجلة السهل الرسوبي، ويفقد النهر انتظامه جنوبي الكويت.
ويقل انحدار مجرى دجلة والفرات إلى جنوبي نقطتي الدخول، ويضعف تيارهما في حمل رواسبهما وتغلب عليهما صفة (الإرساب) ويجري دجلة والفرات على حواف أكتافهما فوق مستوى سهلهما الفيضي الواسع مما يجعل بالإمكان إنشاء شبكة جداول واسعة حولت هذا السهل في العصور القديمة إلى جنةِ عدن، وأصبحت في الوقت الحاضر من أعظم مناطق إنتاج التمور في العالم.
وتفقد الأنهار بعض مياهها في المناطق الجافة نتيجة التبخر والتسرب والري، وهذا ينطبق على دجلة والفرات، إذ يقل تصريف نهر دجلة جنوبي بغداد حتى يصل إلى 158 متراً مكعباً في الثانية، في حين يبلغ تصريفه السنوي 1236، ويرتفع إلى 13000 متر مكعب في الثانية في أوقات الفيضان، ويفقد النهر كثيراً من مياهه صبباً.
حتى إن الأرقام المقابلة لما ذكرناه آنفاً تبلغ عند الملتقى 78،11 و179 متراً مكعباً في الثانية؛ وقد تغيرت هذه الأرقام اليوم لكثرة مشاريع الري والتنظيم النهري التي نُفذت أخيراً، ولكن نمط التصريف ظل على ما هو عليه. ويمر النهران عند نهايتهما الجنوبية بأهوار واسعة.
يبلغ طول الفرات 2900 كيلومتر وينبع من جبال شرقي تركيا الوعرة العالية، ويقطع النهر مسافة 440 كيلومتراً قبل أن يدخل أراضي الوطن العربي في سوريا مخترقاً أراضي جافة منبسطة يلتقي فيها برافديه البليخ والخابور.
ويدخل الفرات أرض العراق عند قرية حصيبة ليبدأ رحلة طويلة يقطع فيها مسافة 115 كيلومتراً باتجاه الجنوب الشرقي، ويظهر وادي النهر، وهو يخترق الهضبة الغربية، واسعاً قليل العمق واضح المعالم تعترض مجراه في كثير من المواضع مندفعات نهرية وجنادل، كما تظهر في وسطه مجموعة من الجزر. وبعد أن يمر بمدينة هيت يبدأ سيره في السهل الرسوبي حيث تقع بحيرة الحبانية قرب الرمادي على بعد 80 كيلومتراً من شمال غربي بغداد و63 كيلومتراً من جنوبي هيت وهي حوض تخزين طبيعي ذو سعة جيدة؛ وقد أدت البوابات التي أُنشئت على مجرى النهر الرئيسي إلى تحويل الفائض من مياهه إلى هذا الخزان للحيلولة دون حدوث فيضان خطير؛ ونتيجة لذلك تكونت بحيرة تبلغ مساحتها السطحية القصوى 426 كيلومتراً وتصل سعة تخزينها إلى 3-4 مليارات متر مكعب، أما إذا زادت مقادير المياه المتدفقة على ذلك فإنها تصرف إلى منخفض أبي دبس الواقع إلى الجنوب منها.
ويتميز سطح منطقة نهر الفرات في الجزء الشمالي من السهل الرسوبي بوضع يجعله أكثر ارتفاعاً من نهر دجلة. وبناء على ذلك فإن الأراضي الواقعة إلى الشمال الغربي والجنوب الغربي من بغداد، أي الأراضي الممتدة بين الفلوجة والهندية، تسقى بمياه الفرات، حتى إذا بلغ الفرات الهندية تفرع إلى فرعين: شط الحلة وشط الهندية. وبعد مسافة قصيرة يلتقي الجدولان شمالي مدينة السماوة ويظهر النهر موحد المجرى ثانية. ويمر الفرات بعد ذلك بمدينة الناصرية وسوق الشيوخ قبل أن يصل بحيرة (الحَمار)، هناك تضيع معالم واديه حتى يلتقي نهر دجلة عند كرمة علي شمالي البصرة. وقد أعطت الأعمال الهندسية الحديثة نهر الفرات مظهراً جديداً ونظام تصريف مختلفاً، فقد أقيم على النهر (سد القادسية) شمالي مدينة حديثة (التي تقع على بعد 260 كم من شمال غربي بغداد)، ويحجز هذا السد مياه النهر ويكون بحيرة تمتد أمامه مسافة طويلة. وسيحقق سيطرة كاملة على نظام التصريف المتذبذب لهذا النهر.
