array(1) { [0]=> object(stdClass)#13107 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 198

تبنت قمة البحرين 5 مبادرات ضرورية وبعث 3 رسائل للعالم وإسرائيل وأمريكا

الأربعاء، 29 أيار 2024

شهدت مدينة المنامة عاصمة مملكة البحرين حدثًا فريدًا في تاريخها، وهو انعقاد القمة العادية العربية رقم 33 بقصر الصخير يوم الخميس 16 مايو 2024م، أتت هذه القمة بعد القمة العادية رقم 32 التي عقدت بمدينة جدة يوم 19 مايو 2023م، والقمة رقم 31 في الجزائر في 1 نوفمبر 2022م، مما يشير إلى انتظام انعقاد مؤتمرات القمة العادية بشكل دوري كل عام.

وقد تعمدت استخدام تعبير القمة العادية، وذلك للتمييز بين نوعين من القمم العربية. الأولى، هي القمم الدورية العادية والتي كانت قمم المنامة وجدة والجزائر أحدث نماذج لها. والثانية، هي القمم الاستثنائية أو غير العادية التي يتم الدعوة إليها لمواجهة أزمة طارئة تتعرض لها واحدة أو أكثر من الدول العربية، والتي كان أحدثها القمة العربية-الإسلامية في الرياض في 11 نوفمبر 2023م، وذلك في أعقاب العُدوان الإسرائيلي على غزة.

كانت قمة جدة العادية تعبيرًا عن حالة الوفاق العربية والرغبة في إحياء النظام العربي. فقد كان أحد دروس خبرة الحقبة الثانية من القرن الحادي والعشرين، خطورة الانقسامات العربية، والتداعيات السلبية للاستثمار في الصراع لما يؤدي إليه من نتائج وخيمة على كيان الدول العربية، وصعود القوى المُهددة لشرعية وجودها والمُنكرة لها.

كانت نقطة التحول في العلاقات العربية، انعقاد مؤتمر العلا بالسعودية في يناير 2021م، الذي أنهى حالة القطيعة بين دول الرباعي (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) وقطر. فتح المؤتمر الباب لصفحة جديدة من علاقات المصالحة والوفاق، وأوجد البيئة الحاضنة لمزيد من التعاون والتقارب العربي.  وأعقب ذلك، انعقاد مؤتمر القمة العربية في الجزائر في نوفمبر 2022م، والذي أكد على معاني التضامن العربي وتعزيز علاقات التعاون بين الدول العربية. وامتد مناخ التهدئة ليشمل العلاقات مع دول الجوار الجغرافي، والذي كان من أبرز مظاهره تحسين العلاقات بين تركيا والدول العربية بما فيها مصر، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران في مارس 2023م، برعاية صينية. ثُم كانت قمة جدة في مايو من نفس العام، والتي أضافت زخمًا جديدًا لدعم التضامن العربي، وأصدرت القرار بعودة الجمهورية العربية السورية لشغل مواقعها في مؤسسات الجامعة.

تحتل مؤتمرات القمة العربية مكانة رفيعة على المستويين الرسمي والشعبي. فهي تجمع بين قادة الدول العربية، وتوفر فرصة للتشاور بينهم حول القضايا والتحديات المُلحة التي تواجه الوطن العربي، والتوافق على القرارات التي تعبر عن الإرادة المشتركة لهم.

في هذا السياق، انعقدت قمة المنامة في ظروف خطرة وحاسمة. فكان من مظاهرها، استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وعدم وصول الجولة الأخيرة من جهود الوساطة المصرية-القطرية بمشاركة أمريكية إلى نتيجة، وبدء العملية العسكرية الإسرائيلية لاقتحام مدينة رفح في جنوب القطاع، وعودة الأعمال القتالية في شمال القطاع ووسطه، وذلك كله مع تعويق إسرائيل وصول شحنات الإغاثة الطبية والإنسانية إلى أهالي القطاع.

وإضافة إلى المواجهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، تستمر الصراعات المسلحة والأزمات السياسية الداخلية في عدد من الدول العربية والتي تتراوح من الحرب الدائرة في السودان من 15 أبريل الماضي، إلى شغور منصب رئيس الجمهورية في لبنان، ومنصب رئيس البرلمان في العراق بسبب عدم التوافق بين القوى السياسية في البلدين.

