array(1) { [0]=> object(stdClass)#13019 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

تطور الدور التركي

الأربعاء، 01 نيسان/أبريل 2009

يبدو الوضع السياسي والجيواستراتيجي الحالي في المنطقة العربية ملتبساً وغير واضح المعالم إلى حد الغموض، وذلك على الرغم من اعتماد القوى الدولية الكبرى –الأكثر فاعلية وتأثيراً في خريطة التغيير ورسم السياسات وتغيير الموازين وتعديل الخطط والبرامج- خططاً وتوجهات سياسية (تقول إنها جديدة) خاصة بالمنطقة تتعلق بطبيعة مقاربتها للملفات الشائكة في أكثر من موقع هنا وهناك، خصوصاً بعد وصول إدارة سياسية أمريكية جديدة إلى البيت الأبيض، يبدو همّها الأساسي منصباً على مخالفة معظم التوجهات السياسية التي كانت تعتمدها الإدارة الجمهورية السابقة، أكثر من اهتمامها ببناء سياسات واستراتيجيات واضحة ومعروفة.

تركيا تبدو أكثر قدرةً من إيران على لعب دور محوري وأساسي في مجمل السياسات المتعلقة بالمنطقة

في ظل تضارب مصالح معظم دول المنطقة والإقليم وتعارض سياساتها إلى درجة التناقض الجوهري فيما بينها من جهة وبينها وبين القوى الدولية الكبرى من جهة ثانية، تحاول بعض دول منطقتنا –وعلى رأسها تركيا- ذات التأثير والثقل السياسي والتاريخي والديني المحمل بتراث ديني وعلاقات سياسية وثقافية واسعة، التعاطي مع مجمل التعقيدات المهيمنة بهدوء وعقلانية سياسية مشهودة.ويمكن ملاحظتها ومتابعتها خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة فيها.

فهذه الدولة التي تشغل مساحة جغرافية وحيزاًاستراتيجياً نوعياً مهماً ومؤثراً، لا تزال تشهد منذ وصول حزب العدالة والتنمية –ذي التوجه الإسلامي المعتدل- إلى السلطة في 2002 تحولات مفصلية متسارعة على صعيديها الداخلي والخارجي، وتحاول استعادة بعض أو كل مكانتها التاريخية شبه المفقودة والضائعة بين إغراءات الدخول إلى النادي السياسي والاقتصادي الأوروبي والحصول على مقعد فيه، وبين العودة إلى أعماق التاريخ (العصملي) البهي والمتألق الذي كانت لتركيا فيه موقع القلب من الجسد، لتستعيد مكانتها (القديمة-الجديدة) ومقعدها المخصص لها والذي لا نعتقد أنه يمكن لبعض الدول الأخرى (إيران مثلاً) أن تحتله نظراً إلى عمق الثقل الجيواستراتيجي السياسي والثقافي والديني الذي تحوزه تركيا في المنطقة العربية، والذي لن تجد أمام تحققه على الأرض أية عقبات صعبة تذكر. وعلى عكس إيران التي تتوجس منها شراً كثير من الحكومات والشعوب العربية بسبب تدخلاتها المتكررة في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، وأيضاً بسبب من تضخم تطلعاتها المرتكزة على تصدير مبادئ ثورتها الدينية، وربطها المصلحي النفعي بين الدين والسياسة، وطغيان نزعتها القومية وحضورها التاريخي على مجمل سياساتها الخارجية.

لكن تركيا تبدو أكثر قدرةً من إيران على لعب دور محوري وأساسي في مجمل السياسات المتعلقة بالمنطقة، ليس فقط لأنها دولة كبيرة مترامية الأطراف، تمتلك من الثروات والموارد والطاقات والمزايا الأخرى الشيء الكثير، بل لأنها أيضاً على علاقة جيدة وطيبة مع معظم الدول، مما يمكنها من الحديث مع الجميع ومن دون مواربة حول أكثر من ملف معقد وشائك، والتحول إلى مركز تواصل أساسي في السياسة الإقليمية والدولية. خصوصاً بعد أن تبنت تركيا –بقيادتها الجديدة- ثابتة استراتيجية في سياستها الخارجية وهي ضرورة التعدد في العلاقات وعدم حصرها في جانب واحد.  

لقد ارتكزت القيادة التركية الجديدة ممثلة في حزب العدالة والتنمية على قاعدة شعبية عريضة وواسعة للمضي قدماً في تنفيذ سياستها الخارجية (العقلانية والنشطة والمبادرة)، بعد تحقيقها نجاحات اقتصادية داخلية لافتة جعلت من تركيا إحدى أهم دول العالم في رفع مستويات التنمية الداخلية، وتخفيض العجز، وزيادة حجم الميزانية القومية. وهذا ما يمكن ملاحظته ومتابعته من قبل الجميع، وخاصة لمن تتسنى له زيارة تركيا، والقيام بجولات ميدانية في بعض مدنها الصناعية والتجارية المهمة، ليقف عن كثب على مصداقية الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية التركية ونهوض الاقتصاد التركي والتي تقدمها مختلف الأوساط والجمعيات والمنظمات الاقتصادية الدولية بخصوص قوة ومتانة الاقتصاد التركي.