ويبلغ طول نهر دجلة 1970 كيلومتراً، وينبع من المناطق الجبلية المطيرة الواقعة جنوب شرقي تركيا. ويتكون النهر في منابعه العليا من عدة جداول صغيرة، ولا يظهر مجراه موحداً إلا بعد أن يلتقي رافده الشرقي (دجلة) رافده الغربي (بوتان صو). ويأخذ النهر اتجاهاً جنوبياً شرقياً قاطعاً مسافة 300 كيلومتر عبر مناطق تركية وعرة حتى يدخل الوطن العربي في أراضي العراق عند قرية فيشخابور حيث يبلغ طوله 1290 كيلومتراً، حتى إذا مر النهر بمنطقة الفتحة الفاصلة بين مرتفعات حمرين ومكحول يبدأ جريانه بين ضفاف صخرية واضحة يحف به سهل فيضي قليل الاتساع. ويمكن مشاهدة صورة النهر هذه شمالي سامراء ثم يأخذ النهر بالسير بدءاً بمدينة بلد في سهل رسوبي منبسط، وتقترن بقلة انحدار مجرى النهر كثرة الثنايا فيه ولا سيما في المنطقة الواقعة بين بغداد والكوت.
ويتفرع من ضفة دجلة اليمنى شمالي سدة الكوت جدولان هما (الغراف) و(الدجيلة). كما تتفرع من جانبيه عند العمارة خمسة فروع أخرى هي: المشرح والكحلاء على جانبه الأيسر والبتيرة والمجر الكبير والمجر الصغير على جانبه الأيمن، وتبعاً لذلك يصبح مجرى النهر ضيقاً جداً ويقل حجم الماء الذي يجري فيه بشكل واضح. ثم يعود النهر إلى الاتساع ثانية وتزداد كميات المياه الجارية فيه بفضل مقاديرها المتزايدة التي تنحدر إليه من مناطق الأهوار المحيطة به حتى يلتقي الفرات عند كرمة علي شمالي مدينة البصرة.
وترتفع مناسيب مياه دجلة في إبريل ومايو وتنخفض في سبتمبر وأكتوبر. ونظامه هذا يظهر اختلافاً نسبياً عما عليه الحال في مناسيب الفرات التي يرتفع منسوبها في إبريل، وتبلغ ذروتها في مايو. أما الواطئة منها فتحدث كالمعتاد في سبتمبر وأكتوبر. وهناك اختلاف مهم آخر هو أن عدداً من الروافد يحمل إلى دجلة كميات إضافية من المياه داخل الأراضي العراقية مما لا يحظى به الفرات. وهذه الروافد هي:
أ- الخابور: وينبع من مرتفعات تركيا ويلتقي نهر دجلة عند قرية فيشخابور.
ب- الزاب الكبير: وينبع من مرتفعات تركيا ثم يلتقي نهر دجلة عند مدينة نمرود الآشورية التاريخية. ويعد الزاب الكبير الرافد الرئيسي لنهر دجلة نظراً لكثرة المياه التي يحملها إليه، إذ تقدر بنحو 33 في المائة من حجم المياه الجارية في نهر دجلة.
جـ - الزاب الصغير: وينبع من المرتفعات الشرقية خارج القطر ويلتقي دجلة جنوبي مدينة الشرقاط.
د- العظيم: وتقع منابعه كلها داخل الأراضي العراقية ويلتقي دجلة عند مدينة بلد. وهو نهر فصلي تنحدر إليه كميات كبيرة من مياه الأمطار شتاء مثقلة بحمولتها من الرواسب ولكن مجراه يصبح في فصل الصيف خندقاً جافاً تقريباً.
هـ - ديالى: وينبع من المرتفعات الشرقية ويقع جزء من منابعه داخل الأراضي العراقية ثم يلتقي دجلة على بعد 22 كيلومتراً جنوبي بغداد.
