موقع السودان ومساحته وعدد دول جواره تجعله بوابة أمنية مهمة لدول شمال إفريقيا وحوض البحر الأحمر ، واستقرار هذه الدولة ينعكس بالإيجاب على دول الجوار والعكس صحيح خاصة الدول العربية التي لها حدود مع السودان ، تلك الدولة التي تجاور سبع دول من بينهم دولتان عربيتان هما مصر و ليبيا، وخمس دول إفريقية هي إريتريا، جنوب السودان، إثيوبيا، إفريقيا الوسطى، وتشاد، وطبيعة الدول الإفريقية المجاورة للسودان تفرض أوضاعًا أمنية تؤثر مباشرة في محيطها خاصة مع تزايد موجات الهجرة غير الشرعية، وانتشار الجماعات الإرهابية وتسللها عبر الحدود، وحالات الاتجار غير الشرعية بالمواد المخدرة وغيرها، كذلك في ظل الفراغ السياسي والأمني الذي خلفته ما يسمى بثورات الربيع العربي والتي تأثرت بها بشكل واضح واحدة من دول جوار السودان ألا وهي ليبيا التي أصبحت بمقتضاها دولة منقسمة وبدون حكومة مركزية مع انتشار واسع للسلاح والمرتزقة الأجانب ويأتي ذلك كله دون ضبط الحدود بين السودان وليبيا، وزادت الأوضاع سوءًا الصراعات الداخلية في السودان واستقواء ميليشيات الدعم السريع بعناصر مسلحة غير نظامية من دول الجوار الإفريقي التي دخلت السودان وانحازت لأحد طرفي الصراع وطردت السكان الأصليين من بلادهم وفروا إلى دول الجوار ، وتوجد مخاوف وسط تقارير غير رسمية تشير إلى اندساس عناصر إفريقية بين اللاجئين والنازحين السودانيين إلى دول الجوار خاصة ليبيا، كما أن هذا النزوح يسبب ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد المصري هذه الدولة ذات الكثافة السكانية العالية حيث يقترب عدد سكانها من 110 ملايين نسمة وسط ظروف اقتصادية غير مواتية، وتستقبل أعدادًا غفيرة من السودانيين.
وتسيطر على العلاقات السودانية / الإثيوبية حالة من التوتر ترتفع تارة وتنخفض حدتها تارة أخرى ، لأسباب كثيرة منها التصعيد حول إقليم الفشقة الزراعي السوداني ، الذي تتوسع فيه إثيوبيا بشكل أو بآخر، إضافة إلى الصراع حول تقسيم مياه النيل جراء سد النهضة الإثيوبي الذي اقتطع كميات كبيرة من حصة مياه مصر والسودان.
وإضافة إلى مشاكل دول الجوار تأتي المشاكل السودانية الداخلية التي تتمثل في الصراع على تقاسم السلطة والنفوذ بين المكون المدني والمكون العسكري، إضافة إلى التناحر القبلي والعرقي والذي أدى من قبل إلى انفصال دولة جنوب السودان، ويهدد حاليًا بانفصال دار فور ، كما أدت سيطرة جبهة الإنقاذ على الحكم لمدة ثلاثين عامًا إلى حدوث خلافات بين عدة جماعات وأحزاب، إضافة إلى انشقاق بين المكون العسكري الحاكم ما أدى إلى مواجهة بين الجيش السوداني وجماعة الدعم السريع التي شكلها ودعمها الجيش السوداني نفسه، كل هذه المعطيات وما أدت إليه من نتائج تتطلب حلولًا فعالة وحسم القضايا المعلقة والخلافات التي تقود إلى التصعيد وبما يؤدي إلى توحيد صفوف الجبهة السودانية والقبول بالدولة الوطنية التي تذوب فيها الفوارق وتختفي منها الحساسيات وتتلاشى بها النعرات التي تقود إلى تفتيت كيان الدولة المستقلة خاصة أنها تعد ثالث أكبر دولة في إفريقيا، وتمتلك ثروات طبيعية وزراعية وحيوانية وبحرية ضخمة جدًا، ولديها مخزون كبير من الموارد الحيوية الاستراتيجية التي تحظى بطلب ضخم ومطامع من قوى ودول إقليمية ودولية.
ومن أجل حاضر ومستقبل السودان و استقرار دول الجوار وتأمين منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، من الضروري الإعداد الجيد لمصالحة فعالة وقوية تعتمد على الوفاق الداخلي وقناعة جميع الأطراف بأهمية الحلول السلمية طبقًا لقاعدة حق المواطنة للجميع والتشاور مع كافة مكونات الشعب السوداني والتوافق على شكل وطبيعة السلطة دون احتكار ودون تهميش انطلاقًا من المساواة في الحقوق والواجبات ؛ من أجل إعلاء قيم المواطنة والحفاظ على استقلال واستقرار السودان الموحد، وهنا لابد من قبول المبادرات العربية والدولية لإنهاء الصراع الدائر حاليًا ومن ثم الاتفاق على طبيعة الحكم ليشمل الجميع دون إقصاء وتوسيع هامش المشاركة ليشمل القبائل والأحزاب وفقًا لدستور يضع أسس الحكم السليم ويقطع الطريق أمام التناحر والصراع على السلطة، وهنا لابد من دور فاعل للاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية وحضور فاعل للأمم المتحدة والمجتمع الدولي خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين لوضع خطة وتمويلها على غرار مشروع مارشال الذي أعاد إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية من أجل إعمار السودان وإعادة تأهيلها لتكون دولة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي