التعايش والوفاق بين أبناء شعوب دول المنطقة العربية هو القاعدة منذ فجر التاريخ، والاستثناء هو الاختلاف والصراع، حيث تظل المشتركات بين أبناء الشعوب العربية كثيرة وأساسية، بينما الاختلافات حول أمور فرعية وغير مؤثرة ولا تعكر صفو الحياة، فالتعايش المشترك قائم على التواصل المباشر في إطار عادات وتقاليد مشتركة تحت مظلة الوطن الجامع، وهذه المشتركات تمثل الركيزة الأساسية لتوفير متطلبات الإنسان اليومية من غذاء ودواء ومسكن وملبس وتعليم وغير ذلك، وهذه نقاط الالتقاء العامة لجميع البشر وحتى ممن يتحدثون بلغات مختلفة، أو لهم معتقدات خاصة لكن يعيشون في وطن واحد، كما أن الخلفية الاجتماعية والثقافية لأبناء المجتمع الواحد تكاد تكون متطابقة رغم التنوع الظاهري أحيانًا لأنها مستمدة من وعاء مجتمعي واحد، كما أن التحديات و المخاطر التي تواجهها الأوطان التي تتعرض لأخطار خارجية، أو فتن داخلية لا تفرق بين مواطن وآخر، أو بين أتباع ديانة أو عرق، فما يحدث في الدولة يؤثر على جميع سكانها ولا يستثني منهم أحدًا ، والتجارب على ذلك كثيرة وفي جميع الدول العربية، فما حدث في العراق، أو ليبيا، أو الصومال، أو السودان، أو اليمن على سبيل المثال لم يستثن أي فئة أو فصيل وكانت الخسائر جامعة وأضرت بجميع المكونات، بينما تظل الاختلافات و التباينات بين أبناء الشعب الواحد شكلية وليست جوهرية ولا تمس الحالة الوجودية ما دام المجتمع يعيش في دولة قانون وفي ظل إعلاء قيمة المواطنة ومساوة الجميع في الحقوق والواجبات.
وفي حالة المجمعات العربية لا توجد بها انقسامات جوهرية تؤدي إلى مخاطر كما حدث في دول القارة الأوروبية والتي أدت إلى اشتعال حربين عالميتين أتيتا على الأخضر واليابس حيث خلفت الحرب الأولى 16 مليون قتيل و20 مليون مصاب، وخلفت الحرب العالمية الثانية أكثر من 60 مليون قتيل مثلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5% من تعداد سكان العالم، بينما لم تنشب حروب بينية في العالم العربي تذكر باستثناء حروب هامشية ولم تكن لخلافات أيدولوجية أو مذهبية، بل لنزعات شخصية في مراحل تاريخية معينة وحكمتها دوافع خاصة، أو بتحفيز من أطراف خارجية لها مصلحة في تقزيم العالم العربي والتغلغل داخله، في حين أن تجانس الشعوب في المنطقة العربية هو السمة الأبرز، وهذا واضح جدًا في الدول العربية التي تعيش فيها إثنيات كما في دول المغرب العربي والعراق وسوريا حيث عاشت شعوب هذه الدول في استقرار وحياة طبيعية مستمرة منذ آلاف السنين بلا نزاعات أو صراعات داخلية دون إكراه أو دمج قصري، لكن في إطار وحدة وطنية طوعية على مدى التاريخ.
وحتى الحروب الداخلية في الدول العربية التي شهدت ما يسمى بثورات الربيع العربي لم تكن حروبًا انفصالية أو على أساس عرقي أو مذهبي، أو تصفية على الهوية بين مكونات الشعب الواحد، بقدر ما جاءت بسبب صراع على السلطة والثروة، أو بسبب تدخلات خارجية من دول إقليمية لها أجنداتها الخاصة لبسط نفوذها، أو السيطرة على مقدرات هذه الدول وشعوبها عبر بوابة زرع الفتن والخلافات الداخلية كما حدث في اليمن والسودان وسوريا وليبيا، والعراق، أو بسبب فشل حكومات سابقة في رفع كفاءة الخدمات وتوفير مستوى معيشة مناسب للشعوب كما حدث في بقية دول هذه الثورات التي أضرت أكثر مما نفعت.
وعليه فإن التنوع هو سنة من السنن الكونية ويمثل ثراءً فكريًا وثقافيًا يكون عادة في صالح الشعوب والدول وليس ضدها، شريطة إدارة هذا التنوع بكفاءة ووطنية للاستفادة منه لا قمعه، وسد ثغرات التدخل الخارجي في شؤون الدول العربية، وعلى الحكومات تنفيذ خطط تنمية شاملة ومستدامة في جميع أنحاء الدولة، لتوفير الحياة الكريمة لجميع الفئات دون تهميش جماعة معينة على أسس عنصرية، وإشراك جميع أبناء الوطن في الإدارة والاستفادة من الخيرات والمكاسب، ومحاربة الفقر والمرض والأمية في المركز والأطراف على السواء، والتعامل مع جميع أبناء الوطن بمنطق الدولة وليس بمنطق الجماعات والأحزاب، وتعزيز المواطنة وإعلاء القانون فوق الجميع والمساواة في الحقوق والواجبات دون تفرقة بين فئة وأخرى ونبذ الحزبيات والنعرات التي تحث على التفرقة .. كل ذلك يجعل الوطن للجميع في المغنم والمكره ،ويسد ثغرات المؤامرات الخارجية ووصد الأبواب أمام الاستقطاب بزعم مناصرة فئة مظلومة كما رفعت بعض الدول الإقليمية شعارات المظالم التاريخية لإغراء المهمشين والفقراء في مجتمعاتهم وتأليبهم ضد دولهم.