وفي الأيام السابقة على انعقاد قمة المنامة، توقع المحللون أن تكون قراراتها مكملة لقرارات قمتي جدة والرياض السابقتين عليها، واللتين أكدتا ثوابت الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية. وتوقعوا أيضًا، أن تقوم القمة بمتابعة تنفيذ القرارات التي تم اتخاذها والآليات التي تم تبنيها، كلجنة وزراء الخارجية التي كلفت بزيارة عواصم الدول الكبرى، وإنشاء وحدة رصد قانوني بهدف إعداد المرافعات القانونية التي تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الدولي، وذلك في كل من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وكذلك، إنشاء وحدتي رصد إعلامي في كل من المنظمتين لتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية وبثها عبر المنصات الرقمية المختلفة.

        وكالعادة في الإعداد لمؤتمرات القمة، بدأ العمل التحضيري لقمة المنامة بعدد من الاجتماعات التشاورية والتنسيقية بين وفد من الأمانة العامة للجامعة وممثلي الحكومة البحرينية. وبدأت الاجتماعات التحضيرية للقمة ابتداء من يوم السبت 11 مايو، باجتماعات لكبار المسؤولين في المجلس الاجتماعي والاقتصادي. ثم اجتمع المندوبون الدائمون لدى الجامعة يوم الاثنين لمتابعة تنفيذ القرارات التي أصدرتها القمة السابقة والاتفاق على مقترح لجدول أعمال القمة. تلا ذلك، اجتماع وزراء الخارجية العرب يومي 14-15 مايو، لمراجعة ما توصلت إليه الاجتماعات السابقة، والنظر في مشروع الإعلان الختامي عن القمة، ورفع ذلك كله إلى القادة والرؤساء العرب الذين اجتمعوا بدورهم يوم الخميس 16 مايو 2024م.  

       كان التوجه العام في الأعمال التحضيرية للمؤتمر هو تنحية القضايا الخلافية، والتركيز على عناصر التوافق والمواقف المبدئية المُتفق عليها. وظهر ذلك بوضوح، في تصريح السفير حسام زكى الأمين العام المساعد للشؤون السياسية ورئيس لجان تنظيم المؤتمر، لجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 13 مايو، يقول " لن يُرفع لمؤتمر القمة سوى الموضوعات التي تم التوافق عليها. وتظل الملفات غير التوافقية قيد النقاش ولا ترفع للقادة والزعماء العرب".

       حرصت أغلب الدول العربية على أن يكون تمثيلها في المؤتمر على مستوى رئيس الدولة أو نائبه أو ولى العهد، بينما شاركت خمس دول على مستوى رئيس الوزراء أو نائبه وهي: المغرب، والكويت، ولبنان والصومال، وسلطنة عمان.  واقتصر تمثيل ثلاثة منها على مستوى وزير الخارجية، وهي: الجزائر وتونس والسودان. وجدير بالذكر، أن الرئيس السوري وأمير قطر حضرا المؤتمر ولكن لم يلقيا بكلمة.

        بدأ المؤتمر بكلمة من الأمير محمد بن سلمان باعتبار السعودية رئيسة الدورة السابقة للقمة الـ 32، والذي نقل الرئاسة والكلمة إلى الملك حمد بن عيسى ملك البحرين باعتباره الدولة المضيفة للدورة الحالية، فالسفير أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية. وتحدث في المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، كما حضره الممثل الخاص للرئيس الروسي بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعاقبت كلمات ممثلي الدول المشاركة. وانتهى المؤتمر بقراءة الأمين العام للجامعة ملخصاً لأهم قراراته.

        صدر إعلان المنامة الذي تضمن قرارات المؤتمر في عشرين بنداً. جاءت الثلاثة الأولى منها ذات طابع بروتوكولي، فتضمن الأول تقديم العزاء لدولة وشعب الكويت في وفاة أميرها الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح وتمني التوفيق للحاكم الجديد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، وقدم الثاني الشكر للمملكة العربية السعودية على ما قامت به خلال رئاستها للدورة السابقة، كما قدم الثالث الشكر للجنة وزراء الخارجية التي شكلها مؤتمر قمة الرياض على جهودها في التحرك مع عواصم الدول الكبرى وطالبها بالاستمرار في عملها، وكذا توجيه الشكر للأمانة العامة للجامعة على جهودها في الإعداد للمؤتمر.

 أما البنود من رقم (4) إلى (20) فيمكن عرض مضمون لها على النحو التالي:

  1. تناول البند (4) القضية الفلسطينية، والموقف العربي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، وجاء هذا القرار بما يعكس أهمية هذا الموضوع، وغلبت القضية الفلسطينية على كافة الموضوعات والقضايا الأخرى، فكان أطول القرارات من حيث عدد الكلمات والفقرات فبلغ 68 سطراً، وهو ما يزيد على عدد سطور العشرة قرارات التالية من 5 إلى 15. ويوضح ذلك أن الموضوع الفلسطيني كان لُب اهتمام القادة العرب في قمة المنامة.

