array(1) { [0]=> object(stdClass)#13034 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الشراكة الخليجية – التركية.. أسبابها وحدودها وتداعياتها السياسية

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

مما لا شك فيه، أن تركيا وبشكل جلي بعد سقوط النظام العراقي على أيدي الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003، وبعد توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، أصبحت الساحة الخليجية أكثر ترحيباً بها عما كانت عليه في السابق. وفي الوقت نفسه، نجد أن منطقة الخليج في المنظور التركي اليوم إحدى أهم المناطق في العالم لما لها من تأثير إقليمي وعالمي كبير، سببه الموارد النفطية الغنية وموقعها الجغرافي المميز.

يمكن القول إن تركيا اليوم تعد إحدى أهم الدول الفاعلة والمؤثرة في الشرق الأوسط، ولا سيما في المحيط الإقليمي لدول الخليج العربية. ولعل ما يميز تركيا عن غيرها من الدول أنها تملك علاقات جيدة مع غالبية الأطراف في الشرق الأوسط. فتركيا تحتل مركزاً جغرافياً يمكنها من ربط قارة آسيا بأوروبا، وهي أيضاً تعد نقطة التقاء بين أوروبا والدول العربية سواء بحرياً أو برياً أو جوياً.

ويلاحظ في العقود الأخيرة أن العلاقات الخليجية-التركية تطورت تطوراً ملحوظاً، ونمت نمواً مطرداً، وازدادت قرباً واتصالاً عما في السابق. والشاهد أن العلاقات الخليجية-التركية قد ارتبطت بالواقع الجغرافي وبالمتغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت بالمنطقة. ولذلك نجد أن العلاقات الخليجية-التركية علاقات محكومة بعامل الجوار الجغرافي، وتُحدد ضمن اعتبارات عدة أهمها اعتبارات العلاقات التركية-الإيرانية، واعتبارات العلاقات التركية-الإسرائيلية، واعتبارات عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، واعتبارات عضوية تركيا في منظمة المؤتمر الإسلامي، واعتبارات خاصة بالقضية الكردية في شمال العراق، واعتبارات السعي التركي الدائم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

العلاقات الخليجية-التركية علاقات محكومة بعامل الجوار الجغرافي

فإذا ما نظرنا إلى الدور التركي في المنطقة في فترة ما قبل التسعينات، فنجد أنه من السهولة بمكان رسم ملامح وحدود هذا الدور وتأثيره في دول الخليج العربية. لكن في فترة التسعينات، شهدت السياسة التركية تغيراً ملحوظاً في ما يخص قضايا الشرق الأوسط. إذ تعتبر حرب تحرير الكويت في عام 1991م متغيراً إقليمياً تعاملت معه تركيا بشكل جدي لما له من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية واستراتيجية، إذ وفرت تركيا كل وسائل الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي لأمريكا والدول المشتركة في عملية تحرير الكويت وذلك عبر وقف تدفق صادرات نفط العراق عبر شبكة خطوط الأنابيب التركية، كما قامت بنشر ما يقارب 100 ألف جندي تركي على الحدود العراقية-التركية، ناهيك عن سماحها للولايات المتحدة الأمريكية بشن غارات جوية على العراق آنذاك من الأراضي التركية.

وهنا لا يمكننا إغفال نقطة جوهرية، وهي أن تركيا استطاعت أن تحقق مكاسب داخلية وإقليمية بعد حرب تحرير الكويت، إذ أتاحت حرب الخليج الثانية الفرصة لتركيا لزيادة دورها وثقلها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. لكن وعلى الرغم من ذلك، فقد جاءت تطورات الأحداث في المحيط الإقليمي التركي بعد حرب الخليج الثانية، بمثابة عوامل قلق ومخاطر جديدة تؤثر في الأمن والاستقرار التركي. ولعل أهم ملامح تلك المخاطر على الأمن التركي تجسدت في الأوضاع المتعلقة بشمال العراق ونشاطات حزب العمال الكردستاني آنذاك، وهو ما كان يهدد وحدة الأراضي التركية.

وعلى الرغم من عدم تفهم الجانب الأوروبي للصراع الذي تعيشه تركيا في ما يخص النشاط الكردي في الجنوب التركي على اعتبار أنها تصرفات وردود فعل مجموعة عرقية حرمت من أبسط الحقوق المدنية والسياسية والثقافية، ومع إدراك تركيا للتأثيرات السلبية لاستمرار المشكلة الكردية وأعمال العنف ضد الأكراد في موقف تركيا أمام المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي الذي تسعى إلى الانضمام إليه، فقد دفع ذلك الأتراك للتوقيع مع إسرائيل على معاهدة تعاون في عام 1996، تضمن لتركيا الإمدادات العسكرية الأساسية التي كان الجانب الغربي يرفض في أغلب الأحيان تزويدها بها تحت حجة تعديات تركيا في مجال حقوق الإنسان.

