array(1) { [0]=> object(stdClass)#13380 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 202

أوروبا وصناعة التطرف

الإثنين، 30 أيلول/سبتمبر 2024

العالم يشهد حاليًا تسارع الخطى نحو صعود التطرف في أوروبا مع تقدم تيار اليمين الراديكالي في البرلمانات الوطنية والبرلمان الاتحادي، بل اقترب من تشكيل  الحكومات في بعض الدول، والحقيقة إن هذا التطرف ليس جديدًا في أوروبا فبدأ مع نظرة الاستعلاء في عصر الاستعمار الذي نهب ثروات دول العالم الثالث، ثم انطلق مع بداية القرن العشرين ليؤكد أنه صناعة أوروبية بدأ منها وإليها يعود، مهما حاولت أن تلصقه بغيرها، فمن أوروبا خرجت أخطر مؤامرات القرن العشرين التي مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، فمنها جاءت اتفاقية سايكس ـ بيكو التي جزأت الشرق الأوسط، ومنها جاءت مؤامرة وعد بلفور المشؤوم الذي زرع إسرائيل في الجسد العربي والذي مازال ينزف بسببها حتى الآن، وتسببت في شيطنة المنطقة العربية والإسلامية، فأوجدت الجماعات الإرهابية التي دخلت الحلبة تحت عباءة مقاومة الاحتلال، وأعطت المبرر لدول مارقة وطامعة في المنطقة بأن تشكل ميليشيات مسلحة ، وأحزابًا طائفية تدعي الانتماء زورًا للإسلام لكنها تنفذ أجندات إقليمية كونها أذرعًا  لدول أخرى في المنطقة تنهش في الجسد العربي.

ومن أوروبا انطلقت شرارة الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين حصدتا أرواح ملايين البشر، ودمرتا اقتصاد دول وشردتا شعوبًا وقسمتا أخرى وفتتا كيانات كبيرة، وحتى عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها أرادت الدول المنتصرة أن تشكل النظام العالمي الذي بزغ نجمه في منتصف أربعينيات القرن الماضي، ففرضت هذه الدول وصايتها على العالم عبر ما أسمته الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حيث حجزت عبر هذه المنظمات مقاعد الوصاية على العالم من خلال حق النقض (الفيتو)، وامتدت هذه الوصاية إلى تهميش المنظمة الدولية نفسها وكافة مؤسساتها وقراراتها وتطويعها لأن تكون أداة في يدها ومن يدور في فلكها، فلم تنفذ أيًا من قرارات هذه المنظمات إلا لخدمة مصالحها على حساب الدول المتضررة والشعوب المقهورة ولعل القضية الفلسطينية خير مثال على هذا القهر.

وكلما انتهت الدول الغربية من حياكة مؤامرة ضد شعوب العالم الثالث دخلت في أخرى، فعملت على تدمير العراق وأفغانستان، وتفتيت سوريا وليبيا والصومال والسودان واليمن، وتركت الحروب الأهلية تقضي على الأخضر واليابس في هذه الدول من خلال دعم ما أسمته ثورات الربيع العربي وتحت شعارات كاذبة لا تطبقها في بلدانها مثل حقوق الإنسان والديموقراطية والحرية وغيرها، وأوجدت صراعات ممتدة حتى الآن في هذه الدول بحجج واهية وضعيفة ولكن هدفها النهائي هو تقسيم دول وشعوب المنطقة العربية والإسلامية.

وأخيرًا طل علينا وجه أوروبا الحقيقي الذي يسمى باليمين المتطرف وهو امتداد للفاشية والنازية التي دمرت العالم، هذا اليمين الراديكالي الذي يدعو إلى الانعزالية وطرد العرب والمسلمين من أوروبا، وضرب ما يعرف بالمؤسسات الدولية التي صنعوها هم بعد الحرب العالمية الثانية، بل تفكيك الاتحاد الأوروبي نفسه تحت شعارات القومية والدولة الوطنية، وبالكراهية المعلنة والعنصرية المقيتة للمهاجرين المسلمين إلى أوروبا وهم بذلك يخلقون موجة جديدة من التطرف والإرهاب في العالم كرد فعل لجرائمهم في أوروبا ليدخل العالم في حلقة مفرغة ومواجهات ممتدة في إطار حروب الهوية والقومية، وبذلك يتحقق ما يروج له اليمين المتطرف من مفاهيم حول نهاية التاريخ وصراع الحضارات لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء الشيوعية كعدو للرأسمالية، وأصبح الإسلام هو العدو الجديد والرئيسي للغرب.

والأمر يتجاوز العنصرية وصراع الهويات والقوميات، إلى مخططاتهم لتوطين المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من إفريقيا جنوب الصحراء في الدول العربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط بدلًا من هجرتهم إلى أوروبا واستيعابهم في القارة العجوز التي هي أحوج ما تكون للهجرة بسبب شيخوخة سكانها وقلة عددهم. إن ما يترتب على ما يفعله اليمين المتطرف في أوروبا هو بمثابة  محاولات لخلخلة البنية الديموغرافية لدول شرق المتوسط العربية ، بينما يقف متفرجًا على مشكلات المنطقة برمتها سواء حل القضية الفلسطينية وإنهاء حرب غزة وإقامة حل الدولتين، أو تأمين المجرى الملاحي في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي، أو تفكيك الميليشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، والتعامل بجدية لإيقاف مخاطر البرنامج النووي الإيراني، والمساعدة في إنهاء الأزمات القائمة في العديد من الدول العربية، وعليه إذا أرادت أوروبا التعاون مع دول الجوار العربي والإسلامي وليس خلق موجات تطرف جديدة يجب عليها الانخراط في حل مشكلات المنطقة عبر حوار جاد مع  جيرانها بما يؤدي إلى تهدئة مشاعر العداء في الغرب للمهاجرين المسلمين والعرب، وإنهاء الحروب الأهلية في المنطقة العربية والإفريقية، وتقديم الدعم للدول التي تشهد حالة نزوح عبر إنهاء الصراعات فيها، وإقامة منشآت بنية تحتية وخلق تنمية حقيقية لتوطين المهاجرين في بلادهم بدلًا من فرارهم.

مقالات لنفس الكاتب