جاء القرار شاملاً لمختلف جوانب القضية، فدعا إلى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية منه فوراً، وإنهاء الحصار المفروض عليه، والإفراج عن الرهائن والمحتجزين. أكد أيضاً على، ضرورة إزالة العوائق وفتح جميع المعابر، وتيسير دخول المساعدات الإنسانية، وتمكين منظمات الأمم المتحدة وخصوصاً وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من القيام بعملها بحرية وأمان.

رفض القرار كل المحاولات لتهجير الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967م، وأدان إرهاب المستوطنين ضد الشعب الفلسطيني، وتصعيد إسرائيل لأعمالها العسكرية، بما في ذلك السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح و"توسيع عدوانها على مدينة رفح الفلسطينية رغم التحذيرات الدولية من العواقب الإنسانية الكارثية لذلك"، وطالب إسرائيل "بالانسحاب من رفح من أجل ضمان النفاذ الإنساني الآمن".

 أدان القرار الإجراءات والممارسات الإسرائيلية اللاشرعية، التي من شأنها حرمان الشعب الفلسطيني من "الحرية والدولة والحياة والكرامة الإنسانية". وجدد الدعوة إلى تسوية القضية الفلسطينية تسوية سلمية وعادلة وشاملة، وذلك من خلال مؤتمر دولي للسلام بهدف تنفيذ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود ما قبل يونيو 1967م، وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وقبول عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة. وطالب بنشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين.

وأشار القرار إلى بعض المسائل المُحددة، مثل دعوة كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى الإسراع بإنشاء الآلية الأممية لتسهيل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، والترحيب بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد عضوية فلسطين في المنظمة الدولية. ودعا مجلس الأمن إلى مراجعة موقفه ليكون أكثر إنصافاً، وأكد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس. من المهم أيضاً، الإشارة إلى دعوة القرار الفصائل الفلسطينية إلى الانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن تتوافق جميعها على مشروع وطني فلسطيني.  

ويُلاحظ على هذا البند، شموله لكافة جوانب وموضوعات القضية الفلسطينية، ولكن بعض ما دعا إليه يعوزه الوضوح وتحديد الوسائل وآليات التنفيذ. وعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن مواقف مجلس الأمن لم يُشر صراحة إلى أن العقبة في هذا الشأن هي استخدام الولايات المتحدة لحق النقض "الفيتو"، وأن هذا الاستخدام كان هو العقبة الوحيدة التي اعترضت إصدار المجلس لقرار الموافقة على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. ونفس الأمر ينطبق على دعوة البيان إلى مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية المنظمة الدولية، والدعوة إلى إنشاء قوات حماية وحفظ سلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت رعاية الأمم المتحدة، فسوف تعترضه نفس العقبة وهي الفيتو الأمريكي.

 يؤكد ذلك تصريح نائب المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة السيد فرحان حق في 17 مايو، الذي أشار فيه إلى أن إرسال قوات حفظ سلام إلى أي منطقة يتطلب موافقة مجلس الأمن، كما يتطلب موافقة أطراف النزاع. أما كبار المسؤولين الإسرائيليين، فقد كرروا الواحد تلو الآخر، رفضهم لانتشار قوات حفظ سلام في قطاع غزة، ورفضهم فكرة إقامة الدولة الفلسطينية

 في هذا السياق، نتذكر ما حدث بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979م، والتي نصت في أحد ملاحقها إلى إنشاء قوات من الأمم المتحدة للمراقبة وضمان احترام الطرفين لالتزاماتهما. فبسبب الموقف السوفييتي الرافض لذلك، تم إنشاء قوة المراقبة متعددة الجنسيات خارج الأمم المتحدة، بناءً على بروتوكول بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة تم التوقيع عليه في عام 1981م.

ومن الدعوات التي تعوزها آليات التنفيذ أيضًا، مطالبة كافة الفصائل الفلسطينية بالانضواء ضمن منظمة التحرير الفلسطينية. فبرغم أهمية هذه الدعوة وضرورتها لدعم الصوت الفلسطيني إزاء إسرائيل والعالم، فإن هذا الهدف لم يتحقق رغم المفاوضات بين حماس والسلطة الفلسطينية على مدى سنوات طويلة والتي كان ثمرتها توقيع أكثر من اتفاق لتحقيق وحدة الفصائل الفلسطينية، ولكن سرعان ما قام هذا الفريق أو ذاك بالتنصل من التزاماته.