ونهر دجلة مثل الفرات، إذ تقع على مقربة منه منخفضات تتسع لخزين مقادير كبيرة من فائض مياهه، فقد أمكن بواسطة سد سامراء تحويل مياه فيضانه إلى منخفض الثرثار وتبلغ سعة التخزين القصوى لهذا المنخفض 85 مليار متر مكعب. وهو من أكبر الخزانات التي هندستها يد الإنسان في العالم. ويأتي في المرتبة الثانية بعد بحيرة ناصر في جمهورية مصر العربية. وتعمل السدود التي أقيمت في عرض النهر وروافده على حجز المياه والاستفادة منها لسد حاجة المزارع المروية، وأقيم سدا دربنديخان وحمرين من قبل على نهر ديالى وسد دوكان على نهر الزاب الصغير. ووضعت الخطط لإقامة سدود أخرى يأتي في مقدمتها سد بخمة على نهر الزاب وسد العظيم. وستكون لهذه السدود منافع متعددة تجمع بين تخزين المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وتربية الأسماك فضلا عن كونها منتجعات يؤمها الناس لقضاء أيام العطل.
ويضاف إلى طول دجلة والفرات طول شط العرب البالغ 190 كيلومتراً الذي يتكون من التقاء النهرين. وهذا الطول يضع شبكة شط العرب بين 16 نهرا من أطول أنهار العالم، ونهر الدجيل (الكارون) الذي يجري من الشرق هو رافده الوحيد. ويصل عمق المجرى الملاحي في شط العرب إلى 32 قدماً مما يتيح إمكانية إبحار السفن المحيطية فيه مسافة 80 كيلومترا من مصبه في الخليج العربي.
وتحظى منطقة شط العرب بزراعة أكبر نسبة من نخيل العراق، حيث تضم 18 مليون نخلة من بين 30 مليون نخلة في العراق. وتساعده مياه المد هنا على ري بساتينها بانتظام وينصرف في أوقات الجزر ما يفيض من ماء تربتها وما يحمله من أملاح.
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولعل نعمتي الهواء والماء هما أبرز تلك النعم الإلهية، ويشكل عنصر الماء في حياة الإنسان أهمية بالغة إذ لا تستقيم الحياة من دونه، بل إن لا حياة بلا ماء، وفق الآية القرآنية الكريمة التي تقول ((وجعلنا من الماء كل شيء حي)) صدق الله العظيم.
ويشكل موضوع المياه ومدى سلامتها وصلاحيتها للاستهلاك البشري والنباتي والحيواني العنصر الأهم في حياة الفرد على الإطلاق. ومن هذا المنطلق ولعدم اتساع المجال هنا للتحدث عن المشكلات التي تواجه الثروة المائية في العراق بشكل عام، فقد اخترنا في بحثنا هذا البحث محافظة ميسان كحالة دراسية كونها تقع عند دائرة مائية من الأنهار التي تحيطها من جميع الجهات لتجعلها جزيرة غنية بالموارد المائية.
لقد أصبحت المياه تشكل مصدر خطر على حياة المواطن والثروة الحيوانية والزراعية والأحياء المائية في هذه المحافظة نتيجة الملوثات التي تسللت إلى مياه الأنهر والجداول من خلال ما تنفذه المعامل والمؤسسات من فعاليات صناعية تطرح مياهها الصناعية في نهر دجلة وتفرعاته، إضافة إلى فضلات مياه المجاري الثقيلة.
إن جولة واحدة لمتابعة هذه الظاهرة تجعل المتتبع يدرك خطورة الظاهرة التي استفحلت بشكل لا يمكن السكوت عليه. ويقول مهندس الري عدنان حنين مسؤول توزيعات المياه في مديرية الموارد المائية في ميسان: إن مصادر التلوث للمياه في محافظة ميسان كثيرة ومختلفة منها فضلات المجاري والمياه الثقيلة وفضلات فعاليات المناطق والمعامل والمؤسسات الصناعية حيث تلقى مباشرة إلى نهر دجلة وتفرعاته في الكحلاء والمشرح والمجر الكبير والعدل والميمونة والسلام من دون وجود أي معالجة، إضافة إلى مخلفات فعاليات الاستخدامات الطبية للمستشفيات، والفضلات الصناعية لمعامل الورق ومصانع المعتصم للزيوت النباتية والمنظفات الصناعية ومصنع المشروبات الغازية والتي تصب مياهها في الجانب الأيمن من نهر دجلة جنوب مدينة العمارة. وقد قامت هذه المنشآت في الفترات السابقة وبتوجيه من لجنة حماية وتحسين البيئة في المحافظة بعمل بحيرات ترسيب للفضلات والمياه الصناعية الناتجة عن العمليات الإنتاجية، ولكنها ليست كافية وغير عملية ولا تسهم في إيجاد حل للمشكلة، كما تؤثر مياه البزل الناتجة عن الفعاليات الزراعية والتي تدخل معها المواد المذابة من المبيدات الزراعية لمشروع قصب السكر في قضاء المجر الكبير تأثيراً مباشراً في حياة الفلاحين وأراضيهم الزراعية وحيواناتهم لا سيما إذا ما عرفنا أن المواطنين هناك يعتمدون الجداول والأنهار كمصادر لمياه الشرب لهم ولحيواناتهم، حيث تصب هذه المياه مباشرة في المصرف الرئيسي لتجفيف الأهوار (نهر العز سابقاً).
ومن الجدير بالذكر أن مركز مدينة العمارة محاط بمبزل رئيسي أنشئ عام 1993 لسحب مياه الأمطار والمياه الثقيلة لتصب أخيراً جنوباً في نهر دجلة بشكل مباشر عن طريق محطات ضخ كهربائية، وجرت محاولات لربط شبكة المجاري هذه بالمبزل الرئيسي الذي نفذته وزارة الري وهو مبزل كصيبة الواقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة والبالغ طوله 56 كم والذي من المفترض أن يصرف مياهه باتجاه هور الحويزة.
ويضيف المهندس حنين: إن المدينة تعاني أيضاً من قلة مناطق (الطمر الصحي) بالمعنى العلمي والفني والصحي وليس كما هو موجود من مناطق طمر لا تمثل المكان الصحيح فهي لا تعدو أن تكون مكاناً لتجميع النفايات والفضلات، ووجودها بهذا الشكل يعد أحد المخاطر التي تتعرض لها المدينة.
وربما قائمة المخاطر والمصادر التي تؤدي إلى حدوث التلوث المائي تطول، فهناك أيضاً مخلفات محال القصابين التي تقوم بإلقاء مخلفات ذبح الحيوانات في الأنهار مباشرة وقيام بعض المواطنين بإلقاء الحيوانات النافقة في الأنهار كالكلاب والقطط والمواشي والتي تسهم بنسبة كبيرة في إحداث التلوث، يضاف إلى ذلك استخدام السموم لصيد الطيور المائية والأسماك، وإزاء هذه الحالات الخطيرة فإن مصادر المياه في حالة تناقص مستمر عن معدلاتها الطبيعية بسبب انحباس الأمطار وقلة تساقط الثلوج كظواهر مناخية ترافقها زيادة الطلب على استخدامات المياه لمختلف الأغراض من جهة ودخول المياه في السياسة الدولية من جهة أخرى بسبب التحكم والسيطرة على مصادر المياه من قبل الدول التي تقع هذه المصادر في أراضيها، وهذا ما يجعلنا نحن العاملين في مجال توزيعات المياه أمام مفترق طرق، إما المحافظة على وضع المياه الحالي بالتفكير في إيجاد مصادر بديلة للإرواء من الأنهار كإيجاد مساحات زراعية جديدة تعتمد على المياه الجوفية واستخدام نظام الري بالرش مثلا للابتعاد عن الإرواء المباشر من الأنهار، والتفكير أيضاً في إيجاد مناطق تخزين دائمة للمياه كالأهوار والتي كانت في يوم ما كخزانات ضخمة للمياه الفائضة عن الحاجة وكموانع رئيسية لدرء أخطار الفيضانات، وهذا ما لا نقبله أن يغزو الجفاف والتصحر بلادنا.الملوثات الطبيعية ومخاطرها
الدكتور جمعة شرهان مدير محطة الأبحاث والتجارب الزراعية في ميسان يقول من جانبه إن مصادر التلوث متعددة، منها ما هو طبيعي كالفضلات المتطلبة للأوكسجين وهي مركبات عضوية قابلة للتحلل، وتوجد في مياه المجاري المنزلية عن طريق البكتريا حيث الأوكسجين يزال من الماء بسببها فتنعدم الحياة فيه، وكذلك العوامل المسببة للأمراض وتشمل الكائنات الدقيقة الممرضة التي تدخل المياه مع فضلات الإنسان وكذلك المركبات العضوية التركيبية وتشمل المنظفات والمبيدات والكيميائيات الصناعية، وهذه المركبات سامة للأحياء المائية وضارة للإنسان، إضافة إلى مواد النباتات الغذائية مثل النتروجين والفوسفور، الناتجة عن الأرض (المخصبة) باتجاه المياه الجوفية أو الأنهار وهي تحتوي على أملاح النترات، وهذه الأملاح ليست خطرة ولكن الأمطار تحولها بواسطة بعض البكتريا إلى أملاح سامة جداً.