وباعتقادي أنه لو لم تتمكن قيادة أردوغان –القادم من نجاحات قوية وباهرة أثناء توليه عمادة إسطنبول- من بناء الداخل على أسس اقتصادية قوية وصحيحة ومتينة، لبقيت محصلة المعادلة التركية الخارجية –في دورها وتأثيرها وعلاقاتها مع محيطها المجاور- صفراً، كما كانت عليها في السابق عندما كانت تركيا أحد مصادر أو مواقع الإثارة والتوتير والقلق في المنطقة العربية.

لقد أدرك القادة الأتراك الجدد أن الفرصة واللحظة الاستراتيجية القائمة حالياً –والناتجة بالطبع عن أخطاء الآخرين، وفشل سياساتهم الخاصة بالمنطقة، الأمر الذي أوقعها في حالة فراغ استراتيجي- أدركوا أن الفرصة سنحت والوقت حان لإعادة موضعة سياساتهم الخارجية، واستغلال اللحظة الحرجة (لحظة الفراغ والالتباس التاريخي) التي قد لا تتوفر لهم مرة أخرى، فانطلقوا في تقديم سياسات جديدة بديلة عن السياسات القديمة، تتداخل فيها عوامل جذب واستقطاب جديدة ما كان من الممكن تصورها سابقاً.

تركيا إحدى أهم دول العالم في رفع مستويات التنمية الداخلية وتخفيض العجز وزيادة حجم الميزانية

وكانت بؤرة أوقاعدة هذا التصور الجديد تقوم على أن تركيا دولة محورية وأساسية في الشرق ليس فقط لنفسها ولجوارها وامتدادها الجغرافي الشرقي والجنوبي، وإنما هي كذلك للأوروبيين أيضاً الباحثين دوماً عن استقرار المنطقة (جوارهم الجنوبي والجنوبي الشرقي)، ومحاولة نقلها من مستوى وفضاء لآخر، والذين كان عليهم أن يدركوا أنه لا بد أن تمر سياساتهم في المنطقة العربية –المثقلة بالهموم والجراح والتحديات والأزمات- عبر الأتراك قبل غيرهم، لأنهم مهيئون تاريخياً وحضارياً وجاهزون دينياً وجغرافياً للتحدث بعمق وصراحة مع كل دول الإقليم، وحول كل قضايا وشؤون وشجون المنطقة والإقليم، بما فيها إسرائيل.

ولهذا رأينا تركيا تدخل في مفاوضات وسيطية بين كل من سوريا وإسرائيل، وتحاول التوسط بين كل من إيران وأمريكا، وتعمل على وقف غزو إسرائيل لقطاع غزة، مع تحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن ذلك العدوان.

إن التصور السياسي التركي الجديد للمنطقة يحاول مقاربة الأمور من زاوية الضرورة الحيوية لتحقق السلام في المنطقة، والتفرغ لبناء أسس ومقومات الحكم الصالح في داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تشهد وعياً متزايداً بأهمية الترابط بين الأمان والسلام الداخلي والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقناعة الأتراك بهذه المقاربة صائبة وحقيقية، وليست ناتجة عن أية مراوغة تكتيكية، باعتبار أن تركيا نفسها ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه (من نمو اقتصادي وسياسي) لولا إدراك قادتها الجدد لأهمية البعد المؤسسي للدولة المرتكز على قاعدة ديمقراطية واسعة مدعومة من الشعب الذي تزداد عملية انخراطه بممارسة السياسة والسلطة بمقدار ما تزداد عوامل الجذب والإغراء الاقتصادي والحريات العامة التي توفرها الدولة له.

إننا نعتقد أن لتركيا موقعها السياسي ودورها النوعي المؤثر في معظم القضايا والتحديات التي تلف منطقتنا العربية والإسلامية، والواضح أمامنا أن تركيا لم تحصل على هذا الدور من أحد، ولم يمن عليها أحد به، بل رسمت له وخططت للحصول عليه بوعي منها ومن تلقاء نفسها، نتيجة لعقلانية سياستها الخارجية وسرعة تحركها وروح المبادرة الفعالة التي تمتلكها.

وأثبتت الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية أن تركيا لاعب محوري وأساسي في معظم المعادلات السياسية القديمة والجديدة للمنطقة، مما يحتم ويجبر الدول والقوى الكبرى على الحديث وفتح القنوات السياسية وغير السياسية بالكامل معها وباستمرار.

وهذا ما يجب على العرب أن يتنبهوا إليه بعد أن غابوا وغيّبوا أنفسهم طويلاً عن بناء علاقات طيبة ومتينة مع الأتراك،على الرغم من أن ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم.

 

مجلة آراء حول الخليج