وجدير بالذكر، أن البند الخاص بفلسطين في إعلان المنامة لاقى تأييدا واسعا بين دول العالم، وصدر بيان من وزارتي الخارجية التركية والإيرانية بهذا الشأن.

  1. تناولت القرارات الست التالية بؤر الصراع والتوتر في السودان رقم (5)، وسوريا رقم (6)، واليمن رقم(7)، وليبيا رقم (8)، ولبنان رقم (9)، والصومال رقم(10). وفي كل منها، أكد إعلان المنامة على دعم وحدة واستقلال كل دولة والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها. وارتباطاً بذلك، جدد القرار رقم (13)، رفض القمة "أي دعم للجماعات المسلحة أو الميليشيات التي تعمل خارج نطاق سيادة الدول وتتبع أو تنفذ أجندات خارجية".

 ويُلاحظ أن إعلان المنامة أكد التوجه الذي ظهر في مؤتمرات القمة السابقة، وهو أولوية الحفاظ على كيان الدولة الوطنية باعتباره أساس الاستقرار في المنطقة العربية. وأن الدعوات التي ظهرت للتشكيك في شرعية الدولة، إما بتجاوزها إلى أطر تتجاوز الدول العربية أو بتضييقها استناداً إلى هويات فرعية وولاءات أثنية وطائفية ينبغي مواجهتها والرد عليها، فقد مثلت هذه الأفكار خطراً داهماً ليس فقط على كيان دولة عربية بعينها، وإنما أيضاً على حالة الاستقرار في المنطقة بحكم أن هذه الأفكار عابرة للحدود.  

يُلاحظ في هذا الشأن عدم إشارة البيان إلى الخلاف بين الجزائر والمغرب، أو إلى الأزمة بين أثيوبيا والصومال.

  1. رفض إعلان المنامة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، بغض النظر عن دوافعه ومبرراته قرار رقم (14)، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، والتعاون مع الجهود الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة. كما دعا القرار رقم (15) إلى محاربة الفكر المتطرف وخطاب الكراهية والتحريض، باعتبار ذلك خطراً على السلم الاجتماعي ومصدر تهديد للسلم والأمن الدوليين، ودعا دول العالم إلى تعزيز قيم "التسامح والتعايش السلمي، والأخوة الإنسانية"

واتصالاً بالحفاظ على كيان الدول العربية وسيادتها وحدودها، أكد المؤتمر على سيادة الإمارات على جزرها الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى)، ودعا إيران إلى التجاوب مع مبادرة الإمارات لإيجاد "حل سلمي لهذه القضية من خلال المفاوضات المباشرة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية..." القرار رقم (11). وجاء الرد الإيراني سريعا، ففي اليوم الثاني صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بان هذا البند الخاص بالجزر الثلاث مرفوض، وأكد أن هذه الجزر" هي جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ويُلاحظ في هذا الشأن، أنه رغم تراجع أولوية خطر الإرهاب على الأجندة العربية بشكل عام، فقد استمر هاجساً ومصدراً للتهديد. ففي مؤتمرات القمة التي أعقبت مرحلة الانتفاضات الشعبية وصعود التيارات المتجاوزة للهوية الوطنية للدولة، تصدر خطر الإرهاب البيانات الصادرة عنها. لم يعد هذا الخطر قائماً بنفس الدرجة أو الحدة بعد هزيمته في أكثر من دولة عربية، ولم يعد الشبح الذي يُهدد الاستقرار في عدد كبير من الدول العربية، ولكنه مازال قائماً أو كامنًا ينبغي متابعته وملاحقته. كما يُلاحظ أن الإعلان ربط بين الإرهاب كسلوك عملي، والتطرف كمجموعة اعتقادات تحض على الكراهية والتمييز بين الناس، مما يُوجد البيئة الحاضنة لسلوك الإرهاب.

  1. تناول الإعلان عدداً من القضايا المُهددة للأمن العربي، فأشار إلى قضية الأمن المائي العربي بالنسبة لمصر والسودان بما يتعلق بحقوقهما في مياه النيل، والعراق وسوريا فيما يتعلق بنهري دجلة والفرات القرار رقم(12). وتمسك الإعلان بحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية في المياه الدولية وفقاً لقواعد القانون الدولي العام وقانون البحار، مشيراً بالتحديد إلى البحر الأحمر، وبحر العرب، وبحر عمان، والخليج العربي القرار رقم (16).