فعلى الصعيد الداخلي التركي، ساعدت تلك المعاهدة وذلك التقارب التركي-الإسرائيلي – وإن كان الجانب العربي والمسلم يبغضه ولا يرتاح له – على أن تعيد لتركيا نوعاً من الاستقرار المفقود، خاصة في ما يتعلق بالقضية الكردية. ورغم ذلك، فالتحالف الأمني والعسكري التركي-الإسرائيلي لا يتعلق فقط بالقضية الكردية فحسب، إنما أصبح في حوزة تركيا إمدادات عسكرية وتقنية متنوعة، تزيد من قوة تركيا في المنطقة ضمن المعطيات الدولية القائمة آنذاك، سواء في شكل وطبيعة العلاقات مع سوريا أو العراق أو إيران.

أما من المنظور الخليجي فيعتبر هذا التطور في شكل وطبيعة العلاقات بين تركيا وإسرائيل أمراً مقلقاً، لأنه يوسع النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط والخليج العربي. ولعل الهاجس الأكبر لدى الدول الخليجية إزاء تلك الاتفاقية، هو التأثير المتوقع في شكل العلاقات التركية–الإيرانية، إذ يخلق هذا التعاون العسكري التركي-الإسرائيلي جواً متوتراً في المنطقة والذي بدوره سينعكس بطبيعة الحال على أمن واستقرار الخليج العربي.

أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقدم تركيا كنموذج للعالم الإسلامي الوسطي

ورغم ذلك نستطيع القول إن تركيا نجحت في انتهاج سياسة وسطية داخل منطقة الشرق الأوسط، حيث استطاعت من جهة الاستفادة من تقارب تركي–إسرائيلي في منتصف التسعينات، وأعلنت سعيها إلى دخول الاتحاد الأوروبي والانضمام إليه، علاوة على أنها حليف قوي للولايات المتحدة بسبب الارتباطات العسكرية منذ حرب الخليج الثانية. وفي الجهة المقابلة، أصبحت لها علاقات بالدول العربية عموماً وبدول الخليج خصوصاً، بصورة منفصلة ومتوازية بين الجهتين، بحيث لا يؤثر أحد تلك المسارات على الأخرى.

لقد ازدادت أهمية تركيا لمنطقة الشرق الأوسط بصورة كبيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حيث توطدت العلاقة الأمريكية-التركية بشكل أوسع، وأرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقدم تركيا كنموذج للعالم الإسلامي الوسطي، لكن قوبلت هذه الخطوة بنوع من الارتياب والخوف العربي والمسلم على ضرورة وأهمية ذلك النموذج ومدى تأثيره في الحضارة العربية والإسلامية من جهة، ومدى إيجابية التقارب الأمريكي-التركي في زمن ما يدعى بـ (الحرب على الإرهاب) من جهة أخرى. لكن تظل نقطة التحول الأخيرة في سياسات تركيا نحو الشرق الأوسط وتأثيرها في علاقاتها مع الدول العربية والخليجية، هي الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003. إذ جاء قرار البرلمان التركي على عكس ما تتمناه الولايات المتحدة الأمريكية، فقد رفض البرلمان التركي فتح جبهة الشمال ضد بغداد من الأراضي التركية.

 ويدرك الجميع اليوم حقيقة مفادها أن تركيا تحتل في الوقت الحاضر موقعاً مؤثراً في العمق الاستراتيجي الخليجي والعربي والشرق أوسطي عموماً. كما أن مواقف تركيا الخاصة بالقضايا العربية والإسلامية دفعت بالدول الخليجية إلى تعزيز وتقوية علاقاتها مع الجانب التركي لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار والأمن للمنطقة من خلال جعل تركيا شريكاً مؤثراً وفعالاً على كل الصعد، خاصة أن التعاون الخليجي-التركي كان منصباً – وبشكل كبير – على الجانب الاقتصادي. ومن هنا تأتي الرغبة في توسيع نطاق هذا التعاون ليشمل جوانب أخرى غير اقتصادية ليصبح تحالفاً وشراكة استراتيجية شاملة تخدم الطرفين على كل المستويات الأمنية والسياسية والثقافية والتنموية.

وجاءت الانطلاقة الأساسية للشراكة الخليجية–التركية عبر توقيع مذكرة التفاهم الخليجية–التركية على هامش اجتماع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي بدورته الـ 108 للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون في سبتمبر 2008. وتشكل هذه الاتفاقية قفزة في شكل وطبيعة العلاقات بين الطرفين، ولا سيما أن الطرفين تجمعهما علاقة صريحة ووثيقة مع الجانب الأمريكي، كما أن هذه الاتفاقية تكمل السعي الدؤوب الذي يقوم به حلف الشمال الأطلسي (NATO) لتحقيق تقارب مع الطرف الخليجي وهو ما عبر عنه في مبادرة اسطنبول للتعاون (ICI).

ويمكن القول إن هذه الاتفاقية أتت لتقر وتعترف بأهمية الدور التركي في المنطقة، ولوضع رؤى وتصورات مشتركة لكافة قضايا المنطقة، سواء الأوضاع العراقية بعد سقوط نظام صدام في عام 2003، أو البرنامج النووي الإيراني، أو الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، أو الحرب على الإرهاب، بصورة تحفظ للطرفين الخليجي والتركي مصالحه الإقليمية والوطنية بعيداً عن أي تأثيرات خارجية.

إن هذا التقارب له الأثر الكبير على المستوى الإقليمي في المنطقة، فالتوجهات والأفكار المشتركة نحو هذا التقارب الاستراتيجي بين الطرفين سوف ترفع من درجة الاستقرار السياسي بين دول المنطقة، ولا سيما أن هذا التقارب سيخفف من أسلوب الاعتماد على الغرب لحل القضايا الساخنة في المنطقة، وإن كان هذا الاعتماد يعتبر أمراً مسلماً به ولا يمكن إلغاؤه بتلك السهولة والسرعة. ولا ريب في أن الجانب الاقتصادي يشكل أحد أهم العوامل الدافعة لتوقيع هذه الاتفاقية، لكن تركيا ودول الخليج أرادا أن تكون الشراكة استراتيجية لتشمل كافة الجوانب، مما يصب بالنفع لدى الطرفين عبر تقوية العلاقة وتعزيز أواصر الثقة من جهة، وعبر تحقيق إقامة توازنات إقليمية فعالة في المنطقة من جهة أخرى.

ولا بد من أن تستغل دول الخليج العربية موقع تركيا ومكانتها الإقليمية وتوظيف السياسات التركية الوسطية بصورة تعود بالنفع على أمن واستقرار المنطقة. كما أن الإقرار الخليجي بقوة تركيا وأهميتها للمنطقة – والتي تم التعبير عنها من خلال اتفاقية التفاهم الاستراتيجي بين الطرفين – سوف يعزز من موقف تركيا الإقليمي والعالمي خاصة عند وضع صيغ وآليات لحل المشكلات العالقة بالمنطقة.

والملاحظ أنه وعند الحديث عن الشراكة الخليجية–التركية، لا يمكن نسيان الأثر المحتمل على شكل وطبيعة العلاقات الخليجية–الإيرانية، حيث إن تقوية الدور الإقليمي لتركيا في المنطقة، لا بد أن يزعج الطرف الإيراني خاصة أن نفوذه بدأ بالاتساع بعد الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003. فإيران لا تريد بطبيعة الحال أن تتم منازعتها في السيطرة على المنطقة، كما أنها لا تود أن تلجأ الدول الخليجية إلى تركيا كحليف وشريك استراتيجي لخدمة قضايا المنطقة، ولا سيما أن الطرفين الخليجي والتركي لهما علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الترحيب الأمريكي والأوروبي بتلك الشراكة الاستراتيجية وهي ما يقلق الجانب الإيراني ويزعجه.

وعلى الرغم من ذلك، فمما لا شك فيه أن هذا التقارب سوف يفتح آفاقاً أوسع في ما يخص علاقة دول الخليج بحلف شمال الأطلسي، حيث إن تركيا تشكل أحد اللاعبين الأساسيين لمبادرة اسطنبول. وبالنسبة لدول الخليج، فإن مبادرة اسطنبول تعد بوابة مهمة للحوار السياسي والتشاور مع دول المتوسط، كما أنها فرصة للاستفادة من الخدمات والأنشطة والآليات التي يقدمها (الناتو)، بالإضافة إلى أنها سبيل لمواجهة التحديات المستقبلية ومصادر تهديد الأمن المختلفة. أما بخصوص تركيا، فتعتبر تلك المبادرة أحد أهم المداخل التي ترتكز عليها في دورها الأمني الجديد في المنطقة في ظل تراجع المد القومي العربي في المنطقة، وفي ظل ضعف النظم السياسية الرئيسية في المنطقة سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو التنموي.

ولذلك، نجد أن دول الخليج العربية، وما يحيط بها اليوم من قضايا أمنية ساخنة بحاجة إلى حليف وشريك ذي نهج معتدل ووسطي يستطيع أن يخلق جواً عاماً يبعث على التفاؤل والحكمة لتهدئة الأوضاع وعدم جر المنطقة لمزيد من الحروب والويلات والخسائر المادية والبشرية. وبذلك، يشكل التقارب والشراكة الخليجية–التركية خطوة ممتازة لها تداعياتها المباشرة وغير المباشرة للدفع باتجاه أمن واستقرار المنطقة بصورة خاصة، والاستمرار في تقوية العلاقات الاقتصادية والتنموية والثقافية وغيرها من المجالات بين الجانبين. 

مقالات لنفس الكاتب