كما أن هناك الكيميائيات غير العضوية والمواد المعدنية وتشمل الأحماض التي تتكون عند تصريف المياه من المناجم، وكذلك المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والمنغنيز والكلورايد، فالزئبق مثلاً يدخل إلى العالم الحيوي على شكل فضلات من العديد من الفعاليات الصناعية، ويعتبر إنتاج الكلورين من المصادر الرئيسية للزئبق حيث يستعمل كقطب في التحلل الكهربائي الملحي، وكذلك يوجد في الدقيق الناتج عن مصانع الورق ومن مساوئ استخدامه على نطاق واسع في الزراعة كمبيد فطري لوقاية البذور من التعفن ولحماية النباتات المختلفة والفواكه والخضراوات، كما أن أخطر حالات التسمم بالزئبق حدثت في العراق عام 1970 عندما وصلت البذور المعاملة بالزئبق متأخرة بالنسبة لمواعيد الزراعة فاستخدمت مباشرة من قبل أعداد كبيرة من المواطنين مما أدى إلى حدوث نسبة عالية جداً من الوفيات جراء ذلك، حيث إن تأثيراته في الإنسان تتمثل في تلف خلايا المخ والتأثير المدمر للجهاز العصبي المركزي، أما المواد المشعة فهي تدخل إلى المياه عن طريق عمليات استخراج وتصنيع خامات المواد المشعة، وكذلك عن طريق عمليات القوى النووية وفي تجارب استخدام الأسلحة النووية، ومن العناصر المشعة الخطرة هو عنصر (الكاديوم) فهو معدن ثقيل له تأثير بيئي خطر جداً يسبب أمراضاً خطرة تصيب الإنسان وخاصة في عظامه بحيث تكون معرضة للكسور المضاعفة على أثر هزات بسيطة كالسعال، كما أن التعرض المستمر له يؤدي إلى قصر عمر الإنسان، وأن أكبر استخداماته المدنية هو في الصناعات الكهربائية التي تستعمل الكاديوم للاتصالات والسبائك وبطاريات النيكل كاديوم والمواد البلاستيكية والأصباغ، فيما تشكل الأملاح الناتجة عن الفعاليات الزراعية خطراً آخر، حيث تتكون مواردنا المائية من بعض أو كل هذه الملوثات.
إن كل هذه المشكلات التي تواجهها الثروة المائية في العراق لم توجد لها حلول منذ مدة طويلة فالمعالجات السابقة كانت آنية ولم يتم التخطيط لحلها على المدى البعيد، بل على العكس أفقد تدمير الأهوار كأقدم مسطحات مائية العراق خزاناً مائياً طبيعياً للبلاد، لذا فعلى الحكومة الحالية ومن يليها التفكير في حلول ناجعة لمأزق تلوث المياه في العراق ومخاطر الجفاف التي قد تزحف على البلاد نتيجة للتلاعب بكميات المياه القادمة للبلاد، مما يتطلب موقفاً سياسياً ينبغي أن يتبناه ممثلو الشعب الذين تم انتخابهم في البرلمان باعتبارهم السلطة التشريعية والجهة الرقابية على الأداء الحكومي والحارس على مصالح الشعب عبر قانون أو قرار أو توصية يتم رفعها إلى مجلس الوزراء.

 

مجلة آراء حول الخليج