كما أكد على مقررات مؤتمرات القمة العربية السابقة والخاصة بإنشاء شرق أوسط خال من كل أسلحة الدمار الشامل، بينما أشار إلى حق جميع الدول في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، فإنه دعاها إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يضمن عدم تجاوزها لنسب التخصيب النووي اللازمة للاستخدامات السلمية القرار رقم (17).

أشار إعلان المنامة إلى أهمية استمرار التوسع في الشراكات الخارجية، والتعاون مع التكتلات الدولية والدول الصديقة في كافة المجالات، وذلك على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتبادل المصالح والمنافع القرار رقم (18). وكذلك، مع الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المتخصصة قرار رقم (19).

ويُلاحظ أن البيان لم يُشر إلى الدول التي تمثل سياساتها تهديدًا للأمن المائي العربي، أو تهديدًا لحرية الملاحة الدولية، أو الدول التي تجاوزت نسبة التخصيب فيها الحد الذي تطلبه الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ولعل ذلك مرجعه، سعي المؤتمر إلى التعامل مع هذه الموضوعات من خلال الدبلوماسية الهادئة. ويؤكد هذا، اختفاء البند الذي ظهر في بيانات قمم سابقة، والخاص بـ التدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون الداخلية للدول العربية. أما الإشارة إلى الشراكات الدولية، فالأرجح أنها تشير إلى موضوع القمة العربية / الصينية الثانية المزمع عقدها في بكين، وإلى مقترح إنشاء منتدى للشراكة بين الجامعة ورابطة جنوب شرق آسيا (الأسيان)، التي تم بحثها في الأعمال التحضيرية للمؤتمر.

  1. أعلن بيان المنامة المبادرات الخمسة التي اقترحها ملك البحرين في كلمته الافتتاحية، والتي شملت مبادرة الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام لحل القضية الفلسطينية تحت رعاية الأمم المتحدة، ومبادرة توجيه وزراء الخارجية العرب إلى تكثيف اتصالاتهم مع نظرائهم في كل دول العالم لحثهم على الاعتراف بدولة فلسطين، ومبادرة توفير الخدمات التعليمية لمن حُرموا من التعليم النظامي بسبب الصراعات والنزاعات في المنطقة العربية، ومبادرة توفير الخدمات الصحية لهم، والعمل على توطين صناعة الدواء واللقاحات، ومبادرة تطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والابتكار والتحول الرقمي.

ويبدو أن هذه المبادرات سوف تمثل أولويات أجندة عمل البحرين في السنة القادمة التي تتولى فيها رئاسة القمة، وهي خطة طموحة لم تقتصر على الهدف السياسي الخاص بعقد مؤتمر دولي للسلام وحث دول العالم على الاعتراف بدولة فلسطين، وإنما شملت مبادرات تعليمية وصحية تستهدف المتضررين من الصراعات في المنطقة العربية، وأخرى تكنولوجية رقمية تتعلق بالاستفادة من التحولات في عالم المعلومات والذكاء الاصطناعي لصالح تقدم العرب.

 لم تكن هناك مفاجآت أو أطروحات غير متوقعة في إعلان المنامة، فقد قدمت بنود الإعلان صورة واقعية لما يمكن لمنظومة الدول العربية أن تتفق عليه بناء على القدرات القابلة للتعبئة والتداخلات الإقليمية والدولية.

وبعيدًا عن التفاصيل، فإن إعلان المنامة بعث بثلاثة رسائل: الأولى، إلى العالم كله مؤداها أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي هو مصدر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وان الحل يَكمن في إنهائه وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. والثانية، لإسرائيل مؤداها أنها لن تتمكن من تحقيق الاندماج في محيطها الإقليمي والحياة في سلام، وإقامة علاقات طبيعية مع الحكومات والشعوب العربية بدون حل القضية الفلسطينية. والثالثة، لأمريكا مؤداها أن الدول العربية لن تنخرط في المشاريع الأمريكية –الإسرائيلية الخاصة بإدارة غزة بعد انتهاء الحرب.

لا شبهة في أن المبادرات الخمسة التي تبناها المؤتمر ضرورية، والمطلوب أن تتحول إلى خطط وبرامج عمل يتم متابعة تنفيذها إلى أن ينعقد شمل مؤتمر القمة العربية العادية رقم 34 في العراق في 2025م.


 

مقالات لنفس الكاتب